الخميس, مايو 9, 2024
الأحلام

الرؤيا ليست حجة شرعية

ذهب بعض الناس إلى الاعتماد على الرؤيا والمنامات واعتبارها حجة، والصحيح أن الرؤيا لا تعتبر حجة ولا مصدرًا من مصادر التشريع، ولا يجوز أن يبنى عليها الإنسان حكمًا شرعيًا حلا أو حرمة، كراهة أو استحبابًا، أو غير ذلك من تعيين مراد الله ورسوله بتفسير الكتاب والسنة.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الحق الذي لا باطل فيه هو ما جاءت به الرسل عن الله تعالى، ويعرف بالكتاب والسنة والإجماع، فإن هذا حق لا باطل فيه واجب الاتباع لا يجوز تركه بحال، عامة الوجوب لا يجوز ترك شئ مما دلت عليه هذه الأصول وليس لأحد الخروج عن شئ مما دلت عليه.

وقال رحمه الله “الكتاب والسنة والإجماع وبإزائه لقوم آخرين: المنامات والإسرائيليات والحكايات”.

الأدلة على أن الرؤيا ليست مصدرًا للتشريع:

1.أن الله تعالى أوجب علينا اتباع كتابه المجيد وسنة نبيه صل الله عليه وسلم لا غير، وغير ذلك كثير في القرآن الكريم كقوله تعالى “اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم”.

2.قوله تعالى “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا”. فلا مجال لتشريع بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.

قال الشوكاني رحمه الله “ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم قد كمله الله عز وجل ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها، وقد انقطعت البعثة بالموت”.

3.أن الأدلة الشرعية التي هى أصول الأحكام ومصادرها محصورة في الكتاب والسنة بإتفاق الأئمة، ثم الإجماع والقياس بإتفاق جمهورهم ثم العرف والاستصحاب والاستحسان، والمصالح المرسلة.. وشرع من قبلنا وقول الصحابي، وسد الذرائع على خلاف بين جمهور الأئمة في حجيتها، ولم يذكر أحد من أئمة العلم الرؤى المنامية ضمن هذه الأدلة.

قال الشوكاني رحمه الله “ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال فيها بقول أو فعل فيها يكون دليلا وحجة بل قد قبضه الله إليه بعد أن كمل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه”.

4.إن الرؤى ثلاثة أقسام من حيث منابعها.. رحماني، ونفساني، وشيطاني.. ولا سبيل إلى التمييز بينها حتى نقبل الرحماني ونرد ما عداه.

قال الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله “والرؤيا كالكشف منها رحماني ومنها شيطاني، ورؤيا الأنبياء وحى معصومة من الشيطان وهذا بإتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل بالرؤيا، وأما رؤيا غيرهم فتعرض على الوحى الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها”.

وقال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله “الرؤيا قصاراها التبشير والتحذير وفي الصحيح: أن الرؤيا قد تكون حقًا وهى المعدودة من النبوة وقد تكون من الشيطان وقد تكون من حديث النفس والتمييز مشكل”.

5.أن الرؤيا تقع حال النوم، وليست هى حالة ضبط وتحقيق ولا هى حالة تكليف.. ولذلك رفع القلم عن النائم حتي يستيقظ، فلا تقبل رواية النائم لإختلال ضبطه.

6.أن الغالب في الرؤيا “الترميز” والإشارة فتكون محتملة لتفسيرات متعددة وما كان هذا شأنه لا يستقيم الاستدلال به.

قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله “الغالب أن تكون على خلاف الظاهر حتى في رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قص من ذلك القرآن وثبت في الأحاديث الصحيحة ولهذه الأمور اتفق أهل العلم على أن الرؤيا لا تصلح للحجة وإنما تبشير وتنبيه.

قال الإمام أبو اسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى “وإنما فائدتها البشارة والنذارة خاصة وأما استفادة الأحكام فلا، فلو رأى في النور قائلاً إن فلانًا سرق فاقطعه أو عالم فاسأله أو اعمل بما يقولون لك، أو فلان زنى فحده وما أشبه ذلك، لم يصح له العمل حتى يقوم له الشاهد في اليقظة وإلا كان عاملاً بغير الشريعة إذ ليس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحى.

ولا يقال إن الرؤيا من أجزاء النبوة فلا ينبغي أن تهمل لأنا نقول إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة فليست إلينا من كمال الوحى، بل جزء من أجزائه والجزء لا يقوم مقام الكل في جميع الوجوه بل إنما يقوم مقامه في بعض الوجوه وقد صرفت إلى جهة البشارة والنذارة.

ويحكى أن شريك بن عبد الله القاضي دخل على المهدي فلما رآه قال “على بالسيف والنطع” قال “ولم يا أمير المؤمنين؟” قال “رأيت في منامي كأنك تطأ بساطي وأنت معرض عني فقصصت رؤياى على من عبرها فقال لي يظهر لك طاعة ويضمر معصية، فقال له شريك “والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل عليه السلام ولا أن معبرك بيوسف الصديق عليه السلام فبالأحلام الكاذبة تضرب عنق المسلمين، فاستحى المهدي وقال “اخرج عني ثم صرفه وأبعده. (ليتك تعلم ذلك وتتعظ ولا تخطط حياتك على أحلامك أو أوهامك).

وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرائي بحكم فلابد من النظر فيها أيضًا لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته فالحكم بما استقر، وإن أخبر بمخالف فمحال لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائي النوم لأن ذلك باطل بالإجماع فمن رأى شيئًا من ذلك فلا عمل عليه وعند ذلك إن رؤياه غير صحيحة إذ لو رآه حقًا لم يخبره بما يخالف الشرع.

فلا يستدل بالرؤيا في الأحكام إلا ضعيف المنة بحيث لا يقطعون بمقتضاها حكمًا ولا يبنون عليها أصلاً.

وقال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في سياق الرد على من يحتج بالإلهام والكشف والرؤى المنامية: هذه الأمور لا يصح أن تراعى وتعتبر إلا بشرط ألا تحرم حكمًا شرعيًا ولا قاعدة دينية فإن ما يحرم قاعدة شرعية أو حكمًا شرعيًا ليس بحق في نفسه بل هو إما خيال أو وهم ,وإما من إلقاء الشيطان وقد يخالطه ما هو حق وقد لا يخالطه.. وقد يكون من هوى نفسه.

وقال جمهور أهل العلم واتفقوا على أن أى شئ مما ينتج عن الرؤيا إذا خالف الشريعة مردود.

ونقل ابن مفلح عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال “الإسرائيليات والمنامات لا يجوز أن يثبت بها حكم شرعي لا استحباب ولا غيره”.

وقال ابن الحاج رحمه الله “إن الله لم يكلف عباده بشئ مما يقع لهم في منامهم لقوله صلى الله عليه وسلم “رفع القلم عن ثلاثة” عد منهم “النائم حتى يستيقظ” لأنه إذا كان نائمًا فليس من أهل التكليف فلا يعمل بشئ يراه في نومه.

وقال العز بن عبد السلام رحمه الله “وليست المنامات من الحجج الشرعية التي تثبت بها الأحكام”.

وقال العلامة على بن سلطان محمد القارئ رحمه الله “لا اعتماد على رؤية المنام في غير حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام”.

وقال العلامة عبد العزيز باز رحمه الله:

وأما المرائي مهما كثرت لا يجوز الاعتماد عليها في خلاف ما ثبت به الشرع المطهر لأن الله سبحانه أكمل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته الدين وأتم عليهم النعم قبل وفاته فلا يجوز لأحد أن يعتمد شيئًا من الأحلام في مخالفة شرعه عليه الصلاة والسلام.

يقول الدكتور عمر الأشقر حفظه الله “الرؤيا لا تعد تشريعًا وبعض الأفراد والجماعات تجعل من الرؤيا والتجليات والأفكار وأحاديث القلوب مصدرًا تشريعيًا ينافس القرآن والسنة وقد يقدم عليهما”.

الرؤيا الصادقة ما هى إلا مبشر بأمر سار وقد تكون دعوة إلى الاستقامة وقد تكون تثبيتًا على الحق وقد تنفر من الباطل ولكنها لا تشرع شيئًا جديدًا.

إن ديننا تام كامل لا ينتظر شخصًا يكمله بالرؤيا والمنام وكيف يكون جوابك عندما يأتيك آخر يزعم أنه رأى خلاف ما رأيت؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *