الخميس, مايو 9, 2024
الإضطرابات الإنشقاقية والتحولية

ماذا تعرف عن الهيستريا?

ماذا تعرف عن الإضطرابات الإنشقاقية والتحولية

تتصف الهيستيريا بوجود أعراض نفسية وأعراض شبه عضوية تظهر على مستوى لاوعى المريض بحيث:

  • يجني من ذلك بعض الفوائد وإما أن تكون خيالية أو حقيقية.
  • أو يستطيع من خلالها الهروب من بعض الصعوبات .

وعلى ذلك فالأعراض المصاحبة لحالات الهيستريا تكون ناتجة عن الشخص نفسه غير واعيًا لفعل تلك الأشياء.. ويفرقه ذلك عن المخادع والمتمارض ومدعي المرض والذي يكون كامل الوعى عن كل ما يفعله.

ويمكن القول بأن الشخص المصاب بالهيستيريا يخدع نفسه أما الشخص المخادع يخدع الآخرين.

يمكن التفريق بينهما في الحياة العملية فالكاذب لا يستطيع استكمال الكذب والتمثيل تحت تكرار الاستجواب، الفحص، الملاحظات السرية للمريض.

الشخصية الهيسترية

إن كلمة هيستيريا كلمة شائعة جدًا ولكن تم استعمالها في غير محلها، فهناك من يستعملها للدلالة على المبالغة كمن يقول بكاء هيستيري أى شديد لا يتوقف، أو ضحك هيستيري أى كثير وبصوت عال وبلا حدود الأدب.

ونحن كأطباء يصيبنا الوجل الشديد عندما نرى مريضة تعاني من أعراض هيستيرية لأنها أحيانًا تتحسن سريعًا  ربما في لحظات بكلمة من الطبيب أو المعالج الروحاني، وأحيان أخرى لا تستجيب مطلقًا وتصيبنا بالإحباط لأن الأسباب والأهداف الخفية التي تسببت في ظهور الأعراض مازالت لم يتم تحقيقها.. كالمريضة التي أصابها الدوار والرعشة في أول يوم في امتحانات الثانوية العامة ولم تستطع أبدًا الإمساك بالقلم، ربما يستمر العرض حتى نهاية الامتحانات..

وكالطفل الذي يصيبه القئ والصداع والمغص عند ميعاد أتوبيس المدرسة وعندما يذهب الأتوبيس يختفي القئ والصداع والمغص.

وكالعامل الذي كلما أمره رئيس الوردية بالعمل أمام الماكينة يغمى عليه على حافة الماكينة فيصيب رئيسه الرعب خوفًا عليه من أن تفرمه الماكينة سوف يفيق بمجرد إبعاده والسماح له بالجلوس في مخزن بكرات الخيط، هنا ربما نذهب به للطبيب لعلاج الإغماء وربما يذهب به أصحابه للمعالج الروحاني لأن الطبيب قال أنه لا يعاني من أى مرض.. وربما لا يذهب به أصحابه أو زوجته إلى أى مكان وتركه وتجاهله لتكرار تلك الأعراض.

وكالبنت التي تم عقد قرانها وهى ترفض هذا الزوج وعندما تم تحديد موعد الزفاف انقطع كلامها مطلقًا وتتعامل مع أهلها بالإشارة وطالما أنها مازالت متزوجة طالما بقيت الأعراض ولن تتكلم مطلقًا خصوصًا إن علمنا أن الهدف الخفي والحقيقي وراء الأعراض هو عدم الكلام مع الزوج الذي ترفضه، وهى في الحقيقة تطلب منه ومن أهلها أن يطلقوها منه ولكن بلغة غير لفظية.

الشخصية الهستيرية

نرجع مرة أخرى إلى تعريف الشخصية الهيستيرية ونصفها بأنها هى الشخصية غير المستقرة على حال معين، لديها سلوك فيه مبالغة في المواقف الاجتماعية وإغراء واضح واعتماد على الآخرين غير ناضج وغير عقلاني.

تناقض بين أقوال صاحب أو صاحبة الشخصية بين ما يقوله وما يريده وما يشعر به وبين سلوكه الفعلي أى أعراض الهيستيريا.

على الطبيب النفسي أو المعالج الروحاني أو الأهل والأصدقاء أيضًا أن يعرفوا مريضهم أو مريضتهم جيدًا وتفاصيل حياتها وشكواها بشكل عام وكلي ولا يهتم فقط بعرض واحد ويفرح بزوال ذلك العرض لأنه على الأغلب سوف يعود نفس العرض مرة أخرى أو يأتي عرض آخر يحل محله ويقوم بنفس وظيفة العرض الأول.. فالمريضة التي ذهب بها زوجها للطبيب لأنها فقدت القدرة على الإبصار بعد أن أهانتها حماتها وذهبت للطبيب أو الشيخ فقام بلسعها بتيار كهربي خفيف فعاد إليها الإبصار ثم تجلس عند أمها فترة وعندما تعود لبيتها وتلومها سلفتها على صوتها العالي وعلى انعزالها عن طبلية الأكل الجماعي، وتؤكد لها أنها هى الغلطانة مش حماتها فتفقد القدرة على الكلام أو تقع مغمى عليها وتذهب للطبيب مرة أخرى فيضع في أنفها قطنة مبللة لمادة الإيثير فتصرخ ويعود إليها الكلام، من المؤكد أنها عند المشكلة التالية سوف تكرر نفس الأعراض أو تخترع عرض جديد.

عاوزة انتحر، عاوزة أخلص من حياتي (لكن أمام الناس حتى يقوموا بإنقاذها ثم تجبرهم على فعل ما تريد) – من يريد الانتحار فعليًا لن يظهر ذلك إلا بعد موته وتمام محاولة الانتحار.. عاوزة ادخل الامتحان علشان اشتغل وأتزوج (لكن رعشة يدي تجعلني لا أستطيع الكتابة أو عيني مش شايفة بيها أو لساني معقود مقدرش أتكلم في الامتحان الشفوي).

أنا بحب زوجي وعاوزة اسعده لكن الألم الشديد يجعلني أرفض الجماع معه والدوخة والإغماء مخليني أقعد عند أهلي مجيش البيت).

عاوزة اصلي وأقرأ القرآن وأقول الأذكار (لكن الجن مانعني من الصلاة يبعدني عنها ولما أقرأ قرآن صدري يضيق وأصرخ ولما أسمع الآذان أجري واضرب الناس اللي حواليا، وطبعًا محدش يقدر يتكلم، الجن المزعوم عمل فيا كذا وكذا وكذا).

عاوزة أغسل المواعين والصحون لأمي واساعدها في المطبخ (لكن التشنجات في يدي ورجلي تمنعني).

وبسبب وصفنا للشخصية الهيستيرية بالمبالغة والتناقض يميل من يتعامل مع تلك الشخصية بالإعتقاد بأن صاحبها يقوم بالتمثيل وافتعال الأعراض والانفعالات أيًا كان نوعها، فيبالغ في إظهار الحب أو الحزن أو التقدير أو الامتنان أو التعاسة لدرجة يظن فيها المعالج والمحيطين بأنها مشاعر وانفعالات كاذبة ولذلك لابد من التأكيد على أن الأعراض الهيستيرية تمثل أهداف وأعراض لا يدري المريض نفسه بها، ولكن لديه احساس دفين بذلك أى لديه شعور جزئي بالعرض ويعرف الأسباب ولكنها هى المخرج الوحيد أمامه.. من هنا نعود ونشير أن الأعراض الهيستيرية لها أهداف..

مدى وجود الهيستيريا في المجتمع

سن حدوثها

غالبًا ما يكثر حدوث مثل تلك الأعراض الهيستيرية في السن الصغيرة لتزيد فترة حدوثها ما بين 15 – 20 عام مع إمكانية حدوثها في سن صغيرة تصل إلى 3 سنوات، ولكن نادرًا ما تحدث مثل تلك الأعراض بعد 45 عام وذلك لأنه مع الوقت تصبح الشخصية مكتملة النضوج إلى حد ما.

مدي إرتباطها بنوع الجنس

تكثر مثل هذه التفاعلات الهستيرية في النساء عنها في الرجال لكونهن أكثر احساسًا وشاعرية ورقة وضعف.

مدي إرتباطها بالتعليم

تكثر مثل هذه الأفعال في غير المتعلمين فأثناء الحروب تزيد نسبة الإصابة بالأفعال الهسيتيرية ما بين الجنود بينما يصاب الضباط بالقلق.

وتكثر المعتقدات بين الطبقات الفقيرة التي تفتقر إلى التعليم لتعلق مثل هذه الأعراض الهيستيرية على أنها مس من الشيطان أو الروح الشريرة أو تلبس الجن الصغير قليل الخبرة ولا يستطيع الخروج أو الجن المارد المتكبر والذي يرفض الخروج أو بسبب الإصابة بالسحر أو الحسد أو العين أو بسبب القرين الشرير وعادةً ما يذهبون إلى المعالج الروحي الذي يستخدم طرق مختلفة على حسب كل بلد وبيئة وطريقة وشخص لعلاج تلك الأعراض.

أسباب حدوث الهيستيريا

1-العامل الوراثي

والتي تقل أهميته في حدوث الهيستيريا عنه في حدوث أمراض القلق وغالبًا ما تلعب دور صغير “مهمش” في مسببات المرض.

2. الشخصية قبل المرض

وعادةً ما تظهر مثل تلك الاضطرابات نتيجة تربية خاطئة وبيئة تعززها وتقبل بوجودها وتعتبرها طريقة للهروب من احباطات وضغوط ومستحيلات الحياة أكثر منها لعوامل وراثية ولذلك فليس من المستحيل أن تجد امرأة وطفلها يعانيان من الهيستيريا.

وتغلب على مثل تلك الاضطرابات صفتين:

رد الفعل المبالغ فيه لمواقف كثيرة ويحدث رد الفعل كنتيجة للقابلية العالية للإيحاء لدى هؤلاء الأشخاص   ولذلك فعندما يوضع المريض في منافسة مع الآخرين تظهر عليه أعراض الهيستيريا مثل : القئ المستمر، الشلل النصفي الهيستيري (الهيستيريا التحولية، أى تحويل العرض النفسي والضغوط الحياتية إلى أعراض عضوية ظاهرة).

مقدرة الخداع النفسي والذي ينتج عنه ما هو معروف بالإنشقاق.. ودائمًا ما يملك الشخص المصاب بالهيستيريا الميول الخاصة (الفريدة) لإجتياز ذلك الإنشقاق العقلي (الهيستيريا الانشقاقية).

3-العوامل المكتسبة والتي تنقسم إلى:

أ. العوامل الجسدية  .

ب. العوامل النفسية الاجتماعية .

4. العوامل الأسرية وتربية الطفل:

والتي يظهر من خلالها تأثير الأم المصابة بالهيستيريا على طفلها والذي غالبًا ما يظهر وكأنه عامل وراثي بين الأم وطفلها وهو ليس كذلك وفي الحقيقة تقوم الأم بإرضاع طفلها وفي الغالب طفلتها هذا السلوك الهروبي الذي يسهل الحصول على مكاسب بسيطة تريح قلبها وترضي الآخرين عنها وتهرب من مسئوليات أكثر من قدرتها.

5.العوامل المرسبة:

وتتضمن كل أشكال التعبير عن المشاعر وكل التوابع السيئة والتي لا يستطيع المريض مواجهتها ولذلك فهو يهرب من تلك المواقف عن طريق (أعراض الهيستيريا).

ومن الممكن أن يظهر العامل المسئول عن تلك الأفعال الهيستيرية أثناء دراسة مثل تلك الحالات ولكن في بعض الحالات يحتاج الأمر إلى تحليل نفسي لمعرفة العامل المسئول عن تلك الأفعال الهيستيرية.

هناك العديد من الأمثلة:

  • الجندي الذي يشعر بحمى وطيس المعركة فيهرب من ذلك الموقف بشلل هيستيري (عجز) في يده اليمنى والتي تمثل سبب وجوده في المعركة وبما أنه غير قادر “ظاهريًا فقط” أمام رؤسائه باستعمال تلك اليد لضرب النار فلابد من إعفاؤه وإبعاده عن ساحة المعركة “وهو الهدف الحقيقي من هذا العرض الهيستيري ولكن بصورة لاواعية”.

  • الطفلة التي تعاني من اضطهاد زوجة أبيها في أعمال المنزل فغالبًا ما تعاني من صداع مستمر، قئ مستمر، شلل أو ضعف أو تخديل أو تخدير أو تنميل أو حرقان في أحد ذراعيها أو قدميها لا يمكنها العمل في وجوده للهروب من تلك الأعمال.

  • الطفل الذي يشعر بالإهمال من قبل والديه حين قدوم مولود جديد فغالبًا ما يتبول لاإراديًا ليلاً لجذب الإهتمام إليه مرة أخرى.

 

أهداف الأعراض الهيستيرية

يلاحظ أن هذه الأهداف كثيرًا ما ينكرها المريض أو تنكرها المريضة ولكنها تعرف احيانًا في قرارة نفسها أن هناك صلة ولو بسيطة بين حالتها والأسباب الكامنة في نفسها، ومن هذه الأهداف:

1.الهروب وتجنب أى موقف من شأنه أن يحط من قدر المريضة أو يحقر من شأنها أو يصغرها أمام الناس أو يكشف كذبها أو تقصيرها.. مثل حالات الدوخة والصداع والرعشة والاستفراغ.. الدوخة التي تأتي كعرض هيسيتيري أثناء الامتحانات بعد أن اكتشف أنه لم يذاكر والامتحان صعب وشكله مش ولابد أمام أهله فتقوم الدوخة بحل المشكلة.. إما أن يعذروه على النتيجة الفاشلة أو يقولوا له قوم يا عم بلاش مذاكرة وعليك تأجيل الامتحان وخيرها في غيرها.. أو يقول أهله ده محسود أو صابته عين من جماله وحلاوته وشطارته؟؟

ومثل حالات المغص والاستفراغ التي تصيب الطفل أو الطفلة في الصباح قبل الذهاب للمدرسة (لأنه لم يذاكر أو يحفظ دروسه، أو يكتب الواجب أو كاره مادة معينة أو مدرس معين أو كاره الذهاب للمدرسة أو عندهم مناسبة.. وبمجرد قرار الأب أو الأم إلغاء الذهاب للمدرسة تختفي الأعراض).

ومثل حالات الصداع والرعشة التي تصيب البنت ليلة زفافها قبل الدخول بها (لأنها خائفة من الجماع أو من الألم المتوقع، أو لأنها ليست بكرًا وتخاف من الفضيحة، أو أنها تكره زوجها وتريد الطلاق أو أنه حاول معها قبل ذلك وهو ضعيف أو عنين أو سريع القذف، أو أنها تحب رجلاً غيره ووعدته بعدم فعل ذلك والتفكير في الحبيب والخطيب السابق.

ومثل حالات الإغماء التي تصيب الزوجة التي قضت نهارها نائمة أو تكلم صويحباتها في التليفون لو خرجت تتنزه أو تتسوق ولم تنظف بيتها أو تطبخ أكلها أو تغير ملابس أطفالها، أو وجد زوجها عندها رجلاً غريب في البيت فينشغل الناس والزوج بالإغماء وإحضار الطبيب أو الذهاب للمستشفى أو تكسير فحل بصل أو نشادر وتهرب الزوجة من المسئولية أو تأجيل مناقشتها.. وعندما تمر كل هذه المواقف على خير وسلام تحتفي الأعراض وترجع المياه لمجاريها وإن عادت المشاكل عادت الأعراض.

2.الانتقام وعقاب من يضايقها ومن تعتقد أنهم سبب علتها وكل من لا تحبهم أو من هم ليسوا على هواها.. كعقاب الزوجة زوجها بحرمانه من جماعها أو بسبب الأعراض التي تشتكي منها، أو الانتقام من أهلها بجعلهم يذهبوا بها للمستشفيات والأطباء والتحاليل والأشعات مرات ومرات لأنهم منعوها من الخروج أو من الذهاب لصديقة أو من تحديد ساعات معينة للرجوع للبيت أو من إحضار أصحابها إلى المنزل وفي كثير من الأحيان يتوقع الأهل هذه الأعراض كلما حدثت مشكلة أو مشادة معها.

3.الحصول على العطف والتقدير والإهتمام والرحمة والتبرير والشفقة باختراع أو تقمص أو تأليف أعراض تجعل الناس يهتمون بها ويقدرونها ويقبلون تبريراتها ويرفعون عنها التعاسة والبؤس الذي تتوهم أنها تعيش فيه.

4.الاستحواذ المطلق على الحب والإهتمام والتقدير وإبداء الغضب و الغيرة لو تم تقديمها للغير.. فلا مانع من شتيمة الزوج أو الخطيب لو إهتم بامرأة أخرى حتى لو كانت أخته أو أمه، ولا مانع من ضرب زميلة أو جارة أو شتمها لأنها إهتمت بزميلة أخرى أو جارة أخرى، ولا مانع من خصام الزوج ومنعه من الجماع وعدم الأكل معه أو حتى النوم معه في فراش واحد لأنه أحضر خبز لأولاد أخيه الأيتام ، أو مر على أمه قبلها في الدور الأسفل.. وهنا تجد مريضتنا دائمة الإلحاح في تنفيذ ما تريد من إهتمام ولفت انتباه الآخرين واختراع كل الحيل في سبيل ذلك.

5.تمكين الإنسان أو الإنسانة المضطهدة (من حماتها أو زوجها أو أخت زوجها أو سلايفها أو أبوها أو أخوها أو رئيسها في العمل) من التعبير عن رأيها وإبداء احتجاجها والتنفيس عن رغباتها المكبوتة حيث تنشق شخصيتها: الشخصية الأولى الغلبانة المسكينة وتظهر شخصية أخرى تصرخ وتضرب وتشتم وتلطش وتقول بكل صراحة أنتم… وأنتم… يا ولاد الكلب، يا زبالة، أنا هموتكم ومفيش مانع تعض وتخربش وبعد شوية تقع على الأرض وتفيق… إيه اللي حصل يقولوا لها عملت كذا وكذا .. تحلف وتقول أنا مش عارفة بعمل كده ليه (أى أنها تعلم بما تفعل وتدعي أنها لا تدري لماذا تفعل ذلك) وهذه تحدث في حالات الهيستيريا التحولية، أو تحلف وتقول أبدًا محصلش، مثال على ذلك: تجد كثيرًا من البنات عندهن شكوى من وجود خرابيش أو كدمات زرقاء على الجلد في أنحاء مختلفة من الجسم.. فلو كانت مريضتنا تعاني من الهيستيريا التحولية سوف تقول خربشت نفسي وضربت نفسي مش عارفة ليه، أما لو كانت تعاني من الهيستيريا الانشقاقية فسوف تفعل ذلك عندما تنشق شخصيتها إلى اثنين.. واحدة قامت بالخربشة وضرب أجزاء مختلفة من الجسم، والثانية وهى الشخصية الحقيقية لا تدري ماذا حدث..

 ولذلك فإنه مهما حاولت مريضة الهيستيريا التودد والتقرب من طبيبها أو معالجها إلا أن الشك القائم في أنها تقوم بدور تمثيلي لأهداف تبدو خفية يثير الريبة والضجر والزهق.. بعد أن كانوا يسبغون عليها العطف والشفقة وذلك لتكرار أعراضها ووقف حال من حولها بطريقة غبية..

مرة لا تتكلم.. خرساء، احتباس الصوت.

ومرة ذاهلة.. لا ترد.. تائهة.

ومرة ناسية كل شئ.. تنسى من هى، عنوانها، زوجها، اولادها، أو تنسى حادثة معينة.. يوم معين.

ومرة تجد نفسها في مكان بعيد.. بلدة أخرى، حى آخر لا تعرف كيف وصلت إليه. (هى تقول ذلك).

ومرة لا تسمع.. صماء.

ومرة لا ترى.. عمياء.

ومرة تشنج أو رعشة أو تخشيبة.

ومرة لا تمشي.. مشلولة القدمين.

ومرة تصرخ أو تشد في شعرها.

ومرة صعوبة البلع ، احتباس البول.

ومرة تشتم وتضرب.

ومرة تمشي وهى نائمة وتقول كلام وتشتم وتذهب لأماكن بعيدة وتفعل أفعال كثيرة وتفيق وتقول أنا لا أشعر بما قلت أو فعلت.. إيه اللي عمل فيا كده.

ومرة تخربش وجهها وجسمها.

ومرة تقع على الأرض وربما تجرح نفسها.

ومرة تقول بتخنق لما أسمع القرآن أو الآذان أو أصلي.

ومرة تجري في الشارع أو تظهر أمام الناس بقميص نوم أو جلابية منكوشة الشعر.. حافية القدمين.. أو تجري بين السيارات.

ومرة تمسك سكينة وتقول هموت نفسي وأحيانًا تضع السكينة على رقبتها.. وأحيانًا تقف على حافة سطح منزل أو شرفة أو سلم وتقول (هرمي نفسي.. هنتحر).

وأحيانًا تحضر سم الفأر أو أى سم وتنام وتضعه بجوارها وتقول قبل النوم أنا بلعت السم وهموت (مع أنها لو تود الموت فعلاً لكانت اختارت كمية كبيرة ولم تخبر أحدًا.. وطرق الموت كثيرة وسهلة).

ومرة تقوم بتكسير أى شئ أمامها.. أكواب، أطباق، أجهزة، و تقول أنا مش عارفة بعمل كده ليه (هيستيريا تحولية). أوتقول محصلش (هيستيريا انشقاقية).

ومرة ترمي نفسها على الأرض وتتمرغ فيها.

ومرة تشكو من التنميل أو التخديل.

ومرة الصداع سوف يفجر رأسي في وقت أزمة أو زعل أو مشكلة أو بدون سبب ظاهر.

ومرة لحوحة تبحث عن الإهتمام ولفت الانتباه.

ومرة تهدد بالهروب من البيت.

ومرة تقول ده دكتور ممتاز وهكمل معاه وبعد لحظات ده مش دكتور ده جزار.. قاسي معندوش إحساس ولا قلب.

ومرة شايفة دوائر سوداء أو صليب على الحائط، وإنسان يده يد غول وعندي خرابيش في جسمي وبقع زرقاء على فخذي.

ومرة تهتز.. كتف أو ذراع أو يد.. جانب واحد أو جانبين، أو هز الرأس أو الرجلين أو الجسم كله.. أو النصف السفلي أو العلوي.

مرة أحس حاجة بتمشي في جسمي، في ذراعي، في رجلي، في بطني.

ومرة فقدان حاسة اللمس.

ومرة فقدان حاسة الألم.. عدم الشعور بالضرب، أو دخول الإبر في الجسد، أو اللسع بالنار أو الكهرباء.

ومرة نطر الجسم للخلف أو الأمام أو الرأس أو اليد أو الذراع أو القدم أو الرجل.

مرة تنميل اللسان والشفايف، جنبي اليمين، جنبي الشمال، النصف الأعلى من الجسم، النصف الأسفل، أطراف اليد، أطراف القدم.

مرة الصداع المتنقل، الألم المتنقل.

مرة آلام أثناء الجماع وترفض الجماع ومقدماته خصوصًا أثناء الزعل والمشاكل الزوجية.

ومرة أحلام وكوابيس أشكال وألوان وفظائع وأهوال.

ومرة الكحة الشديدة أو المستمرة أو الغريبة.

مرة القئ، الإسهال، الغثيان، الانتفاخ.

ومرة ألم لا يقبل أقوى المسكنات.

مرة مفيش اتزان، دوخة، زغللة.

كل ذلك بشرط أن تكون هذه الشكاوي جسدية وعديدة.

تبدو في الأغلب قبل سن 30 سنة وتدفع إلى التماس العلاج عند الطبيب أو الشيخ أو المعالج الشعبي.

يتبع هذه الأعراض اضطراب في الأداء الاجتماعي (مشاكل مع الأهل أو الزوج أو الحماة أو السلايف أو الجيران).

لابد للتأكد من عمل كشف طبي وعصبي وأشعات وتحاليل.

يجب علاج هذه الحالات بواسطة طبيب واحد لأن الذهاب لكثير من الأطباء أو المعالجين يؤدي إلى ظهور أعراض جديدة وفحوصات غير ضرورية.

وإذا كنا نحن كأطباء أيًا كان التخصص الذي نعمل فيه نعتمد تمامًا على صدق المريض في شكواه ومعاناته.. فمن اشتكى من الصداع أو المغص أو ألم العظام أو الدوخة أو جفاف الحلق أو عدم النوم لابد أن تكون وصفة وعلاج الطبيب موافقة لهذه الشكوى فما بالك بمريض أو مريضة غير أمينة في وصف شكواها وغير صادقة في مغزى رغبتها من تلك الشكاوى مما يربك الطبيب ويثير غضبه لأنه لا يدري أين يبدأ وأين ينتهي الخداع ولأى مدى تكون مريضتنا واعية أو غير واعية بتلك الصراعات التي أحدثت بها هذه الأعراض التي لها أهداف ربما تكون أول من لا يدري لماذا تقوم بها ولماذا تبالغ في الأعراض الحقيقية إن وجدت.

ولذلك فأفضل ما يقوم به الطبيب هو أن يتحكم في رده واستجابته لهذه المريضة ويدخل إلى معنى الأعراض والهدف الحقيقي منها، عندها سوف يستطيع تقديم المساعدة والتعاطف والتكاتف لأناس يشعرون بهزيمة داخلية وخوف دائم وحرج شديد وإهمال قديم وحديث واستعجال وقلق ورغبة في الإهتمام وجلب الانتباه وسوف يلجأون إلى كل الحيل والطرق والألاعيب لكى يحصلوا على ما يريدون ولو حتى بطرق جانبية غير مباشرة وربما هم أنفسهم لا يعرفون أنهم يفعلون ذلك.

هنا يهمني أن أقول أن كل السلوكيات التي ذكرتها والأمثلة الكثيرة التي سردتها إذا استمرت وكانت طريقًا للحياة ولغة غير مباشرة للتعامل مع الناس أطلقنا على هذا السلوك “السلوك الهيستيري” وهذه الشخصية هى “الشخصية الهيستيرية”.

ميكانيكية حدوث أعراض الهيستيريا

وفيها يُحدث الضغط العصبي صراع بالعقل مما يُنتج حرب أو صراع ما بين قوتين متضادتين:

الأولى: الحفاظ على كيان الشخص وإحترامه لنفسه وشعوره بذاته وصورته أمام الآخرين.

والثانية: الأعراف والتقاليد والمعتقدات الموروثة والمكتسبة للمجتمع، وعدم الرغبة في كسرها والخروج عنها “بصورة متعمدة فيما يبدو للناس ولكنه سوف يكسرها ويخرج عنها ولكن بصورة تبدو غير متعمدة ولا إرادية “.

وفي الغالب تعتمد تلك الأعراض الهيستيرية على عاملين:

1.الإنشقاق النفسي.

2. القابلية للإيحاء.

واللذان يتسم بهما اضطراب الشخصية الهيستيرية.

أولاً: الإنشقاق النفسي

يحدث إنشقاق الشخصية “Mental Dissociation” نتيجة لهذا الصراع ومن الممكن أن يكون:

أ.إنشقاق شديد

 ويحدث هذا نادرًا بحيث يكون الجزء المنشق من الحياة العقلية شامل جدًا كالذي يحدث في الشخصية الإزداوجية أو المتعددة والتي يسيطر فيها على الجسد والعقل عدة شخصيات مختلفة في أوقات مختلفة.

ب.إنشقاق بسيط

ويشيع هذا النوع وفيها يكون الجزء المنشق من الحياة العقلية “Mental Life” بسيط جدًا ويمثل جزء صغير من الجسم مثل الذراع مثلاً والذي تفصل وظيفته عن بقية  أجزاء الجسم ولذلك فالمريض ينشق بنفسه عن ذلك فهو لا يستطيع تحريكه (شلل بذلك الذراع) أو يشعر بتنميل في ذلك الذراع.

غالبًا فإن ذلك الجزء المنشق تكون له علاقة بالصراع الداخلي للمريض مثلاً: الذراع الأيمن في الجندي المصاب بالهيستيريا أثناء المعركة.

ثانيًا:

تلعب قابلية المريض للإيحاء دورًا كبيرًا في وجود أى صراع نفسي، حيث أن قابلية المريض للإيحاء تتفق دائمًا مع رغبته في الهروب ولهذا فالقبول بذلك الإيحاء دائمًا ما ينتج عنه أعراض هيستيرية.

مثال: الجندي الذي يعاني من شلل هيستيري بالذراع اليمنى أثناء المعركة وقد حُمل من ساحة المعركة إلى المستشفى في هذه الحالة قد كان هناك صراع على مستوى اللاوعى بين قوتين:

الأولى: الخوف على النفس والذي تمنى من خلاله الجندي الهروب من المعركة للحفاظ على حياته.

الثانية: العرف “Herd” والذي يحتم عليه الذهاب للمعركة ومقاتلة الأعداء.

وعلى ذلك فالحل كان هناك عن طريق وجود مرض يمنعه من القتال في المعركة وفي نفس الوقت لا يُلام من قبل العرف والتقاليد وضميره بأنه هارب من القتال.

وهناك العديد من الأمثلة على ذلك:

  • مثل الخوف من فقدان وظيفة (مثل العامل الذي يعمل في قسم جمع وتجهيز الملابس لإرسالها إلى أماكن بيعها حيث كان حرًا يدخل ويخرج كما يشاء ويذهب إلى الكافيتريا لشرب الشاى أو التزويغ وقتما شاء فنقله رئيسه للعمل على ماكينة كبيرة للنسيج فلا يستطيع الابتعاد عنها خصوصًا إذا علمنا أن توقف أى ماكينة يصدر صوتًا وتضاء أنوار يعرف منها جميع من في المصنع بمن فيهم مدير المصنع أن الماكينة توقفت فكان الحل المناسب هو نوبة إغماء هيستيرية تمنع تواجده أمام أى ماكينة).

  • أو الخوف من الفشل في اجتياز اختبار ما مثل: (الطالب الذي يمثل ذراعه الأيمن الآلة التي سوف يكتب بها في الاختبار وهو لا يستطيع الاستمرار في الاختبار لصعوبته أو لأنه لم يذاكر أو لأنه سوف يحصل على درجات قليلة جدًا مما سوف يقلل من قيمته أمام أهله والناس، الأجمل من كل ذلك والأسهل والخلاص والنجاة سوف تكون في شلل بسيط جميل ظريف فترة محددة يهرب فيها من كل تلك المصاعب والمشاكل وذلك عن طريق المرض).

وفي الأعراض الهيستيرية لابد من ملاحظة بعض النقاط:

الحلول الخاطئة أو البديلة:

  وفي هذه الحالة تكون أعراض الهيستيريا (الأعراض الهروبية) حلاً لبعض المشاكل مع غياب  كامل لوجود أى صراع، ولذلك فهذا غالبًا ما يكون خاطئًا لأنه على حساب جزء من شخصية المريض نفسه والتي كانت منشقة، ونحن نعتبرها خاطئة أو بديلة وغير ذات فائدة لأنه لا يوجد مشكلة يريد الشخص الهروب منها ولكن لأن سلوكه أصبح سلوك هيستيري يقوم به الشخص عند الحاجة وأحيانًا عندما لا يكون هناك حاجة، وكما ذكرنا من قبل فقد قامت أمه بإرضاعه هذا السلوك.

غياب الوعى عند المريض

إن الارتباط ما بين المشكلة (الحفاظ على النفس) وما بين الأعراض (شلل هيستيري بالذراع اليمنى للجندي) لا يدركه المريض نفسه ولهذا فالمريض غير مدرك لحقيقة معنى تلك الأعراض الطارئة عليه وعند نظره إلى تلك الأحداث عامةً فهو يجد ذلك المرض عضوي.

اللامبالاة (تجاه الأعراض): العصاب الباسم  La Belle indifference

كان من المفترض أن يعاني الشخص المصاب ويحزن من أعراضه ومن عجزه عن أداء واجباته ولكن الأعراض كانت سببًا في حل المشكلة والهروب من المسئولية فتجد الشخص المصاب يواجه كل ذلك باللامبالاة والابتسام وعدم الشكوى، ولذلك فهناك شعور جميل بل ربما سعادة وابتهاج  وغياب أى قلق أو انزعاج حول أعراض الإعاقة الناتجة (شلل هيستيري بذراع الجندي أو يد الطالب في الاختبار أو إغماء العامل الذي يعمل على ماكينة أو خرس الزوجة التي يوبخها زوجها أمام حماتها) ويظهر ذلك دائمًا في وجود موقف شديد من اللامبالاة.

والآن نسأل سؤالاً ما الذي يحدد أعراض الهيستيريا أى ما الذي يجعل عضو معين يتأثر مع إنسان معين في موقف معين، ولهذا فالعوامل من الممكن أن تكون:

  • العضو المصاب بالمرض الهيستيري دائمًا ما يكون الحل في وجود الصراع المقلق به مثلاً: الزوجة التي لا تحب زوجها غالبًا ما تعاني من تشنجات المهبل “Vaginsmus”  أثناء فترات الجماع وعلى ذلك ففرصة الهروب من العلاقة الجنسية تحدث لكره الزوجة للزوج أو كره الزوجة للعلاقة الجنسية أو الخوف من حدوث حمل أو ضعف الزوج جنسيًا وعجزه عن إشباع الزوجة.. (ودائمًا لا يعلم الجميع الأهل أو الطبيب أو المعالج هذه الأسباب الخفية ويكون اتجاه العلاج دائما في اتجاه خاطئ).

  • أن يكون هناك مرض عضوي يعاني منه المريض بالفعل مثل إلتهاب في ملتحمة العين من الممكن أن يظهر بصورة عمى هيستيري. (هنا تبالغ المريضة في الأعراض أى أن الأعراض الهيستيرية لها أصل ولكن لا يبرر كل تلك الأعراض).

  • من الممكن أن يكون هناك شعور بشلل عضوي في أحد الأعضاء في حالة إصابة بسيطة في حادث صغير (خاصةً إن كان هناك فرصة لوجود تعويضات مادية لذلك أو الهروب من المسئولية الجنائية لتسببه في الحادث).