الخميس, مايو 9, 2024
الوسواس القهريالوسواس القهري الديني ... وجهة نظر مسيحية

17 تطبيقات على مرضى الشكوك (الوساوس)

تطبيقات على مرضى الشكوك (الوساوس)

Applications to scrupulosity

 

إن الهدف من وراء مراجعة هذا الأسلوب الخاص بالتفكر الأخلاقي ليس هو إقناع القراء ليتبنوا مبدأ الفتوى ولكن الهدف هو توضيح مدى صعوبة وتعقيد التفكر الأخلاقي وتوضيح الغموض الفكري الملازم لاتخاذ القرار وباستخدام هذه الفكرة يمكننا أن نقدر الطرق المتعددة لعدم التأكد لمريض الشكوك (الوساوس) خلال عملية التفكر الأخلاقي.
التماثل أم القياس.. إن تلك الفكرة تسبب معضلة للمريض في تمييز طبيعة التصرف الأخلاقي فمثلاً.. هل أى شعور أو استجابة جنسية تعادل القذارة أو الدنس.. ولأن المريض يكون غير قادر على حسم تلك المسألة فقد يلجأ للموضع الأكثر أمانًا..
فبعض المرضى يعيشون في رعب أن يتأثروا بالضجة التي تسببها وسائل الإعلام بخصوص تجارة العروض الجنسية كما أنهم يمشون وأعينهم متوجههة لأسفل خوفًا من أن يلمحوا شخصًا جذابًا، وبعضهم يشاهدون التلفاز وهم ممسكون بجهاز التحكم عن بعد حتى يغيروا القناة بمجرد وقوع نظرهم على صورة بها إغراء.. فهم لا يستطيعون التمييز بين الأمور المتشابهة مثل الدنس – عدم الأمانة – إضمار السوء.. وكما أوضح علماء الفتوى في العصور الوسطى أن ثمن الأمان الكامل عند القيام بتصرف أخلاقي هو حبس النفس أو فقدان الحرية كما هو الحال عند مرضى الشكوك..
الأمثلة تصبح قوانين.. فالأمثلة كما ذكرنا سابقًا تفيد في الإرشاد للسلوك الأخلاقي في المعاملات اليومية وتتميز الأمثلة بأنها تصلح للتعليم والتخزين في الذاكرة.. فكم مرة في خلال أسبوع قد يتوارد في أذهاننا مثل أو أكثر؟ ولكن المريض بالشكوك يتعامل مع الأمثلة على أنها قواعد عامة مطلقة ويميل لتطبيق المثل ويستبعد الاحتمالات الأخرى..
واللغة المستخدمة في الكتاب المقدس هى مثال على ذلك..
فقد أشار دارسي الكتاب المقدس على مر القرون إلى أهمية فهم الجانب الأدبي المستخدم في الكتاب المقدس حتى يتمكن الشخص من فهم القطعة بشكل صحيح واستخدام المبالغة أو الإطناب هو مثال بسيط (إن جعلتك يدك اليمنى ترتكب خطيئة قم بقطعها وارمها بعيدًا) – (ماثيو 5 : 30) وهنا نجد أن حتى المجموعات المسيحية التي توصي بالتحليل الحرفي للكتاب المقدس تعلم أن الخضوع لهذه الأمثلة سيجعل التابعين لدين عاجزين نتيجة فقد أعضاءهم ولكن مريض الشكوك (الوساوس) لا يستطيع إدراك الدور الإرشادي والتعليمي للأمثلة والأقاويل الدينية وتبعًا لدوافع المريض للبحث عن التأكد المطلق فإنه يتعامل مع الأمثلة على أنها قوانين عامة تطبق دون استثناء.
الظروف دائمًا تسبب معضلة مؤلمة للمرضى فهم لديهم صعوبة بالغة في تقدير دور الظروف في تغيير طبيعة تصرف ما.. فمثلاً الواجب الأخلاقي يقتضي أن نحب جيراننا كما نحب أنفسنا.. فمتى وأين وتحت أي ظرف علينا أن نفعل ذلك أو كما طلب من يسوع (من هو جارنا؟) وهذا مثال على ذلك:
يعمل جون في وكالة حكومية ضخمة بها آلاف الموظفين وقد اعتقد أن حب الجيران يقتضي قول “صباح الخير” أو أن يشير برأسه لكل عامل يمر عليه وهو بالطبع يمكن أن يمر بمئات الأشخاص في كل مرة يخرج فيها من مكتبه.. وإن فاته تحية شخص ما يشعر بدافع ليرجع ويلحق بالشخص ليحييه.. وعند استخدام قصة The good Samaritan والتي أجاب فيها يسوع عن التساؤل حول من يكون جارنا فقد أدرك جون أن عليه أثناء تواجده في الممر أن يلقي التحية لمن هم في حاجة لذلك إلا أن هذا الحل ولد مجموعة عديدة من المشاكل بخصوص التعامل مع عشرات المشردين الذين يقتربون منه يوميًا أثناء ركوبه المترو.. أولا يمكن اعتبار هؤلاء المشردين المكافئين المعاصرين للضحية في قصة The good Samaritan ؟ وفكر جون (هل على أن أعطي نقودًا لكل منهم؟) ولكن بعد ذلك تم حل هذه المشكلة عندما شاهد جون في ظهر يوم ما واحدًا من العاجزين الذين اعتاد رؤيتهم يمشي بسرعة وهو يحمل عكازه على كتفيه..
الأخذ بالاحتمالية وليس باليقين المطلق يمثل المعضلة الأكبر عند المرضى وكما أوضح Judith Rapoport أن اضطراب الوسواس القهري هو (مرض الشك) حيث يفقد المرضى قدرتهم على معرفة أنهم يعرفون، ولأن اليقين الأخلاقي لا يشبه اليقين النظري أو الرياضي فإن معرفتنا الأخلاقية بها درجة من الغموض والالتباس.. فلكل تصرف إنساني يمثل اختيارًا واحدًا من عدة اختيارات ممكنة ويتطلب المريض الاقتناع الكامل بأن التصرف هو أفضل تصرف ممكن حتى شعر بالحرية من عذاب الشك.. وهناك وصف أدبي رائع لهذه المعضلة في القصة الشهيرة (هزة الجرس The bell jar ) للروائية Sylvia Plath وهى كاتبة ذكية وموهوبة عاشت بعد الحرب العالمية الثانية في مرحلة زمنية تتيح فرص محدودة لامرأة مبدعة وعندما قامت بالتفكير في الاختيارات المتاحة لمجرى حياتها وصفت حيرتها مستخدمة أفرع شجرة تين كاستعارة.. فتجربة الفاكهة الموجودة في أحد الأفرع (اختيار مجال واحد) يعني الحرمان من تذوق الفواكه الأخرى..
فقد تأملت كونها زوجة وأم – شاعرة – أستاذة – محررة – بطلة أوليمبية – مسافرة لأماكن غريبة.. وهذه الاختيارات أثارت الشلل وليس التغيير..
وهى تقول (لقد رأيت نفسي جالسة عند شجرة تين أتضور جوعًا فقط لأنني لا أستطيع أن أقرر أى ثمرة سأختارها فقد أردت كل واحدة منها ولكن اختيار واحدة يعني فقدان الباقي وهكذا بقيت جالسة هناك غير قادرة على اتخاذ القرار وبدأت الثمار تنكمش ويسود لونها وأخذت تتساقط واحدة تلو الأخرى على الأرض بجواري)..
والعديد من القرارات الأخلاقية تسير بهذه الطريقة فهل اختياري لبذل الوقت والجهد لكتابة هذا البحث هو أفضل عمل أخلاقي يمكن أن أقوم به؟ وهل كانت المشروعات الأخرى أكثر قيمة؟ فإن اعتبرنا أن مشكلة الشكوك يعاني منها 1% من الناس ألم يكن واجبًا على أن أعمل في حل مشكلة أكثر انتشارًا؟ هل كان على أن أقضي وقتًا أطول مع عائلتي؟ أو آخذ قسطًا أكبر من النوم صباحًا لمزيد من الصحة ولتقليل الشعور بالضغط. وباستثناء الشخصيات الموجودة في القصص والدراما فإن القليل من الناس يشعرون بالصراع الشديد لاتخاذ القرارات إلا إذا كان الموقف خطيرًا أو هامًا وسواء اخترنا النزاع حول القرارات أو الالتباس الأخلاقي الفطري موجود حيث يتقبل معظمنا شعوريًا اليقين المحتمل للتصرفات ونكمل حياتنا وقد نندم للحظة أو أكثر على أننا لم نسطتع استكشاف كل الأفرع ولكن في النهاية نتصرف.. وبعض السياسات السلوكية التي مقترحها لمساعدة المرضى تتعلق بهذه النقطة.. حيث نوصي بأنشطة تسبب الالتباس حتى يتعلم الشخص أن يتحمل احتمالية اليقين الأخلاقي بدلاً من الطبيعة المطلقة وعندما يصبح النشاط مسموحًا يقوم الشخص بأدائه حتى لو كان ليس مثاليًا..
وأخيرًا فإن الشكوك غالبًا تمنع حل المعضلة الأخلاقية فطلب اليقين المطلق يمنع الشخص من أداء سلوك مسموح فقد يرفض الشخص ترقية بسبب الصراعات الأدبية المتخيلة والتي تتعلق بالمنصب الجديد وقد يتم تحاشي أقرب الأصدقاء خوفًا من ارتكاب خطيئة أو قد يتوقف الشخص عن الصلاة خوفًا من الأفكار السيئة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *