الخميس, مايو 9, 2024
الوسواس القهريالوسواس القهري الديني ... وجهة نظر مسيحية

15 العيش مع الشخص المصاب بالشكوك (الوساوس)

العيش مع الشخص المصاب بالشكوك (الوساوس)

 

إن الشكوك (الوساوس) ليست فقط تجربة شخصية مؤلمة ولكنها تؤدي لوجود حالة من الضغط لأفراد العائلة والأصدقاء.. ففي المثال السابق يعاني الشخص بمفرده من وساوسه العقلية والأفعال القهرية الناتجة منها ولكن انشغاله بتلك الأفكار والطقوس والاكتئاب الناتج من ذلك تجعل الشخص منشغلا عن أصدقاءه وعائلته والذين قد يلاحظوا مدى توتره أو رغبته في أن يتركوه بمفرده..
والأفعال القهرية الخارجية تحتل المرتبة الأولى في ازعاج العائلة وتعتمد درجة الازعاج على الفعل القهري ذاته فالمراجعة المستمرة لضمان الأمان تعيق الحياة اليومية.. أما القلق الخاص بسلامة الأطفال قد يؤدي إلى حمايتهم الزائدة ومنعهم من أداء النشاطات الاجتماعية الطبيعية (الرحلات المدرسية – زيارة الأصدقاء – الركوب في سيارة أشخاص آخرين)..
أما الطقوس التي تستغرق وقتا طويلا قد توقف حياة الأسرة او تتطلب التكيف معها وهذه الطقوس تشمل غسيل الأطباق المتكرر – الاستحمام المتكرر – الصلاة لمدة طويلة جدا – تكرار الطقوس الدينية – الطلب المستمر للتأكيد – عدم القدرة على تنظيف أماكن معينة (خارج الحدود) من المنزل – عدم القدرة على تنظيف الأطفال خوفا من الايذاء أو أن تأتي الشخص أفكارًا سيئة والأمر يتطلب القليل من التخيل حتى نقدر معاناة العائلة.
وعلى الأشخاص الذين يعيشون مع المريض أو يتعاملون معه شخصيا أن يعرفوا بعض الارشادات لتدعيمهم بدون أن يتورطوا في المشكلة نفسها.. وأول شئ هو أن يتم تعليم الأصدقاء وأفراد العائلة عن الشكوك واضطراب الوسواس القهري.. وهذا يتم عن طريق القراءة أو استشارة بعض المتخصصين – وأحيانا يطلب المرضى أن يساعدهم أصدقاءهم وأفراد عائلتهم في أفعالهم القهرية الخارجية.. أو في أداء الطقوس.. (وساوس بالنيابة).
فمثلا إن جاء للشخص وسواس بأن فكرته لم تكن خيرية فقد يسأل زوجته أن تسامحه ولا يستريح إلا إذا قالت له حرفيا “إنني أسامحك” وبالطبع يكون ذلك متعبا للزوجة وأحيانا يكون الغضب الشديد هو ما يجعل الشخص يتوقف عن طلبه وهذا بدوره يؤذي العلاقة بينهما.. وأحيانا يكون هذا التفاعل بشكل خاطئ هو الدافع وراء البحث عن العلاج، عندما يفهم المحيطون بالمريض طبيعة الطقوس والأفعال القهرية الخارجية فإنهم يستطيعون أن يدعموا العلاج وعليهم أن يتوقفوا عن مساعدة المريض في أداء الطقوس لأنهم بذلك أصبحوا بدون قصد جزء من الطقوس وحيث أننا نعلم أن الأفعال القهرية تعادل القلق الذي تسببه الوساوس ففي كل مرة يتم تنفيذ الفعل القهري فإنه يعزز السلوك لأنه يبطل شيئًا مؤلمًا وإن ساعد المحيطون بالمريض في هذا الإبطال فإن ذلك يمنع المريض من مواجهة الخوف بشكل مباشر ويمنع حدوث التعود.
وقد نصح الخبير الأول في تقليل الخوف (الطبيب النفسي Issac Marks ) أفراد العائلة أن يقولوا بلطف للمريض (لقد قال الطبيب ألا نفعل هذا لك) أو (لقد قال الطبيب أننا لا يجب أن نقول لك ذلك الآن) ويجب أن يقوم المحيطون بالمريض بهذه العملية بدون إظهار غضب خارجي عنيف ويجب أن يخبروا المريض بتلك الجمل بهدوء وبتعاطف وأن يقدروا الألم والاضطراب الذي يعاني منه المريض عندما لا  يقوم بأداء طقوسه.. وإن لم يستطع قريب المريض أن يتصرف بهدوء فإن الانصراف من أمام المريض يكون حلاً مؤقتًا أفضل من الجدال..
وتدريجيًا فإن المريض يتعلم أن استخدام الآخرين لتنفيذ الطقوس قرب على الانتهاء وهذا لن يشفى الشكوك (الوساوس) ولكنه على الأقل سيجعل تنفيذ الطقوس أكثر ازعاجًا وهذا قد يجعل المريض لديه دافعية أكبر لاتباع نصائح الخبراء ومن لديه خبرة في التعايش مع شخص مدمن سيتعرف على تلك الطريقة كالتغلب على السلوك الممكّن..
أما ما هو أكثر تعقيدًا للتعامل معه هو مشكلات البقاء على النظام، فبعض المرضى يقومون بتكنيز الأشياء (قمامة – كوبونات من المحل – جرائد ومجلات ليس لها قيمة) ويرجع ذلك إلى وجود حس غامض بداخلهم “أنني سوف أحتاج هذه الأشياء يومًا ما” (أو الارتباط العاطفي بهذه الأشياء.. هذه متعلقات أمي الراحلة.. هذه كتبي وأنا في المرحلة الابتدائية.. هذه أول هدية من أبي..) فالخوف من التلوث قد يجعل دورة المياه مكان كارثي.. فإن تنظيف المكان وإلقاء ما به من مخلفات شئ ضروري لأى كائن عاقل وفي هذه الحالة فإن أفراد العائلة يتصرفون بعكس الفعل القهري وهذا سيجعل المريض يشعر بقلق شديد ولكن العائلة يجب أن تراعي احتياجاتها الشخصية.
الملحــــدون
The Agnostic or unbeliever
بالرغم من أن الأمر يبدو متناقضًا إلا أن الملحدون وغير المؤمنين معرضون أيضًا للشكوك (الوساوس).. والشكوك عند الشخص الملحد تشبه الشكوك عند الشخص المتدين.. والتشابه الأكبر يتواجد في السلوك الأخلاقي بين الأشخاص.. فمثلاً قد يقلق الشخص الملحد بنفس الدرجة التي يقلق بها الشخص المتدين في أنه قد تسبب في إيذاء شخص بتصرف ما.. أما الفارق هنا هو أن الدافع الأخلاقي والأدبي والنفسي هو الذي يحرك الشخص الملحد، أما الدافع الديني فيزداد في حالة الشخص المتدين.. (وعلى ذلك فلا يوجد فرق بين احساس المتدين أو الملحد في الاحساس بالشكوك أو الوساوس، ولا يوجد أيضًا فرق في استعمال الطرق العلاجية في الاثنين)..
إذن فمن الخارج قد تبدو بعض أشكال الشكوك (الوساوس) متشابهة في الشخصين حيث يمكن أن يعاني كلاهما من الخوف من إيذاء الآخرين جسديًا – إيذاء مشاعر شخص ما – طلب التأكيد المستمر من الآخرين.
وتؤدي طبيعة الشكوك (الوساوس) أحيانًا أن يلجأ لطلب المساعدة من أشخاص متدربين في النظرية الأدبية أو حتى القسيسين الذين يتبعون الطريقة الكنسية، مع العلم أن بعض الملحدين قد نشأوا في بيئة تفتقد التدين أو أنهم قد تركوا الإيمان أثناء رحلة حياتهم وهناك بعضًا منهم قد ترك الدين بسبب الشكوك (الوساوس) فهم يصفون نفس القصص المرعبة للشكوك (الوساوس) والتي يصفها المتدينيين ولكنهم في مرحلة ما قرروا أن يتركوا التعاليم الدينية فقد استنتجوا (بشكل صائب أو خاطئ) أن إيمانهم والنظام المتبع في دينهم هو سبب تعاستهم وقد اكتشفوا أن عدم المشاركة في الدين بشكل رسمي يريحهم من الأعراض.. فمثلا بما أنهم قد تخلوا عن إيمانهم أو يقينهم بوجود حياة أخرى بعد الموت فهم لن يقلقوا بشأن عذاب الجحيم بسبب ذنوبهم.. ولكن في معظم الحالات يكون لدى هؤلاء الأشخاص درجة اضطراب الوسواس القهري وقد يعانوا من شكوك أخلاقية أيضًا ولذلك قد يعودوا لطلب المساعدة ممن يفهمون الدين.
ويتم إتباع نفس الوسائل في علاج الملحدين، فمبدأ التعرض للوساوس ومنع أداء الطقوس يصلح لكلا من المتدين والملحد والفارق الكبير يكون في مغزى علاقة المساعدة.. فالمختصون في الطريقة الكنسية يمكنهم مساعدة الملحدين إن اعتقد المريض أنه لن يتم إجباره على الهداية ولهذا فإن المبدأ الأساسي هو أن المستشار الديني يجب أن يحترم حرية الاعتقاد عند المريض، ومعظم رجال الدين لديهم مشكلة في هذا حيث أنهم يتبعون مبدأ أن الإيمان هو هدية مجانية من الرب وليست شيئًا يمكن للشخص أن يلتزم به من الخارج..
وعندما يشعر المريض بالراحة تجاه علاقته مع المستشار فإن نفس سياسات التغيير سوف تفي بالغرض.. وقد يرى الشخص أن مشكلة الشكوك ترجع لأسباب نفسية ويمثل الدين مجرد خلفية فيها وفي هذه الحالة قد يلجأ الشخص لطلب الإرشاد لاهتمامات دينية محددة ولكن يجب أن ينبع ذلك من داخل المريض ولا يتم أبدًا فرض ذلك عليه من المستشار.
Scruples in the unchurched
إن علماء الاجتماع المتدينيين لديهم تعريف محدد لغير الكنيسيين.. وبالنسبة لنا فإن هذا المصطلح يشمل الأشخاص المؤمنين غير المشتركين في مؤسسة دينية.. أى إنهم ليسوا أعضاءًا في الكنيسة أو ما يشابهها من مؤسسات.. أو هم من إذا تم تدوينهم بشكل رسمي لا يحضرون القداس المعتاد.. (الذين يمارسون شعائر دينهم بدون أى انتماء لجماعة أو طائفة أو كنيسة)..
وقد لاحظت إكلينيكيًا أن هناك مجموعتان من غير الكنيسيين ممن يعانون الشكوك (الوساوس) (ولا شك أن هناك مجموعات أكثر من ذلك).. الأولى تم تربيتها ونشأتها في ملة ولديها إيمان إلا أن الشكوك (الوساوس) أصبحت غامرة لدرجة أن حضور العبادات أصبح تعذيبًا ولذلك انقطع أصحاب هذه المجموعة عن الكثير إن لم يكن كل أشكال المراقبة الخارجية.. وعلى الرغم من ذلك فهم ليسوا بالضرورة سعداء بذلك ولكنهم يتقبلون الأمر كالبديل الوحيد المقبول لديهم..
أما المجموعة الثانية فلم يتم نشأتها في أسرة مؤمنة أو ترك أفرادها الاعتقاد والممارسات المتعلقة بدين أسرتهم وبالرغم من أنهم لم يعودوا يحضرون العبادات المعتادة إلا أنهم لازال لديهم إيمان دائم بربهم الشخصي (Personal God) .
وقد يلجأ المرضى التابعون لأى المجموعتين لطلب المساعدة من مستشارين فاهمين للدين ودارسين له، وهناك اختلافات ضئيلة لعلاج الشكوك (الوساوس) في هذه الحالة فقد يرغب غير الكنيسيين في اعتبار الحضور أو المشاركة في نشاطات دينية رسمية كنوع من التعرض وهذا يتطلب مراجعة مبادئ تنمية الدافعية للتغيير المذكورة سابقًا.. وبالنسبة للأشخاص في المجموعة الأولى فإن التعرض يكون بمثابة خطوة لمزيد من المشاركة في مجموعتهم الدينية التي يختاروها، أما الأشخاص في المجموعة الثانية فقد يعتبرون التعرض نشاط علاجي وليس تمهيدًا لتدوينهم الرسمي في مجموعة دينية معينة.. وأصبح واضحًا أنه على الشخص أن يقرر السياسات التي تؤدي للتغلب على الشكوك ويقوم مرشد ديني واحد بالمساعدة في اختيار تلك السياسات في حالة غير الكنيسيين كما هو الحال مع المتدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *