الأربعاء, مايو 8, 2024
الوسواس القهري

ماذا لو رفض مريض الوسواس القهري العلاج

لم تتم الدراسة بشكل عملي على النتائج طويلة المدى لعدم تلقي العلاج.. من خلال تجربتي الشخصية فإن أولئك المرضى الذين لا يتلقون العلاج ينتهي بهم الأمر إلى إحدى ثلاث فئات إعتمادًا على مدى شدة أعراضهم..

الفئة الأولى: الذين لديهم أعراض بسيطة أو خفيفة وغير متغيرة إلى الأسوأ حيث لا يحصل أفراد هذه المجموعة على المساعدة فإن مشكلتهم تكون في كفاءة أو جودة الحياة التي يعيشونها.. هؤلاء يستطيعون العمل ولكن المرض يحد من جودة حياتهم.

الفئة الثانية: الذين يعانون من أعراض أكثر خطورة وجدية ولكنهم أيضًا لديهم استقرار نسبي.. إنهم أنفسهم يتكيفون بصورة أقل في حياتهم (يتقبلون نوع الحياة الأقل كفاءة وسعادة ورضا) حيث يتم التعود على الأعراض ولكن بكثير من الألم وعدم المواءمة.. أنا أدعو هؤلاء الناس بالسائرين الجرحى (walking wounded).

الفئة الثالثة: هم الذين تبدأ أعراضهم بسيطة وتزداد بالتدرج وتصبح شديدة ومقعدة ومعطلة مع مرور الوقت.. فإن مرضى الوسواس القهري تتدهور حياتهم بمعدل ثابت ويصبحون مقيدون داخل دائرة مفرغة من التجنب والبعد عما يثير وساوسهم وبالتالي أفعالهم القهرية.. مثل هؤلاء الأشخاص عادة ينتهي بهم الحال مرتبطين بالبيت وغير قادرين على العناية بأنفسهم ويعيشون على إعانة الإعاقة والاحسان من أصدقائهم وأفراد عائلاتهم..

المرضى غير الخاضعين للعلاج من الناضجين يعيشون مع والديهم ويتبعون حياة غير سعيدة.. عادة ما يتسكعون بشكل غير منتج حول المنزل ويصبحون عبء على عائلاتهم ويعيشون في قلق دائم مما سيحدث إذا مات أو تأذى والديهم.. والوالدين يقلقون على أبناءهم الأطفال الكبار سنًا وعمن سيساعدهم إذا  رحلوا.. المرضى الكبار في نهاية الأمر يصبحون معتمدين دائمًا على ولاية واهتمام بل و تبني أفراد عائلاتهم إذا كانوا غير قادرين على التعافي  وليس هناك مستقبل مبهج.

للأسف لا يوجد بيد العائلة والأصدقاء الكثير ليفعلوه لمرضى الوسواس القهري الذين لا يظهرون ميلاً للعلاج أو العمل أو الاختلاط بمن حولهم أو التحسن أو حتى لا يطلبون المساعدة الطبية على الاطلاق.

الكثير من المرضى لديهم الحجج الواهية لعدم تلقي العلاج والانتظام على برامج العلاج السلوكي.. هؤلاء عليهم أن يعلموا أن الالتزام يجلب النجاح.. في العموم معظم المرضى المتخاذلين فعليًا يريدون الشفاء ولكن يريدونه بطريقتهم الخاصة.. إنهم يريدون التحسن ولكن في نفس الوقت لا يريدون الشعور بالقلق أو عدم الارتياح ولا أن يضطروا لمواجهة مخاوفهم.. وبما أن هذا غير ممكن فإنهم يفضلون ألا يفعلوا شيئًا وأن يظلوا مع مشاكلهم المعتادة.

أنا عادةً أتلقى اتصالاً من أحد أفراد  العائلة مبينًا لي (كيف يمكنني أن أدفع هذا الشخص للعلاج.. كلما فتحت معه الموضوع يغضب مني ويرفض مناقشتي) صورة أخرى من ذلك. (أنا حقًا أعتقد أنه يحتاج المساعدة لكن حين أخبره بذلك فإنه ينكر تمامًا. يقول إني أبالغ وأن لديه القليل من العادات الصعبة المسببة للمشاكل والتي لا تخص أحدًا غيره)

وحتى اسمع أحيانًا (هل يمكننا خداعهم حتى يأتون للعلاج)

أو (هل هناك طريقة لإجبارهم على العلاج؟)

أو الأسوأ (هل هناك طريقة لندخل الأدوية إلى طعامهم دون أن يشعروا؟)

أو (هل لديك دواء أو منوم أضعه في الطعام أخدره به وأحضره لك نائمًا؟)

عندما يقوم شخص ما غير المريض بالاتصال الأول (باستثناء الأطفال) أميل للاعتقاد أن هناك مشكلة معتادة في التحفيز واسأل لماذا تتصل بي وليس المريض نفسه..

في بعض الأحيان يكون المريض متحفزًا للعلاج فعلاً ولكنه خجول، مريض متخاذل في البدء  ولكن في كثير من الأحيان وللأسف المريض لم يتم استشارته بعد وليس على علم بهذا الاتصال وأنه يتكدر للغاية عندما يعلم بهذا.

أعتقد أن المشكلة الأكبر هنا أن العائلة والأصدقاء يجدون صعوبة في تقبل الفكرة أنه لا أحد يستطيع أن يجعل شخصًا آخر يتعافى.. أنا أخبر المريض ( لا نستطيع أن نجعلك تتحسن وتتعافى أكثر مما تريد لنفسك).

التحسن يأخذ الكثير من العمل الشاق حتى عندما يكون المريض متحفز.. أما عندما يرفض العلاج فلا شئ سيحدث أو القليل جدا سيحدث.. لقد رأيت أناسًا تم زجهم إلى العلاج عن طريق التهديد، الغضب، الابتزاز، الذنب، أو حتى الاحتيال.. إذا لم يكن لدى المريض إرادة عادة ما ينتهي الأمر بشكل سئ.. العلاج يجب أن ينظر إليه على أنه فرصة للفرد لينمو ويتغير بإرادته وليس أحد أشكال التأديب والعقاب.. إذا وجد فعلا شرر صغير من التحفيز أو الأمل فإنه من الممكن إزكائهما لتصبح شعلة إذا استخدمت طريقة مناسبة ولكن إذا لم توجد فإن دفع المريض للحصول على العلاج يترك فقط لديه شعور دائم سئ تجاه العلاج والمعالجين.

على أى حالة مهما تمنينا أن يشفى شخص ما ما زال علينا أن نحترم حقه كفرد له الاختيار مهما كان اعتقادنا في مدى خطأ اختياره..

 الآخرون ذوى الأهمية في حياة المريض سوف يقولون “كيف يمكن أن أقف فقط واشاهده ينجرف هكذا” ومن المفهوم ألا تقبل الأسرة الرفض كإجابة لطلبهم للعلاج.. أنه من المؤلم وبشدة مراقبة شخص ما تحبه يمضي بغير مساعدة خلال آلام أعراض الوسواس القهري.. تشعر العائلة والأصدقاء بالعجز الشديد واليأس هم يعتقدون أن السبب الذي لا يستجيب المريض المتكاسل للحصول على المساعدة الطبية هو أنهم لم يشرحوا الأمر بشكل صحيح أو ليس لديهم قوة كافية أو أن المريض ببساطة لم يفهم، أو أنه يتعمد البقاء عليلاً.. يتصورون أنهم إذا شرحوا أو اعتذروا حتى مرة أخرى وأظهروا للمريض كم هم مهتمون به فسوف يستمع إليهم في آخر الأمر ويتحرك ليطلب المساعدة..

الغريب أن هذا لا يحدث وعندما لا يأتي ذلك بنتيجة فإن بعض الناس ينتقلون إلى العقاب والغضب ليدفعوا المريض للتحسن وطلب العلاج.. هذا يحدث بالتحديد حين يعتقدون أن المريض يتعمد البقاء مريضًا عن عمد من أجل الحصول على استفادة من الأخطاء الماضية resentment ومعظم الناس يتفاعلون مع هذا برد فعل غاضب.

هذه الطريقة تجعل المريض يبتعد عن البحث عن مساعدة ومن مشاكل هذه الطريقة أيضًا أنها تولد ضغطًا نفسيًا يحفز الأعراض المرضية ويجعلها أسوأ.

حتى إذا جربت منهج أو طريقة أكثر لطفًا ورفقًا فإن النتائج تظل كما هى إذا كان المريض غير راغب أو غير مستعد للعلاج..

لقد رأيت بعض العائلات المحبة والمهتمة تنتظر بصبر المريض أن يقترب من العلاج فهم يخشون مواجهته ولم تزل حياتهم تحت سيطرة أعراض المريض.. تمر بهم السنوات ولا شئ يتغير باستثناء أن الأسرة تتوقف عن عيش حياتها الخاصة ويصبحون منهكين نفسيًا.. يتقدم الوالدين في العمر مع فرد ناضج غير قادر بين أيديهم في أيامهم الأخيرة.

الأصدقاء والعائلة يحتاجون إلى أن ينفصلوا عن الأعراض المرضية لمريضهم ويركزوا على أن يعيشوا حياتهم الخاصة بشكل كامل.. هذه ليست فكرة جيدة ولكنها مقتبسة من علاج إدمان الخمر والمخدرات.. العلاقات التي تكرس فيها الأسرة وقتها وراحتها وطرق معيشتها للضغط على مريضهم ومساعدته ويظنون أن إدارة ودعم حياة الأفراد غير العاملين والمعتمدين عليهم تنتهي عادةً هذه العلاقات بأن الطرفين يصبحون غير عاملين أو غير منتجين.

على الأشخاص ذوي الأهمية في حياة المريض أن يتوقفوا عن تمكين المريض والكف عن التصرف وكأنهم مسؤلين (إلا إذا كان المريض طفلاً) وللقيام بذلك فهم يحتاجون إلى نصيحة متخصصة لأن ذلك من الصعب القيام به بمفردهم وخاصةً بعد مرور سنوات من الغضب والذنب والعادات السيئة.. لا فائدة من الشعور بالذنب من أجل احتياجاهم للحصول على مساعدة على حساب المريض (بسبب أعراض المريض).

عندما ينخرط الآخرون في الأعراض ويديرون حياة المريض فإن لديهم فعليًا مشكلة هم أنفسهم.. لوم المريض أو النفس لن يساعد أحد.. إن مستشارًا جيدًا سوف يساعد الناس ليكفوا عن المشاركة أو المساعدة في الطقوس القهرية للمريض ومقاومة الإجابة على أسئلته المتكررة التي يهدف بها إلى التأكد والطمأنة..

إذا كان من الواضح أن المريض لن يتعافى أثناء دعمه في المنزل فإن عليه أن ينتقل من البيت أو على الأقل يحدد موعد لذلك.. الفكرة هى إذا كنا لا نستطيع إنقاذه على الأقل انقذ نفسك.. المعالج يستطيع أن يشرح للمريض حقيقة ما يحدث بدون أن يفهم المريض أنه عقاب له.. المريض قد يضطر في النهاية إلى التفاوض في شأن الحصول على مساعدة حين يرى أن مساندوه جادون ولا يهزلون.. ولكن لا يمكن الاعتماد على هذا فقط.. المزيد من التعليمات حول كيفية التعامل مع غضب المريض واستياءه ومحاولاته للاحتيال قد تساعد.. من المهم للغاية السماح للوقت أن يصنع هذا الانسحاب لأنه لا يحدث في ليلة وضحاها وتذكر أن أى تغيير في السلوك هو تغيير تدريجي.

استثناء مهم لعملية الانسحاب هى أن يكون لدى المريض ميولاً انتحارية أو يهدد بالانتحار.. فإن ذلك يؤخذ بجدية ويجب البحث عن مساعدة طبية فورًا بالإقامة المؤقتة في أحد المراكز النفسية.. حيث يكون هذا هو الحل الأمثل عندما يكون الانتحار واردًا.. فإذا كان التهديد خطيرًا فإن حياة المريض أنقذت.. أما إذا كان مجرد تلاعب الغرض منه السيطرة على الآخرين فإنه من المرجح أنه لن يستخدم التهديد بالانتحار مرة أخرى..

وعمومًا هذا غير معتاد مع مرضى الوسواس القهري..

استثناءًا آخر مهم عندما تكون طقوس المريض القهرية تشكل تهديدًا خطيرًا على صحة المريض.. أنا أتذكر مريضًا بوسواس النظافة وقد أصيب بتقرحات في ساقيه من الوقوف في الماء وغسيل ساقيه المتكرر لساعات طويلة.. وحين زاد الخطر من أن يصاب بالغرغرينة كان الحل هو دخول المستشفى لضرورة علاجه من هذه الأعراض..

ولي مريض آخر يشوي بشرته بالكلور وكل المنظفات القوية بل ربما القاتلة ومازال إلى الآن يرفض دخول المستشفى أو العلاج.

مواقف أخرى مثل أن المرضى قد يجوعون أنفسهم أو يستخدمون مواد كيميائية على أجسادهم أيضًا يجب أن يتم التعامل معهم بهذه الطريقة.. أنا في بعض الأحيان أخبر العائلات اليائسة أن عليهم حجز المريض المتخاذل في المستشفى لا إراديًا (رغمًا عن إرادته) للحصول على المساعدة وأخبرهم أن هذه الأحوال فقط هى التي تتيح الدخول الاجباري إلى المستشفى.

رفضك الاستمرار في دعم المريض في مرضه لن يضمن أن يبدأ المريض فجأة في التحسن.. من المضمون أكثر أن يكون للناس الذين يدعمون المريض حياة خاصة..

قد يحدث في بعض الأوقات أن المرضى لا يمكنهم الاستمرار كما كانوا في السابق بسبب أن الإتزان قد اختل.. وقد تحدث خطورة باتجاه العلاج حيث يرون أخيرًا أنه لا حل مقبول آخر.. أنا أتذكر دائمًا في هذه المواقف عبارة المعالج النفسي “الناس فقط تتغير حين يصبح من الخطير جدًا البقاء كما هم”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *