الأربعاء, مايو 8, 2024
مضادات الذهان

بداية وسرعة تأثير مضادات الذهان

إن مدى سرعة مفعول مضاد الذهان له اهميه بالغه لدي الطبيب المعالج حيث انه يحدد المده التى يجب على الطبيب أن ينتظرها قبل إحداث أى تغيير فى العلاج. والسؤال عن سرعة بداية مفعول مضاد الذهان غير واضح حيث ان الملاحظات الاوليه لمفعول مضاد الذهان في الخمسينات 1950 تري انه سريع المفعول (ايام) وبمرور الوقت اصبح من المقبول ان بدايه مفعول مضاد الذهان متاخر – فأصبح التعليم المعيارى أو المقياسى أن بداية عمل مضادات الذهان قد تظهر خلال أى وقت فى الفترة من 2 إلى 3 أسابيع. وهذا الأمر يتضمن شيئين رئيسين:

  • أنها تقترح لـ واضعى المخططات العلاجي أن الطبيب لابد أن ينتظر لفترة طويلة (4-6 أسابيع) قبل إتخاذ قرار بعمل أى تغيير فى العلاج.
  • وكذلك لهؤلاء الذين يحاولون فهم عمل أو تأثير مضادات الذهان, فإنها تقترح أن التغييرات المبكرة كانت غير محددة وربما تكون غير مناسبة

وعلي مدار الاعوام القليله الماضيه اصبح هذا المبدا (تاخر بدايه المفعول) محل سؤال وتم العمل على تجهيز الدلائل الاختيارية . فقد بدأ (أجد ومعاونوه aged et al ) فى عمل دراسة تحليلية نظامية systematic meta-analysis والتى ضمت مايقرب من 7.500 مريض بالفصام, تم تجميعهم من حوالى 100 دراسة, والذين تم معهم إستعمال مضادات الذهان التقليدية (هالوبيريدول, كلوربرومازين) وغير التقليدية (ريسبيردون, اولانزابين), وبرهنوا بوضوح أن:

  • يوجد بداية واضحة وجلية لتأثير مضادات الذهان خلال الأسبوع الأول ومايقرب من 22% من التحسن أو الإستجابة فى الأسبوع الثانى و 9% فقط فى الإسبوع الثالث والرابع.
  • أن هذا التحسن المبكر واضح بغض النظر عن مقياس أو معيار المتابعة أو القياس أو الصفات المميزة  لمضاد الذهان المستعمل أو للمريض.
  • أن هذا التأثير اقوى بشكل واضح من تأثير البلاسيبو حتى فى بدايات الأسبوع الأول
  • كما أنه يوجد تاثير متخصص او محدد علي الاعراض الذهانيه خلال الاسبوع الاول وليس فقط التاثير الغير متخصص علي التهيج و العدوانيه

وهذه البيانات ترفض نظرية تاخر بداية مفعول الدواء التي دامت طويلا وهي علي العكس تبين ان مضادات الذهان لها مفعول سريع ومحدد او متخصص
وهذا التاثير اصبح الان مؤكدا في عدد من الدراسات المنشورة.

  • اولا: اصبح واضحا ان المفعول المبكر يمكن ان يلاحظ حتي مع المثبطات المتخصصه لـspecific blockers D2/D3 (مثل نقص أو عدم وجود التأثير كمهدئ) كما فى اميسولبرايد.
  • ثانيا: أن التأثير ليس مقتصرا على الادوية الأربعة التى تم  اختبارها في تحليل meta-analysis الاصلي فهناك تقرير نتائج مشابهة مع زيبراسيدون وكوتيابين ويحتمل ان يكون صحيحا مع كل مضادات الذهان بشرط أن يكون من الممكن زيادة جرعتهم تدريجيا إلى الجرعة المؤثرة بشكل سريع.   
  • ثالثا: أظهرت دراسات الأشعة المسحية  أن الإغلاق او المنع المبكر لـمستقبلات  D2 (early D2 Blockade ) هو مؤشر لتأثير مضاد الذهان – ولهذا فإنه من المقترح أن تكون الإستجابة المبكرة أو التأثير العلاجى المبكر لمضاد الذهان مرتبطة بشكل مباشر بإغلاق أو منع D2 blockade .
  • وأخيرا, وربما يكون الأكثر أهمية من الناحية العلاجية, فإن الدراسات الحديثة أظهرت أن المريض إذا لم تظهر عليه نسبة معينة من الإستجابة العلاجية للدواء (يعتقد حاليا أن تكون حوالى 20% فى أول اسبوعين من العلاج) فإنه على الأصح لديه فرصة ضعيفة للإستجابة أو التحسن على هذا الدواء وهذه الجرعة فى المستقبل ولذلك فإنه من المهم ملاحظة ذلك والأخذ فى الإعتبار أنه عند عدم ظهور أى نتائج أو علامات تحسن فى الإسبوع الأول والثانى من استعمال مضادات الذهان فإنه من الأرجح أن المريض لن يستفيد من هذا العلاج وعلى الطبيب تبديله.

وهذه النتائج الجديدة أثارت اثنين من الأسئلة المشوقة: كيف اختفت هذه الملاحظة الإكلينيكية البسيطة طوال هذا الوقت؟ وما هو المضمون الإكلينيكى أو العلاجى لها؟
إن السبب الرئيسى الذى يفسر لماذا كان “المفعول المبكر ” غامضا أو غير ظاهرا هو أن مجال الطب النفسى كان مدفوعا بنظرية “المفعول المتأخر ” ولم يكن هناك مجموعة تتحرى أو تبحث بشكل نظامى عن المفعول المبكر لمضادات الذهان حتى تمت هذه الدراسة لـ (أجد ومعاونيه Agid et al ). والعامل الأخر المناسب أو وثيق الصلة بالموضوع هو أنه بينما كانت الدراسات الإكلينيكة المراقبة أو المنضبطة تقوم بقياس ومتابعة التغيرات باستخدام مقاييس تقييم حساسة (مثل PANSS ) كانت أكثر العلاجات الإكلينية أو الطبية تستعمل الملاحظات الاكلينية أو الطبية البسيطة (كما هو واضح فى مقياس CGI ). لقد أصبح مفهوما او معروفا الآن أن المريض يظهر عليه تغيرا بمقدار 15-20 نقطة فى مقياس PANSS قبل أن يستطيع الطبيب متوسط المستوى  أن يدرك أقل مظاهر التحسن بانطباعته الشخصية. ولذلك نستطيع أن ندرك السبب فى الإدراك المتأخر للتحسن, فبالرغم من أن بداية التحسن تكون إلى حد ما مبكرة إلا أنها لاتصل إلى بداية التغير بنسبة 15-20% حتى نهاية الأسبوع الثانى فى المتوسط, وهذا يعطى انطباع بتأخر بداية المفعول.
وهذه النتائج لها ثلاث متضمنات اكلينيكيه هامه

  • اولا : أنها تؤكد الدور الحيوى للأيام القليلة بعد البدء فى استخدام مضادات الذهان. فإن أول إسبوعين من استخدام مضاد ذهان جديد أو جرعة جديدة ليست فترات سكون لكن المرجح أنها فترة الحد الأقصى من التغير, ويجب أن يتم نقل أو إبلاغ هذه المعلومات للمريض كما أن هذه النتائج تؤكد أن الطبيب المعالج يحتاج إلى أن يكون يقظا خصوصا لهذه التغيرات التى تحدث مبكرا.
  • ثانيا: هذه النتائج توضح وتبين أهمية استعمال مقاييس محددة فى الممارسة الإكلينيكية أو الطبية اليومية.
  • وأخيرا:  فإن هذه النتائج تجعلنا نعيد مرة أخرى سؤالا هاما: ما المدة التى يجب على الطبيب أن ينتظرها إذا لم يظهر تأثير الدواء. هل يجب على الطبيب تغيير الدواء بعد 2 أو 4 أو 6 أسابيع؟ فبينما تنصح أو تقترح معظم المخططات العلاجية بالإنتظار لمدة من 4 إلى 6 أسابيع على العلاج أو الجرعة المستخدمة, فسنجد فكرة أو نظرية المفعول المبكر بما يدعمها من دلائل تجريبة وضرورة إكلينيكة أو طبية تقترح أنه من المناسب تغيير الدواء فى وقت أسرع, بعد اسبوعين مثلا (وهذا هو رأيى الشخصى), فى المرضى الذى لم تظهر عليهم أى علامات تحسن مبكرة على الإطلاق رغم إستخدام توليفة من الدواء والجرعة وخاصة عند توافر البدائل المناسبة.

ولذلك فإننا فى حاجة ملحة إى الدراسات الإكلينيكة المراقبة أو المنضبطة  Controlled clinical studies التى تقارن الخطط العلاجية القائمة على المفعول المبكر (بمعنى: استعمال نقطة أو علامة cut-off مبكرة لإتخاذ قرار تغيير الدواء) فى مقابلة خطط علاجية أكثر محافظة (تنتظر من 4 إلى 6 أسابيع), وإلى حين وجود هذه الدراسات, فإن الأطباء يجب أن يتخذوا قرارتهم بالإعتماد على الدلائل المذكورة سابقا وعلى حكمهم وتقييمهم الطبى لكل حالة على حدة.