الخميس, مايو 9, 2024
الوسواس القهريالوسواس القهري الديني ... وجهة نظر مسيحية

18 الشكوك (الوساوس) والدين والسببية

الشكوك (الوساوس) والدين والسببية

Scruples religion and causality

 

بعد أن فحصنا ظاهرة الشكوك (الوساوس) من النواحي الدينية والأدبية والنفسية فإننا لا نستطيع أن نقاوم إغراء هذا السؤال (هل الإيمان الديني يسبب الشكوك “الوساوس”؟)
وسوف أقوم بتوضيح الجانب الظاهر من الإجابة ولكن الإجابة الكاملة تتطلب المزيد من البحث في علم النفس الديني وعلم الاجتماع الديني.
وفي رأيي فإننا يمكن أن نعرف على الأقل ثلاثة أنواع من الشكوك (الوساوس).. الشكوك التطورية (النوع الأول) وهى معرفة في كل من علم الدين الروحي وعلم النفس التطوري ويوضح علم الدين الروحي أن الشكوك (الوساوس) التطورية تحدث في مرحلتين من مراحل النمو.. المرحلة خلال فترة المراهقة.. فقد تظهر الشكوك كحساسية زائدة لتغيرات الهوية وتمثل صراعًا بين الحرية والمسئولية الشخصية وكما ذكرنا سابقًا فإن الشكوك في هذه المرحلة يتم القضاء عليها بالإرشاد والدعم من المستشارين أو قد تنتهي بمرور الزمن وسياسات التغيير المقترحة في هذا البحث تفيد في هذا النوع من الشكوك بالرغم من عدم وجود دليل قاطع لتأكيد ذلك، أما المراهقين الذين لديهم شكوك مستمرة ولم تستجب للإرشاد فإنها تتطلب التحويل إلى إخصائيين مؤهليين في مجال الصحة النفسية..
أما الشكوك (الوساوس) التطورية فتعرف على أنها الشكوك (الوساوس) التي قد تحدث بعد التحول الديني في مرحلة البلوغ وقد يحدث ذلك إن كان الدين الجديد يمثل مضاد سلوكي شامل للدين السابق أو لأسلوب الحياة السابق فمثلاً من يرون أنفسهم قد ارتكبوا خطايا كبيرة قبل الهداية قد يبالغون في رد الفعل الشعوري للخطيئة كنتيجة لإدراكهم الروحي الجديد وكان هذا هو الحال مع ليويولا بعد هدايته كما ذكرنا سابقًا..
أما النوع الثاني فهو Milieu influenced scruples وكما يؤكد التاريخ الديني والملاحظة الإكلينيكية أن الشكوك (الوساوس) يمكن تعلمها والأنظمة الأكبر التي تستطيع أن تعلم الشكوك (الوساوس) هى العائلة ومعلمي الدين.. فالشكوك يكون مكونها الشعوري الأساسي هو الخوف وقد أثبت البحث التجريبي أن الخوف يمكن أن يتم تعلمه بطرق عديدة من البيئة فنحن نتعلم أن نكون خائفين من خلال التجربة الشخصية ومن خلال الآخرين.. فالمعلمون الصارمون الذين ينقلون رسائلهم بتهديد سوف يشعرون التلاميذ بالخوف ويثيرون مشاعرهم.. وهذه الاستثارة قد تعمم طبقًا لقوانين التعلم لتشمل اتخاذ القرار الأخلاقي في ذاته.. فالشكوك (الوساوس) إذن يمكن تعلمها إذا تعلم الشخص أن الأفكار السيئة سوف يتم العقاب عليها أو أن الكمال فقط هو ما يرضي الرب.
وهذا النوع من الشكوك (الوساوس) يختلف عن الشكوك المصاحبة لاضطراب الوسواس القهري في أن الخوف هو عامل مشترك في المجموعة التي ينتمي إليها الشخص وأن إدراك الخوف في علم الأخلاق يمثل الأغلبية العظمى أو الأقلية المهمة في المجموعة، وبالنسبة لهؤلاء الأشخاص فإن السلوك الأخلاقي لا يمثل البحث الممتع عن ما حسن ولكن هو الانشغال بتجنب السئ فهم لا يملكون ما وصفه  St. paul (بالحرية الخاصة بمجد أبناء الرب)..
ولعلمي الخاص فإن المثال المزعج لتلك الشكوك يتضمن مخاوف جنسية وقد أصبح الفريق الطبي William Masters and Virgina Johnson أن أكثر الأزواج تعرضًا لفشل علاج الضعف الجنسي هو الأزواج الأرثوذوكس والكاثوليك والبروتستانت والأزواج اليهود الأرثوذوكس مثلوا الجزء الأكبر في فشل العلاج.. والباحثون في العمليات الشعورية لتقليل الخوف يعتقدون أن ردود الفعل الخاصة بالخوف الشديد من الموقف المخيف قد تتنبأ بفشل العلاج، وقد نجد أن الخوف الجنسي الشديد الذي شعر به الأزواج الذين فشلوا في تحقيق النجاح من العلاج التعرضي Master and Johnson كان سببه التعاليم الدينية والمثال الآخر على هذا النوع من الشكوك (الوساوس) وهو مذكور في علم الدين الكلاسيكي هو التجريد الجسماني الشديد extreme physical derivate  وهو يتمثل حاليًا في عدد قليل من الحالات ولكنه يوضح أهمية العوامل الحيوية وقد حذر الكتاب الروحانيين من مخاطرة القسوة الشديدة على النفس (الصيام الشديد أو إماتة النفس أو التقشف) فالقسوة في رأيهم تميت العقل dried up the brain وتمنع القدرة على الحكم..
ولأن هذا النوع من الشكوك (الوساوس) يعتمد على الاقتداء بسلوك معين فإنه يتميز بالتنوع الشديد.. فقد تكون إحدى المجموعات الدينية صارمة في أحد أبعاد الممارسات الأدبية ولكنها متسامحة في بعد آخر فقد يعتقد أحد المراهقين في مجموعة ما أن وضع الزينة خطيئة ولا يعتبر القيام بالعادة السرية خطيئة وقد يكون لدى مراهق آخر في مجموعة أخرى التفكير المعاكس لذلك، ومن يبقى من الناس في هذه المنظمات قد لا يعاني أبدًا من الشكوك بالمعنى المذكور في هذا البحث.. ولا تعتبر هذه الشكوك ضمن أبعاد الممارسات الحرة والمحافظة داخل المجموعة الدينية فإنه مثل الشكوك (الوساوس) الأخرى ما يدفع للممارسة هو الخوف والقلق الذي يعم ويغطي على النواحي الأخرى من السلوك الأخلاقي وينقسم المصابون بهذا النوع من الشكوك لثلاثة أقسام..
القسم الأول: يتقبل هذا التوجيه كشئ طبيعي في نظامه الإيماني ويحاول أن يتكيف مع الوضع قدر المستطاع..
أما القسم الثاني: يرى هذا التوجيه كحمل ثقيل عليه ويترك المنظمة.. أما القسم الثالث: فيبقى في مجموعته الإيمانية ولكن يغير اعتقاداته الخاصة بالأمور الأخلاقية لاعتقادات أخرى خالية من الخوف..
والنوع الثالث من الشكوك (الوساوس) هو الشكوك الإكلينيكية والتي تتعلق بأعراض اضطراب الوسواس القهري ويمثل الدين جزءًا من المحتوى الثقافي لاظهار الأعراض.. وقد وضح الطبيب النفسي Vavid Greenberg بعض السمات للتمييز بين الشكوك الإكلينيكية والممارسات الدينية العادية:

  1. الدافع الديني في حالة الشكوك (الوساوس) ضيق المدى حيث يركز على ناحية أخلاقية معينة ويستبعد الاعتقادات السماوية أو القريبة من الفعل الأخلاقي فقد يكون الشخص موسوسًا لوجود أفكار خاطئة لديه ولا يهتم بالأعمال الخيرية.
  2. قد يلعب الاهتمام الأخلاقي دورًا تافهًا للمجموعة الدينية مثل الرجل الذي يقلق من سقوط قطرة من الماء المقدس على الأرض عند دخول الكنيسة.
  3. قد تتعارض الشكوك مع الممارسات الدينية العادية فقد تتوقف امرأة عن الذهاب للكنيسة خوفًا من أن تأتيها أفكار لسب الدين هناك.
  4. الطقوس الخاصة بالشكوك (الوساوس) يتم مقاومتها من المريض، أما الطقوس الدينية فتكون مرغوب فيها فمعظم المؤمنين لديهم بعض الاهتمام في الممارسات الدينية لمجموعتهم أما مريض الشكوك (الوساوس) فليس لديه اهتمام داخلي لتكرار الصلوات للتكفير عن أو معادلة الوسواس أما الراهبة المتأملة فقد تجلس لساعات لأداء الصلاة يوميًا لتدعيم صلتها بالرب.
  5. وأخيرًا في حالة الشكوك (الوساوس) فإننا نرى غالبًا الأعراض الأخرى لاضطراب الوسواس القهري وفي حالة الشكوك الإكلينيكية فإن الدين ببساطة يمثل الخلفية الثقافية لاظهار الأعراض.. فمريض أمريكي مصاب بالفصام الزوراني قد يعتقد أن CIA تتعقبه وفي بلد أخرى قد يظن المريض أن من يتعقبه هو البوليس السري.. إن وكالات التجسس لا تسبب الزورانية ولكن حيل الخوف قد تسبب زورانية ثقافية ويمكننا القول أن ما تمثله شكوك النوع الثاني Milieu influenced للشكوك (الوساوس) الإكلينيكية هو ما تمثله الزورانية الثقافية للفصام الزوراني.

وهذا التحليل يوضح العلاقة المتعددة الأوجه بين الممارسات الدينية والشكوك (الوساوس) ففي النوع الأول من الشكوك يلعب الدين دورًا هامًا في توضيح التضاد بين أسلوب الحياة السابق والأسلوب الحالي وفي النوع الثاني يأتي دور الدين من خلال التعليمات والقواعد المتبعة في المجموعة الدينية وفي النوع الثالث يصمم الدين شكل الأعراض المرضية ولكن لا يسببها ويأتي تدعيم هذا الرأى من مصدرين Greenberg and Witztum اللذان أشارا إلى أن الطقوس شائعة في العديد من أديان العالم العظمى وهذا نتج عنه احتمالين في رأيهما..
الأول هو أن الدين الذي به طقوس يهيئ الأفراد للإصابة باضطراب الوسواس القهري أو الاحتمال الثاني وهو أن الدين الذي به طقوس يهيئ الأفراد للإصابة باضطراب الوسواس القهري أو اضطراب آخر.. وفي رأيي أن كلاهما صحيح ففي النوع الثاني من الشكوك عندما يتم نقل التعليمات الدينية بصورة مخيفة فإن ذلك يهيئ أعضاء المجموعة للإصابة بالشكوك (الوساوس) بالرغم من أن المجموعة قد لا ترى السلوك بهذه الصرامة.. أما في حالة الشكوك (الوساوس) الإكلينيكية (النوع الثالث) فإنها  قد تنشأ  من طقوس الدين التي قد تهيئ الأفراد للإصابة باضطراب الوسواس القهري أو اضطراب آخر أو كما هو مذكور سابقًا فإن الدين يمثل الخلفية وليس السبب لاضطراب الوسواس القهري..
وهناك تدعيم آخر للتصنيفات التي اقترحتها يأتي من النظرية الشعورية التي توضح أن بعض اضطرابات القلق لا تنتقل وراثيًا ولكن الميل العام لزيادة استثارة القلق يورث.. وبذلك فإن العوامل الثقافية والبيئية (مثل الدين) قد تؤثر على الأعراض المحددة للاضطراب وتتنبأ هذه النظرية بأن الوراثة لها دور كبير في نشأة الشكوك (الوساوس) الإكلينيكية بينما يلعب التعلم الاجتماعي دورًا أكبر في النوع الثاني من الشكوك بالرغم من أن العاملين قد يتواجدا في كل نوع من نوعى الشكوك (الوساوس) بنسبة ما وقد اقترح أحد رجال الدين الأخلاقي طريقة عملية للتنبؤ بالشكوك.. فمثلاً إن قام مستشار ديني بمقابلة 100 طالب في جامعة دينية فيمكنه أن يتوقع أن يكون طالب أو اثنين مصابين بالشكوك ولكن إذا اقترب عدد المرضى من سبعة فعلينا أن نبحث عن أسباب بيئية..

One thought on “18 الشكوك (الوساوس) والدين والسببية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *