الأربعاء, مايو 8, 2024
الوسواس القهري في الأطفال

نظرة عامة عن الوسواس القهري في الأطفال

“إن السماء لم تكن تمطر عندما بنى نوح السفينة”
“قول مأثور”

يقوم الجزء الأول بتمهيد الطريق للعلاج.. وفي الفصل الأول نقوم بإعطاء نظرة عامة عن اضطراب الوسواس القهري عند الأطفال لمن يكن الأمر غير مألوف لهم..وفي الفصل الثاني نصف الكيفية التي نؤدي بها التقييم الأولي بشكل صحيح وهو أمر ضروري لتنفيذ العلاج المعرفي السلوكي (CBT) وفي الفصل الثالث نقوم بإعطاء نظرة عامة عن بروتوكول (سياسة) العلاج التي سيتم وصفها بالتفصيل في الجزء الثاني.. والقارئ الذي لديه خبرة مسبقة  في تشخيص الوسواس القهري والعلاج المعرفي السلوكي الخاص به قد يرغب في تصفح الفصول الثلاثة الأولى بسرعة ويعود إليها فقط عندما يحتاج معلومات أكثر تحديدًا، ولكن سيستفيد معظم القراء من القراءة  الدقيقة لهم حيث تعرف هذه الفصول الهيكل النظري والعملي الذي تتم داخله عملية العلاج المعرفي السلوكي للوسواس القهري عند الأطفال.

الفصل الأول
نظرة عامة للوسواس القهري عند الأطفال

إن التفرقة القديمة بين العقل والجسد لا تفيد في شئ بل تعرقلنا وكل من العلاج الدوائي والعلاج النفسي فعال لأنهما يعملان على المخ.
Stive Hyman,MD,Director,National Institutes of Mental Health
يعاني فرد من كل 200 شخص صغار السن من الوسواس القهري (Flament, 1990) ، وفي كثير من الحالات يؤدي هذا الاضطراب إلى خلل أكاديمي ومهني واجتماعي (Leonard, Swedo,et al 1993, Adams, Waas, March, Smith 1994)
وبين الأطفال والمراهقين للأسف يحصل عدد قليل على تشخيص صحيح ويتلقى عدد أقل علاجًا مناسبًا (Flament et al 1988) نظرًا لتوافر العلاج المعرفي السلوكي الفعال (March, Mulle, Herbel, 1994) والعلاج الدوائي الفعال أيضًا (Leonard, Lenane, Swedo, 1993, March, Leonard, Swedo 1995)

ويعتمد العلاج المعرفي السلوكي الناجح للأطفال والمراهقين المصابين بالوسواس القهري على فهم المرض عند ظهوره لدى صغار السن، ولذلك سوف نقوم بوصف انتشار، المعايير التشخيصية الظاهرة، التاريخ الطبيعي، علم الأعصاب، علاج الوسواس القهري.. وللقراء الذين يهمهم الأمر يمكن الرجوع لمناقشات أكثر عمقًا لمواضيع التقييم (Goodman, Price 1992, March, Albano 1996) التشخيص والاعتلالات المصاحبة (Swedo, Ropoport, Leonard, Lenane, Cheslow 1989, Cohen, Leckman)        الوسواس القهري في البيئة المدرسية (Adams et al 1994) ، الاضطرابات الخاصة بنفس المجال (Rapoport 1993, Leonard, Lenane, Swedo, Rettew, Rapoport 1991, Swedo 1993)                                    والتاريخ الطبيعي (Leonard, Swedo et al 1993) والعلاج النفسي المعرفي السلوكي (March 1995, March, Mulle, Herbel 1994, March, Mulle 1996) ، والعلاج الدوائي (leonard, Rapoport 1989)

التشخيص والتقييم
انتشار المرض
كما هو الحال مع البالغين فإن الوسواس القهري أصبح شائعًا بشكل أكبر مما كان متوقعًا عند الأطفال والمراهقين بمعدل 6 شهور انتشار لحوالي طفل في كل 200 طفل ومراهق وهذا يعني أن ثلاثة أو أربعة أطفال في كل مدرسة ابتدائية وتقريبًا 20 مراهق في كل مدرسة ثانوية يعانون من الوسواس القهري (Rutter, Tizard, Whitmore 1970) وحوالي ثلث إلى نصف البالغين المصابين بالوسواس القهري تطور لديهم الاضطراب خلال الطفولة (Rasmussen, Eisen 1990) .

وبين المرضى الذين تمت رؤيتهم في المعهد الوطني للصحة النفسية كانت بداية المرض عند الصبية خلال فترة ما قبل البلوغ بشكل أكبر، كما كانت نسبة تواجد شخص مصاب بالمرض في الأسرة كبيرة أو قد يكون الشخص مصابًا بمتلازمة توريت، كما أن لدى الصبية أعراضًا تشبه اللازمة العصبية.. أما الفتيات فكانت بداية حدوث المرض لديهن خلال فترة المراهقة وكانت أعراض الهلع منتشرة بينهن (Swedo, Rapoport, Leonard et al 1989)
وبينما كان معدل انتشار المرض أكبر بين الأولاد الذين يصابون بالمرض خلال فترة ما قبل البلوغ إلا أن المعدل يتساوى بين الذكور والإناث في مرحلة المراهقة (Flament et al 1988)

ولأسباب غير واضحة يشيع الوسواس القهري بشكل أكبر عند القوقازيين عن الأمريكان الأفارقة في العينات الإكلينيكية بالرغم من أن البيانات الوبائية تقترح أنه لا يوجد فروق في انتشار المرض طبقًا للطائفية أو المنطقة الجغرافية (Rasmussen, Eisen 1992) ، ولسوء الحظ يمر غالبًا الأطفال والمراهقون المصابون بالوسواس القهري بدون التعرف عليهم، وخلال مسح وبائي لطلاب مدرسة ثانوية وجد أنه أربعة فقط من أصل 18 طفل مصاب بالوسواس القهري كانوا تحت الرعاية اللازمة (Flament et al 1988) – وفوق ذلك لم يكن أحد هؤلاء الأطفال الـ 18 شاملة الأطفال الأربعة تحت رعاية الصحة النفسية قد تمت معرفة أنه يعاني من الوسواس القهري، مما قد يؤكد وصف Jenike للوسواس القهري على أنه “وباء خفي” (Jenike 1989) وقد تنخفض معدلات تشخيص وعلاج الوسواس القهري بسبب عوامل متعلقة بالاضطراب نفسه (مثلاً التشخيص الخاطئ، نقص الألفة أو عدم الرغبة في استخدام أدوية ثبتت فاعليتها) وعوامل أخرى مثل (عدم توافر الوصول للموارد العلاجية).

المعايير التشخيصية:

كما تم الوصف في الكتيب التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الإصدار الرابع (DSM IV) فإن الوسواس القهري يتميز بوساوس متكررة و/أو أفعال قهرية متكررة تسبب كربًا ملحوظًا و/أو تدخلاً في حياة الفرد (American Psychiatric Association 1994) وتشمل المعايير التشخيصية في (DSM IV) الملامح الرئيسية التالية:
يجب أن يكون لدى الشخص صغير السن وساوس وأفعال قهرية بالرغم من أن الأغلبية يكن لديها الأمرين معًا.. والوساوس هى أفكار متكررة ومستمرة أو صورًا أو دوافع متكررة ومستمرة تسبب ضيقًا، كما تتميز بأنها تطفلية ويدرك الشخص أنها بلا معنى.. وغالبًا ما يصاحب الوساوس مشاعر سلبية محزنة مثل الخوف، الاشمئزاز، الشك، او الاحساس بعدم الاكتمال.
وكما هو الحال مع البالغين فإن الأشخاص صغار السن المصابين بالوسواس القهري يحاولون أن يتجاهلوا ويقمعوا أو يعادلوا الأفكار الوسواسية والمشاعر المصاحبة بأداء الأفعال القهرية..

والأفعال القهرية هى سلوكيات متكررة مقصودة والتي يتم أدائها غالبًا طبقًا لقواعد معينة أو بصورة نمطية لمعادلة أو تخفيف الوساوس والمشاعر المزعجة المصاحبة لها بشكل مؤقت.. وقد تكون الأفعال القهرية سلوكيات يمكن ملاحظتها مثل (الاغتسال) أو أفعال ذهنية خفية مثل (العد).
وحيث أن سلوكيات الوسواس القهري تحدث غالبًا عند الأفراد دون وجود الاضطراب فإن (DSM IV) حددت أن أعراض الوسواس القهري يجب أن تكون مزعجة ومستهلكة للوقت (تأخذ أكثر من ساعة يوميًا) أو تؤثر بشكل كبير على المدرسة، الأنشطة الاجتماعية، أو العلاقات المهمة.
وقد حددت (DSM IV) أن الوساوس ليست مجرد القلق الزائد بشأن المشاكل الواقعية وأن الأفراد المصابين يقرون أن الوساوس تنشأ من عقولهم.. وفي مرحلة معينة من المرض يجب أن يعترف الشخص أن الوساوس أو الأفعال القهرية هى شئ زائد عن الحد وغير معقول، وبالرغم من أن معظم الأطفال والمراهقين يقر بانعدام معنى الوسواس القهري إلا أنه يمكن التنازل عن ضرورة وجود هذه البصيرة عند الأطفال.. وعندما يفتقد شخص ما عند أى سن البصيرة بشأن انعدام المعنى للوساوس والأفعال القهرية يتم وضع “المحدد” أى سوء البصيرة كجزء من التشخيص.
ولتفريق الوسواس القهري من الاضطرابات الأخرى تتطلب (DSM IV) ألا يتعلق محتوى الوساوس بتشخيص آخر على المحور I (مثلاً وساوس بشأن الطعام عند شخص لديه اضطراب خاصًا بالأكل، أفكار خاصة بالذنب “اجترار” مرتبطة بالاكتئاب).

الأعراض

الوساوس والأفعال القهرية الشائعة عند صغار السن سيتم عرضها بالجدول (1 – 1 ) والوساوس الأكثر شيوعًا عند هؤلاء المرضى هو الخوف من التلوث يليه الخوف من إيذاء النفس أو الآخرين خاصة الناس المألوفة ثم الرغبات الملحة المتعلقة بالحاجة إلى التناسق أو الدقة، والأفعال القهرية المقابلة عند الأطفال هى الاغتسال الزائد والتنظيف الزائد يليه المراجعة، العد، التكرار، اللمس والاستقامة (Swedo, Rapoport, Leonard et al 1989)
ومعظم الأطفال يكن لديهم طقوسًا خاصة بالاغتسال والمراجعة في وقت ما خلال مسار المر        ض.. وتتغير أعراض الوسواس القهري عبر الزمن بدون نمط واضح للتقدم، ويكن لدى العديد من الأطفال أكثر من عرض في وقت واحد وبالتالي يختبر معظم الأشخاص كل أعراض الوسواس القهري التقليدية تقريبًا بنهاية فترة المراهقة (Rettew, Swedo, Leonard, Lanane, Rapoport 1992)
ويندر للغاية وجود الأطفال الذين يعانون من وساوس فقط أو أفعال قهرية فقط (Swedo, Rapoport, Leonard, et al 1989)  خاصة بعد أن فرقت معايير (DSM IV) بشكل واضح بين الوساوس والطقوس الذهنية والأفعال القهرية وبالتالي قل عدد المرضى الذين لديهم أفعالاً قهرية ذهنية والذين تم تصنيفهم سابقًا بشكل خاطئ على أن لديهم وساوس فقط.. وهناك قائمة أعراض مفيدة إكلينيكيًا ومفصلة تصاحب مقياس يال – براون للوسواس القهري (YBOCS, Goodman, Price, Rassmussen, Mazure, Fleischmann, et al 1989)
جدول (1 – 1)
أعراض الوسواس القهري النموذجية

الوساوس الشائعة

الأفعال القهرية الشائعة

التلوث

الاغتسال

إيذاء النفس أو الآخرين

التكرار

العنف

المراجعة

الجنس

اللمس

الدين

العد

الأفكار المحرمة

               التنظيم – الترتيب

التناسق

التخزين

الحاجة للإخبار، السؤال، الاعتراف

الصلاة

العوامل التطورية:

معظم إن لم يكن كل الأطفال يظهرون سلوكيات خاصة بالوسواس القهري طبقًا لأعمارهم.. فمثلاً يحب الأطفال عادةً فعل الأشياء “هكذا فقط” أو يصرون على القيام بطقوس معينة عند وقت النوم (Gesell, Ames, I1g, 1974)
ويتم التعامل مع هذه السلوكيات على أنها أمور خاصة بالتطور ومتعلقة بالسيادة والتحكم وتختفي عند منتصف الطفولة، ويتم استبدالها بالتجميع، والهوايات.. وإكلينيكيًا يمكن غالبًا أن نفرق بين السلوكيات الوسواسية القهرية واضطراب الوسواس القهري على أساس التوقيت، المحتوى والشدة (Leonard, Goldberger, Rapoport, Cheslow 1990) حيث تحدث السلوكيات الوسواسية القهرية مبكرًا في فترة الطفولة وتندر أثناء المراهقة وتكون شائعة في عدد كبير من الأطفال.. وتتعلق بالتحكم في الانتقالات التطورية الهامة.. وعلى العكس يحدث اضطراب الوسواس القهري متأخرًا إلى حد ما ويبدو شاذًا للبالغين وللأطفال الآخرين إن لم يكن للطفل المصاب نفسه.. ودائمًا ما يؤدي إلى اضطراب وظيفي أكثر من التحكم (السيادة) مع ملاحظة أنه عندما يتعارض الوسواس القهري مع اعتقادات مرتكزة على الثقافة مثل تعريف النظافة المناسبة أو الفروض الدينية فقد لا تنطبق هذه

القواعد البسيطة.

الاعتلالات المصاحبة:

قد تتواجد الوساوس والسلوكيات القهرية عند الأطفال الذي يعانون من اضطرابات نفسية أخرى مما قد يعقد تشخيص الوسواس القهري عند بعض المرضى، كما أنه يمكن تشخيص أكثر من اضطراب لدى المريض الواحد حيث أن تشخيص الوسواس القهري ليس حصريًا.. ويشيع انتشار اضطرابات اللازمة العصبية، اضطرابات القلق، اضطرابات السلوك، واضطرابات التعلم في العينات الإكلينيكية والوبائية للأطفال المصابين بالوسواس القهري.
  (Riddle et al 1990, Swedo, Rapoport, Leonard, et al 1988)
(Flament et al 1988)
كما أن الاضطرابات المتعلقة بنفس مجال الوسواس القهري (مثل اضطراب نتف الشعر، اضطراب تشوه الجسم) واضطرابات العادة (مثل قرض الأظافر) لا تعتبر غير شائعة إكلينيكيًا.. ونتفاجأ بوجود عدد صغير من الأطفال الذين لديهم أعراض اضطراب الشخصية الوسواسية مما يوضح أن صفات الشخصية الوسواسية عندما تظهر بين الأطفال المصابين بالوسواس القهري لا تكن كافية ولا ضرورية للتشخيص (Swedo, Rapoport, Leonard et al 1989)

علم النفس العصبي

كما هو الحال مع البالغين نجد أن الأطفال والمراهقين المصابين بالوسواس القهري تكون لديهم مشاكل عصبية بسيطة (Denckla 1989) ومشاكل نفسية عصبية (Cox, Fedio, Rapoport 1989) والتي تشمل ضعفًا نسبيًا في مهارات التفكير غير اللفظية بعكس مهارات التفكير اللفظية، وهذا القصور في مهارات التفكير غير اللفظية تضع الأطفال في خطر حدوث مشاكل تعليمية محددة مثل صعوبة الكتابة، صعوبة إجراء العمليات الحسابية، صعوبة في التعبير اللغوي المكتوب وانخفاض سرعة وكفاءة المعالجة.. وبينما وجد البعض أن هذه الاختلالات الإدراكية العصبية قد تؤثر بشكل عكسي على النتيجة النهائية للعلاج الدوائي للوسواس القهري (Hollander et al 1990, March, Johnston, Jefferson, et al 1990) لم يجد آخرون علاقة بين الأمرين (Swedo, Leonard, rapoport, 1990, Leonard, Rapoport 1989)
وما يهم أكثر هو الأطفال الذين لديهم فروق في أسلوب التعليم حيث يمثلون مشكلة خاصة في العلاجات التفاضلية.. فمثلاً يجب التفرقة بين طفل بطئ بسبب طقوسه وآخر بطئ بسبب صعوبة في الكتابة وصعوبة في مهارات التعبير اللغوي المكتوب.
إن الوسواس القهري هو اضطراب نفسي عصبي:
إن العلاج الناجح للوسواس القهري باستخدام مثبطات استرجاع السيروتونين (SSRIs) أدى بسرعة إلى التفسير السلوكي العصبي للوسواس القهري “نظرية السيروتونين” (reviewed in Barr, Goodman, Price, Mc Dougle, Charney 1992)
ولاحقًا أدى التشابه في الظاهرة بين الأعراض الوسواسية القهرية (الاغتسال، طقوس ما قبل النوم “طقوس المساء”، الاختيار، اللعق) بالإضافة إلى الدراسات الخاصة باضطراب نتف الشعر إلى النظرية التي تنص على أن الوسواس القهري عند بعض المرضى يعتبر “سلوكًا متبرجًا أصبح منحرفًا” أو “سلوكًا أخلاقيًا أصبح سلوكًا مرضيًا” (Swedo 1989) .

وتدعم الأدلة الآتية النموذج النفسي العصبي للوسواس القهري:

  • تقترح دراسات الجينات العائلية أن الوسواس القهري ومتلازمة توريت قد يمثلا في بعض الحالات تعبيرين متبادلين لنفس الجين (الجينات)، قد يمثلا جينات مختلفة أو قد ينشآ بشكل تلقائي (Pauls, Towbin, Leckman, Zahner, Cohen 1986, Pauls, Alsobrook, Goodman, Rasmussen, Leckman 1995)
  • دراسات التصوير العصبي أوضحت شذوذًا في الدوائر العصبية التي تصل العقد القاعدية بالقشرة المخية (Swedo, Schapiro et al 1989, Rauch et al 1994)

كما أن هذه الدوائر العصبية تستجيب لأى من العلاج المعرفي السلوكي أو العلاج الدوائي بمثبط استرجاع السيروتونين (Baxter et al 1992)

  • وجود اختلالات في النواقل العصبية والغدد الصماء العصبية في حالة بداية ظهور الوسواس القهري في سن الطفولة (Swedo, Rapoport, 1990, Hamburger, Swedo, Whitaker, Davies, Rapoport 1989)

ومن الأمور المتعلقة بشكل خاص بهذه الأدلة العلاقة بين الوسواس القهري ومتلازمة توريت (Cohen, Leckman 1994) وقد تم الآن التوثيق بأن هناك معدل متزايد لمتلازمة توريت عند الأطفال المصابين بالوسواس القهري، والعكس أيضًا صحيح (Pauls et al 1995) .
وقد وجد أيضًا خلال الدراسات الجينية المنظمة للأسر التي لديها حالات مصابة بمتلازمة توريت أو أى متلازمات عصبية أخرى أن الأقارب من الدرجة الأولى لديهم معدل زائد لكل من اللزمات العصبية والوسواس القهري (Pauls et al 1986) ، وكانت هناك نتائج متشابهة عند أقارب الدرجة الأولى للمصابين بالوسواس القهري (Leonard et al 1992) ..                        وقد وجد (Pauls et al 1995) أن البداية المبكرة لظهور المرض قد تشير إلى درجة أكبر من القابلية الجينية لحدوث المرض.. ولمناقشة أكثر تفصيلاً بخصوص تلك المواضيع يوصى بالرجوع إلى المراجع الآتية:
Swedo and Rapoport (1990), Rapoport, Swedo and Leonard (1992), Cohen and Leckman (1994), and March, Leonard and Swedo. (in press)

اضطراب الأطفال المناعي الذاتي النفس عصبي المرتبط بالبكتيريا العقدية (PANDA) :

في مجموعة من الأطفال قد تنشأ أعراض الوسواس القهري أو تسوء في وجود عدوى بكتيرية تسببها المكورات العقدية بيتا المحللة للدم (GABHS) أى “المكورات العقدية التي تصيب الحلق” ولا تعتبر أعراض الوسواس القهري غير شائعة عند المرضى الصغار المصابين برقاص سيدنهام والتي تمثل شكلاً عصبيًا من الحمى الروماتيزمية (RF) .. ومرضى سيدنهام يصابون بحركات غير إرادية تسبب التلوي تشبه اللزمة العصبية تصيب عادة الأطراف وبشكل أقل عضلات الوجه.. ويشيع الوسواس القهري بشكل أكبر في مرضى الحمى الروماتيزمية عندما يكون الرّقاص موجودًا (Swedo, Rapoport, Cheslow et al 1989)
ويعتقد أن رقّاص سيدنهام يمثل التهاب مناعي ذاتي للعقد القاعدية يثار بوجود أجسام مضادة للمكورات العقدية (Kiessling, Marcotte, Culpepper 1994) … ولهذا السبب وضح Swedo وزملاؤه أن الوسواس القهري في وجود مرض رقاص سيدنهام قد يمثل نموذجًا طبيًا لكل من الوسواس القهري واضطرابات اللزمة العصبية (Swedo et al 1993) وفي هذا النموذج فإن الأجسام المضادة للأعصاب المتكونة ضد مولدات المضاد للغلاف الخلوي للمكورات العقدية بيتا المحللة للدم تتفاعل بشكل عكسي مع النسيج العصبي للعقد القاعدية مما يؤدي إلى نشأة الوسواس القهري أو اللازمة العصبية.. وتفترض هذه النظرية أنه عند ظهور الوسواس القهري أو اللازمة العصبية بشكل حاد أو عندما يحدث تفاقم للأعراض بشكل درامي فإن الطبيب يجب أن يقوم بالفحص بشكل مكثف للبحث عن عدوى تسببها المجموعة (أ) للمكورات العقدية خاصة أن العلاجات المعدلة للمناعة بما فيها المضادات الحيوية قد تفيد بعض المرضى (Allen, Leonard, Swedo 1995, Swedo, Leonard, Kiessling 1994)

العـــــــــــلاج

قد يكون التشخيص المبدئي هو الوسواس القهري إلا أن الأشخاص صغار السن المصابين بالوسواس القهري يختلفون فيما بينهم بشكل كبير فيما يتعلق بالطبيعة المحددة وشدة أعراض الوسواس القهري، ومدى الاعتلالات المصاحبة، وتأثير الاضطراب على الطفل والأسرة وبالتالي فإن كل مريض صغير السن يتطلب تقييمًا تشخيصيًا فرديًا شاملاً يتضمن أعراض الوسواس القهري، الاعتلالات المصاحبة، والعوامل الاجتماعية النفسية، وبالإضافة إلى استهداف أعراض الوسواس القهري يجب أن يراعى التخطيط العلاجي وجود اعتلالات مصاحبة مثل الاكتئاب أو اضطرابات السلوك، ويجب أن يراعى أيضًا المستوى التطوري للطفل، مزاجيته، مستوى التأقلم الوظيفي له، والظروف الأسرية التي يحدث خلالها الوسواس القهري والتي سيحدث خلالها العلاج.. وفي هذا السياق يجب أن يشارك المريض والأسرة لأقصى مدى ممكن لوضع خطة علاجية فردية.

العلاج النفسي

المعرفي السلوكي
بمراجعة التحليل النفسي لفهم الوسواس القهري لوحظ  أن العلاج النفسي المرتكز على البصيرة قد أثبت فشله في التخلص من أعراض الوسواس القهري (Esman 1989) ، وبالرغم من الجدال بشأن وجود بعض أعراض الوسواس القهري التي لها معنى دينامي ضمني إلا أن الأمر ليس أكيدًا بأن بعض الأعراض المحددة تمثل مشتقات للصراع النفسي الداخلي حيث أن عددًا محدودًا من الأعراض التي تحدث بشكل نموذجي يتم اختبارها بشكل عالمي.. وعلاوة على ذلك فليس هناك سبب لافتراض أن مرضى الوسواس القهري أكثر صراعًا بشأن الأمور الجنسية من المرضى النفسيين الآخرين (Staebler, Pollard, Merkel 1993) .

وعلى العكس يزداد وصف العلاج المعرفي السلوكي CBT كأفضل علاج نفسي للأطفال والمراهقين والبالغين المصابون بالوسواس القهري (Berg, Rapoport, Wolff 1989, Wolff 1991)
وبخلاف العلاجات النفسية الأخرى التي تم تطبيقها على الوسواس القهري فإن العلاج المعرفي السلوكي يعتمد بشكل منطقي على العلاقة المتناغمة والقهرية بين الاضطراب والعلاج و النتيجة المحددة (Foa, Kozak 1985)
وقد أوضح العلاج المعرفي السلوكي أنه علاج فعال بشكل ملحوظ وطويل المدى للبالغين المصابين بالوسواس القهري (Dar, Greist 1992) ، وبالمثل يساعد العلاج المعرفي السلوكي الطفل على استيعاب السياسة لمقاومة الوسواس القهري والتي تعتمد على الفهم الواضح للاضطراب خلال إطار طبي، وبينما قد يتطلب الأمر جلسات “تعزيزية” دورية فإن المرضى الذين تم علاجهم بطريقة ناجحة بالعلاج المعرفي السلوكي وحده يميلون إلى البقاء على ما يرام (March 1995) وبالرغم من أن الانتكاسة تتبع توقف استخدام الأدوية غالبًا فقد وجد March وآخرون (1994)  أن التحسن قد بقى لدى ستة مستجيبين من أصل تسعة بعد التوقف عن استخدام العلاج الدوائي مما يقلل الدعم للنظرية التي تنص على أن العلاج السلوكي يثبط الانتكاسة عندما تتوقف الأدوية.

العـــــلاج الدوائي

إن الأدوية المستخدمة بشكل أكثر شيوعًا لعلاج الوسواس القهري هى مثبطات استرجاع السيروتونين.. وهى تشمل مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة (كلوميبرامين) وهو مثبط لاسترجاع السيروتونين.. ومثبطات استرجاع السيروتونين (فلوكستين،فلوفوكسامين، باروكستين، سيرترالين، سيتالوبرام، إسيتالوبرام) وقد أظهرت مثبطات استرجاع السيروتونين بوضوح أنها فعالة في علاج البالغين المصابين بالوسواس القهري (Greist et al 1990, Jenike 1992) .. وتفترض الدراسات الخاصة بالوسواس القهري عند الأطفال أن هذه الأدوية قد تساعد الأطفال بشكل مشابه (for reviews, see Rapoport, Swedo, Leonard 1992, March, Leonard, Swedo 1995)
ومن بين مثبطات استرجاع السيروتونين نال الكلوميبرامين الدراسات الأكثر عند جمهور الأطفال.. وفي الدراسات الأولية كان الكلوميبرامين يفوق الدواء الوهمي بشكل ضخم (Flament et al 1985) ، كما كان يفوق ديسيبرامين (Leonard, Lenane, et al 1991) ، وقد أدت نتائج المقارنة المتوازية المزدوجة المجهولة “العمياء” عديدة المراكز، والتي استمرت ثمانية أسابيع وكانت بين الكلوميبرامين والدواء الوهمي في عام 1989 إلى موافقة منظمة الصحة والدواء على الكلوميبرامين لعلاج الوسواس القهري عند الأطفال والمراهقين من سن 10 سنوات (De- Veaugh- Geiss et al 1992)
وشملت النتائج من هذه الدراسة الآتي:

  • تأثير بسيط أو عدم وجود تأثير للدواء الوهمي.
  • تبدأ الآثار الإكلينيكية تقريبًا بعد ثلاثة أسابيع وتستقر عند عشرة أسابيع.
  • قلت أعراض الوسواس القهري بنسبة 37% كما هو مُقاس على مقياس يال – براون لأعراض الوسواس القهري، وهو ما يقابل التحسن الملحوظ إلى المتوسط على مقياس التحسن العالمي.

وعلى العكس أقل من 20% من المشتركين في هذه الدراسة كانوا لا يصلون إلى عتبة للتشخيص الإكلينيكي للوسواس القهري مما يدل على أنه بينما قد تكون الأدوية مفيدة فإن هذا ليس علاجًا لمعظم الأطفال.
وقد تشابهت الآثار الجانبية التي يحدثها الكلوميبرامين عند الأطفال مع البالغين (ولكن بصورة أقل) (De Veaugh, Leonard 1990, Leonard et all 1989)
وترجع هذه الأعراض بشكل رئيسي إلى الخصائص المضادة للكولين والمضادة للهيستامين ولمستقبلات الألفا للكلوميبرامين.. ويوضح الجدول (1 – 2) الآثار الجانبية للكلوميبرامين بالمقارنة مع مثبطات استرجاع السيروتونين.. والآثار الجانبية الأكثر شيوعًا للكلوميبرامين عند البالغين هى الآثار الجانبية على القلب والأوعية الدموية والآثار المضادة للكولين والآثار الجانبية الجنسية وزيادة الوزن، والآثار الجانبية عند الأطفال تتشابه مع البالغين.. وبينما لا يبدو أن الاستمرار في العلاج بالكلوميبرامين لفترة طويلة يؤدي إلى نتائج عكسية غير متوقعة                                       (De Veaugh, Geiss et al 1992, Leonard, Swedo et al 1991)  فقد تحدث زيادة في عدد ضربات القلب وتغيرات في رسم القلب.. ونتيجة لقابلية مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة لاحداث آثار سلبية على القلب يوصى بعمل رسم قلب قبل بدء العلاج وبشكل دوري بعد بداية العلاج، كمت يوصى بقياس العلاج الدوائي (Schroeder, Mullin, Elliot, Steiner 1989, Elliot, Popper 1991, Leonard, Meyer, et al 1995)
جدول (1 – 2)
الآثار الجانبية للدواء

الأثر الجانبي

الدواء الذي يسبب الأثر الجانبي بأقل نسبة

الدواء الذي يسبب الأثر الجانبي بأعلى نسبة

القلب والأوعية الدموية

مثبطات استرجاع السيروتونين

كلوميبرامين

النوم – الخمول – الكسل  

مثبطات استرجاع السيرتونين

كلوميبرامين

قلق

كلوميبرامين

مثبطات استرجاع السيرتونين

المضادة للكولين

مثبطات استرجاع السيروتونين

كلوميبرامين

زيادة الوزن

مثبطات استرجاع السيروتونين

كلوميبرامين

الآثار الجنسية

مثبطات استرجاع السيروتونين (ولكن لا تزال شائعة)

كلوميبرامين

التململ أو التوتر العضلي أو تعذر الجلوس

كلوميبرامين

مثبطات استرجاع السيروتونين

الغيثان/ الإسهال

كلوميبرامين

مثبطات استرجاع السيروتونين

وبالرغم من أن مثبطات استرجاع السيروتونين تبدو علاجًا فعالاً للوسواس القهري عند الأطفال والمراهقين (Rapoport,Leonard, Swedo, Lenane 1993, March, Leonard et al 1995) ، إلا إنه يوجد القليل من التجارب المنهجية لهذه الأدوية على صغار المرضى، وقد أظهر الفلوكستين فائدة في إحدى التجارب على الأطفال والمراهقين (Riddle et al 1992) كما أظهر سيرترالين وفلوفوكسامين فائدة في دراسات مفتوحة على الأطفال والمراهقين (Cook, Charak, Trapani, Zelko 1994,Apter, Ratzioni, King 1994)
وقد تم إكمال تجارب ضخمة عديدة المراكز للفلوفوكسامين والسيرترالين على الأطفال والمراهقين وكان كلا منهما فعالاً (Riddle et al 1996, March, Biederman, Wolkow, Safferman, Group 1997)

والآثار الجانبية الأكثر شيوعًا لمثبطات استرجاع السيروتونين هى فرط اليقظة، الغثيان، الإسهال، الآثار الجانبية الجنسية “كما في الجدول 1 – 2” وصورة الأعراض الجانبية لمثبطات استرجاع السيروتونين للأطفال تماثل البالغين.
يلاحظ وجود تنوع كبير في الاستجابة للعلاج الدوائي ويجب أن يجهز المعالج كلا من الطفل والوالدين لذلك.. وقد يفشل ثلث المرضى تقريبًا في الاستجابة للعلاج الأحادي بواحد من مثبطات استرجاع السيروتونين (De Veaugh, Geiss et al 1992) – وتنخفض احتمالية تحقيق استجابة بشكل كبير بعد المحاولة الثالثة لمثبطات استرجاع السيروتونين، وحيث أن هناك أقلية جوهرية من المرضى لن يستجيبوا إلا بعد ثمانية أو حتى 12 أسبوع من العلاج (De Veaugh- Geiss, Katz, Landau, Moroz 1991, Goodman, Price, Rasmussen, Delgado et al 1989, March, Leonard et al 1995) فمن المهم أن ننتظر ثمانية أو يفضل عشرة أسابيع على الأقل قبل تغيير الدواء أو زيادة الجرعة أو إضافة دواء آخر (March, Frances, Carpenter, Kahn 1997)

وعندما لا يستجيب الطفل أو يستجيب بشكل جزئي للعلاج الأول يكون من المفيد أحيانًا أن نقوي مثبط استرجاع السيروتونين بدواء ثان (Leonard, Rapoport 1989, Jenike, Rauch 1994) ولكن الكلونازيبام والهالوبيريدول فقط من أظهرا فائدة كعوامل مساعدة (Pigott, L’Heureux, Rubenstein 1992, Mc Dougle et al 1994, Leonard, Topol et al 1995)
ونظرًا لخطورة حدوث تعود فسيولوجي عند استخدام الكلونازيبام وحدوث الآثار الجانبية خارج الجهاز الهرمي عند استخدام مضادات الذهان التقليدية فيجب أن يقتصر استخدام الكلونازيبام للمرضى الذين لديهم مستويات عالية من القلق بينما يقتصر استخدام الهالوبيريدول للمرضى الذين لديهم لزمة عصبية أو أعراض لاضطراب الأفكار، بالإضافة للعلاج المعرفي السلوكي حيث يعتبر أقوى علاج مساعد للمرضى الذين لا يستجيبون للعلاج الدوائي (March et al 1994) فإن سياسات العلاج المعقدة للوسواس القهري يجب أن تقتصر فقط على هؤلاء المرضى الذين لم يتحسنوا مع استخدام علاج معرفي سلوكي ذو كفاءة عالية بالإضافة إلى مثبط استرجاع السيروتونين.

العلاج المتضامن

تتطلب معظم الأمراض بما فيها الأمراض النفسية علاجات دوائية و/أو علاجات نفس اجتماعية والتي أوضحت بشكل تجريبي أنها فعالة للأعراض المستهدفة للاضطراب، ويجب أن تساعد العلاجات المرضى وعائلاتهم على التعامل مع ما لا يمكن علاجه حتى الآن (March, Mulle, Stallings, Erhardt, Conners 1995)
وتوضح العناية بمريض السكر نموذجًا مفيدًا يشمل العلاج الدوائي “الأنسولين أو الأدوية المعطاة بالفم” مع نظام غذائي وتمارين رياضية للتحكم في سكر الدم باستخدام التعديل السلوكي.. وتدخلات أخرى مثل العناية بالقدم السكري لمساعدة المريض على آثار المرض التي قد تكون أحيانًا لا يمكن تجنبها.. وعلاج الوسواس القهري يشمل العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الدوائي بمثبط استرجاع السيروتونين واحد أو أكثر بالإضافة إلى تدخلات للدعم فردية وجماعية وأسرية.

وإكلينيكيًا يعمل العلاج الدوائي والعلاج المعرفي السلوكي معًا بشكل جيد.. ويعتقد الأطباء بشكل عام أن معظم الأطفال المصابين بالوسواس القهري يتطلبون أو قد يحصلون على فائدة أكبر من العلاج المتضامن (Piacentini et al 1992, Johnston, March 1993) وبالرغم من ذلك لا تتواجد دراسات منشورة حتى الآن لمقارنة العلاج المعرفي السلوكي بالأدوية والجمع بينهما في حالة الأطفال والمراهقين.. وفي إحدى الدراسات أدى العلاج المعرفي السلوكي عند المرضى الذين استجابوا بشكل جزئي للأدوية إلى معدل أكبر للتحسن على مقياس يال – براون لأعراض الوسواس القهري (50%) عن التحسن الذي يحدث مع استخدام الأدوية فقط (30 – 40 %) (March et al 1994) .. وعلى الرغم من أن هذه النتائج تقترح أن الجمع بين العلاج المعرفي السلوكي والأدوية أفضل من الأدوية وحدها إلا أن هناك حاجة لأبحاث إضافية لاكتشاف المزايا النسبية للعلاج المعرفي السلوكي ومثبطات استرجاع السيروتونين عند استخدام أى منهما بشكل فردي أو عند الجمع بينهما لمجموعات معينة من المرضى.
الخطة العلاجية باستخدام إرشادات إجماع الخبراء لعلاج الوسواس القهري:

بالرغم من عدم توافر عدد كاف من مقدمي الخدمة النفسية المدربين على العلاج المعرفي السلوكي اليوم إلا أن هذا يتغير حتمًا طالما الطب النفسي يحتضن بشكل متزايد النموذج العلاجي للمرض والذي يعتمد على إراشادات ممارسة تماثل تلك المستخدمة في باقي مجالات الطب، وتساعد الإراشادات الخاصة بالممارسة الأطباء على اختيار علاجات فعالة تتماشى مع هدف الرعاية المنشود وهو رعاية ذات كفاءة عالية بتكلفة معقولة.. واستخدام هذه الإرشادات يشبه وجود خبير بالقرب منك لمنحك إجابات على أسئلة مثل:

  • متى تستخدم العلاج السلوكي للأطفال والمراهقين المصابين بالوسواس القهري؟
  • متى تستخدم العلاج الدوائي؟
  • هل هناك ميزة للجمع بين العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الدوائي؟
  • متى يجب عليك تغيير مسار العلاج؟
  • عندما يتحسن المريض ماذا يجب أن تفعل؟

وإرشادات العلاج بآراء الخبراء للوسواس القهري (March, Frances et al 1997) .. والتي تعتمد على دراسات لـ 69 خبير في الوسواس القهري تمنحنا إجابات لتلك الأسئلة ولأسئلة أخرى حول علاج الوسواس القهري خلال دورة الحياة.. ويوضح الجدول (1 – 3) والجدول (1 – 4) والأشكال (1 – 1) و (1 – 2) ملخصًا عن التوصيات لهذه الإرشادات.. ويوصي الخبراء باستخدام العلاج المعرفي السلوكي وحده أو مع الأدوية على أنه العلاج المفضل للوسواس القهري عند الأطفال مع تفضيل العلاج المعرفي السلوكي بمفرده في حالة المرضى صغار السن والذين لديهم أعراضًا بسيطة.. وهذه الإراشادات أيضًا تشتمل على توصيات لكيفية التعامل مع المريض الذي استجاب بشكل ضعيف للعلاج الأولي، وعلاج الحالات المقاومة للعلاج، وكيفية الاختيار من بين مجموعة الأدوية، وأساليب العلاج المعرفي السلوكي، والعلاج الذي يستمر عليه المريض، كيفية وقف الأدوية والتعامل مع الأمراض العضوية والنفسية المصاحبة.
الجدول (1 – 3)
الملخص التنفيذي (أ) من الإرشادات العلاجية طبقًا لآراء الخبراء في الوسواس القهري

  • التوصيات للعلاجات التي تستخدم كاختيار أولي طبقًا للموقف الإكلينيكي:

اختيار سياسة العلاج الأولي وتسلسل العلاجات

اعتبارات خاصة بالسن

الأطفال قبل سن البلوغ

العلاج المعرفي السلوكي للأعراض البسيطة أو الأعراض الأكثر شدة.

المراهقين

العلاج المعرفي السلوكي للأعراض البسيطة + مثبطات استرجاع السيروتونين للأعراض الأكثر شدة

البالغين

العلاج المعرفي السلوكي للأعراض البسيطة – العلاج المعرفي السلوكي + مثبطات استرجاع السيروتونين أو مثبطات استرجاع السيروتونين بمفردها للأعراض الأكثر شدة.

اعتبارات خاصة بفاعلية وسرعة ومدة العلاج

الأعراض البسيطة

العلاج المعرفي السلوكي بمفرده أو العلاج المعرفي السلوكي + مثبطات استرجاع السيروتونين

الأعراض الأكثر شدة

العلاج المعرفي السلوكي + مثبطات استرجاع السيروتونين أو مثبطات استرجاع السيروتونين بمفردها.

اختيار سياسة العلاج المعرفي السلوكي

الوساوس والأفعال القهرية

التعرض ومنع الاستجابة
التعرض ومنع الاستجابة + العلاج المعرفي

تفصيل وحياكة علاج لأعراض خاصة

التعرض ومنع الاستجابة

مخاوف التلوث، التناسق، العد والتكرار، التخزين، إلحاحات العنف.

العلاج المعرفي

الشعور بالذنب، الشك المرضي.

كثافة العلاج المعرفي السلوكي

تدريجي “أسبوعيًا”

يوصى به لمعظم المرضى (عادة 13 – 20 جلسة)

مكثف “يوميًا”

يوصى به عندما تكون السرعة جوهر العلاج أو للمرضى الذين لم يستجيبوا للعلاج المعرفي السلوكي التدريجي أو للمرضى الذين لديهم أعراض شديدة للغاية.

اختيار دواء معين

استخدام مثبطات استرجاع السيروتونين

فلوفوكسامين، فلوكستين، كلوميبرامين، سيرترالين، باروكستين

توصيات التوقيت

استجابة غير كافية لجرعة متوسطة من الدواء

قم باستخدام الجرعة القصوى خلال 4 – 9 أسابيع من بداية العلاج

استجابة غير كافية بعد 4 – 6 أسابيع من استخدام الجرعة القصوى

قم بالتحويل لمثبط استرجاع سيروتونين آخر

مقاومة العلاج

في حالة عدم الاستجابة أو الاستجابة الجزئية للعلاج المعرفي السلوكي بمفرده

قم بإضافة مثبط استرجاع السيروتونين، قم بزيادة العلاج المعرفي السلوكي مع تغييرات المنهج

في حالة عدم الاستجابة أو الاستجابة الجزئية لمثبطات استرجاع السيروتونين بمفرده

قم بإضافة العلاج المعرفي السلوكي أو قم بالتحويل إلى دواء آخر

في حالة عدم الاستجابة للعلاج المعرفي السلوكي بالإضافة إلى مثبطات استرجاع السيروتونين

قم بالتحويل إلى دواء آخر

في حالة الاستجابة الجزئية للعلاج المعرفي السلوكي بالإضافة إلى مثبطات استرجاع السيروتونين

قم بالتحويل إلى دواء آخر.
قم بزيادة العلاج المعرفي السلوكي مع تغييرات المنهج.
قم بزيادة المفعول العلاجي بإضافة دواء من مجموعة علاجية أخرى.

بعد فشل استخدام 2 – 3 من مثبطات استرجاع السيروتونين بالإضافة إلى العلاج المعرفي السلوكي

قم بتجربة الكلوميبرامين

في حالة عدم الاستجابة أو الاستجابة الجزئية للعلاج المعرفي السلوكي وثلاثة محاولات لمثبطات استرجاع السيروتونين (وكان أحدهم كلوميبرامين)

قم بزيادة المفعول العلاجي باستخدام دواء آخر (الاختيار يعتمد على الخصائص المصاحبة)
قم بزيادة العلاج المعرفي السلوكي مع تغييرات المزاج

العلاج الذي سيستمر عليه المريض

استخدام العلاج طويل المدى

بعد 3 – 4 انتكاسات بسيطة/ متوسطة أو 2 – 4 انتكاسات شديدة بالرغم من استخدام العلاج المعرفي السلوكي.

كيفية إيقاف الدواء

قم بخفض الجرعة تدريجيًا بعد سنة أو سنتين مع استمرار العلاج المعرفي السلوكي شهريًا (قم بخفض الجرعة الدوائية بنسبة 25% وانتظر شهرين قبل أن تخفض الجرعة مرة أخرى)

زيارات التردد

الشفاء التام مع العلاج المعرفي السلوكي بمفرده

شهريًا لمدة 3 – 6 شهور

الشفاء الجزئي مع العلاج المعرفي السلوكي بمفرده

أسبوعيًا إلى شهريًا لمدة 3 – 6 شهور

الشفاء الكلي أو الجزئي مع الأدوية

شهريًا لمدة 3 – 6 شهور

From March, Frances, et al 1997. Copy Right 1997 by Expert Knowledge System, LLC, Reprinted by Permission.
الجدول (1 – 4)
ملخصات تنفيذية ب – د من الإرشادات العلاجية طبقًا لآراء الخبراء للوسواس القهري

  • التوصيات الخاصة بالعلاجات النفس اجتماعية التي تستخدم كاختيار أولي:

العلاج المعرفي السلوكي:
للوسواس القهري يشتمل العلاج المعرفي السلوكي على التعرض ومنع الاستجابة مدموجًا مع العلاج المعرفي..

  • عندما يكون الأمر متاحًا يتم استخدام العلاج المعرفي السلوكي مع كل مريض بالوسواس القهري عدا هؤلاء الذين لديهم أعراضًا شديدة للغاية أو غير الراغبين في المشاركة في العلاج.
  • تتم إضافته عندما لا يستجيب المريض أو يستجيب بشكل جزئي لمثبط استرجاع السيروتونين بمفرده.
  • يتم استخدامه بشكل منفرد إن كان المريض لا يتحمل الآثار الجانبية للعلاج الدوائي “في حالة الحمل مثلاً” أو عندما يكون لدى المريض مرضًا عضويًا يمنع استخدام العلاج الدوائي.
  • يستخدم عندما يتواجد مرضًا نفسيًا مصاحبًا خاصة إن تم تعديله ليتماشى مع الأعراض المصاحبة.

التعرض ومنع الاستجابة:

  • يكن مفيدًا بشكل خاص في حالة مخاوف التلوث، التناسق، العد والتكرار، التخزين، إلحاحات العنف.

العلاج المعرفي:

  • يكن مفيدًا بشكل خاص في حالة الشعور بالذنب الأخلاقي و الشك المرضي.

شكل وكثافة العلاج:

  • الشكل: جلسات علاجية فردية أسبوعية مع واجبات منزلية أو تقنيات خارج المكتب لمساعدة المعالج، مع إضافة العلاج الأسري عندما يكون الأمر مناسبًا.
  • التردد: 13 – 20 جلسة لعلاج حالة وسواس قهري غير معقدة.
  • الكثافة: تدريجيًا “أسبوعيًا” يوصى به لمعظم المرضى.

  مكثف “يوميًا” يوصى به عندما تكون السرعة هى جوهر العلاج أو للمرضى الذين لم يستجيبوا للعلاج المعرفي السلوكي التدريجي، أو الذين لديهم أعراضًا شديدة للغاية.

  • معدل الاستمرار: جلسات تعزيزية شهرية لمدة 3 – 6 شهور.

ج- التوصيات الخاصة بالعلاجات الجسدية التي تستخدم كعلاج أولي:
مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية (فلوفوكسامين، فلوكستين، سيرترالين، باروكستين):

  • يتم الجمع بينها وبين العلاج المعرفي السلوكي أو تستخدم بمفردها في حالة البالغين الذين لديهم أعراضًا متوسطة أو عالية الشدة.
  • تستخدم قبل كلوميبرامين وعندما نهتم بالأعراض الجانبية (المضادة للكولين أو التأثير على وظائف القلب والأوعية الدموية والوظائف الجنسية والتأثير المهدئ وزيادة الوزن).
  • تستخدم عند وجود اضطرابات نفسية مصاحبة عندما يكون استخدامها مفيد.

كلوميبرامين:

  • يستخدم بعد 2 – 3 محاولات فاشلة لمثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية (SSRIs) .
  • يعزز مفعول مثبطات استرجاع السيروتونين عندما تكون استجابة المريض جزئية أو لا تتواجد استجابة.
  • يسبب الأرق، التوتر العضلي أو التململ أو تعذر الجلوس، الغثيان أو الإسهال بشكل أقل من مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية.
  • يستخدم عند وجود اضطرابات نفسية مصاحبة تفيد مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة في علاجها.

د- التوصيات الخاصة في حالة مصاحبة أمراض أخرى للوسواس القهري:
العلة المصاحبة:

  • الحمل: العلاج المعرفي السلوكي.
  • مرض خاص بالقلب: العلاج المعرفي السلوكي بمفرده أو مع مثبطات استرجاع السيروتونين.
  • مرض خاص بالكلى: العلاج المعرفي السلوكي بمفرده أو مع مثبطات استرجاع السيروتونين.
  • متلازمة توريت: العلاج المعرفي السلوكي + مضاد ذهان تقليدي + مثبطات استرجاع السيروتونين.
  • الهلع أو الخوف الاجتماعي: العلاج المعرفي السلوكي +  مثبطات استرجاع السيروتونين (ابدأ بمثبط استرجاع سيروتونين في حالة الأعراض الشديدة).
  • اضطراب ثنائي القطب (I أو II ): العلاج المعرفي السلوكي + معدل مزاجي فقط أو العلاج المعرفي السلوكي + معدل مزاجي + مثبطات استرجاع السيروتونين).
  • الطفل العنيد/العدواني/المعادي للمجتمع: العلاج المعرفي السلوكي + العلاج الأسري + مثبطات استرجاع السيروتونين.
  • الفصام: مثبطات استرجاع السيروتونين + مضاد ذهان.

From March, Frances, et al 1997- Copy Rights 1997 by Expert Knowledge System, LLC. Reprinted by Permission.

الشكل (1 – 1)
التخطيط العلاجي للوسواس القهري من الإرشادات العلاجية طبقًا لآراء الخبراء.
اختيار العلاج الأولي اعتمادًا على
الشدة والعمر

التنبؤ بنتيجة العلاج:

إن وجود أعراض ذهانية (Baer et al 1992) واضطراب اللزمة العصبية (Mc Dougle et al 1994) .. قد يؤثر على علاج الوسواس القهري ويستدعي إضافة مضاد ذهان للعلاج.. ولكن لا توجد مؤشرات تنبؤية خاصة بنتيجة العلاج في حالة الأطفال، فعمر المريض وجنسه وحالته الاجتماعية والاقتصادية لم تنبئ بالاستجابة للعلاج خلال دراسات المعهد القومي للصحة النفسية (Leonard et al 1989) ودراسات CIBA (De Veaugh- Geiss et al 1992) ولم تتنبأ بالانتكاسة عندما تم استبدال ديسيبرامين بالكلوميبرامين (Leonard, Swedo et al 1991) ، كما لم تتنبأ خصائص الوسواس القهري مثل مدى شدته الأولية ومدة الأعراض وشكل العرض بالاستجابة للعلاج (Leonard et al 1989)
والأطفال الذين يدركون أن وساوسهم ليس لها معنى وأن طقوسهم مزعجة يكونون مرشحين جيدين للعلاج المعرفي السلوكي بخلاف الذين لا يدركون ذلك بالرغم من أن إنعدام البصيرة لا يجعل بالضرورة العلاج السلوكي غير فعال.. (Kettl, March 1986) وإكلينيكيًا فإن وجود اضطرابات مصاحبة خاصة الطفل العنيد أو العدواني يدل على المقاومة للعلاج الدوائي والسلوكي، ولكن هذه النظرية لم يتم اختبارها خلال دراسات مع أطفال مصابين بالوسواس القهري..
وبشكل مماثل فإن وجود الخلل الأسري لا يكون ضروريًا ولا كافيًا لبداية الوسواس القهري (Lenane 1989) فإن الأسر تؤثر وتتأثر بالوسواس القهري، فالأسرة التي تكون كثيرة الانتقاد والتدخل قد تجعل الوسواس القهري أسوأ بينما تستطيع الأسرة الهادئة التي تقدم الدعم أن تحسن من نتيجة العلاج (Hibbs et al 1991)

الخلاصة:

إن الوسواس القهري اضطراب عصبي سلوكي يتميز بسوء تنظيم في الدوائر العصبية التي تربط بين القشرة المخية الجبهية بالعقد القاعدية.. ويتأثر هذا الاضطراب بشكل جوهري بالنواقل العصبية السيروتونية وربما أيضًا بالناقل العصبي دوبامين، وبالرغم من أن العلاجات الحالية لا تستطيع بشكل عام أن تعالج الوسواس القهري بصفة نهائية فإن التشخيص الصحيح والدمج بمهارة بين مثبطات استرجاع السيروتونين والعلاج المعرفي السلوكي يساعد معظم الأطفال على استرجاع مسار تطوري أكثر طبيعية وبالتالي يحصلون على حياة أكثر سعادة وإنتاجًا.