السبت, نوفمبر 23, 2024
التحليل التفاعلي

8 ألعاب الحياتية

الباب الأول – الفصل السادس؛

ألعاب الحياتية

للألعاب كلها تأثير هام – وربما يكون حاسماً – على أقدار ومصائر لاعبيها، تحت الظروف الاجتماعية العادية. ولكن بعضها يتيح فرصاً أكبر من البعض الآخر لحياة مهنية أكثر دواماً وصحة، ويزداد فيها احتمال إقحام وتوريط الأبرياء من المشاهدين المحيطين في اللعبة. هذا النوع من الألعاب قد يطلق عليه اسماً مناسباً وهو “الألعاب الحياتية”، وتتضمن: “السكران”، “المديون”، “اضربني”، “الآن تمكنت منك يا ابن العاهرة”، و “انظر إلى ما جعلتني أفعله” بالإضافة إلى مشتقاتها الأساسية.  تتداخل من ناحية مع الألعاب الزوجية ومن ناحية أخرى مع الألعاب الإجرامية.

1: السكران
     الأطروحة: في تحليل الألعاب لا وجود لشيء مثل “السَكَر” أو “السكران”، ولكن يوجد دور يسمى “السكران” في نوع معين من الألعاب. إن كان الخلل الكيميائي الحيوي (بيوكيميائي) أو الفيسيولوجي هو الدافع والمحرك الأول في حالة الإفراط من الشراب – ومع ذلك يمكن أن يكون موضعاً للشك والتساؤل – فهذه الحالة تنتمي لطب الباطنة وليس الطب النفسي. أما تحليل الألعاب؛ فهو يهتم بأمر مختلف تماماً: نوع وطبيعة التفاعلات الاجتماعية التي أدت لهذا الإفراط. ومن هنا نشأت لعبة السكران.

في أقصى صورها؛ هي لعبة خماسية الأدوار، ومع ذلك يمكن ضغط الأدوار بحيث تبدأ اللعبة وتنتهي كلعبة ثنائية.  الدور المركزي هو دور السكران أو السِكِّير – بطل اللعبة – ويلعبه “وايت”. الدور المساعد الرئيسي هو دور الـمُضطهِد أو المؤذِي، عادةً ما يلعبه شخص من الجنس الآخر، وغالباً يكون الزوج الآخر. الدور الثالث هو الـمُنقِذ أو الـمُعِين، عادةً ما يلعبه شخص من نفس الجنس وغالباً يكون طبيب العائلة الطيب، الذي يهتم بالمريض وبمشاكله المتعلقة بالشراب. في الصورة الكلاسيكية العامة يقوم الطبيب بمساعدة السِكِّير للإقلاع عن عادته. بعد امتناع وايت عن الشرب ستة أشهر يُهَنئان بعضهما، ثم في اليوم التالي يُعثر على وايت في إحدى البلاعات (كناية عن فقدانه لمنزله وماله).

الدور الرابع هو دور الأبله. في الأعمال الأدبية؛ يلعب هذا الدور بائع الطعام الذي يمد لوايت في حسابه الآجل، فيعطيه – مثلاً – ساندويتشاً أو بعض القهوة ليدفع ثمنها لاحقاً، بدون إيذائه أو حتى محاولة إنقاذه. في الحياة الحقيقية غالباً تلعب هذا الدور والدة وايت، التي تعطيه مالاً وأحياناً تتعاطف معه وتشفق عليه من زوجته التي لا تفهمه. في تلك الناحية من اللعبة، يكون مطلوباً من وايت أن يقوم بحساب ما سيتم صرف هذا المال عليه وسبب حاجته له – ولو بشكل زائف يتظاهران بتصديقه – بالرغم من أنهما يعرفان جيداً علامَ سيتم صرف هذا المال. أحياناً يتحول الأبله إلى دور آخر، وهو دور جيد ومساعد ولكن ليس لازماً: دور الـمُحَرِّض، “فاعل الخير” الذي يقوم بتقديم الخدمة بدون أن يطلب لها مقابلاً؛ “تعالَ لاحتساء بعض الشراب معي (وسوف تتدهور حالتك أسرع)”.

إن صاحب الدور الاحترافي – دور ثانوي – في جميع ألعاب الشراب هو ساقي الحانة أو نادل المشروبات. في لعبة “السكران” يكون هو صاحب الدور الخامس؛ الوصيل. فهو الذي يمد البطل بالشراب، وهو أيضاً يفهم جيداً في الحديث حول ما يتعلق بالكحول وشربه، وبشكل ما؛ هو أهم شخص في حياة أي مدمن. الفرق بين الوصيل وغيره من الأدوار هو الفرق بين المحترفين والهواة في أي لعبة: المحترف يعلم جيداً متى يجب التوقف. في نقطة معينة؛ يرفض الساقي تقديم الكحول للسكران، والذي يُترك بدون أي إمداد منه إلا إذا تمكن من إيجاد وصيل آخر أكثر تساهلاً ورفقاً.
في المراحل الأولي من “السكران” قد تلعب الزوجة كل الأدوار المساعدة الثلاثة: في الليل تكون الأبله، حيث تقوم بتغيير ملابسه وتعد له القهوة وتجعله يضربها كما يريد. في الصباح تكون الـمُضطهدة، فتعنفه وتوبخه على أفعاله السيئة، وفي المساء تكون الـمُنقِذة، ترجوه أن يُغير من أساليبه وأفعاله. في المراحل المتأخرة، أحياناً بسبب التدهور العضوي، يمكن التخلي عن دوري المؤذي والمنقذ، ولكن قد يتم تحملهما إذا نويا المساعدة بإمداد الكحول. سوف يقوم وايت بالذهاب إلى بيت الرسالة (جمعية مسيحية لإمداد الفقراء والمحتاجين بالطعام والشراب ومستلزمات الحياة الأساسية بسعر مخفض أو مجاناً لغير القادرين) ويتم إنقاذه هناك، إذا استطاع أن يحصل على وجبة مجانية، أو سيقف لاستقبال العتاب والتعنيف، سواء من محترف أو هاوٍ، طالما أنه سيأخذ صَدَقَة فيما بعد.

تُظهر التجارب الحالية أن الناتج في لعبة “السكران” (كذلك غيرها من الألعاب بشكل عام) يأتي من الناحية التي يلقي لها الباحثون أقل قدر من الانتباه. في تحليل هذه اللعبة، يعتبر الشرب مجرد متعة تصادفية لها فوائد مُضافة، وهي الإجراء الذي يؤدي لأوج اللعبة وهو أثر الشرب – الـخُمار – الأمر نفسه ينطبق على لعبة “الأحمق”، فصنع الفوضى هو الذي يجذب أغلب الانتباه، مع أنه مجرد وسيلة ممتعة لوايت للوصول إلى الذروة: نيل الغفران والمسامحة من بلاك.

بالنسبة للسكير، يعتبر الـخُمار عذاباً نفسياً أكثر من كونه مجرد ألم جسدي. أكثر التسالي المفضلة للشاربين هي “مارتيني” (مارتيني نوع من الخمور، وتتناول هذه التسلية الحديث عن عدد المشروبات التي تم احتسائها وكيف مُزِجَت) و “الصباح التالي” (الحديث عن خُمار الليلة السابقة). تُلعب “مارتيني” غالباً من قِبل الشاربين الاجتماعيين؛ إن الكثير من الشاربين يفضلون جولة قاسية من “الصباح التالي” ولكن المنظمات مثل A.A. (Alcoholics Anonymous ) لا تتيح لهم فرصة كبيرة لفعل ذلك.

كلما ذهب مريض لرؤية طبيبه النفسي بعد حفلة شراب طويلة، يقوم بإهانة نفسه بكل الألفاظ المهينة؛ أما الطبيب فلا يفعل شيئاً تجاه ذلك. لاحقاً أثناء الحديث عن تلك الزيارات في المجموعات العلاجية، يقول وايت في فخر ورضا أن الطبيب هو الذي قد نعته بتلك الألفاظ. موضع الاهتمام الأول للشاربين في حديثهم أثناء المعالجة لا يكون عن الشرب – والذي يبدو أنهم لا يذكرونه إلا بُناء على رغبة مضطهديهم – وإنما عما يليه من عذاب.
إن الغرض التفاعلي من الشرب، بغض النظر عن المتعة الشخصية التي يجلبها، هو تهيئة موقف يتم فيه توبيخ “الطفل” ليس فقط من قِبَل “المربي” الداخلية ولكن أيضاً من النماذج التربوية في البيئة المحيطة ممن يهتمون بالأمر. إذاً فمعالجة هذه اللعب لا يجب أن تركز فقط على الشرب ولكن على الصباح التالي كذلك؛ الانغماس في الشهوات ثم معاقبة الذات. على أي حال، هناك نوع من الشاربين الفاحشين لا يصيبهم الخُمار، وهؤلاء مستبعدون من الفئة التي نتناول دراستها الآن.

هناك أيضاً لعبة “السكران الجاف”، وفيها ينحدر وايت في تدهور حالته الاقتصادية أو الاجتماعية بدون ولا زجاجة، فاعلاً نفس التسلسل من الحركات ومتطلباً لنفس المجموعة من الشخصيات المساعدة. هنا كذلك؛ الصباح التالي هو أوج القضية. بالطبع إن وجه التشابه بين “السكران” و “السكران الجاف” هو الذي يؤكد أن كلاهما من الألعاب؛ مثلاً، إجراء طرد وايت من وظيفته موجود في الاثنين. “المدمن” مشابهة لــ “السكران” ولكنهاً أكثر بؤساً وشؤماً ودرامية وحساسية وهي أسرع منها كذلك، في مجتمعنا – على الأقل – هي تعتمد أكثر على دور الـمضطهد الذي يكون متاحاً وموجوداً دائماً، أما الأبله والمنقذ فهما قليلان وبعيدان عن بعضهما، ويلعب الوصيل دوراً أكثر مركزية.

هناك العديد من المنظمات المعنية بــ “السكران”، بعضها قومي أو حتى دولي والبعض الآخر محلي، وينشر الكثير منها قواعد لتلك اللعبة. تقريباً كلها تشرح كيفية لعب دور “السكران” كالآتي: قم باحتساء بعض الشراب قبل الإفطار، قم بصرف المال المخصص لأغراض أخرى، إلخ. كذلك يشرحون دور المنقذ. على سبيل المثال، منظمة Alcoholics Anonymous تستمر بلعب نفس اللعبة ولكن مع حث السكير لأخذ دور المنقذ. يفضل مدمني الكحول السابقين هنا لأنهم يعرفون جيداً مجريات اللعبة وتفاصيلها، لذلك هم مؤهلون للعب الدور المساعد أكثر ممن لا يملكون خبرة سابقة في لعب اللعبة على الإطلاق. لقد كانت هناك فترة قل فيها عدد السِكِّيرين الذين تعمل عليهم المنظمة، ومن ثم استمر أعضائها بالشرب حيث لم يكن هناك طريقة لإكمال اللعبة في غياب من يحتاجون للإنقاذ.

هناك أيضاً منظمات مخصصة لتحسين حالة باقي اللاعبين أصحاب الأدوار الأخرى. بعضها يقوم بالضغط على الزوج الآخر لتغيير دوره من مضطهد لمنقذ. أما المنظمات التي هي أكثر قرباً من الطريقة النظرية المثالية في العلاج هي تلك التي تتعامل مع اللاعبين المراهقين، أبناء السِكِّيرين، حيث يتم تشجيع هؤلاء الناشئين على الهروب من فكاك اللعبة نفسها، عوضاً عن مجرد تغيير أدوارهم.

إن العلاج النفسي للسِكِّير يكمن أيضاً في جعله يقلع عن اللعبة بأكملها، عوضاً عن التحول من دور إلى آخر. وبالفعل كان ذلك ممكناً في بعض الحالات، بالرغم من أنه أمر صعب أن نجد شيئاً يجذب اهتمام السكير ويشده أكثر من مواصلة اللعب. بما أنه أصلاً يخاف من الألفة الاجتماعية، قد يكون الحل البديل لعبة أخرى جديدة بدلاً من علاقة خالية من الألعاب. إن من يُعالـَجُون من إدمان السكر يفتقرون إلى الحماسة والنشاط الاجتماعي، ومن المحتمل ألا يجذب اهتمامهم أي شيء في الحياة، ودائماً ما تحدثهم أنفسهم بالعودة من جديد إلى عهدهم السابق. إن المعيار الأساسي للشفاء الحقيقي من اللعبة هو أن يتمكن السكير السابق من الشرب المعتدل في تجمعات اجتماعية بدون أن يلقي بنفسه في التهلكة، أما الأسلوب المعتاد في العلاج؛ “الحرمان التام”، لن يرضي مـُحلل اللعبة.

إن وصف هذه اللعبة يوضح أن المنقذ يميل للعب “أنا فقط أحاول أن أساعدك”، والمضطهد يميل للعب “أنظر ماذا فعلت لي!”، أما الأبله فيميل للعب “الرجل الطيب”. مع بزوغ المنظمات الإنقاذية التي تسعى لترويج مخاطر إدمان الكحول واعتباره مرضاً، تَعَلَّم السكيرون كيفية لعب “القدم الخشبية” (أصل التسمية: قديماً كان القراصنة أصحاب الأطراف المقطوعة يضعون مكانها أطرفاً خشبية مجوفة يمكن تخزين أو إخفاء الطعام أو الشراب فيها. المقصود من تلك التسمية هو الشرب في الخفاء بدون ملاحظة القانون). إن القانون – الذي يبدي اهتماماً خاصاً تجاه هؤلاء الأشخاص يميل لتشجيع ذلك الأمر في يومنا هذا. لقد تحول الاهتمام من المضطهد إلى المنقذ؛ من “أنا مُذنب” إلى “ما الذي تتوقعه من شخص مريض؟” (جزء من النزعة الحالية المتمثلة في التفكير المتحضر بعيداً عن الدين وأقرب إلى العلم). من المنظور الوجودي، هذا التحول موضع للشك والتساؤل، ومن المنظور العملي يبدو أنه ساهم بشيء قليل جداً في تقليل مبيعات المشروبات الكحولية للسكيرين المفرطين. على الرغم من كل ذلك، تعتبر Alcoholics Anonymous بالنسبة للكثير من الناس أفضل بداية لمعالجة الانغماس المفرط في شهوة الشرب المفرط.

المعارضة: كما هو معروف جيداً، إن لعبة السكران تُلعب بشكل عسير وقاسٍ وصعبٌ الإقلاع عنها. في إحدى الحالات أثناء أحد المجموعات العلاجية، كانت هناك امرأة سكيرة أبت أن تشارك إلا قليلاً جداً، إلى أن ظنت أخيراً أنها قد عرفت عن الأعضاء الآخرين ما يكفيها للاستمرار بلعبتها، عندها طلبت منهن أن يخبرنها عن رأيهن فيها، وبما أنها فعلاً كانت حسنة السلوك فقد قال العديد من الأعضاء عنها كلاماً طيباً ونعتنها بصفات حسنة، ولكنها اعترضت قائلة: “ليس هذا الذي أريده، أريد ان أعرف رأيكن الحقيقي فيّ”. إذاً فهي جعلته أمراً واضحاً أنها تسعى وراء الآراء الاحتقارية والازدرائية، ولكن النساء الأخريات رفضن اضطهادها، بالتالي رجعت إلى منزلها وأخبرت زوجها بأن يطلقها أو يرسلها إلى المستشفى إذا تناولت شراباً آخر مجدداً، ووعدها بذلك. سكرت تلك المرأة في نفس الليلة فأرسلها زوجها لإحدى المصحات. هنا، رفض باقي الأعضاء لعب دور المضطهد الذي خصصته لهم وايت، وهي لم تتحمل هذا التصرف المعارض، بالرغم من جهود الجميع في تقوية ودعم ما اكتسبته بالفعل من أيَّةِ أنواع الفطنة والفراسة. أما في المنزل، فقد وجدت شخصاً ينوي لعب هذا الدور.

في حالات أخرى – على أي حال – يبدو ممكناً تهيئة المريض بشكل كافٍ لأن يتم الإقلاع عن اللعبة، والسعي نحو علاج اجتماعي حقيقي حيث يرفض الـمُعالِج لعب أحد الدورين؛ إما المضطهد أو المنقذ. إن لعبه دور الأبله بجعل المريض يتحرر من قيود المال والالتزام ليس علاجياً البتة. إن الإجراء العلاجي الصحيح من المنظور التفاعلي هو: بعد إقامة أساس ابتدائي بحذر وحرص، يتم اتخاذ موقف “راشدي” تعاقدي برفض لعب أي من الأدوار، على أمل أن المريض سيكون بإمكانه تحمل ليس فقط عدم الشرب ولكن عدم لعب اللعبة على الإطلاق، وإن لم يفعل فيجب إحالته إلى منقذ.
إن التعارض هنا – على وجه الخصوص – أمر صعب، لأن السكير العسير يُعتبر موضعاً للذم أو القلق أو الكرم في معظم الدول الغربية، وإن من يرفض لعب أي من هذه الأدوار فهو يثير حالة من الاستياء والسخط العام. إن اتخاذ مسلكاً حكيماً في العلاج يمثل خطراً للمنقذ أكثر من السكير، وعادةً ما تكون عواقبه مؤسفة في العملية العلاجية. في أحد المواقف العملية، كان مجموعة من العاملين مشغوفين جداً بلعبة السكران وحاولوا تطبيق علاجات حقيقية بتحطيم اللعبة عوضاً عن مجرد إنقاذ المرضى، وعندما ظهر ذلك الأمر تم استبعادهم من قِبل اللجنة الداعمة لتلك المصحة، ولم يتم الاستعانة بهم مجدداً للمساعدة في علاج هؤلاء المرضى.

ألعاب ذات صلة: من الألعاب الجانبية المثيرة للاهتمام للعبة السكران؛ لعبة تسمى “خُذ واحدة”. اكتشف هذه اللعبة طالب حاد الملاحظة في مجال الطب النفسي الصناعي. وايت وزوجته (مضطهِدة لا تشرب) يذهبان في نزهة مع بلاك وزوجته (كلاهما أبلهان). يقول وايت للزوجين بلاك “خُذا واحدة!”، إن أخذا واحدة، هذا يمنح وايت فرصة لأن يشرب أربعة أو خمسة، أما إذا رفضا تناول الشراب تنكشف اللعبة وينفضح وايت. طبقاً لقواعد الشرب، وايت هنا في موضع يشعر فيه بالإهانة، وفي المرة القادمة سوف يبحث عن رفقاء آخرين ليني العريكة للنزهة القادمة. إن ما يبدو ظاهرياً – على المستوى الاجتماعي – أنه تصرف كريم من “الراشد” هو على المستوى السيكولوجي في الحقيقة تصرف وقح، حيث أن “الطفل” الخاصة بوايت تسعى لنيل السماح “التربوي” من بلاك عن طريق الرشوة العلنية رغم أنف الأستاذة وايت، التي لا تملك القدرة على الاعتراض. في الواقع، إن مجرد عجزها عن الاعتراض يجبرها أن توافق على خوض اللعبة بأسرها، حيث أنها متلهفة – وقلقة – للاستمرار في اللعبة التي تلعب فيها دور المضطهد ويلعب فيها وايت دور السكير. إن اتهاماتها المضادة له في الصباح التالي يسهل تخيلها. يمكن ان تحدث بعض المضاعفات في هذه اللعبة المشتقة إذا كان وايت هو مدير بلاك في العمل.

في العموم، إن الأبله ليس شخصاً سيئاً كما يدل اسمه. عادة ما يكون البلهاء أشخاصاً يعانون من الوحدة، ويتاح لهم قدر كبير من المكاسب من خلال معاملتهم الحسنة مع السكيرين. إن بائع الطعام الذي يلعب لعبة “الرجل الطيب” يتعرف على العديد من الأشخاص بتلك الطريقة، وقد يحصل على سمعة جيدة في دائرته الاجتماعية ليس فقط كشخص كريم بل أيضاً كراوي جيد للحكايات.
بالمناسبة، إن أحد أشكال لعبة “الرجل الطيب” هو كثرة طلب النصيحة حول أفضل طريقة لمساعدة الناس. هذا مثال للعبة لطيفة وبناءة تستحق التشجيع. في المقابل؛ لعبة “الرجل العنيف”، الذي يأخذ دروساً في العنف والقسوة أو يطلب النصائح حول كيفية إيذاء الناس. بالرغم من أنه لا يطبق ذلك الأذى عملياً أبداً، لكن اللاعب تسنح له فرصة الارتباط برجال عنيفين حقيقيين يلعبون لإيذاء الناس بحقٍ، ويمكنه الحصول على جزء من مجدهم. هذا ما يسميه الفرنسيون Un fanfaron de vice .

التحليل
     الأطروحة: أنظر إلى تدهور حالتي، فهل تستطيع إيقافي؟
الهدف: معاقبة الذات.
الأدوار: السكران، المضطهد، المنقذ، الأبله، الوصيل.
الديناميكية: الحرمان الفموي
الأمثلة: 1. “حاول أن تمسك بي”. إن نماذج هذه اللعبة يصعب الربط بينها لمدى تعقيدها. على أي حال، إن الأطفال – خاصة أبناء السكيرين – عادة ما يقومون بكثير من المناورات التي يتميز بها السكير. “حاول أن تمسك بي” تتضمن الكذب، وإخفاء الأشياء، طلب التعليقات الازدرائية، البحث عن أشخاص معاونين، البحث عن جار كريم يعطيه صدقة، إلخ. عقاب الذات يؤجل إلى سنين لاحقة. 2. “السكران ودائرته”.
النموذج الاجتماعي: راشد – راشد.

  • “راشد”: أخبرني عن رأيك عني أو ساعدني في الإقلاع عن الشرب.
  • “راشد”: سوف أكون صريحاً معك.

     النموذج السيكولوجي: مربي – طفل

  • “طفل”: حاول أن تجعلني أتوقف.
  • “مربي”: يجب أن تتوقف عن الشرب لأن…

     الحركات: 1. الاستفزاز – الاتهام أو الغفران. 2. إطلاق العنان – الغضب أو خيبة الأمل.
الفوائد: 1. السيكولوجية الداخلية: أ. الشرب كإجراء: تمرد، تطمين، وإشباع للشهوة. ب. “السكران” كلعبة: معاقبة النفس (محتمل) 2. السيكولوجية الخارجية: تجنب الألفة بكافة أنواعها ومنها الألفة الجنسية. 3. الاجتماعية الداخلية: حاول أن تجعلني أتوقف. 4. الاجتماعية الخارجية: “الصباح التالي”، “مارتيني”، وغيرها من التسالي. 5. البيولوجية: التبادل بين المحادثات اللطيفة والمغضبة. 6. الوجودية: الكل يريد حرماني.

2: المديون

الأطروحة: المديون ليست مجرد لعبة، في أمريكا هي تميل أكثر لأن تكون سيناريو وخطة لحياة بأسرها، تماماً كحالها في بعض أدغال أفريقيا وغينيا الجديدة. هناك حيث يقوم أهل الشاب بشراء عروس له بسعر هائل، وبذلك يكون مديناً لهم لسنوات. هنا يسود نفس التقليد، على الأقل في المناطق الأكثر تحضراً في الدولة، ولمن باستثناء أن سعر العروس يصبح سعر المنزل، وإذا لم يكن هناك سند وعون من الأهل، يأخذ البنك هذا الدور.

إذا فالشاب في غينيا الجديدة الذي يلبس تميمة متدلية من أذنه لتجلب له النجاح، والشاب الأمريكي الذي يلبس حول رسغه ساعة اليد الجديدة لتجلب له النجاح، كلاهما يشعر بنفس الإحساس، أن له هدف وغرض في الحياة. يُقام الاحتفال الكبير – إما حفل الزفاف أو حفل نقلة المنزل – ليس عندما يعفى الشخص من الدين بل عندما يكلف به. على سبيل المثال، ما يتم تسليط الضوء عليه في التلفاز ليس ذلك الرجل المتوسط العمر الذي قد أتم أخيراً دفع دينه – رهن المنزل – بل ذلك الشاب متوسط العمر الذي ينتقل لمنزل جديد مع أسرته، وهو يلوح بيده في سعادة وفخر، وهو في الحقيقة يمسك في تلك اليد أوراقاً وعقوداً تملي عليه ديوناً ستلازمه طوال الفترة الإنتاجية من حياته أو معظمها. بعد أن يتم دفع دينه – رهن البيت ومصاريف دراسة الأولاد والتأمينات – يتم النظر إليه من المجتمع على أنه مشكلة، فهو “مواطن عجوز” يحتاج إلى توفير الرعاية المادية بل وأيضاً توفير له “غرض” جديد من الحياة. كما في غينيا الجديدة، قد يتحول من مديون كبير إلى ديان كبير، ولكنه أمر نادر الحدوث نسبياً.

بينما أن أكتب هذا، مرت سوسة صغيرة من سوس الخشب تزحف على المكتب. إن تلك السوسة انقلبت على ظهرها يمكن أن ترى كيف تكافح للقيام على أرجلها من جديد وهو حقاً أمر صعب لها. خلال هذه الفترة، لتلك الحشرة “غرض” في حياتها، وعندما تنجح في تحقيقه يمكنك أن ترى ابتسامة النصر مرتسمة على وجهها، ثم تمضي في طريقها. يمكن أن تتوقع أنها سوف تقوم بقص حكايتها على رفقائها من السوس عندما تلقاهم، وسوف يتطلع لها جيل السوس الصغير ويعجبون بما حققته. ولكن بالإضافة إلى افتخارها هناك أيضاً نسبة قليلة من خيبة الأمل، فالآن وقد حققت نلك الحشرة مرادها، صارت حياتها بدون هدف. ربما تعود من جديد لتكرر نفس الموقف ونفس الانتصار، وربما يستحق الأمر وضع علامة من الحبر على ظهرها، ليتم التعرف عليها إذا كان في الأمر مخاطرة. إن سوس الخشب حقاً حيوان شجاع، لا عجب في قدرته على البقاء لملايين السنين.

إن معظم الشباب الأمريكي على أي حال، يعتبرون الرهن أمراً جاداً جداً فقط تحت الظروف القاسية والضاغطة. إذا كانوا مكتئبين، أو يمرون بحالة من الاقتصاد السيء، تدفعهم التزاماتهم بالمضي قدماً وحتى قد تمنع بعضهم من الانتحار. معظم الوقت يلعبون لعبة خفيفة وهي “لولا الديون…”، ولكن فيما عدا ذلك فهم يستمتعون بحياتهم. قليلاً فقط من يتمكنون من لعب “المديون” بشكل قاسٍ لبقية حياتهم.

“حاول واجمع”، يلعبها الأزواج من الشباب والشابات كثيراً، وهي تُظهِر الطريقة التي تُبنى عليها اللعبة ليصبح اللاعب “رابحاً” مهما كان المسار الذي تتخذه اللعبة. يحصل الزوجان وايت على كل أصناف الأغراض والخدمات عن طريق الاقتراض، سواء ببساطة أو ببذخ، فذلك يعتمد على خلفياتهم وكيفية تربيتهم من قِبَل آبائهم أو أجدادهم. إن استسلم الـمُقرِض بعد بضعة محاولات بسيطة ليجمع (المال)، إذاً فالزوجان وايت يمكنهما الاستمتاع بما ربحوا بدون عقوبة، ومن ثم فهما رابحان. أما إذا استمر الـمُقرِض بالمحاولات الجاهدة لجمع ماله، فهما يستمتعان بالمطاردة بالإضافة إلى ما ربحاه. الصورة العسيرة من اللعبة هي عندما يكون الـمُقرض عازما ومصراً على جمع ماله، الذي من أجله قد يتخذ بعض الإجراءات الخطرة، التي عادة ما تتضمن عناصر قسرية وإكراهية؛ مثل الذهاب إلى صاحب عملهما أو الذهاب لبيتهما بسيارة نقل كبيرة ومزعجة مكتوب عليها بخط كبير “وكالة التحصيل”.

في هذه النقطة هناك تحول، الآن يعرف وايت أنه لابد له من الدفع. ولكن بسبب العنصر القسري، والذي يتجلى غالباً في “الرسالة الثالثة” من المحصل (“لو لم تأتِ إلى مكتبي خلال 48 ساعة…”)، يشعر وايت الآن أن له مبرراً قطعياً للشعور بالغضب، وسيقوم بالتحول إلى صورة مشتقة من “الآن تمكنت منك يا ابن العاهرة”. في تلك الحالة يربح بإظهار الـمُقرِض على أنه شخص طماع وهمجي وغير موثوق فيه. إن أكثر منفعتين واضحتين هنا هما: 1. تقوية موقف وايت الوجودي، الذي هو صورة متنكرة من “كل الـمُقرضين جشعين”، 2. إتاحة مكسب اجتماعي خارجي كبير، حيث أنه الآن في موقف يمكنه من الطعن في ذلك المقرض علانية مع أصدقائه مع استمرار كونه “الرجل الطيب”. يمكنه أيضاً أن ينال مكسباً اجتماعياً خارجياً أكبر، من خلال مواجهة المقرض شخصياً. بالإضافة إلى ذلك، هذا يبرر استغلاله نظام القرض: لو كل المقرضين مثل هذا الشخص، فلماذا ندفع لهم؟
“الـمُقرِض”؛ في صورة “حاول واهرب بفعلتك” أحياناً تُلعب من قِبَل أصحاب الأراضي الصغيرة. يتعرف لاعبوا “حاول واجمع” و “حاول واهرب بفعلتك” على بعضهم سريعاً، وبسبب المنافع التفاعلية الـمُنتظَرة والرياضة الموعودة (أي المطاردة) هما سراً سعيدان وسريعاً ما يتصادقان. بغض النظر عمن يربح المال، كلاهما قد قام بتقوية موقف الآخر للعب “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟” بعد انتهاء كل شيء.

قد يكون لألعاب المال عواقب شديدة الجدية والخطورة، فإذا كانت تلك الأوصاف تبدو مسلية وظريفة، كما تبدو لبعض الناس، فهذا ليس بسبب تفاهتها ولكن بسبب انكشاف الدوافع التافهة وراء الأمور التي تعلم الناس حملها محمل الجد.

المعارضة: إن المعارضة البديهية للعبة “حاول واجمع” هي المطالبة بدفع الأموال المستحقة فوراً، ولكن اللاعب الماهر لتلك اللعبة يعرف سبلا للتهرب من ذلك، والتي تنجح مع أي مقرض إلا شديدي الصرامة.  معارضة “حاول واهرب بفعلتك” هي السرعة والأمانة. بما ان لاعبي “حاول واجمع” و “حاول واهرب بفعلتك” هم حقاً محترفين وخبراء بمعنى الكلمة، فلا يستطيع الهواة مواجهتهم إلا كما يفعلون أثناء اللعب مع المقامرين المحترفين؛ فبالرغم من أن الهاوي نادراً ما يفوز، إلا أنه على الأقل يستمتع بقضاء وقتٍ مُسَلٍ في لعب إحدى هذه الألعاب. بما أن كلتاهما تُلعبان تقليدياً بشكل همجي وشرس، فلا شيء أكثر إزعاجاً وإرباكاً للمحترف من أن يرى الهاوي الذي خسر منه يضحك على النتيجة. في الدوائر المالية والاقتصادية يعتبر هذا التصرف محرماً بشدة. في الحالات التي تم ذكرها لهذا الكاتب، الضحك أمام مديون عند مقابلته في الشارع صدفةً يعتبر أمراً مربكاً ومحبطاً وحرجاً له، تماماً مثل لعب معارضة “الأحمق” للأحمق.

3: اضربني

الأطروحة؛ تُلعَب هذه اللعبة من قِبَل الرجال ذوي السلوك الاجتماعي الموازي لارتداء قميص مكتوب عليه “من فضلك لا تضربني”، حيث لا يمكن بسهولة مقاومة الرغبة في ضربه، وعندما تأتي النتيجة المتوقعة؛ يبكي وايت بشكل يدعو للشفقة، “ولكن ألا ترى قميصي مكتوب عليه ألا تضربني؟” ثم يتبع ذلك بارتياب وشك: “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟”. سريرياً، يمكن استبطان وتَقَنُّع “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟” في التعبير المبتذل المتعلق بالــ “الطب النفسي”: “كلما أكون تحت ضغط يصيبني الانهيار”. إن أحد عناصر لعبة “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟” يأتي من الكبرياء العكسية: “إن بلائي ومحنتي أفضل من بلائك ومحنتك”، وعادةً ما يوجد هذا العنصر لدى المصابين بالذعر.
إذا كان الناس في بيئته ممتنعون عن ضربه بسبب طيبة قلوبهم؛ “أنا فقط أحاول أن أساعدك”، أو العرف الاجتماعي أو القوانين التنظيمية، يتطور سلوكه ليصبح أكثر استفزازاً حتى يتعدى الحدود، ويجبرهم على الانصياع لما يسعى إليه. مثل هؤلاء الأشخاص هم الـمستَبعَدون المهجورون ومن خسروا وظائفهم.

اللعبة الموازية لدى النساء هي “الرَثّ”. عادة – بشكل ارستقراطي متكلف – يتخذن الآلام وسيلة لكي يصبحن رثاثاً. مثلاً، يعتبرن أن قيمة أقراطهن – لأسباب “حسنة” – لا تعلو أبداً فوق مستواهن المادي اللازم للمعيشة. إن أصابهن الحظ وربحن ربحاً غير مرتقب، فدائماً هناك شباب جُرَءاء سوف يساعدونهن على التخلص منه، مع إعطائهن في المقابل شركة في أعمال تجارية قليلة القيمة أو شيء من هذا القبيل. عامياً، يطلق على هؤلاء النساء “صديقة أمي”، هن دائماً مستعدات لتقديم النصائح “الراشدية” الحكيمة، وللعيش بالتفويض، أي معتمداتٍ على خبرات وتجارب الآخرين. إن “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟” الخاصة بهن هي من النوع الصامت، أما تصرفاتهن وسلوكياتهن التي تعكس معاناتهن الشجاعة فقط هي التي توحي بـ “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟”.

إن صورة مثيرة للاهتمام من “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟” تظهر لدى الأشخاص المتأقلمين جدياً، الذين يحصدون جوائز ونجاحات متزايدة، عادةً تكون أكبر وأكثر من توقعاتهم. هنا قد تؤدي “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟” إلى تفكير جاد وبَنَّاء، وإلى النمو الشخص بأبهى معانيه، إذا اتخذت صورة “ما الذي فعلته حقاً لأستحق كل هذا؟”

4: الآن تمكنت منك يا ابن العاهرة! (NIGYSOB*)
*اختصار لاسم
ها بالإنجليزية وهو Now I got you, son of a bitch!

الأطروحة؛ يمكن ملاحظة هذه اللعبة في ألعاب البوكر الكلاسيكية. يحصل وايت على مجموعة من البطاقات تضمن له الفوز، كأربعة بطاقات آيس (Ace ) مثلاً. في هذه الحالة، إذا كان لاعباً لـ NIGYSOB ، فما يثيره أكثر من الفوز وكسب المال هو حقيقة أن بلاك واقع تحت رحمته.

احتاج وايت يوماً ما للقيام ببعض أعمال السباكة في منزله، فعندما أتى السباك، راجع وايت معه تكاليف تلك الأعمال بحذر قبل أن يأذن له بالشروع في العمل، واتفقا على تكلفة معينة غير قابلة للزيادة. عندما أنهى السباك عمله وأعطى وايت الفاتورة، أضاف السباك بضعة دولارات ثمناً لصمام لم يتوقع أنه سوف يحتاجه، وكان لابد من شرائه وتثبيته – مجرد أربعة دولارات مضافة إلى فاتورة قيمتها 400 دولار – وذلك جعل وايت يغضب بشدة، وطلب من السباك تفسيراً فورياً، ولكن السباك لم يتراجع عن ذلك وانصرف. كتب وايت له رسالة طويلة عريضة ينتقد فيها مدى إخلاصه في العمل وأخلاقه المهنية، ورفض دفع الفاتورة بالكامل حتى يتم خصم التكلفة المضافة – الأربعة دولارات – وفي النهاية استسلم السباك وقبل ذلك.

ما لبث أن اتضح أن وايت والسباك كانا يلعبان. ففي خلال مفاوضتهما، لاحظا كلا منهما قدرات وإمكانيات الآخر. قام السباك بحركة استفزازية عندما قدم الفاتورة وفيها القيمة الإضافية. بما أن وايت كان قد اتفق مع السباك مسبقاً، فالسباك مخطئ بالتأكيد، وهنا شعر وايت بأن له مبرراً للغضب عليه. بدلاً من مجرد التفاوض بأسلوب متحضر ولائق بــمعايير “الراشد” التي وضعها لنفسه، ربما بالإضافة إلى بعض الانزعاج البريء، استغل وايت الفرصة للقيام بانتقاد عنيف للسباك وطريقته في العيش بأسرها. ظاهرياً، تعتبر مجادلتهما “راشد” إلى “راشد”؛ اختلاف تجاري مباح حول مبلغ معين من المال. أما على المستوى الاجتماعي فهي “مربي” إلى “راشد”: وايت كان مستغلاً اعتراضه التافه ولكنه مُبَرَر اجتماعياً (موقفه) لينفس عن غضب كان محسوراً لسنين عديدة ماضية على خصمه اللئيم، تماماً كما كانت أمه قد فعلت في موقف ماضٍ مماثل. سريعاً ما أدرك وايت وضعه (NIGYSOB ) وأدرك كيف أنه شعر خُفية بلذة كبيرة وهو يقوم باستفزاز السباك. ثم تذكر وايت أنه منذ طفولته الباكرة وهو يبحث عن مثل تلك المواقف الاستبدادية، ويتلذذ بها ويستغلها بنفس الحماسة. في الكثير من المواقف التي تذكرها، لم يتذكر الاستفزاز نفسه، بل تذكر بالتفصيل الممل مجرى المعركة الناجمة عنه. السباك، على ما يبدو، كان يلعب لعبة مشتقة من “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟”.

إن NIGYSOB لعبة ثنائية الأدوار، ويجب التمييز بينها وبين لعبة “أليس هذا بشعاً؟”. في “أليس هذا بشعاً؟” يسعى البطل إلى المواقف الاستبدادية لكي يشكوها إلى طرف ثالث، إذاً فهي لعبة ثلاثية: المعتدي والضحية والصديق المؤتمن. تُلعب ” أليس هذا بشعاً؟” تحت شعار “شركاء في التعاسة”. عادة ما يكون الصديق شخصاً يلعب ” أليس هذا بشعاً؟” هو أيضاً. “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟” هي كذلك لعبة ثلاثية، ولكن هنا يحاول البطل إثبات تفوقه في التعاسة والبؤس ولا يريد المنافسة مع غيره من البؤساء. يُتاجَر بلعبة NIGYSOB في صورة ثلاثية احترافية كلعبة “النجاح بالخداع”، ولكن يمكن لعبها كلعبة ثنائية زوجية، بأساليب متراوحة في المهارة.

المعارضة؛ إن أفضل معارضة هي السلوك القويم. يجب أن يتم الإفصاح عن التكوين التعاقدي للعلاقة مع لاعب NIGYSOB والقواعد الملازمة لها بشكل مفصل في أول فرصة تُسنح. مثلاً، إذا تغيب عن جلسة مع الطبيب أو ألغاها فلابد على الفور من حسم مسألة دفع ثمنها، كما يجب أخذ الحذر الشديد لتجنب الأخطاء في تسجيل ما يتم دفعه. إذا حدث أي شيء غير متوقع، فتتطلب المعارضة التنازل بلطف وبدون منازعات، حتى يحين الوقت الذي يكون فيه الـمُعالِج مستعداً للتعامل مع اللعبة. في الحياة اليومية، تكون المواقف التي يتم فيها التعامل مع لاعبي NIGYSOB مليئة بالمخاطر المحسوبة؛ يجب التعامل مع زوجة مثل هذا الشخص بأدب واستقامة، كما يجب تجنب حتى أخف الصور المداعبة أو المغازلة أو الإهانة، بالذات إذا بدا أن الزوج نفسه يَحُث على ذلك.
التحليل
الأطروحة: الآن تمكنت منك يا ابن العاهرة.
الهدف: التبرير.
الأدوار: الضحية، المعتدي.
الديناميكية: الغضب الحاقد أو الغيرة.
الأمثلة: 1. الآن تمكنت منك، 2. الزوج الغيور
النموذج الاجتماعي: “راشد” – “راشد”

  • “راشد”: “ها أنت قد أخطأت”
  • “راشد”: “الآن وقد نبهتني لذلك، أظن أني قد أخطأت فعلاً”

النموذج السيكولوجي: “مربي” – “طفل”

  • “مربي”: “لطالما كنت أراقبك وأترقب أن تقوم بأي خطأ”
  • “طفل”: “الآن تمكنت مني”
  • “مربي”: “فعلاً. وسوف أجعلك تذوق شدة غضبي”

الحركات: 1. الاستفزاز – الاتهام 2. الدفاع – الاتهام 3. الدفاع – العقاب.
الفوائد: 1. السيكولوجية الداخلية: تبرير الغضب 2. السيكولوجية الخارجية: تجنب مواجهة النقص الذاتي. 3. الاجتماعية الداخلية: NIGYSOB . 4. الاجتماعية الخارجية: إنهم دائماً يبحثون عنك للإيقاع بك 5. البيولوجية: تبادل الـجُمَل العدوانية 6. الوجودية: انعدمت الثقة في الناس.

6: أنظر إلى ما جعلتني أفعله (SWYMD* )
اختصار لاسمه
ا بالإنجليزية وهو See what you made me do

الأطروحة؛ في صورتها الكلاسيكية تعتبر لعبة زوجية، وهي في الحقيقة “Three star marriage buster “، ولكن يمكن أيضاً أن تُلعَب بين المربين والأطفال أو في الحياة المهنية.
1. SWYMD من الدرجة الأولى: يشعر وايت بالعجز الاجتماعي، ويصبح منهمكاً في نشاط ما ليعزله عن الناس. ربما كل ما يريده الآن هو أن يُترَكَ وحيداً. فجأة يأتيه متطفل، مثل زوجته أو واحداً من أبنائه، إما للملاطفة أو للسؤال عن شيء مثل “أين وضعت الكماشة؟”. هذا التطفل “يتسبب في” زلة أو خطأ في استخدامه للإزميل أو الفرشاة أو الآلة الكاتبة أو آلة اللحام أو أياً ما كان يستخدمه، ومن ثم يتجه وايت إلى المتطفل في غضب وانزعاج، ويصيح فيه “انظر إلى ما جعلتني أفعله!”. مع تكرار مثل هذا الموقف على مدار السنين، تصبح الأسرة أكثر ميلاً لتركه في حاله عندما يكون منهمكاً. بالطبع إن ما “يتسبب في” الخطأ ليس المتطفل بل توتره وانزعاجه، وعندما يحدث ذلك يكون في الحقيقة سعيداً، لأن لديه سبباً ليطرد الزائر. لسوء الحظ، هذه اللعبة من أسهل ما يتعلمه الأطفال الصغار، وبالتالي يسهل توارثها من جيل إلى جيل. تتجلى الفوائد والإرضاءات المضمرة بوضوح أكثر عندا تُلعب اللعبة بشكل أكثر إغراءً.

2. SWYMD من الدرجة الثانية: عندما تعتبر SWYMD أساساً لأسلوب حياة وليس مجرد وسيلة دفاعية تستخدم من حين إلى حين، فيقوم وايت بالزواج من امرأة لاعبة لــ “أنا فقط أحاول أن أساعدك” أو الألعاب المتصلة بها، وهنا يصير أمراً سهلاً له أن يكلفها باتخاذ القرارات بدلا منه. عادةً قد يُفعل ذلك من وراء التنكر في زي التفهم والرأفة أو المروءة. قد يجعلها تحدد أين يذهبان للعشاء أو أي فيلم سيدخلان تلك الليلة، فإذا سارت الأمور على ما يرام فهو يستمتع بها، أما إذا لم تسر على ما يرام، فبإمكانه إن يلومها بأن يقول أو يُلَمِح إلى “أنتِ من وضعني في هذا الموقف!”؛ صورة مبسطة من SWYMD . أو قد يلقى عبء اتخاذ القرارات حول تربية الأبناء عليها، في حين يعتبر نفسه مسئولاً تنفيذياً، فإذا تضايق الأبناء، يمكنه أن يلعب SWYMD بشكل مباشر. هذا يؤسس قواعد تُبنى عليها سنين طويلة من لوم الأم إذا صار الأبناء فاسدين؛ إذا فــ SWYMD ليست نهاية في ذاتها، بل هي فقط وسيلة لإرضاء اللاعب حتى الوصول إلى “لقد كنت قد قلت لك ذلك” أو “أنظر ما الذي فعلته الآن”.

إن اللاعب المحترف الذي يستخدم SWYMD كأسلوب لتجنب الديون النفسية، يستخدمها ايضاً في العمل. في SWYMD المهنية، تحل تعبيرات وجهه الموحية بالمعاناة الطويلة والتضجر محل الكلمات. يقوم اللاعب بشكل “ديموقراطي” أو كجزء من “الإدارة الحسنة” بسؤال مساعده عن اقتراحاته في أمر ما. بتلك الطريقة، قد ينال موقفاً يستطيع به ترويع المستجدين. فمتى يقوم بأي خطأ يمكنه أن يستغله ضدهم بأن يلومهم عليه. باستخدامها مع من هم في رتب أعلى (لومهم على أخطائه) تصبح اللعبة مدمرة لذاتها، وقد تؤدي لطرده من الوظيفة أو – في الجيش – إلى نقله لوحدة أخرى. في تلك الحالة تُعتبر مكوناً لــ “لماذا يحدث لي هذا دائماً؟” مع الذين يبغضهم، أو لــ “ها قد فعلتها من جديد!” في حالة الشخص المكتئب، كلاهما ينتميان لعائلة “اضربني”.

3. SWYMD من الدرجة الثالثة: صورة عسيرة من اللعبة، قد تُلعَب من قِبَل المذعورين ضد من عديمي الحذر الذين يعطونهم النصح (“أنا فقط أحاول أن أساعدك”). هنا قد تكون اللعبة خطيرة، او حتى مميتة في بعض الحالات النادرة.
“أنظر إلى ما جعلتني أفعله” و “أنت من وضعني في هذا الموقف!” يُكَمِّلان بعضهما بشكل دقيق، إن اندماجهما معاً هو الأساس الكلاسيكي لعقد الزواج اللعبي الخفي في الكثير من الزواجات. فيما يلي تمثيل لهذا العقد…
بعد موافقة مشتركة، قامت الأستاذة وايت بتسجيل حسابات البيت ودفعت كل الفواتير خارج الحساب المشترك بينها وزوجها – الأستاذ وايت – لأنه كان “ضعيفاً في الحساب”. كل بضعة أشهر كان يأتيهم إشعار بأن أحداً قد قام بسحب على المكشوف، وكان يضطر وايت كل مرة أن يحل ذلك مع البنك. في مرةٍ بحثا عن سبب تلك المشكلة، فاتضح أن الأستاذة وايت قد قامت بعملية شراء باهظة الثمن بدون إخبار زوجها. عندما ينكشف الستار عن ذلك، يلعب وايت “أنت من وضعني في هذا الموقف!” في غضب، وتقوم هي باستقبال تأنيبه في حزن وبكاء، وتعده بألا يتكرر ذلك الأمر مجدداً. تسير الأمور على ما يرام لفترة، ثم يأتي فجأة مندوباً عن دائنٍ يريد سداد فاتورة متأخرة منذ وقت طويل، فيسأل وايت – الذي لا يعلم شيئاً عن تلك الفاتورة – زوجته عنها، هنا تقوم هي بلعب SWYMD ، قائلة بأنه هو المخطئ. بما أنه كان قد منعها من السحب على المكشوف من حسابهما، لم تجد طريقة أخرى لسد رمقهما إلا بترك ذلك الدين الكبير بدون سداد والاختباء من غضب المحصلين.

لقد سُمِح لهذه الألعاب بالاستمرار لعشرة أعوام، على أساس أن كل حَدَث سيكون الأخير، ثم بعده تتغير الأمور – حدث ذلك فعلاً، ولكنه استمر لبضعة أشهر –. أثناء المعالجة، قام وايت بشرح وتحليل هذا اللعبة ببراعة بدون أي مساعدة من الـمُعالِج، بل وأيضاً ابتكر علاجاً فعالاً لها. قام وايت – بالموافقة المشتركة مع زوجته – بتسمية جميع الحسابات البنكية الخاصة بهما باسمه، ونسب جميع الديون إلى نفسه. استمرت الأستاذة وايت بتسجيل ومتابعة حسابات البيت، أما وايت فصار يرى الفواتير والتكاليف أولاً ويتحكم في المصروفات. بتلك الطريقة، لم يعد يسحب على المكشوف، وتمكن من تجنب غضب المحصلين، وشارك مع زوجته إدارة ميزانية المنزل. إثر الحرمان من فوائد وإشباعات لعبتي SWYMD و “أنت من وضعني في هذا الموقف!”، شعر الزوجان وايت بالخسارة، ودفعهم ذلك لإيجاد أنواع أخرى من الإشباع والإرضاء البناء والأكثر انفتاحاً من بعضهما البعض.

المعارضة؛ معارضة الدرجة الأولى من SWYMD تتمثل في ترك اللاعب وحيداً، أما معارضة الدرجة الثانية تتمثل في رد القرار إلى وايت. قد يستجيب لاعب الدرجة الأولى بأن يشعر بالهجر والكآبة، ولكن قلما قد يغضب.  أما لاعب الدرجة الثانية قد يعبس ويرتبك إذا اضطر لأن يتخذ القرار بنفسه، إذاً فالمعارضة المنهجية SWYMD تؤدي لعواقب غير مريحة.

تحليل جزئي
الهدف من تلك اللعبة هو التبرئة. بشكل ديناميكي، قد تتصل الصورة المعتدلة من اللعبة بالقذف المبكر، أما الصورة العسيرة المستشيطة فقد تتصل بـ “عقدة الخصاء”. يسهل اكتسابها لدى الأطفال. إن الفائدة السيكولوجية الخارجية (تجنب المسؤوليات) تكون بارزة، وعادة ما تسرع اللعبة عند شعور اللاعب باقتراب الألفة، حيث أن الغضب “القابل للتبرير” يمثل عذراً مناسباً لتجنب العلاقات الجنسية. الموقف الوحيد للاعب هو “أنا بريء”.