الخميس, مايو 9, 2024
الوسواس القهريالوسواس القهري الديني ... وجهة نظر مسيحية

16 نواحي فنية: التفكر الأخلاقي الشكوك (الوساوس) – علم النفس الديني

نواحي فنية: التفكر الأخلاقي
الشكوك (الوساوس) – علم النفس الديني
(Technical Asides: moral reasoning, scruples,
and psychology of religion

 

الشكوك والتفكر الأخلاقي:
لقد أكدنا في هذا البحث عدم نفع إقناع المريض بترك الشكوك (الوساوس) عن طريق الجدال أو المنطق.. وقد قالها الأب O’Flaherty بطريقة تهكمية (إن الشخص الذي يقوم المريض بالاعتراف عنده قد يشعر بالعداوة  تجاهه إن بدأ بالجدال مع التائب عن البراءة أو الاحساس بالذنب لعدم ارتكاب خطيئة) ولكن استخدام الجدال المنطقي كان بمثابة الطريقة الأولى التي يتبعها رجال الدين للتعامل مع مرضى الشكوك وأنا أعتقد أنه شئ مفيد أن نجعل العلاج متضمنًا التفكر الأخلاقي.. ومن يستطيع فهم الشكوك (الوساوس) التي تحدث على المستوى الشعوري سيجد هذا النقاش غير ضروري، ولكن هناك من لديه اهتمام في التلاعب بالأفكار ويستفيد من الوصف النظري للتفكر الأخلاقي ووصم الأشخاص المصابين بالشكوك (الوساوس) بضلال الضمير.. ويجب أن يعرف كلاً من المريض والمعالج أن هذا الفهم بمفرده نادرًا ما يغير سلوك المريض ولكنه قد يحفز بعض المرضى على بذل مجهود أكبر من الناحية النفسية.. وأنا أقترح أن يقدم هذا التفسير بشكل متكرر كل فترة خلال العلاج والطريقة الأفضل لتقديم هذا التفسير تكون بتقديم أجزاء من المعلومات كلما تساءل المريض عن التوضيح الأخلاقي.. وقد يرى بعض المرضى أن مشكلتهم هى في التفكر الأخلاقي ذاته فيقومون بتعريف المشكلة على أنها معرفية ودينية فهم يرون أنفسهم غير قادرين على إتخاذ قرارات أخلاقية بيقين كاف حتى يتصرفوا بحرية في بعض الحالات فقد سمعوا ولديهم اعتقاد أنه “لا يجب أن يتصرف أحد بضمير مشكوك فيه” وبناءًا على الاعتقاد في هذا المبدأ فإنهم يجدون أنفسهم باستمرار غير قادرين على التغلب على شكوكهم، وهذه المعضلة تشلهم أو تغرقهم في الشعور بالذنب إذا شعروا بأن عليهم أن يتصرفوا ولكى يهربوا من تلك المعضلة فإن بعضهم يقوم بزيارة مستشارين دينيين أو يقومون بقراءة كتب عن الأدب وعلم الدين الأخلاقي أو يقومون بوضع مجموعة من القواعد للتصرفات الأخلاقية والتي قد حير بعضها المفكرون لعدة قرون.
وقد أوضحت تلك المناقشات مع المرضى بالإضافة لاستشارة الفلاسفة الأدبيين أن حل الشكوك (الوساوس) بواسطة التفكر الأخلاقي لا جدوى له وسوف نناقش في هذا الفصل طبيعة التفكر الأخلاقي (من خلال إطار ديني واعتقاد في وجود الرب) ودور الشكوك في هذه العملية وما استنتجته هو أن محاولة حل المواضيع المتعلقة بالأدب عند المرضى سلسلة غير منتهية من المتاعب للمريض.
طبيعة التفكر الأخلاقي:
إنني اعتمد بشكل كبير على التاريخ لكل من Albert Johnsen – Stephen Toulmin في التفكر الأخلاقي فعملهما يوضح لنا المشكلة الأساسية في حالة الإصابة بالشكوك ثم سنقوم بعد ذلك بتوضيح مواضيع متعلقة بفهم الشكوك..
وبالنسبة إلى Johnsen و Toulmin فإن الفكر الأخلاقي يمدنا بنظريتين على الأقل للتفكر الأخلاقي.. الأولى ترى أن التفكر الديني يجب أن يحقق درجة اليقين العلمي التي تشبه علم الرياضيات وهنا يكون التفكر الأخلاقي مثل هندسة إقليدس حيث تؤدي المبادئ العامة الأكيدة (القواعد) إلى براهين محددة ومنطقية وأن أخلاقية التصرف الفردي يجب أن يكون لها مبدأ عام تعود إليه لتحديد إن كان هذا التصرف ملائمًا أم لا.. وتتعلق المشاكل في تحديد أخلاقية التصرف بتحديد أو باختيار المبدأ الأخلاقي العام.. وقد وضع هذه النظرية الفيلسوف Plato ثم تطورت على يد Descartes الذي كان يحاول أن يوضح قاعدة علمية صارمة للسلوك الأخلاقي ويواجه بها Skeptics في عصره ولذلك قام باستخدام نموذج يعتمد على الهندسة حتى ينشئ قواعد أخلاقية مشتقة من حقائق لا تحتاج لبرهان..
أما النظرة الثانية لتفكر الأخلاقي فقد وضعها الفيلسوف اليوناني المعاصر لـ Plato وهو Aristotle وفي هذه النظرية فإن التفكر الأخلاقي له مفهوم علمي مختلف، ففي النظرية الأولى كانت ترى الآداب مسألة علمية بالمعنى النظري أى مثل الرياضيات أى أنه عند تعريف المصطلحات ستأتي النتائج بشكل حتمي من قواعد المنطق ولكن طبقًا لـ Aristotle فإن الآداب بالمعنى العلمي الإجرائي.. فمثلاً الآداب يمكن تشبيهها بالعلوم التطبيقية مثل الطب وفي العلوم التطبيقية يمكن أن نجد أكثر من مبدأ أو سياسة للحالات الفردية.. وفي العلوم التطبيقية لا يكون ضروريًا أن نجد حقائق عامة إذا تم التشخيص بشكل خاطئ ولكن ما يهم هو التحديد الدقيق لكل الظروف المحيطة بالحالة وبعد الفحص الشامل للحالة فإن القرار التالي يتمثل في اختيار أفضل مبدأ لتطبيقه فقد تكون الحالة مشابهة بشكل كبير لحالات أخرى وقد تكون فريدة من نوعها وبالنسبة للحالات المتشابهة فإنه تتواجد مبادئ وطرق علاجية بنسبة كبيرة، أما الحالات فإن أفضل ما يقوم به المعالج هو أن يطبق المبدأ الذي أخذ به في أكثر الحالات تشابهًا مع تلك الحالة الفريدة..
وقد تم استنتاج أن الآداب لا يمكن أن تكون علمًا توضيحيًا ولكن لها منهج آخر مختلف.. إذن فما هو منهج علم الآداب؟ فقد قام بعض علماء الفلسفة الأخلاقية بوضع منهج عرف باسم (علم الفتوى) والذي يؤكد أن علم الآداب علم تطبيقي ويحتاج لمعرفة الظروف المحيطة والمجردة لتحديد الطبيعة الأخلاقية للسلوك وبالطبع لقد غالى بعض هؤلاء الفلاسفة في الجدال ووصل بهم الأمر لمناقشة (كم يكون عدد الملائكة الذين يستطيعون الرقص على رأس دبوس؟) وهذا بالطبع جعل المصلحون الدينيون والفلاسفة الآخرون يرفضون هذا النظام بالكامل ولكن المنهج بحد ذاته ليس خاطئًا لأن علم الآداب ليس علمًا استنتاجيًا وكما يقوم المتخصصون الآن في علم الآداب بمحاولة حل بعض المشاكل المعقدة مثل زراعة الأعضاء وأنظمة تدعيم الحياة المطولة Prolonged life support وقد اكتشفوا أنه لا فائدة من إلقاء المياه على طفل صغير..
ويستخدم العلماء الكثير من الوسائل لحل المشاكل والأسئلة الأخلاقية وتم إتباع نموذج Aristotle مما أدى لاستنتاجات أخلاقية تطبيقية.. وسوف نرى أنه عند استخدام تلك السياسات لحل المشكلة الأخلاقية (وهو شئ نقوم به طبيعيًا حتى ولو لم نعرف الاعتبارات الفلسفية وراء تلك السياسات) فإن هناك مجموعة من الصراعات التي تسببها تلك السياسات لمرضى الشكوك وعلم الفتوى يضع لنا ستة مبادئ أو سياسات أساسية:

  1. التشابه والقياس Paradigm and Analogy :

بالرغم من صعوبة تواجد مبادئ عامة في علم الآداب إلا أن الحالات المتشابهة يمكن إيجادها وهناك موافقة عامة على الطبيعة الأخلاقية لهذه الحالات (قتل الأبرياء مثلاً)..
ويقوم التفكر الأخلاقي باستخدام تلك الحالات المتشابهة (المفكرون في العصر الحالي يطلقون عليها prototype ويقيسوا عليها الحالة الحالية.. ويمثل الإجهاض أحد المشاكل المحيرة التي حاول البعض حلها باستخدام التشابه والقياس فكلنا نتفق أن قتل الأبرياء شئ خاطئ ويرى البعض أن الإجهاض هو تطابق لقتل الأبرياء، بينما يرى البعض الآخر أنه مجرد قضية مشابهة لقتل الأبرياء.. فمثلاً حياة الجنين قد لا تكون بريئة إن كانت حياة الأم في خطر.. وهناك من يرى أنه إذا كان الجنين غير قادر على الحياة خارج رحم أمه فإن حياته يكون لها حقوق محدودة أو أن الإجهاض ليس قضية مماثلة لقتل الأبرياء لأن به تصادم بين حقوق الأم وحقوق الجنين ويستمر الجدال لأن لا أحد استطاع أن يجد قضية بديلة يوافق عليها الجميع وتضع على أساس القوانين أو التطبيقات..

  1. استخدام القواعد العامة أو الأمثلة use of maxims :

لقد استخدمت العديد من الأمثلة على مر القرون كطرق مختصرة للتفكر الأدبي وقد يكون أصل هذه الأمثلة ديني (مثل الوصايا العشر) أو قد تعتمد بعضها على المنطق مثل أن القوة يمكن ردعها بالقوة) ونحن نستخدم الأمثلة في حياتنا اليومية لنقل القيم الأدبية سواء في المنزل أو في الأماكن الرسمية وابني البالغ من العمر 6 سنوات يحب أن يستشهد بأحد الأمثلة باستمرار وهو (إن لم تستطع أن تقول شيئًا طيبًا عن شخص ما فلا تقل شيئًا)..

  1. الظروف:

 يتفق واضعي المنهج الخاص بعلم الآداب أن الظروف هى التي تصنع الحالة، فنحن نتفق على أن قتل الأبرياء شئ خاطئ ولكن إن كان هناك لص في منزلي فهل هو برئ ويستحق الموت في تلك الحالتين؟
الحالة الأولى: أن اللص يرتدي قناعًا ومعه سكين ويقف عند فراش ابنتي الصغيرة؟
الحالة الثانية: أن اللص لديه عشرة أعوام تقريبًا وقد سرق مجموعة ألعاب الفيديو من منزلي..
وقد لا نفضل أن نقسم الظروف الخاصة بالاختيارات الأدبية بهذه الطريقة ولكن القواعد العامة لا تفيد في مثل هذه الظروف وقد نسخر من إفراط علم الفتوى ولكن علينا تقييم الظروف عند تقييم التصرفات الإنسانية.

  1. الاحتمالية:

والآن أصبح القارئ مدركًا كل ما يعرفه الفلاسفة المتخصصون: استخدام القياس أكثر من التشابه في معظم الحالات.. فائدة الأمثلة.. الطبيعة الحرجة للظروف – اليقين الكامل لتحديد أخلاقية تصرف ما يكون مستحيلاً – فهل ذلك يعني أننا جميعًا في نفس المعضلة مثل المرضى المصابين بالشكوك (الوساوس)؟
نحتاج دائمًا للتصرف بضمير مشكوك فيه.. وقد تم تجاوز تلك المعضلة بإدخال فكرة الاحتمالية فلو أن القليل من التصرفات الإنسانية شريرة في داخلها فإن العديد من الاستنتاجات الأدبية سيكون لها درجة ضئيلة من اليقين.. ولكى نمنع الشلل الأخلاقي فقد أوضح رجال الدين أننا لدينا حرية التصرف حتى لو لم نملك يقين كامل وكل ما هو مطلوب هو أن يكون لدينا درجة محتملة من اليقين وكلمة محتملة لها معناها الفني الخاص فهى لا تعني مقبول ولكنها تعني أن الشخص استخدم وسائل مقبولة لتقييم الفعل الإنساني وأن هذه الوسائل تسمح للشخص باستنتاج أن هذا الفعل مسموح به ولكن (هنا توجد النقطة الفاصلة عند المرضى)..
هل يستطيع الشخص أن يتصرف بهذا اليقين المحتمل؟ وقد رفض بعض الفلاسفة ورجال الدين الاحتمالية أو كما أطلقوا عليها Probabilism المسببة للمشاكل ولكن أوضح كل من Johnsen, Toulmin أن الاختيارات المتبقية ستكون إما اختيار الموقف الصارم (الآمن) أو الموقف المتراخي وهذا تحديدًا هو مشكلة المريض أنه لن يختار الموقف المتراخي ولا يستطيع إيجاد الموقف الآمن ومعظم علماء الآداب يستخدمون الاحتمالية في الحكم الأخلاقي إلا إذا كانوا متهاونين جدًا أو صارمين جدًا..

  1.  الجدال المتراكم Cumulative arguments :

إن كان علم الآداب علم تطبيقي فإن مناقشة واحدة لن تقوم بدور الضربة الحاسمة لحل المعضلة ولكن تنشأ مناقشات عديدة من وجهات النظر والوسائل المختلفة.. ففي الطب ينتج تشخيص الحالات الغريبة من تحليل معلومات كثيرة ولا تكون معلومة واحدة هى الحاسمة وقد استخدم هذا الأسلوب للتفريق بين الشكوك التطورية والشكوك الإكلينيكية وقد يبدو أن هناك تطابق بين هذين النوعين من الشكوك ولكن عند معرفة السمات التشخيصية يمكن الفصل بينهما وهكذا هو الحال مع القرارات الأدبية..
بعد مناقشة نرى أن التصرف خاطئ وبعد مناقشة أخرى قد نتحول لقبول هذا التصرف..

  1. الحل Resolution :

أوضح واضعي علم الفتوى أن الشخص لا يستطيع التصرف بضمير مشكوك فيه ولذلك وضعوا حلاً للمعضلة فكما قلنا سابقًا إن علم الآداب علم تطبيقي ويجب أن يعطينا النصيحة التي توضح لنا كيف نتصرف وقد قدم واضعي علم الفتوى هذه النصيحة بملاحظة ما إن كان التصرف محتمل وإلى أى درجة..
وتعني كلمة محتمل أن يكون هناك دليل كاف للشخص ليتصرف بضمير واضح ولا تعني أن يكون لدى الشخص يقين كامل كما هو الحال في علم الرياضيات ولكن يكون ذلك مقبولاً لأن العلوم التطبيقية المتعلقة بالتصرفات البشرية لن تملك أبدًا هذه الدرجة الأكيدة والمتكاملة من اليقين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *