الخميس, مايو 9, 2024
التحليل التفاعلي

7 الألعاب

الباب الأول؛ الفصل الخامس الألعاب

1: تعريف الألعاب
     “اللعبة” هي سلسلة متواصلة من التفاعلات التكميلية الخفية، تستمر حتى تحقق ناتجاً متوقعاً واضحاً المعالم. بشكل وصفي؛ هي مجموعة متكررة من التفاعلات التكرارية، تكون معقولة ومنطقية في ظاهرها ولكن في باطنها دوافع مضمرة ودفينة. باللغة العامية؛ هي سلسلة من الحيل أو الخداع. تختلف الألعاب بوضوح عن الإجراءات والطقوس والتسالي في صفتين رئيستين: الأولى هي ما لها من باطن خفي، والثانية هي الناتج التي تؤدي إليه. قد تكون الإجراءات ناجحة، أو تكون الطقوس فعالة، أو تكون التسالي مربحة، ولكن كلهم يتصفون بالصراحة، قد يكون فيهم بعضاً من التنافس ولكن لا يوجد تنافر أو تعارض، وقد يكون ختامهم مثيراً ولكن ليس درامياً. أما الألعاب – على الناحية الأخرى – فأساسها الخداع والاحتيال، وناتجها يكون درامياً وليس فقط مثيراً.

يبقى لنا أن نفرق بين الألعاب والنوع الأخير من النشاط الاجتماعي، ألا وهو “العمليات”، والعملية هي تفاعل بسيط أو سلسلة من التفاعلات التي يُقام بها لتحقيق غرض معين، فمثلاً؛ إذا قام شخص بطلب بعض الاطمئنان وتهدئة الخاطر ثم نال ما يريد، فهذه عملية؛ أما إذا طلب ذلك ثم ناله واستغل ذلك بطريقة ما لإيذاء الـمانح أو إضراره تكون هذه لعبة. إذاً فظاهرياً تبدو اللعبة كمجموعة من العمليات، ولكن حين ينكشف الستار عن الناتج تتضح أن تلك “العمليات” كانت في الحقيقة “احتيالات”، وليست مجرد طلبات صريحة ولكنها خدع في اللعبة.

على سبيل المثال؛ في “لعبة التأمين”، بغض النظر عما يفعله اللاعب (العامل في شركة التأمين) أثناء محادثة الزبائن، فإذا كان لاعباً قوياً فهو يبحث عن أو يسعى إلى الشخص الأكثر احتمالاً أن يشتري منه. إذا كان فعلاً بارعاً وخبيراً في عمله، فما يسعى إليه هو تحقيق أقصى مكسب ممكن في أقل وقت ممكن. نفس الأمر ينطبق على “لعبة الاستثمار العقاري” و “لعبة البيجاما” وغيرها من الوظائف التجارية. إذاً فأثناء مشاركة التجار في التسالي في أي تجمع اجتماعي، خاصة تلك التسالي المشابهة لــ “الميزانية”، فمشاركته الودية قد تخفي في باطنها سلسلة من الخدع الماهرة، مخصصة لاستنباط معلومات من النوع الذي يشغل اهتمامه في وظيفته. هناك العشرات من المجلات والصحف التجارية مخصصة للمساعدة على تحسين أساليب الخداع التجاري، وتحتوي على نبذات عن نماذج مرموقة من الألعاب واللاعبين (أصحاب العمليات الذين يثيرون الاهتمام بتحقيقهم صفقات كبيرة)، باللغة التفاعلية؛ هي مجرد متشابهات لمجلات “Sports Illustrated ” او “عالم الشطرنج” وغيرها من المجلات الرياضية.
فيما يتعلق بالتفاعلات الزاوية – الألعاب التي يتم التخطيط لها وعيياً وبدقة احترافية تحت سيطرة “الراشد” للحصول على أقصى كم من المكاسب – فإن “ألعاب كسب الثقة” (con games ، أي خداع الأشخاص بكسب ثقتهم لاستدراجهم للتحايل أو النصب عليهم) التي ازدهرت في أوائل القرن العشرين يصعب التفوق عليها في دقة التخطيط العملي والفن السيكولوجي.

ما نريد الحديث عنه هنا – على أي حال – هي الألعاب اللاوعيية، التي يلعبها لاعبون أبرياء يشاركون في تفاعلات مزدوجة ليسوا على دراية كاملة بها، وهذا النوع من الألعاب يمثل أهم جانب من جوانب الحياة الاجتماعية في العالم كله. يسهل التفرقة بين الألعاب – ذات الخاصية المتحركة (الديناميكية) – والطباع أو السلوكيات ذات الخاصية الثابتة (الاستاتيكية)، التي تنشاً نتيجة اتخاذ الإنسان موقفه، كما سبق الحديث عنه في الفصل السابق.

إن استخدام كلمة “لعبة” لوصف هذا النوع من التفاعلات المخادعة لا يجب أن يكون مضللاً، فكما تم شرحه في التمهيد، فهي لا ترمز بالضرورة إلى أي نوع من المتعة والمرح، وكما وضح آرثر ميلر في مسرحيته “موت تاجر”، بل قد تكون أمراً جاداً وخطيراً، مثل لعبة كرة القدم التي تعتبر أمراً شديد الجدية في يومنا هذا، ولكن ليس أكثر جدية وخطورة من ألعاب مثل “السكران” أو “اغتصاب من الدرجة الثالثة”.
الأمر ذاته ينطبق على كلمة “يلعب”، فأي شخص قام “بلعب” لعبة بوكر صعبة (البوكر لعبة أمريكية بأوراق اللعب تعتمد على الحظ وفيها يراهن اللاعبون بأموال حقيقية وقد يخسر فيها سيء الحظ أموالاً طائلة) أو “اللعب” بسوق البورصة لفترة طويلة يشهد على ذلك. إن الجدية الممكنة للألعاب والعلل يعرفها جيداً علماء الأنثروبولوجيا. أكثر الألعاب تعقيداً في التاريخ – لعبة “الخادم الملكي” كما وصفها ستيندال في رواية “كنيسة بارما” – كانت شديدة الجدية والخطورة. أما أكثر الألعاب خداعاً وخطورة على الإطلاق، فهي بالطبع: “الحرب”.

2: اللعبة النموذجية
     أكثر الألعاب شيوعاً بين المتزوجون تسمى باللغة العامية: “لَولاك…”، وسوف نستخدمها كنموذج لتوضيح الخصائص العامة للألعاب.
تشكو مدام وايت من أن زوجها قام بتقييد أنشطتها الاجتماعية بشكل صارم، لذا لم تتاح لها الفرصة أبداً كي تتعلم كيف ترقص في الحفلات. ولكن بسبب بعض الاختلافات في سلوكها وتصرفاتها نتيجة ما تلقته من علاج نفسي، بدأ زوجها يحاسب نفسه وأصبح أكثر تسامحا وتساهلاً، وصار لدى الأستاذة وايت مجالاً للتوسع في نشاطاتها، فقامت بالتقديم إلى دروس في الرقص، ثم اكتشفت أنها لديها خوفاً مرضياً من قاعات الرقص، واضطرت لأن تيأس وتنسى الأمر.

هذه التجربة التعيسة، مع غيرها من التجارب المشابهة، قامت بكشف الستار عن بعض الجوانب المهمة في تكوين حياتها الزوجية. من وسط العديد من المتقدمين لها قامت باختيار رجل استبدادي ومتسلط ليصبح زوجاً لها، ثم بعد ذلك صارت تشكو أنه “لولاه” لاستطاعت أن تفعل كل ما تريد من أنشطة اجتماعية. كذلك هناك بعض من صديقتها لهم أزواج استبداديين، وعندما يجتمعون لقهوة الصباح يشرعون في لعب “لولاه”.
بعد أن اتضحت الأمور على أي حال، وعلى عكس شكواها المستمرة، تبين أن زوجها كان يؤدي لها خدمة حقيقية بمنعها من فعل شيء هي أصلاً تخاف منه بشدة، وبمنعها منه فهو في الحقيقة يمنعها أيضاً من أن تعي أن لديها مثل هذا الخوف، وهذا في الأصل هو سبب اختيار “الطفل” الخاصة بها بفطنة ودهاء لهذا الرجل لتتزوج منه.

لكن في الحقيقة، كان لهذا الأمر مضاعفات أخرى، فتقييده لزوجته أدى لتكرر حدوث المشاجرات بينهما، مما أثر سلبياً على حياتهما الجنسية، وبسبب شعوره بالذنب بعد كل مرة صار يجلب لها الهدايا لمصالحتها، تلك الهدايا التي لم تكن الزوجة لتحصل عليها لو لم تحدث هذه المشاجرات. لكن بعد أن قام بفك قيودها وإعطائها حريتها، قلت قيمة وعدد الهدايا التي يعطيها لها. شارك الزوجان القليل فقط من الأمور والاهتمامات المماثلة فيما بينهما إلى جانب اهتمامهم بشئون المنزل والأولاد، لذلك تصعدت المشاجرات بينهما لتصبح أحداثاً هامة وجادة، واقتصرت محادثاتهما في تلك الأوقات على أبسط صور الحوارات التصادفية. على جميع الأحوال، أثبتت حياة الأستاذة وايت الزوجية لها مفهوماً لطالما تمسكت به؛ وهو أن كل الرجال مستبدون ومؤذيون، وتبين فيما بعد؛ أن ذلك المفهوم له علاقة ببعض أحلام اليقظة التي ابتليت بها قبل عدة سنوات، والتي كانت ترى فيها نفسها يتم الاعتداء عليها جنسياً.

هناك طرق متنوعة في وصف هذه اللعبة من منظور عام، ومن الواضح أنها تنتمي إلى مجال “الديناميكية الاجتماعية” الواسع. الحقيقة الأساسية هي أنه بزواج الأستاذ والأستاذة وايت من بعضهما فقد أتيحت لهم الفرصة للتواصل معاً – فرصة “التَمَاس الاجتماعي” – وانتهازهم هذه الفرصة يجعل من منزلهما “تجمعاً اجتماعياً”، على عكس مترو الأنفاق في نيو يورك – مثلاً – حيث يكون الناس في تماسٍ حَيِّزِيٍ ولكن نادراً ما يستغل أحدهم هذه الفرصة للتواصل الاجتماعي، لذا يسمى هذا “تجمعاً غير اجتماعي”. تأثير كلا من الزوجين وايت على سلوك واستجابات الآخر يُوَّلِّد “تصرفات اجتماعية”، والتي يمكن التحقق منها والبحث فيها من وجهات نظر مختلفة، ولكن بما أن ما يشغل اهتمامنا هنا هو التاريخ الشخصي والديناميكية السيكولوجية للأشخاص المعنيين، فسوف ننظر إليها من أحد نواحي “الطب النفسي الاجتماعي”؛ بحيث نقوم ببعض الأحكام الضمنية أو الصريحة على “مدى صحة” الألعاب التي ندرسها. هذه الطريقة تختلف نوعاً ما عن علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، فهما أكثر محايدة وأقل التزاماً. علم النفس له الحق بأن يقول “انتظر لحظة!”، أما غيره من العلوم فلا. إن التحليل التفاعلي فرع من فروع علم النفس، وتحليل الألعاب مجال خاص ومميز من مجالات التحليل التفاعلي.

يتعامل مجال تحليل الألعاب العملي مع الحالات الخاصة التي تظهر في مواقف معينة، أما التحليل النظري فيسعى إلى جرد وتعميم صفات الألعاب المختلفة ومعالمها، لكي يسهل التعرف عليها بغض النظر عن محتواها اللفظي اللحظي ونسيجها الثقافي. على سبيل المثال؛ التحليل النظري لــ “لولاك…” – النوع المتعلق بالزواج – يجب أن يذكر صفات اللعبة بطريقة تجعل التعرف عليها ممكناً سواء في قرية في أدغال غينيا الجدية أو في ناطحات سحاب مانهاتن، وسواء كانت تتناول حفل زفاف أو مشكلة مالية مثل شراء صنارة صيد سمك للأحفاد، وبغض النظر عن مدى فظاظة أو رقة التصرفات، واعتماداً على درجات الصراحة المقبولة بين الزوج والزوجة. أما مدى انتشار لعبة ما في مجتمع ما فهو أمر يخص علم الاجتماع والأنثروبولوجيا. تحليل الألعاب – الذي هو أحد فروع الطب النفسي الاجتماعي – يهتم فقط بوصف اللعبة عند حدوثها، بغض النظر عن مدى تكرارها. إن الاختلاف بين المجالين ليس تاماً، فهو مماثل للفرق بين الصحة العامة وطب الباطنة؛ فأما الأول فيهتم – مثلاً – بمدى انتشار مرض الملاريا، وأما الثاني فيدرس حالات الملاريا إبان ظهورها، سواء في الأدغال أو في مانهاتن.

تم الاتفاق على المخطط المذكور فيما يلي على أنه أفضل أسلوب لتحليل الألعاب نظرياً، ولا شك أنه سيتم تحسينه وتطويره في المستقبل مع التقدم المستمر في المعرفة. أول مُتطلب هو التأكد من أن التسلل المعنيّ من التصرفات يتفق مع معايير الألعاب، ثم يتم جمع أكبر قدر من العينات – من تلك اللعبة – ويتم عزل الخصائص المهمة عن بعضها لما تم جمعه من العينات، ثم تبرز بعض النواحي الضرورية، والتي يتم تصنيفها تحت بنود تم تصميمها لتكون ذات أكبر معنى وفائدة ممكنين تحت الظروف الحالية مما هو متاح من المعرفة والمعلومات، ثم يتم التحليل من منظور “بطل اللعبة”، في تلك الحالة؛ الأستاذة وايت.

الأطروحة. هي وصف عام للعبة، ويتضمن التسلسل الآني للأحداث (المستوى الاجتماعي) ومعلومات عن خلفياتها السيكولوجية وتطورها، ودلالتها (المستوى السيكولوجي). بالنسبة للعبة “لولاك…” فما تم ذكره من التفاصيل مسبقاً سوف يفي بالغرض.

المعارضة. إن الافتراض بأن تسلسل معين من الأفعال يُكَوِن لعبة يكون افتراضاً مبدئياً حتى يتم التصديق عليه وجودياً. يتم ذلك التصديق بمعارضة لعب اللعبة أو تقليل الناتج منها، في هذه الحالة يبذل “الشخص الأنسب” جهوداً أكبر ليكمل اللعبة، ثم في مواجهة الرفض الشديد للعب أو تقليل الناتج بنجاح، يدخل الشخص في حالة “اليأس”، التي تشبه الاكتئاب في بعض النواحي، ولكنها تختلف عنها في أنها أكثر حدة واحتوائها على عناصر الإحباط والحيرة، كالجهش بالبكاء مع الارتباك. في المواقف العلاجية الناجحة يمكن أن تتحول هذه الحالة سريعاً إلى حالة من الضحك الفكاهي نتيجة إدراك “الراشد” للموقف: “ها قد فعلتها من جديد!”. إذاً فاليأس متعلق بـ “الراشد”، أما في حالة الاكتئاب تأخذ “الطفل” زمام الأمور. الأمل والحماسة والشغف المشرق بما يحيط بالفرد هو عكس الاكتئاب، أما الضحك فهو عكس اليأس. من هنا تأتي متعة التحليل العلاجي للألعاب. ما يعارض لعبة “لولاك…” هو التسامح، فطالما كان الزوج صارماً ومانعاً تستمر اللعبة، أما أن يقول “افعلي ما تريدين” بدلاً من “إياكِ أن تفعلي!” فذلك يؤدي إلى كشف الستار عن الفوبيا الخفية، ثم تكف الزوجة عن لوم زوجها، كما تبين في حالة الأستاذة وايت.
لفهم واضح لأي لعبة يجب أن معرفة ما يعارضها، ويجب البرهنة على فعاليته عملياً.

     الهدف. هو ببساطة الغرض العام من اللعبة. أحياناً قد توجد بدائل. الهدف من “لولاك…” قد يكون إما التطمين (“ليس الأمر أنني خائفة، ولكنه يمنعني!”) أو التبرير (“ليس الأمر أنني لا أحاول، ولكنه يمنعني!”). هدف التطمين أسهل في التوضيح وأكثر اتفاقاً مع مطالب الزوجة، لذا يعتبر التطمين هو الهدف من “لولاك…”.
الأدوار. كما ذكر مسبقاً، إن حالات الذات ليس أدواراً بل هي ظواهر، إذاً يمكن التمييز بين حالات الذات والأدوار في الوصف الشكلي. يمكن أن نصف أي لعبة بأنها ثنائية الأدوار أو ثلاثية أو رباعية إلخ، على حسب عدد الأدوار المقدمة فيها. أحياناً تكون حالات الذات الخاصة باللاعبين موازية لأدوارهم، وأحياناً لا.
لعبة “لولاك…” لعبة ثنائية الأدوار، تستلزم زوجة مقيدة وزوجاً مستبداً، يمكن أن تلعب الزوجة دورها كالـ “راشد” الحكيم (“الأفضل أن أفعل كما يريد زوجي”) أو كالــ “طفل” المشاكس، ويمكن أن يتخذ الزوج حالة “الراشد” (“الأفضل لكِ أن تفعلي كما أقول”) أو “المربي” (“يجب أن تفعلي كما أقول!”).
الديناميكية. هناك خيارات كثيرة لتحديد القوى النفسية الديناميكية (سيكو-ديناميكية) المحركة وراء كواليس كل لعبة، ولكن في الغالب يكون ممكناً اختيار ناحية سيكو-ديناميكية واحدة بإمكانها تلخيص موقف كل لعبة بشكل مفيد ومناسب وذي مغزى. إذاً فالوصف المناسب لــ “لولاك” هو “الحرمان من مصادر الفوبيا”.

الأمثلة. إنه أمر مفيد أن نقوم بدراسة أصول اللعبة التي نشأت في الطفولة، أو نماذجها الطفلية، لذلك فإن البحث عن أمثلة مشابهة – مثل تلك “النسخة الطفلية” من اللعبة– أمر يستحق بذل العناء فيه، من أجل القيام بوصف شكلي لها. في الحقيقة يتم لعب “لولاك…” من قِبَل الأطفال بقدر ما يلعبها الكبار، وبنفس الطريقة ولكن يحل المربي الحقيقي محل الزوج الصارم.
النموذج التفاعلي. يتم عرض التحليل التفاعلي لموقف نموذجي، مع توضيح المستويين السيكولوجي والاجتماعي وراء التفاعلات المستترة التي ينكشف عنها الستار. على المستوى الاجتماعي تعتبر لعبة “لولاك…” – في أكثر صورة درامية لها – لعبة “مربي – طفل”.

  • أستاذ وايت: “ستبقين هنا في البيت للاعتناء به.”
  • أستاذة وايت: “لولاك لكنت الآن أمرح في الخارج”

أما على المستوى السيكولوجي (عقد الزواج) تكون العلاقة “طفل – طفل” وتكون أكثر اختلافاً.

  • أستاذ وايت: “يجب أن تكوني في المنزل دائماً عندما أعود إليه، أنا أخاف من الوحدة!”
  • أستاذة وايت: “سوف أفعل إن ساعدتني في تجنب ما يـُخيفنـي!”

يتم توضيح كلا المستويين في الشكل 7.

     الحركات. الحركات في اللعبة تقريباً متطابقة مع الملاطفات في الطقوس. في أي لعبة، يكتسب اللاعبون مع الوقت مهارة وبراعة في ممارستها. يتم حذف الحركات الكثيرة ذات الفائدة القليلة، وحل محلها بحركات أقل ذات فائدة أكبر. “الصداقات الجيدة” كثيراً ما تعتمد على حقيقة أن اللاعبان يقومان بتكميل بعضهما بشكل اقتصادي وموفر، وفي الوقت ذاته يجلب الرضا، إذاً فهناك استفادة كبرى (حركات مفيدة) بأقل مجهود (حركات قليلة) من الألعاب التي يلعبانها معاً، وبإسقاط أو حذف بعض الحركات المتوسطة أو الاحترازية أو التنازلية تصبح العلاقة أكثر بهاءً وجمالاً. إن الجهد الضائع في المناورات الوقائية يمكن تخصيصه لتزيين العلاقات وازدهارها، ولإسعاد كلا الطرفين وأحياناً المشاهدين كذلك. يلاحظ الطالب أن هناك حد (عدد) أدنى من الحركات ضروري للقيام باللعبة، ويمكن ضمها تحت القواعد الأساسية للعبة، يقوم كل لاعب فردياً بتجميل أو مضاعفة هذه الحركات الأساسية وفقاً لاحتياجاتهم أو مواهبهم أو رغباتهم. الهيكل الأساسي للعبة “لولاك…” يكون كالتالي:

  1. الأمر – الطاعة: (“ابقي في المنزل” – “حاضر”)
  2. الأمر – الاحتجاج: (“ابقي في المنزل” – “لولاك لكنت في الخارج”)

الفوائد. إن الفوائد العامة للعبة تنحصر في وظيفتها للحفاظ على التوازن (الاستتباب). إن الاستتباب البيولوجي تدعمه الملاطفات، أما التوازن السيكولوجي فما يقويه هو تأكيد المرء لموقفه. كما ذُكِر مسبقاً، فقد تأخذ الملاطفات صوراً مختلفة، لكي يتم اعتبار “الفوائد البيولوجية” للعبة ملموسة ومحسوسة. إذاً فدور الزوج في “لولاك…” يذكرنا باللطمة بظهر اليد (تختلف عن اللطم بباطن اليد، الذي يعبر عن الإذلال المباشر)، واستجابة الزوجة مشابهة لركلة وقحة للزوج في رجله أو شيء من هذا القبيل. إذا فالمكسب البيولوجي من “لولاك…” مشتق من تبادل الاعتداء-الوقاحة؛ طريقة بائسة ولكنها على ما يبدو فعالة للحفاظ على صحة الأنسجة العصبية.

تأكيد موقف الزوجة – “كل الرجال مستبدون!” – هو الفائدة الوجودية. هذا الموقف هو رد فعل تجاه الرغبة المغوية في الاستسلام الملازمة للفوبيا؛ وفي ذلك توضيح للبناء المتماسك الذي يدعم جميع الألعاب. ببسط الجملة تصبح كالآتي: “لو أنني خرجت وحدي وسط زحام من الناس، سوف تغويني الرغبة في الاستسلام؛ أما في المنزل فأنا لا أستسلم، بل زوجي هو الذي يقيدني ويجبرني، وذلك يثبت أن كل الرجال مستبدون”. إذاً فتلك اللعبة يلعبها كل النساء اللاتي يعانون من إحساس بالزيف والوهم، الأمر الذي يعكس صعوبة حفاظهم على إبقاء الأمور تحت إدارة “الراشد” في مواقف الإغواء القوي. إن توضيح هذه الآليات بشكل مفصل هو أمر خاص بمجال التحليل النفسي ولا يخصنا في تحليل الألعاب. في تحليل الألعاب يكون الناتج النهائي هو موضع الاهتمام الأول.

الفائدة السيكولوجية الداخلية للعبة؛ هي تأثيرها المباشر على الاقتصاد النفسي (الشهوة). في “لولاك…”، استسلام الزوجة – المقبول اجتماعياً – لسيطرة الزوج يبقيها بعيداً عن المخاوف المرضية، وفي نفس الوقت يقوم بإشباع رغباتها المازوشية (المازوشي هو من يحب ويتلذذ بالشعور بالألم والذل، عكسها السادي) إن وجدت، وليست هنا بمعنى نكران الذات، بل بمعناها الكلاسيكي الحقيقي وهو الاستثارة الجنسية من مواقف الإذلال أو الحرمان أو الألم، بمعنى أن كونها مذلولة ومحرومة أمر في الحقيقة يثيرها.

     الفائدة السيكولوجية الخارجية للعبة؛ هي تجنب المواقف المخيفة بلعب اللعبة، ويظهر ذلك بوضوح في “لولاك…”، حيث أن خضوع الزوجة لأوامر زوجها هو ما ساعدها لتجنب المواقف الاجتماعية التي تخاف منها.

     الفائدة الاجتماعية الداخلية للعبة؛ ويرمز إليها اسم اللعبة كما يلعبها اللاعب في دائرته الاجتماعية. بسبب انصياع الزوجة لأوامر الزوج، نالت صلاحية أن تقول “لولاك…”. هذا يساعد في تكوين الوقت الذي لابد أنت تقضيه مع زوجها. في حالة أستاذة وايت، كانت تلك الحاجة لتكوين الوقت قوية، خاصة بسبب افتقارها للاهتمامات المشتركة بينها وبين زوجها، بالذات قبل إنجاب الأطفال وبعد أن كبروا،  اما في الفترة بين هذين فكانت تُلعب اللعبة بشكل أخف وأقل، لأن الأطفال كانوا يقومون بوظيفتهم المعتادة بتنظيم الوقت لمربيهم، كما قاموا بتحقيق صورة آخرى – أكثر انتشاراً – من لعبة “لولاك…”: ألا وهو “ربة المنزل المشغولة”، وهو اكثر قبولاً وشيوعاً. إن حقيقة أن الأمهات الشابات في أمريكا يكونون في العادة مشغولين جداً لا تُغير شيئاً في تحليل هذه الصورة من اللعبة. إن تحليل الألعاب لا يسعى إلا للإجابة على هذا السؤال بدون انحياز أو تعصب: “بافتراض أن فتاة شابة مشغولة، كيف تقوم باستغلال انشغالها لكي تنال بعض التعويض عنه؟”.

الفائدة الاجتماعية الخارجية للعبة؛ تتحدد من خلال الغرض الذي حققته اللعبة أثناء الاتصالات الاجتماعية الخارجية، على سبيل المثال؛ في لعبة “لولاك…” – هذا ما تقوله الزوجة لزوجها – هناك تحول إلى تسلية “لولاه…” عندما تقابل الزوجة صديقاتها أثناء قهوة الصباح. هنا أيضاً يتجلى تأثير الألعاب في اختيار الرفقاء الاجتماعيين. إن الجارة المدعوة لقهوة الصباح تكون مدعوة للعب “لولاه…”، فإن لعبتها – جيداً – فسوف تصبح قريباً صديقة مقربة لها، وتتعزز الصداقة بما يكتشافنه في بعضهما من أمور مشتركة أخرى. أما إذا رفضت أن تلعبها وأصرت على ذكر محاسن زوجها والتفاخر به، فلن تستمر علاقتها بها طويلاً. الأمر نفسه ينطبق عليها إن أصرت على رفض تناول الشراب في حفلات الكوكتيل، فسيتم إسقاطها من قائمة المدعويين إلى معظمها.

بهذا ينتهى حديثنا عن تحليل السمات الشكلية للعبة “لولاك…”. من أجل توضيح أكثر تفصيلاً لتلك العملية، يُفَضَل الرجوع لتحليل لعبة “لماذا لا تقوم بكذا؟ – نعم ولكن…”، وهي أكثر الألعاب شيوعاً في التجمعات الاجتماعية والمقابلات ومجموعات العلاج النفسي في العالم كله.

3: نشأة الألعاب
     من وجهة النظر الحالية، تعنبر تربية الأطفال عملية تعليمية يتم فيها تعليم الأطفال الألعاب التي يجب أن يلعبها وكيف يلعبها، كما يتم تعليمه أيضاً الإجراءات والطقوس والتسالي الملائمة لموقفه في الصورة الاجتماعية المحلية، ولكن هؤلاء أقل أهمية. إن معرفته وخبرته بالإجراءات والطقوس والتسالي يحددان الفرص والمجالات التي ستكون متاحة له في المستقبل – إن تساوت كل الأمور الأخرى – ولكن الألعاب التي يلعبها هي التي تحدد كيفية انتهازه تلك الفرص واستغلالها، ويحددان نواتج المواقف المؤهل لها التي يمر بها. أما ألعابه المفضلة – التي تكون عناصر “سيناريو” حياته، أو مخطط حياته اللاإرادي – فهي التي تحدد مصيره المطلق النهائي – أيضاً إذا تساوت الأمور الأخرى – مثل نواتج حياته الزوجية ومجرى حياته المهنية وحتى الظروف المحيطة بوفاته.

بالرغم من أن المربون ذوي الضمائر اليقظة يخصصون كماً كبيراً من الاهتمام نحو تعليم أبنائهم الإجراءات والطقوس والتسالي الملائمة لمحطاتهم في الحياة وأنه لا يقل عن الاهتمام الـمُنصب على مدرستهم وكلياتهم وعبادتهم حيث يتم تقوية تعليمهم، إلا أنهم يميلون لتجاهل مسألة الألعاب، التي تُكَوِن البناء الأساسي للديناميكية العاطفية لكل أسرة، والتي يتعلمها الأطفال عبر تجاربهم وخبراتهم الحياتية منذ شهورهم الأولى. لقد تمت مناقشة مسائل مشابهة على مدار السنين الأخيرة، بأسلوب أكثر تعميماً وأقل تنظيماً، كما أجريت بعض المحاولات لعرض الموضوع بطرق أكثر منهجية وتنظيماً في كتب طب النفس التقويمي Orthopsychiatry ، ولكن بغياب فكرة ومدلول الألعاب هناك إمكانية صغيرة للبحث والاستقصاء المستمر. نظريات الديناميكيات النفسية (السيكو-ديناميكية) الفردية الداخلية لم تتمكن بعد من حل مشاكل العلاقات بين البشر بشكل مرضي، تلك المشاكل تطلبت إيجاد نظرية حول الديناميكيات النفسية لا يتم استنباطها بالنظر فقط إلى دوافع الإنسان الفردية.

بما أن هناك حتى الآن قلة من المتخصصين الـمُدَرَّبين جيداً في مجال علم النفس الخاص بالأطفال وطب الأطفال النفسي، الذين تم تدريبهم أيضاً في مجال تحليل الألعاب، فالملاحظات حول نشأة الألعاب نادرة. لحسن الحظ؛ حدث الموقف الآتي أثناء تواجد محلل تفاعلي بارع:
تانجي – طفل ذو سبعة أعوام – أصيب بألم في معدته أثناء العشاء وطلب الإذن بالقيام من على طاولة الطعام والمغادرة لذلك السبب. اقترح والديه أن يقوم بالراحة على سريره لبعض الوقت. هنا، قال أخوه الصغير – مايك، ذو الثلاثة أعوام – “أنا لدي ألم في معدتي أيضاً”، ومن الواضح أنه يسعى لنيل بعض الاهتمام هو الآخر. نظر الأب إليه في صمت بضعة ثوانٍ ثم قال: “أنت لا تريد أن تلعب تلك اللعبة، أتريد؟”، ومن هنا انفجر الطفل ضحكاً وقال “لا!”.
لو كان أهل هذا البيت من ذوي المعتقدات الغريبة حول الطعام أو البطن، لكان مايك أيضاً قد أُخذ إلى فراشه من قِبَل الوالدين القلقين عليه. إذا تم تكرار هذا الموقف عدة مرات، يمكن توقع أن تلك اللعبة صارت جزءاً من شخصية مايك، وهذا ما يحدث في العادة نتيجة تعاون المربين. فمتى يكون حاقداً على أحد منافسيه لحصوله على امتياز ما، فسوف يتحجج بالمرض لكي يحصل على امتياز أيضاً. في تلك الحالة يكون التفاعل المضمر مكونا من: (مستوى اجتماعي) “أنا أشعر بالمرض” + (مستوى سيكولوجي) “يجب أن تمنحني امتيازاً أيضاً!”. على أي حال، لقد تم إنقاذ مايك من مثل هذا المستقبل الوهمي. ربما ينتهي به المطاف لمصير أكثر سوءاً ولكن هذا لا يخصنا هنا، بل ما يخصنا هو أن اللعبة تم إيقافها فوراً تلو نشأتها من خلال تدخل والده وسؤاله له، ومن خلال صراحة الطفل الذي اعترف بأن ما قام به كان لعبة.

هذا المثال يوضح جيداً كيف أن الألعاب كثيراً ما يبدأها الأطفال الصغار عن عمد. عندما تصير تلك الألعاب أنماطاً ثابتة من مؤثرات واستجابات، تنسى جميع أصولها في دوامة الزمن، وتـحجب رؤية طبيعتها السُدُم الاجتماعية، ولا يمكن أن نعي بكليهما إلا من خلال القيام بالإجراءات المناسبة: يُعرف الأصل من خلال نوع ما من أنواع العلاج التحليلي، والطبيعة المستترة من خلال المعارضة. بتكرار التجربة السريرية التحليلية بُناء على تلك الأمور يكشف حقيقة أن الألعاب في الأصل تقليدية ومُحاكيَّة، وأنها تنشأ في بادئ الأمر من ناحية “الراشد” (الذات الجديدة) في شخصية الطفل. إذا تم إعادة أحياء حالة ذات “الطفل” لدى اللاعب البالغ، فما يكتسبه من مهارة ومؤهل سيكولوجي في هذا الجانب (الناحية “الطفلية” في حالة ذات “الراشد”) يكون مدهشاً، ويُحسد على ما لديه من البراعة في التلاعب والتحكم في الناس، ويطلق عليه في اللغة العامية “بروفيسور” (…الطب النفسي). إذاً ففي مجموعات العلاج النفسي التي يتم التركيز فيها على تحليل الألعاب، أحد أكثر الإجراءات تعقيداً هي البحث عن “البروفيسور” الصغير بداخل كل مريض، والذي يتم الاستماع من قِبَل جميع الحاضرين بإعجاب وتشويق إلى ما يقصه من مغامراته في إنشاء الألعاب بين سن الثانية والثامنة، وعادة بالاستمتاع والفكاهة أيضاً – إلا إذا كانت ألعاباً محزنة وبائسة – الأمر الذي يدفع المريض نفسه أحياناً للمشاركة بتقدير ذاته والاعتزاز بنفسه بشكل مقبول. متى يتمكن من فعل ذلك، فهو على الدرب الصحيح للإقلاع عنما يمكن وصفه بنبط سلوكي منبوذ، وبالطبع هذا في مصلحته.
هذه هي الأسباب وراء السعي الدائم لوصف النماذج الطفلية من الألعاب عند إرادة إجراء وصف شكلي ورسمي لها.

4: وظائف الألعاب
في الحياة الاجتماعية اليومية يكون المجال المتاح للألفة محدوداً، كما أن هناك صوراً من الألفة – بالذات الألفة القوية – تكاد تكون مستحيلة نفسياً لبعض الناس. لذلك يشغل الناس الكتلة الكبرى من أوقاتهم في لعب الألعاب. إذاً فالألعاب ضرورية ومُرادة، المشكلة الوحيدة هنا هي؛ هل تلك اللعبة تحقق للفرد الذي يلعبها أقصى فائدة أم لا؟ في ذلك الشأن، يجب أن تذكر أن أهم سمة من سمات الألعاب هي الذروة، أو ناتج اللعبة. الوظيفة الأساسية للحركات الابتدائية في اللعبة هي تهيئة الموقف المناسب للحصول على هذا الناتج، وبالإضافة إلى ذلك تكون تلك الحركات مصممة لجنى أكبر قدر من الرضا في كل خطوة كناتج ثانوي. إذاً ففي لعبة “الأحمق” – القيام بالفوضى ثم الاعتذار – يكون ناتج اللعبة ووظيفتها هما نيل المسامحة والمغفرة بالغصب، وذلك من خلال الاعتذار. قد تكون الفوضى النهائية نتيجة خطوات عديدة مثل سكب الشراب على الأرض أو إلقاء رماد السجائر في كل مكان، ولكن كل خطوة من خطوات التخريب على حدة يجني منها “الأحمق” متعة خاصة. إن استمتاعه بذلك التخريب لا يعني أنه في ذاته لعبة، فالاعتذار هو المؤثر الحاسم الذي يصل باللعبة للختام. من ناحية أخرى، فالتخريب ببساطة عبارة عن إرجاء تدميري ضار، نوع من الانحراف ربما يكون ممتعاً للبعض.

تتشابه في ذلك لعبة “السكران”؛ فبغض النظر عن الحاجة الفسيولوجية لاحتساء الكحول – إن وجدت – فمن المنظور التحليلي للعبة فعملية الاحتساء مجرد حركة في اللعبة التي يُقام بها مع الأشخاص في البيئة المحيطة باللاعب. قد يجلب الاحتساء نفسه متعته الخاصة للشارب، ولكن ليس هذا هو جوهر اللعبة. يتضح هذا في أحد الأنواع المشتقة منها: “السكران الجاف”، التي تتضمن نفس الحركات وتؤدي إلى نفس الناتج كاللعبة الأساسية، ولكنها تُلعب بدون أي زجاجات أو كؤوس.

بالإضافة إلى وظيفتها الاجتماعية في تكوين الوقت بشكل مُرضٍ، بعض الألعاب تكون لازمة إلى حد كبير للحفاظ على صحة بعض الأشخاص. إن الصحة النفسية لدى هؤلاء الأشخاص تكون متزعزعة ومتقلقلة، ولا يستطيعون المحافظة على موقفهم الوجودي بقوة. إذا امتنع مثل هؤلاء الأشخاص عن لعب ألعابهم فلربما ينغمرون في حالة مبرمة من اليأس وحتى الذُهَان. هؤلاء الأشخاص سوف يكافحون بشدة ضد أي حركات معارضة لألعابهم، ويمكن ملاحظة ذلك في العلاقات الزوجية عند تحسين الحالة النفسية طبياً لأحد الزوجين (مثل الإقلاع عن الألعاب الهدامة) تؤدي لتدهور سريع في حالة الزوج الآخر، الذي كانت الألعاب تمثل له أهمية كبيرة في الحفاظ على التوازن في العلاقة. إذاً فلابد من تعلم الحذر والاحتراس في مجال تحليل الألعاب.
لحسن الحظ، إن ثمار الأُلفة الخالية من الألعاب – التي تعتبر أكثر الصور مثاليةً للمعيشة – تكون عظيمة جداً، حتى أن الشخصيات ضعيفة التوازن يمكنها أن تتخلى عن ألعابها بأمان وسعادة إذا تمكنوا من إيجاد رفيق مناسب لعلاقة أفضل.
بشكل أكثر عموماً، تعتبر الألعاب مكونات تكاملية وديناميكية للمخطط اللاوعيي للحياة، أو ما يسمى “السيناريو” الخاص بكل فرد؛ فهي تملأ الوقت الذي يقضيه منتظراً أن تتحقق رغبته النهائية، وفي الوقت ذاته تتقدم بالخطوات. إن الخطوة الأخيرة من السيناريو تكون مميزة؛ إما معجزة أو كارثة، ويعتمد ذلك على طبيعة السيناريو فإما يكون بنَّاءً أو هدَّاماً، وبالتالي تكون الألعاب المتضمنة تابعة له؛ فإما تكون بنَّاءة أو هدَّامة هي أيضاً. باللغة العامية؛ إن شخصاُ ذو سيناريو موجه نحو “انتظار قدوم بابا نويل” غالباً يكون اللعب معه ممتعاً في ألعاب مثل “واه! إنك رائع، أستاذ مرجاترويد!”، أما شخص ذو سيناريو بائس موجه نحو “انتظار بدء التخشب الموتي” قد يلعب ألعاباً بغيضة مثل “الآن تمكنت منك يا ابن العاهرة!”.

يجب التنويه إلى أن المصطلحات العامية مثل تلك الموجودة في الفقرة السابقة تعتبر جزءاً تكاملية في تحليل الألعاب، وتستخدم بشكل حر في مجموعات العلاج التفاعلي النفسي وفي الندوات. نشأ التعبير “انتظار بدء التخشب الموتي” لأول مرة في حلم إحدى المرضى؛ حيث رأت أنها لابد أن تُتم القيام ببعض الأمور قبل أن “يبدأ التخشب الموتي”. قام مريض آخر في أحد مجموعات العلاج المعقدة بالإشارة إلى أمر لم يلاحظه، وهو أن -عملياً– انتظار بابا نويل وانتظار الموت يحملان نفس المعنى. بما أن تلك التعبيرات العامية تحمل أهمية كبيرة في تحليل الألعاب، سوف يتم مناقشتها بشكل مفصل لاحقاً.

5: تصنيف الألعاب
معظم المتغيرات المستخدمة في تحليل الألعاب والتسالي تم ذكرها بالفعل، ويمكن استخدام أياً منها لتصنيف الألعاب والتسالي بشكل ممنهج ومنظم. بعض من التصنيفات البديهية تعتمد على العوامل الآتية:

  1. عدد اللاعبين: ألعاب ثنائية الأدوار (المرأة الباردة)، ثلاثية الأدوار (هيا أنت وهو، تعاركا)، خماسية الأدوار (السكران)، وألعاب كثيرة الأدوار (لماذا لا تقوم بكذا؟ – نعم، ولكن…).
  2. العملة المستخدمة: الكلمات (الطب النفسي)، المال (المديون)، أجزاء الجسم (جراحة متعددة)
  3. أنواعها السريرية: هيستيرية (اغتصاب)، وسوسة قهرية (الأحمق)، الذعر (لماذا يحدث لي هذا!)، كئيبة (ها قد فعلتها من جديد!).
  4. المنطقة: الفم (السكران)، الشرج (الأحمق)، القضيب (هيا أنت وهو، تعاركا).
  5. السيكوديناميكية: مضادة للفوبيا (لولاك…)، إسقاطية (PTA )، استبطانية (الطب النفسي).
  6. الغريزة: مازوشية (لولاك…)، سادية (الأحمق)، ولع جنسي (الرجل البارد).

     بالإضافة إلى عدد اللاعبين، هناك ثلاثة متغيرات كمية عادةً يكون مفيداً أخذُها في الاعتبار:

  1. المرونة: بعض الألعاب مثل “المديون” و “جراحة متعددة” يمكن أن تُلعب بشكل سليم باستخدام نوع واحد فقط من العملات، أما غيرها مثل الألعاب – كالألعاب الاستعرائية – تتصف بأنها أكثر مرونة.
  2. التمسك: بعض الأشخاص يفرطون في ألعابهم ويعجلون عنها بسهولة، والبعض الآخر يتمسك بها ويصر عليها.
  3. القوة: بعض الناس يلعبون ألعابهم بشكل مرتاح، والآخرون يلعبونها بشدة أو عدوانية. يطلق على تلك الألعاب: الألعاب اليسيرة والعسيرة تباعاً.

     هذه المتغيرات الثلاثة تلتقي معاً لتجعل الألعاب لطيفة أو عنيفة. عادةً عند المختلين عقلياً هناك تطور ملحوظ في ذلك الشأن، إذاً فيمكن القول إن هناك مراحل أو تدريج. قد يبدأ شخص منفصم ومذعور بلعب لعبة مرنة وخفيفة ويسيرة في المرحلة الأولى “أليس هذا بشعاً!” ويتطور به الأمر لمرحلة ثالثة تتصف بالتصلب والملازمة والعسر. يتم التمييز بين مراحل اللعب المختلفة على النحو التالي:

  1. لعبة من المرحلة الأولى: تلك التي تنال قبولاً من الناس في دائرة اللاعب.
  2. لعبة من الدرجة الثانية: لا ينتج منها أضرار دائمة أو غير قابلة للإصلاح، ولكن يفضل اللاعبون إخفائها وعدم المجاهرة بها.
  3. لعبة من الدرجة الثالثة: تلك التي لها نتائج دائمة وباقية، وختامها إما في غرفة العمليات أو المحكمة أو المشرحة.

     يمكن أيضاً تصنيف الألعاب بالاعتماد على أي من العوامل التي ذكرت في تحليل لعبة “لولاك…”: الغرض، الأدوار، والفوائد البينة. إن المرشح الأكثر احتمالاً لتصنيف أكثر نظاماً ومنهجية للألعاب ربما يكون الاعتماد على الموقف الوجودي؛ ولكن بما أن المعرفة والمعلومات حول هذا العامل لم يتم التقدم فيهما بشكل كافٍ بعد، فيجب تأجيل هذا التصنيف إلى وقت لاحق، أما أكثر تصنيف عملي متاح لدينا الآن ربما يكون التصنيف الاجتماعي – من منظور علم الاجتماع – وهو الذي سنستخدمه في القسم التالي.