الأربعاء, مايو 8, 2024
الوسواس القهري

المبادئ العامة للعلاج السلوكي في الوسواس القهري

(لا توجد أشياء لا يمكن علاجها إنما أشياء لم يجد الانسان لها علاج حتى الآن).. Bernard Barush (1870 – 1870)
هل يمكن علاج الوسواس القهري بنجاح؟ إن سألت هذا السؤال منذ ثلاثين عامًا كانت الإجابة ستكون (من الحتمل لا) وبالرغم من وجود بعض التقارير حول علاجات ناجحة فلا توجد طريقة معينة تعطي نتائج ثابتة، ولكن لإثبات صحة المقولة السابقة فإن هناك تحسن بشكل ملحوظ “بصورة درامية” لمرضى الوسواس القهري خلال السنوات الأخيرة بعد نشأة علاج سلوكي ناجح وعلاجات دوائية للمرض وكنتيجة يمكننا الآن أن نعالج بنجاح الأغلبية العظمى من المرضى.
ولتقييم فاعلية أى علاج للوسواس القهري يجب أن نضع في الاعتبار أن أعراض الوسواس القهري في حد ذاتها متذبذبة حتى بدون علاج.. وبالرغم من أن المرضى نادرًا ما يفقدون كل الأعراض خلال فترات تراجع الأعراض إلا أن العديد منهم قد يشعرون بتحسن مؤقت في فترة من الوقت خلال شهور أو سنين.. ولذلك يمكننا أن نعتبر أن العلاج الفعال هو الذي أثبتت كل الأدلة أنه يساعد أكثر من 50 % من المرضى على اتمام ذلك خلال فترة قصيرة وأن يؤدي إلى تحسن دائم.
والأبحاث الموصوفة في هذا المقال يمكن تطبيقها في علاج المرض عند الأطفال ولكن لا توجد علاجات سلوكية ودوائية مشابهة لعلاج المرض عند الأطفال والمراهقين أيضًا كما هو موضح تاليًا.
العلاج السلوكي لمرض الوسواس القهري
Behavior Therapy for OCD
العلاج السلوكي هو نوع من العلاج النفسي الذي يستخدم مبادئ التعلم لمساعدة المرضى لتغيير مشاكل معينة.. ويلاحظ أن العلاج النفسي التقليدي يرى السلوكيات الخاطئة كأعراض لصراع داخلي على مستوى اللاوعى إلا أن العلاج السلوكي يعلم المرضى كيف يمكنهم تصحيح مشاكلهم بشكل مباشر أى بدون تذكر أو البحث في المشاكل السابقة والعقد الدفينة لأنه ثبت أنها ليست هى السبب الأساسي في ظهور المرض.
وكمثال على ذلك فإننا نعلم نظرية كيفية تعلم تبطيل العادات البشرية، فمثلاً إن كنت تخشى المرتفعات فيمكنك التغلب على هذا الخوف عن طريق تعلم الاسترخاء أولاً والتحكم في الأفكار غير المقبولة عن المرتفعات ثم يمكنك استخدام بعض الطرق للتحكم في قلقك أثناء القيام بهدف سهل مثل الوقوف على كرسي المطبخ، ثم تسلق سلم البيت الخشبي أو أن تقف على حافة الشرفة أو النافذة.. وبعد تحقيق نجاحات متعددة يمكنك أن تضع نفسك بشكل تدريجي في مواقف أكثر صعوبة إلى أن تكون في النهاية قادرًا على أن تنظر بارتياح من نافذة في الطابق الأخير لناطحة سحاب أو أن تركب طائرة.
وباتباع هذا الأسلوب تمت نشأة وسائل قوية للعلاج السلوكي في أواخر الخمسينات لعلاج مرض الخواف أو الهلع.. وقد أثبت العلاج السلوكي مدى فاعليته في علاج تلك المشكلات وأحدث ثورة علاجية حيث كان لا يوجد علاج ناجح لها من قبل وبالتالي هو العلاج المفضل لهذه المشكلات حاليًا.
وعند تطبيق نفس الطرق للمرة الأولى على الوسواس القهري لم تكن النتائج مؤثرة ولكن حدث انقلاب عام 1966 عندما قام الطبيب النفسي البريطاني فيكتور ميير (Vector Meyer) بتوجيه الممرضات بأن يقمن بمنع المرضى المصابين بالوسواس القهري من تنفيذ طقوسهم طوال الوقت مما أدى إلى التحسن السريع لأربعة عشر مريض من أصل خمسة عشر مريض وكان هذا التحسن لمعظمهم دائم.
وأصبحت هذه الطرق هى النموذج المتبع للعلاج السلوكي للوسواس القهري، والمكونات الرئيسية في هذا العلاج هى التعرض (مواجهة الموقف الذي تخافه) ومنع الاستجابة (منع النفس من تأدية الأفعال القهرية) ويجب أن نفهم كلا المصطلحين فهمًا جيدًا حتى يمكننا أن نطبقهما في العلاج.
ما هو التعرض ومنع الاستجابة؟
يمكن أن نفهم تلك المصطلحات عند مشاهدة العلاج السلوكي لغسل اليد القهري والاستحمام نتيجة الخوف من أن يصبح الشخص ملوثًا بالجراثيم.. فالتعرض هنا يتكون من جعل المريض متصلاً بأشياء يعتقد أنها ملوثة (ولكن بشكل تدريجي) مثل مجلة أو كرسي في منطقة الانتظار الخاصة بعيادة لمرضى السرطان، أو أشياء يظن المريض أنها قذرة أو ملوثة أو نجسة… ويتم تشجيع المريض على البقاء متصلاً بالشئ الملوث أو القذر أو النجس قدر المستطاع وأن يمنع نفسه من القيام بغسل الأيدي أو الاستحمام لمدة ساعة أو ساعتين (منع الاستجابة).
ويمكن تطبيق نفس المبادئ على الأنواع الأخرى من الطقوس القهرية فمثلاً إن شعرت أنه من الضروري أن تراجع طريقك أثناء القيادة للتأكد من أنك لم تقم بصدم أحد المشاة فقد أشاركك أثناء قيادتك للسيارة وأشجعك على القيام بالأشياء التي تجعلك تخاف من أن تكون قد صدمت شخص ما.. مثل القيادة في طريق غير مستو أو المرور بالمشاة في الطريق (التعرض) وأثناء قيامك بهذه الأمور سوف أشجعك على مقاومة الرغبة لديك للتحديق في المرآة أو الرجوع للتأكد من عدم وجود ضحايا (منع الاستجابة).
ويمكن أن نضع مبادئ التعرض ومنع الاستجابة لمرضى الوسواس القهري بشكل مبسط:

  1. واجه الأشياء التي تخشاها بأكبر قدر ممكن.
  2. إن شعرت أن عليك أن تتجنب شئ ما لا تتجنبه.
  3. إن شعرت أن عليك أن تؤدي طقوسًا معينة لكى تشعر بشكل أفضل لا تؤديها.
  4. استمر في العمل بالخطوات السابقة أطول فترة ممكنة.
  5. افعل العكس.
  6. وجود مرشد روحي واحد لا يتغير.

الخطوة الأولى والثانية يصفان التعرض والخطوة الثالثة تصف منع الاستجابة.
●معظم الأفكار الجيدة هى في الحقيقة تعديلات للأفكار القديمة أو إعادة عمل لها.. وقد أشار طبيب الأعصاب الفرنسي العظيم بيير جانيت إلى أشكال علاجية تشبه العلاج السلوكي الحديث في أوائل هذا القرن.. وهو ما لم يكن فقط يعالج مرضاه بما نسميه الآن العلاج التعرضي ولكنه أيضًا أطلق عليه نفس الاسم الذي لا يزال يستخدم حتى الآن.
وعلى المعالج أو المرشد أن يحدد بدقة للمريض العمل المطلوب منه وعليه أن يحلل العمل إلى عناصره إن كان من الضروري أن يعطي لعقل المريض هدفًا قريبًا وفوريًا.. وبتكرار الأمر بشكل مستمر لعمل المطلوب من المريض (التعرض) سوف يقوم المعالج بمساعدة المريض بشكل كبير عن طريق كلمات التشجيع لكل علامة من علامات النجاح أو التقدم مهما كانت بسيطة لأن التشجيع سيجعل المريض يدرك هذه النجاحات الصغيرة وينبهه بالآمال النابعة لتحقيق نجاحات أكبر في المستقبل..
وبعض المرضى يحتاجون لتعليمات صارمة أو حتى تهديدات وهناك مريض أخبر الطبيب بيير جانيت أنه إن لم يتم إجباره بشكل مستمر على الأشياء التي تحتاج لمجهود كبير فإنه لن يتحسن أبدًا وأن الطبيب يجب أن يتحكم فيه بشكل صارم.
وهذا الوصف للعلاج السلوكي للوسواس القهري يعتبر دقيقًا إلى يومنا هذا والعلاج التعرضي الذي وصفه بيير جانيت لا يزال هو العلاج السلوكي الأكثر استخدامًا للوسواس القهري حتى بعد مرور المئات من السنين.. ولكن للأسف هذا العلاج الفعال لم يعد مفضلاً بعد أن قام جانيت بتقديمه حيث أن نظرية التحليل النفسي لفرويد كانت قد اكتسحت أوروبا.. حيث أصبح المعالجون مهتمين باكتشاف المعاني المختبئة للوساوس والأفعال القهرية وأصبحت طرق جانيت القوية في المؤخرة لعشرات السنين حتى أعاد لها دكتور ميير الحياة مرة أخرى.
التعود: المفتاح للتعرض ومنع الاستجابة
Habituation
هل قمت في يوم ما بزيارة أصدقاء لك يعيشون قرب مطار أو محطة قطار؟ من المحتمل أن تكون تساءلت كيف يستطيعون تحمل تلك الضوضاء إلا أن أصدقاءك لا يعيرون لها اهتمامًا..
أو هل قمت قبل ذلك بارتداء حذاء ضيق في الصباح وتجد نفسك في المساء قد نسيت أنك مرتديه؟
إن كنت قد مررت بمثل هذه المواقف فإنك قد شهدت عملية التعود داخل جسدك.. وكلمة التعود habituation مشتقة من الكلمة اللاتينية “habitus” أو إعادة، وهى تعني أن تتعود على الشئ أو أن يكون الشئ مألوف لك بالاستخدام أو بالممارسة المتكررة.. بمعنى آخر أنه بعد التعود على موقف ما يتعلم جسدنا أن يعتاد أو أن يتجاهل هذا الموقف بالرغم من أنه في البداية يسبب حدوث رد فعل قوي.
التعود هو المفتاح لفهم طريقة التحكم في الأفعال القهرية والوساوس وأبحاثنا وخبرتنا مع المئات من المرضى توضح أنه مع الاستمرار في ممارسة التعرض ومنع الاستجابة فإن المخاوف والأفعال القهرية تقل دائمًا.. ولكن الأفعال القهرية تتغير بمعدلات مختلفة عند الناس، فبعض الأشخاص قد تقل مخاوفه خلال الساعة الأولى من الممارسة والبعض الآخر قد يشعر بتحسن بعد عدة أسابيع من التدريب الشاق.. ولا يوجد ما نفعله تجاه تلك الفروق إلا أن نتقبلها كما نتقبل الاختلافات الفردية في لون الشعر أو الطول مثلاً، وما يهم فعلاً هو أن بالممارسة ستقل مخاوفك بالتأكيد.
ويلعب التعود دورًا كبيرًا في نواحي عديدة من الحياة بعيدًا عن الوسواس القهري.. فمثلاً معظمنا كان يخاف من الظلام عندما كنا أطفالاً وكانت لدينا رغبات ملحة في أن نصرخ أو نبكي كما عانينا من فكرة وجود وحش مختبئ تحت السرير، وكنتيجة لذلك كنا نترجى آباءنا لكى يضيئوا النور أو لكى يجعلونا ننام بجانبهم، ومع مرور الشهور وباصرارنا نحن وآباءنا على أن ننام في الظلام فإن مخاوفنا قلت بشكل كبير.. ولهذا فإنه بتغيير سلوكنا فقط (البقاء في الغرفة المظلمة) فقد غيرنا بشكل غير مباشر أفكارنا (الوحوش) ومشاعرنا (الخوف).. وعند قراءة الجملة الأخيرة بعناية نجد أن ذلك هو ما يحدث بالضبط في كل العلاجات السلوكية الناجحة للوسواس القهري.
الأبحاث في العلاج السلوكي للوسواس القهري
Research in Behavior Therapy for OCD
لقد اختبرت الدراسات في العالم خلال الثلاثين سنة الماضية طريقة التعرض ومنع الاستجابة وأكدت أنها فعالة لمساعدة 75% من المرضى للتحكم في أعراضهم، كما وجدت هذه الدراسات أيضًا أن 80% من المرضى كانوا قادرين على إكمال العلاج السلوكي والباقي لم يستطيعون بسبب المخاوف الشديدة.
وقد أجريت معظم الدراسات الأولى على المرضى الموجودين داخل مستشفى ولكننا تعلمنا كيفية تطبيق هذه الوسائل على المرضى خارج المستشفى.. والكثير من الأبحاث حديثة العهد قد أجريت على المرضى خارج المستشفى وكانت النتائج رائعة، والدراسات التي أجريت في أوروبا خلال العقد الأخير وجدت أن المرضى يستطيعون إجراء التعرض ومنع الاستجابة (منع الطقوس) بمفردهم وأن يحققوا نفس النتائج التي يحققها آخرون مع المعالجين.. وهنا نشير إلى ذلك البحث حتى نوضح كيفية استخدام نفس الوسائل بمساعدة شخص ما مثل أحد أفراد العائلة أو صديق.
ولا توجد آثار جانبية معروفة للعلاج السلوكي.. والأفعال القهرية التي تم علاجها تبقى في حالة حسنة.. وقد وجدت الدراسات أن تقريبًا كل المرضى يحافظون على تحسنهم أو يستمر تحسنهم لمدة سبع سنوات بعد العلاج، وقد احتاج بعض المرضى في هذه الدراسات لجلسات إضافية من العلاج السلوكي للاستمرار في التحسن.. ولم تظهر أعراض جديدة لتحل محل الأعراض التي تم علاجها.. على أساس أن هؤلاء المرضى سوف يطبقون مبدأ التعرض ومنع الطقوس (منع الاستجابة) على كل الأعراض حتى الجديد منها..
وقد أوضحت الدراسات حول فاعلية العلاج السلوكي مشكلتين قد يعوقا تقدمك.. وهما الاعتقاد القوي في الوساوس والاكتئاب الشديد والسبب في ذلك هو أن تلك المشكلتين يقللان من الفرص التي ستكمل فيها التعرض ومنع الاستجابة للتحكم في الأعراض كما أنهما يعوقان عملية التعود والتي تعتبر الهدف من التعرض ومنع الاستجابة.

  1. الاعتقاد القوي في صحة الوساوس

 Strong Belief in Obsessions
إن كنت دائمًا تعتقد أن وساوسك صحيحة أو أن أفعالك القهرية ضرورية لمنع حدوث كارثة مثلاً فإنك نادرًا ما ستستجيب للعلاج السلوكي.. إن أظهر تقييمك أن لديك هذه المشكلة فعليك أن تستشير طبيب نفسي حتى يرى إن كنت في حاجة إلى علاج دوائي لتغيير هذه الأفكار قبل تجربة العلاج السلوكي.
ولا أقصد بالاعتقاد القوي في الوساوس سماع أصوات برأسك لأن ذلك ليس وسواس قهري.. فمرضى الوسواس القهري دائمًا يعرفون أن أفكارهم قادمة من عقولهم ولكن إن كنت تعتقد أن أصوات أشخاص آخرين يتكلمون إليك أو يتحكمون بك أو يتكلمون عليك أو يراقبونك أو يقرأون أفكارك فإن عليك استشارة طبيب متخصص أو أخصائي نفسي بأسرع ما يمكن لمساعدتك في تلك المشكلة.. حيث أن هذه الاعراض ليست اعراض الوسواس القهري.
ولحسن الحظ فإن الغالبية العظمى من المرضى بالوسواس القهري لا يعتقدون في صحة وساوسهم إلا عندما يكونوا محاصرين بسلسلة من الوساوس والأفعال القهرية ويشعرون بالقلق وهذا أمر شائع الحدوث.. وعندما تعتقد دائمًا في صحة وساوسك فإنه يكون لديك ما يسمى بالمعتقدات المبالغ في تقديرها.. وهذا المثال يوضح أن معظم مرضى الوسواس القهري لا يتعقدون حقًا في وساوسهم.
المريضة (أ) كانت تخشى الجراثيم وقد تجنبت لمس الأشياء أو تناول الطعام الذي قد يكون لمسه شخص ما قد يكون مصابًا بالسرطان أو بالإيدز (مصدر للجراثيم)
وعندما لا تكون في قمة القلق الذي يسببه أعراضها كانت قادرة على التكلم بشكل منطقي وبهدوء عن مخاوفها وكانت تقول أنها تعرف أن هذه الأمراض لن تنتقل لها بلمس هذه الأشياء الملوثة لأنها قد قرأت كثيرًا عن الموضوع وتعلم أن الأدلة العلمية تشير إلى عدم إمكانية ذلك.. ولكن عندما حاولت أن ترجع لمنزلها بطعام قامت بشرائه من بائع يبدو عليه المرض فإن التناقض الخاص بوساوسها يصبح ظاهرًا.. فهى لا تعتقد أنها قد تصاب بالمرض من الجراثيم ولكنها لم تكن متأكدة تمامًا من عدم حدوث ذلك.
وهذا هو حال معظم مرضى الوسواس القهري، فهم لا يعتقدون حقًا أنهم سوف يصابون بالمرض أو أن حظهم سيكون سيئًا ولكنهم لا يكونوا متأكدين تمامًا من أنهم في مأمن، أو على الجانب الآخر فبعض المرضى لا يمكن اقناعهم أبدًا لتغيير طريقة تفكيرهم مثل هذه المرأة التي كانت متأكدة من إصابتها بالسرطان إن لمست أشياء معينة و المريضة (م) كانت ترى جراثيم السرطان في كل مكان.. على أكرة الباب التي لمسها شخص مصاب بالسرطان.. على الكرسي الذي كان يشغله مريض بالسرطان، وكما هو شائع في مرضى الوسواس القهري فإن خوف (م) بدأ ببطء وجعلها تتجنب الأشياء التي لمستها والدتها فقط.. حيث توفيت والدتها مؤخرًا نتيجة إصابتها بالسرطان ولكن خوفها انتشر فجأة، وعند مقابلة لها كانت غير قادرة على العيش بمنزلها منذ شهور حيث كانت تخشى أن يكون المنزل ملوثًا بجراثيم السرطان ولم تكن قادرة على العمل بل كانت تقوم بتنظيف المنزل وتقصر في الواجبات الأخرى.. وبالرغم من كونها بائسة لوجود هذه التغييرات في حياتها إلا أنها عند سؤالها كانت تعتقد بشكل واضح بأنها قد تصاب بالمرض إن لمست أشياء ملوثة، وهى لم تكن متأكدة من المدة التي يأخذها السرطان حتى يظهر، واعتقدت أن المرض قد يكون لديها الآن ولكن لا يظهر إلا بعد مرور سنة أو عشر سنوات أو ثلاثين سنة، ولذلك حتى إن وافقت على لمس أشياء ملوثة ولم تمرض لأيام أو أسابيع فإن مخاوفها لا تقل لأنها كانت تعتقد أن المرض سيظهر آجلاً أو عاجلاً.

  1. الاكتئاب الشديد Sever Depression

من الطبيعي أن تشعر ببعض الحزن أو الاكتئاب إذا أثر مرض الوسواس القهري على حياتك العملية أو الاجتماعية، ولكن إن وجدت أنك مكتئب بشدة فعليك استشارة طبيب نفسي مؤهل أو أخصائي بأسرع ما يمكن قبل تجربة العلاج السلوكي لعلاج الوسواس القهري لديك.. وعلاج الاكتئاب ضروري جدًا لسببين.. الأول هو الحقيقة الواضحة بأن هؤلاء المكتئبين بشدة يعيشون دائمًا في ظروف صعبة ودون المستوى وأحيانًا يميلون لتمني الموت أو التفكير في الانتحار.. والسبب الثاني هو أن الوسواس القهري يستجيب بشكل أقل للعلاج السلوكي عندما يكون المريض مكتئب بشدة حيث لا يكون لدى المريض الطاقة اللازمة للتعرض ومنع الاستجابة وقد يجد المريض أن هذا العلاج غير فعال حتى لو حاول القيام به حيث أن عملية التعود يبدو أنها تعمل بشكل مختلف عندما يكون المرض مكتئب بشدة.
ويوضح المثال الآتي كيف يمكن علاج الوسواس القهري بنجاح إن قمنا بعلاج الاكتئاب الشديد..
المريضة (ث) مثل الملايين من المواطنين تجلس أمام التلفاز وتشاهد العرض اليومي للبرامج التليفزيونية ولكنها كانت مختلفة حيث أنها كانت مضطرة لكتابة وتذكر جميع أسماء الممثلين أو المتسابقين في هذه البرامج، وإن نسيت أى اسم فإن شيئًا فظيعًا سوف يحدث لها أو لعائلتها كما كانت تعتقد.. وقد بدأت مشكلة (ث) من سنة وكانت قد أصيبت باكتئاب شديد عقب وفاة والدتها والذي سبقه موت الكثير من الأقارب والأصدقاء في فترة قصيرة.. وكانت لديها أعراض الاكتئاب المعهودة (عدم القدرة على الأكل أو النوم – مزاج سئ – أفكار عن الموت – الشعور بالذنب – فقدان الشعور باللذة – أعراض جسدية مزمنة مثل الصداع أو الآلام – الكسل والخمول وبطء الحركة – عدم الاهتمام – …..) وبعد عدة اسابيع لاحظ أطفالها ظهور عادات جديدة أو طقوس عندها، ففي كل مكان كانت (ث) تذهب إليه كانت تحمل حقيبة التسوق المملوءة بأوراق مكتوب عليها أسماء وتواريخ ميلاد والذكرى السنوية لأفراد العائلة والأصدقاء وحتى أرقام رخص السيارات الواقفة في الشارع.. وعندما قابلنا (ث) كان طبيب العائلة قد وصف لها جرعة صغيرة من مضاد للاكتئاب  وعندما زادت جرعة الدواء أصبحت (ث) أقل اكتئابًا وأخبرتني أنها لم تعد خائفة من حدوث شئ فظيع إن لم تتذكر الأسماء والأرقام التي قامت بتسجيلها ووافقت الآن على الاشتراك في العلاج السلوكي حتى تتخلص من هذه الطقوس.. وقامت مع ابنها في المنزل برمى الأوراق المخزنة وبدأت بمشاهدة التلفاز بدون أن تكتب أى ملاحظات، وبعد ثلاث جلسات فقط أخبرتني هى وابنها أنها قد تحسنت بشكل ملحوظ.

كم من الوقت يستغرقه العلاج السلوكي؟
How Long does Behavior Therapy Take?
يريد معظم المرضى أن يعرفوا كم من الوقت يستغرقه العلاج السلوكي وهذا حقهم.. وسواء كنت تحاول أن تتحكم في أعراضك بنفسك أو بمساعدة معالج سلوكي فإن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على عاملين وهما: كم من الوقت تقوم بممارسة التعرض ومنع الطقوس (منع الاستجابة).. ما مدى شدة أعراض الوسواس القهري لديك.
وقد أخبرني الأطباء زملائي والمعالجون السلوكيون بعيادتنا أن المرضى غالبًا ما يسألون هذا السؤال، وقد بحثت في سجلاتي لأجد الإجابة. أنه في المتوسط نرى المرضى لمدة ستة اشهر وفي البداية نراهم مرة كل أسبوع ثم كل أسبوعين وأخيرًا كل شهر.. ولكننا نخبر مرضانا أن ذلك فقط إن كانوا مصممين ولديهم دافع للعمل بجد، وهناك مرضى آخرون يكون دافعهم أقل قوة ولذلك يأخذ علاجهم فترة أطول ويتقدمون بشكل أقل.. وأن أهم شئ هو مدى قوة إرادة المريض لعمل التعرض ومنع الاستجابة.
وبشكل واضح فسواء كنت تتدرب مع معالج سلوكي أو مع فرد من العائلة أو بنفسك فإن المثابرة مكون أساسي للنجاح في العلاج السلوكي.
هل سيقضي العلاج السلوكي على كل أعراض الوسواس القهري لدى؟
Will Behavior Therapy Eliminate all my OCD symptoms?
غالبًا لا.. فبالرغم من أن وساوسك وأفعالك القهرية ستقل غالبًا بشكل كبير مع العلاج السلوكي ولن تؤثر بنفس الحدة على حياتك المهنية والاجتماعية إلا أن القليل من الطقوس والوساوس سيبقى متواجدًا.. ويجب أن نضع في الاعتبار أن مرضانا نادرًا ما يتحسنون بشكل كامل مع العلاج السلوكي إلا أنهم غالبًا ما يتأثرون بالتقدم الذي يسببه لهم حيث لا تصبح أعراضهم تؤثر على حياتهم أو عملهم.. فقد يظلوا قلقين بخصوص التلوث بصورة أكبر من الأشخاص العاديين أو قد يظلوا يسألون أنفسهم عما إذا كان الباب مغلقًا بالفعل أو يفضلون عدم الزواج في يوم الجمعة الموافق الثالث عشر من الشهر إلا أن هذه المشكلات لم تصبح مسيطرة على حياتهم.. وهذا ما يحدث معنا جميعًا.. حيث أنه لابد وأن نحظى ببعض الأفكار أو الأفعال الوسواسية البسيطة لكى تستقيم الحياة، فلابد لكل أم أن تأتيها أفكار في المساء في الشتاء القارس أن تقوم مرة أو مرتين لكى تقوم بتغطية أطفالها، أو أن ينظر السائق في المرآة الجانبية مرة أو مرتين قبل الانعطاف يمينًا أو يسارًا، أو أن يقوم الطالب بمراجعة الأسئلة ومطابقتها على الأجوبة مرة أو مرتين قبل خروجه من قاعة الاختبارات..
هل بإمكان العلاج السلوكي مساعدة طفلي؟
Can Behavior Therapy Help my Child?
غالبًا ما يسألني الآباء عن العلاج السلوكي لعلاج أطفالهم المرضى بالوسواس القهري، وبالرغم من أن معظم المرضى في عيادتنا بالغين إلا أنني قمت بعلاج العديد من الأطفال والمراهقين على مر السنين.. وبينما لا توجد الكثير من الأبحاث حول هذا الموضوع إلا أنني رأيت العديد من الأطفال والمراهقين في عيادتنا الذين استطاعوا التحكم في أعراض المرض عن طريق العلاج السلوكي.. وقد وجدنا أنه توجد ثلاثة شروط لنجاح العلاج.. الأول هو أن الآباء يجب أن يشاركوا بطريقة بناءة وتشجيعية.. ففي بعض الحالات نرى أن الآباء قلقون بشكل أكبر من الطفل المريض ويجب أن يكون لدى الآباء رغبة في مساعدة طفلهم حتى يؤدوا التعرض ومنع الطقوس بطريقة صارمة ولكن بهدوء وحب..
الشرط الثاني أن يكون الطفل يريد حقًا أن يتحسن حيث أنه سيشترك في العلاج السلوكي مثلما رأيت يحقق نجاحًا مع الأطفال والمراهقين المصابين بالوسواس القهري.
وبوجه عام فقد نجحنا في علاج نصف حالات الأطفال في عيادتنا وقد تحسن العديد منهم بنسبة 70% أو أكثر، وكان معظم الأطفال يتناولون دواءًا عندما جاءوا إلينا وكان الجمع بين العلاج السلوكي والدواء مفيدًا للعديد من الأطفال.
ولحسن الحظ فإن الطبيب جون مارش (الطبيب النفسي المشهور) وزملاءه قد وضعوا برنامجًا فعالاً بشكل ملحوظ للأطفال والمراهقين المصابين بالوسواس القهري، وبالرغم من أنهم قد أكدوا على نفس الأسلوب الخاص بالتعرض ومنع الاستجابة إلا أنهم وجدوا طريقة رائعة لتوصيل هذه الأفكار للأطفال والمراهقين بشكل مفهوم ومشجع وإذا كان طفلك يعاني من الوسواس القهري فقم بشراء كتاب صغير عنوانه الوسواس القهري في الأطفال والمراهقين (علاج معرفي وسلوكي) وأعتقد أنه عليك شراء نسختين حتى تعطي واحدة لأى معالج يقوم بعلاج طفلك.. وإليك بشرى أننا في القريب العاجل سوف نقوم بإصدار كتاب لعلاج الوسواس القهري في الأطفال والمراهقين ميسر وسهل وسوف نقوم بوضع نسخة منه على الموقع..
مآل الأنواع المختلفة من أعراض الوسواس القهري
Prognosis for Different Types of OCD Symptoms
تتنوع أعراض الوسواس القهري ولذلك ستختلف الطريقة التي سوف نستخدمها في العلاج السلوكي طبقًا للمشكلة التي تعاني منها والعلاج السلوكي موجه بشكل مباشر للتخلص من الطقوس.. وقد ركزت معظم الأبحاث على هذه الطقوس ووجدت أنها تستجيب بشكل جيد للعلاج السلوكي وإن قمت باتباع طريقة التعرض ومنع الاستجابة كما وضحنا فسوف تساعدك على التخلص من الطقوس.
ويصعب علاج طقوس المراجعة بالعلاج السلوكي (إن لم تكن مصممًا ومتعاونًا مع معالجك ولديك الأمل والارادة لفعل ذلك) ويرجع السبب إلى أن المريض يؤدي هذه الطقوس غالبًا وهو بمفرده وبمنزله، بمعنى آخر عندما يكون مسئولاً عن قرارته وهذا سيجعل من الصعب أن يساعدك المعالج.. حيث أنه سيكون عليك أن تؤدي التعرض ومنع الاستجابة بمفردك.. وإن استطعت أن تفعل ذلك سوف تكون قادرًا بشكل كبير أن تقلل من تأدية طقوس المراجعة باستخدام العلاج السلوكي بدرجة تمكنك من العودة لحياتك بشكل طبيعي ولكن مشاعر عدم التأكد لديك – بالرغم من قلة حدتها بشكل كبير – ستتواجد في بعض الأوقات.
ولم تتم دراسة الأنواع الأخرى من الطقوس مثل المخاوف الخرافية والتخزين بشكل مكثف مثل طقوس النظافة والمراجعة ولكن يمكن اتباع نفس الطريقة معها والسيطرة عليها وقد تبقى رغباتك الملحة لبعض الوقت، ويتطلب العلاج السلوكي لهذه المشكلات وجود شخص مساعد للعمل معك.
أما علاج البطء القهري فهو صعب جدًا ومعقد وإن كانت لديك مشاكل بسيطة فربما تكون قادرًا على السيطرة عليها باتباع الأساليب المذكورة تباعًا بمساعدة شخص آخر، ولكن إن كانت مشاكلك أكثر خطورة فإن عليك العمل مع معالج سلوكي وطبيب نفسي لوصف العلاج.
وتعد الأفكار الوسواسية التي لا يصاحبها أفعال قهرية أصعب نوع من مرض الوسواس القهري للعلاج باستخدام العلاج السلوكي حيث أنه هنا لا توجد سلوكيات ملحوظة لاتباع طريقة التعرض ومنع الاستجابة.. ولحسن الحظ فقد طورنا خلال العقد الماضي علاجات غير دوائية وفعالة لهذه المشكلة.. فإن وجدت نفسك تتجنب المواقف التي تثير لديك هذه الوساوس فإن الهدف سيكون هو تعريض نفسك لهذه المواقف بدون أداء أفعال قهرية حتى تتغلب على هذه المشكلة، وعلى الجانب الآخر إن كنت لا تتجنب المواقف التي تثير لديك الوساوس فإنك سوف تشعر ببعض الراحة عند استخدام التعرض المسجل على شرائط كاسيت أو باستخدام الوسائل الجديدة للعلاج المعرفي.
العلاج الدوائي للوسواس القهري
حتى أوائل السبعينات لم تستطع الأدوية النفسية المتاحة للقلق والاكتئاب بالرغم من نجاحها في علاج هذه الأمراض أن تفعل الكثير مع الوساوس والأفعال القهرية.. ولكن تطورت الآن العديد من أدوية الاكتئاب الجديدة وأصبحت فعالة في علاج أعراض الوسواس القهري خلال ثلاثة شهور من العلاج.. وتؤثر هذه الأدوية على الناقل العصبي (السيروتونين).
و أول دواء عرف بأنه مضاد للأفعال القهرية هو كلوميبرامين (أنافرانيل) والذي أصبح متاحًا في معظم الدول لعدة سنين ووافقت عليه منظمة الغذاء والدواء الأمريكية عام 1990 كأول دواء مضاد للأفعال القهرية في الولايات المتحدة.. وقد أثبتت الأبحاث في عيادتنا وفي مراكز أخرى أن كلوميبرامين فعال جدًا لعلاج أعراض الوسواس القهري في معظم المرضى.. ولكن قل استخدامه كثيرًا هذه الأيام لتسببه في كثير من الأعراض الجانبية مثل جفاف الريق، الإمساك، الدوخة، النوم، الصداع، زيادة ضربات القلب.
وخلال العقد الماضي وجدنا العديد من الأدوية الأخرى التي لها فاعلية في علاج الوسواس القهري.. وتشمل هذه الأدوية فلوكسيتين (بروزاك) – فلوفوكسامين (فافرين) (لوفوكس) – سيرترالين (لوسترال) (مودابكس) (زولوفت) – باروكسيتين (سيروكسات) (زاندول) (باكسيل) – سيتالوبرام (سيليكسا) (سيبرام) (ديبرام) – إسيتالوبرام (سيبرالكس) (إسيتا).
وإن كانت هذه الأدوية فعالة جدًا في علاج الوسواس القهري إذن ما حاجة المرضى للعلاج السلوكي؟
وهناك ثلاثة أسباب لذلك وهى أن حوالي 20 : 30% من المرضى إما أنهم يرفضون هذه الأدوية أو لا يكونوا قادرين على أخذها نظرًا لوجود بعض الحالات مثل الحمل أو وجود أعراض جانبية خطيرة على المريض.. والسبب الثاني هو أن حوالي 25% من المرضى الذين يتناولون هذه الأدوية يلاحظون فقط تغييرات صغيرة في أعراضهم ولا يشعرون بتحسن ملحوظ.. أما السبب الثالث هو أنه بالرغم من أن هذه الأدوية تحدث تحسن كبير في معظم الحالات إلا أنه عادةً ما يتبقى حوالي 30 % من أعراض المرض لديهم.. والإضافة الأخيرة أنه لكى يتحسن المريض تمامًا لابد أن يشعر أنه متحسن بدون دواء.
في معظم الحالات فإن هؤلاء المرضى يسعدوا بتحسنهم نتيجة الدواء بمفرده إلا أننا وجدنا أن هناك بعض الأعراض التي تبقى موجودة حتى بعد العلاج الدوائي أو العلاج السلوكي.
وقد وجدنا أثناء التعامل مع معظم مرضانا أن الدمج بين العلاج السلوكي والعلاج الدوائي يؤدي لنتائج أفضل.. كما قمنا بعلاج العديد من المرضى بالعلاج السلوكي فقط وكانت النتائج ممتازة.. والمثال الآتي يوضح أحد المرضى الذي تحسن بشكل واضح باستخدام العلاج السلوكي بعد أن تحسن قليلاً باستخدام العلاج الدوائي.
كانت لدى المريض (ج) مخاوف عديدة من أن يصبح ملوثًا بالجازولين (البنزين).. وعندما قابلته كان يتناول فلوفوكسامين منذ عامين.. وبالرغم من تحسنه بنسبة صغيرة وقلة أفكاره الوسواسية إلى حد ما إلا أنه لا يزال يتجنب معظم المواقف التي قد يتعرض فيها للجازولين مثل ملء سيارته بالجازولين – ارتداء ملابس قد تكون ملوثة – لمس أطفاله إذا شعر أنه ملوث.. وكان (ج) متحمسًا للغاية للعمل بجد في العلاج السلوكي، وكان يسكن على بعد ثلاث ساعات من العيادة ولذلك كنت أراه مرة واحدة شهريًا.. وكان يقوم بالتعرض ومنع الاستجابة بمنزله بمساعدة زوجته وبعد خمس جلسات فقط تحسن (ج) بشكل ملحوظ وأصبح يتجنب القليل من المواقف واستمرت هذه التقدمات لمدة عام بعد العلاج.
ويعتقد معظم المعالجين السلوكيين والأطباء النفسيين أن الجمع بين العلاج السلوكي والدواء وسيلة فعالة لعلاج حالات الوسواس القهري المتوسطة والشديدة الحدة عند الكثير من المرضى (البالغين – الأطفال – المراهقين) وأقوم بإخبار مرضاى أن أخذ مضاد للاكتئاب أو مضاد للقلق لن يتعارض مع العلاج السلوكي بل على العكس سيساعدهم أكثر.
وقد وجدنا في عيادتنا أن المرضى الذين لديهم طقوس متوسطة الشدة للنظافة والمراجعة يتحسنون بشكل كبير باستخدام العلاج السلوكي فقط.. كما يتحسن مرضى آخرون لديهم أعراض مختلفة باستخدام العلاج السلوكي فقط.. فمثلاً هناك رجل كانت لديه مخاوف وسواسية حول الإصابة بالإيدز وتجنب العديد من المواقف وأصبح الآن قادرًا على التغلب على مخاوفه باستخدام العلاج السلوكي بمفرده واستمر تحسنه لأكثر من عام بعد نهاية العلاج، ولكن بوجه عام إن كنت تقضي أكثر من 4 ساعات يوميًا لتأدية الطقوس أو كنت مكتئبًا جدًا أو قلقًا جدًا أو كانت لديك وساوس فقط بدون أفعال قهرية فإنك على الأرجح ستحتاج لعلاج دوائي بجانب ممارسة العلاج السلوكي.
علاجات أخرى للوسواس القهري
العلاج النفسي التقليدي
عندما يسمع معظم الناس كلمة “العلاج النفسي” يأتي على ذهنهم فورًا الأنواع التقليدية من العلاج النفسي (أيضًا يعرف بالعلاج عن طريق التحدث) ويضم هذا النوع التحليل النفسي لفرويد حيث يتكلم المريض عن مراحل حياته المبكرة وعن الأحلام..
وبالرغم من أن العلاج النفسي التقليدي يساعدنا في فهم معظم المشاكل الشعورية إلا أنه لا توجد دراسات علمية أو خبرات عملية توضح أنه مفيد في علاج الوسواس القهري، وبالرغم من أنه لن يسبب أى ضرر للمريض إلا أنه لا يستطيع تخفيف الأعراض المرضية.
ولوحظ أن عادات الوسواس القهرية قوية جدًا ولذلك يتفق معظم المعالجين أن العلاج يجب أن يكون نشطًا بشكل أكبر حتى يغير الوساوس أو الأفعال القهرية.. فإن مجرد الحديث عن الأعراض أو عن تاريخها لا يبدو أنه يغيرها.. ولا نعتبر العلاج النفسي التقليدي علاجًا فعالاً لأعراض الوسواس القهري في عيادتنا وأحيانًا نحول مرضانا لهذا النوع من العلاج بعد السيطرة على وساوسهم وأفعالهم القهرية لعلاج مشاكلهم الأخرى.
وقد علمتنا نظريات فرويد أن الأشخاص قد يقوموا بأداء الطقوس نتيجة أسباب لا يدركونها إلا أن طرق فرويد لم تؤدي لعلاج فعال للوسواس القهري.. وفي الحقيقة نرى كل أسبوع تقريبًا في عيادتنا مريضًا واحدًا على الأقل لم تتحسن أعراض الوسواس القهري لديه بل أحيانًا تسوء بالرغم من استمراره لسنوات بأداء التحليل النفسي اليومي.
وأثناء غياب العلاجات الفعالة للوسواس القهري كان التحليل النفسي هو أكثر علاج مستخدم حتى أواخر الستينات.. وكل يسمى عصاب وسواسي.. وكان يعتقد أن له أسوأ مآل لكل الاضطرابات العصبية.. بمعنى آخر لم يكن من الممكن علاجه ولحسن الحظ فقد تغير هذا المآل خلال العقدين الماضيين بشكل كبير جدًا ويرجع الفضل في ذلك لله أولاً ثم استخدام العلاج السلوكي القوي والعلاج الدوائي أيضًا.
العلاج بالصدمات الكهربية
إن العلاج بالصدمات الكهربية يستخدم منذ فترة طويلة في علاج الاكتئاب الشديد حيث يكون المريض غير قادر على أداء وظائفه اليومية أو لديه ميول انتحارية ولم يستجب المريض لأى أدوية مضادة للاكتئاب أو لأى علاج آخر.. ويتم تكرار الجلسات عدة مرات على مدار أيام حتى يقل الاكتئاب..
وعلى الرغم من أن هذا النوع من العلاج يبدو مرعبًا إلا أنه آمن والأثر الجانبي الوحيد له هو فقدان الذاكرة للأحداث التي جرت قبل الجلسة مباشرة وحتى الذاكرة تعود تدريجيًا.. والنقطة الهامة هنا هو أن العلاج قد ساعد العديد من مرضى الاكتئاب الشديد الذين كانوا على وشك الانتحار على أن يعودوا لحياتهم بشكل طبيعي مجددًا.
ونظرًا للفاعلية المؤكدة للعلاج بالصدمات الكهربية في حالات الاكتئاب فإن العديد من الأطباء النفسيين قاموا بتجربته لعلاج أعراض الوسواس القهري الشديدة.. وبينما توجد تقارير عن حالات استجابت لهذا العلاج إلا أن الغالبية العظمى من الأبحاث وجدت أن هذا العلاج ليس فعالاً في علاج الوسواس القهري..
وقد شاهدنا العديد من المرضى في عيادتنا لم تتحسن حالتهم بالرغم من أنه تم إعطاء من خمس إلى مئة جلسة للعلاج بالصدمات الكهربية.. وعلى الجانب الآخر فقد شاهدنا العديد من المرضى الذين لم يكونوا قادرين على الاستجابة للعلاج السلوكي للوسواس القهري إلا بعد تحسن الاكتئاب الشديد لديهم نتيجة العلاج بالصدمات الكهربية في بعض حالات الوسواس القهري يرجع إلى قدرة هذا النوع من العلاج على تحسين حالة الاكتئاب التي غالبًا ما تصاحب حالات الوسواس القهري الشديدة.
إزالة الحزام Cingulotomy :
الحزام هو جزء من المخ يتكون من ألياف عصبية تصل مقاطع المخ المتحكمة في المشاعر والأفعال.. وقد عرف جراحو المخ منذ عام 1950 أنه بعمل هذه الجراحة فإن أعراض الوسواس القهري تقل بشكل كبير.. وحتى نختبر فاعلية هذه العملية فقد حدث تعاون بين عيادتنا مع بعض جراحي المخ لدراسة ذلك العدد الصغير من المرضى الذين لديهم وسواس قهري عالي الشدة.. وقاموا بعمل هذه العملية في المستشفى عدة مرات.. (تم تجريب هذه الجراحات منذ عام 1960) وقد وجدنا أن هذه العملية فعالة في حالات الوسواس القهري الشديدة التي لم يمكن السيطرة عليها بالوسائل الأخرى لا بالدواء ولا بالعلاج السلوكي المعرفي.. ولذلك قمنا بفحص هؤلاء المرضى المحولين لعمل هذه العملية للتأكد من أنهم فعلاً يعانون من الوسواس القهري وللتأكد أيضًا من أنهم حصلوا على محاولات كافية من العلاج السلوكي والدوائي للوسواس القهري.. كما قمنا بتقييم نوع وشدة الأعراض لديهم قبل الجراحة.. وبعد أداء العملية استمرينا في متابعتهم مرتين سنويًا سواء بالحديث معهم تليفونيًا أو بمقابلتهم شخصيًا لتقييم أى تغييرات في أعراضهم أو في جودة حياتهم.. وقد وجدنا أن هذه العملية أدت لتخفيف الأعراض بشكل هائل في حوالي ربع إلى نصف هؤلاء المرضى بدون أى آثار جانبية خطيرة.
ومعظم الناس يخافون من إجراء أى عملية بالمخ وقد يتذكر البعض شكل المرضى في الخمسينات بعد إجراء عمليات بالمخ حيث أصبحوا بلا مشاعر بعد العملية.
ولكن عملية إزالة الحزام الحديثة تستخدم تقنيات حديثة بالكمبيوتر لدرجة أنه يمكن قطع مجموعة صغيرة جدًا من الألياف العصبية.. ونتيجة لذلك فقد وجدت الدراسات العديد من المرضى بمستشفانا أنه لا توجد تغييرات في شخصية المريض بعد إجراء هذه الجراحة، وبعض المرضى عانى من نوبات صرعية يمكن علاجها أو بعض النتائج الخطيرة الأخرى لكن بشكل نادر..
وبالطبع كل عملية جراحية لها مخاطر ولذلك فإن إجراء هذه العملية يعتبر ملجأ أخير ويجب أن يجرب المريض العلاج السلوكي وكل الأدوية المتاحة قبل التفكير في إجراء هذه العملية، ولكن إن فشلت كل الوسائل الأخرى بعد تجربتها بشكل كاف وكانت أعراض الوسواس القهري تسبب عجزًا للمريض فإن على المريض ألا يخشى من مناقشة احتمال إجراء هذه العملية مع الطبيب..
يوضح المثال الآتي عملية إزالة حزام ناجحة..
لقد عانى المريض (و) لمدة خمس سنوات من أفكار وسواسية من كل الأنواع في كل ساعة كان مستيقظًا فيها.. وكانت أفكار عنيفة وجنسية وأفكار عن العد ومحاولات لتذكر الاسماء وأرقام التليفونات تدور في رأسه بشكل مزعج معًا.. ولم يكن قادرًا على العمل وغالبًا لم يكن قادرًا على الاستمرار في الحديث مع شخص ما بسبب هذه الأفكار غير الرحيمة.. وقد أخبرني أنه قد وصل لدرجة التفكير في الانتحار بشكل جاد.. وقد اعتبرنا حالته وساوس فقط لأنه لم يكن يؤدي طقوس قهرية.. وقد حول (و) للمستشفى من منزله الذي يقع في مكان آخر بالمدينة للتقييم لإجراء العملية..
ويتم تقييم المريض بواسطة لجنة من الأطباء للتأكد من أن العملية مناسبة وسوف تساعد المريض في القضاء على مشكلته.. وقد كان لدى هدفين أثناء إجراء المقابلة مع (و) الأول هو أن أتأكد من أن لديه وسواس قهري وكان هذا سهلاً حيث كان (و) من أصعب الحالات من الوساوس التي قد رأيتها في حياتي، وكان محتوى وسواسه نموذجي في الوسواس القهري..
أما هدفي الثاني فهو أن أتأكد أنه قد جرب كل العلاجات الأخرى للوسواس القهري، وكان الطبيب الذي يتابع (و) قد وصف له كل الأدوية الفعالة للوسواس القهري ولكن بلا فائدة على الإطلاق، وعندما راجعت سجله الدوائي تأكدت من أنه قد أخذ الجرعات الصحيحة لكل دواء ولفترة كافية لحدوث التحسن.. وبنفس الطريقة لم تؤثر العديد من الجلسات للعلاج بالصدمات الكهربية على الأفكار الوسواسية، وبالرغم من أنه لم يرى معالجًا للعلاج السلوكي إلا أنه جرب هذا العلاج بنفسه ولم يستطع أن يتحكم في أفكاره أو أن يشتت انتباهه نحو شئ آخر على الإطلاق..
وقد كنت أعلم أن العلاج السلوكي لم يكن ليساعد حالة تعاني من الوساوس فقط وبالأخص وساوس متكررة وقوية مثل وساوس (و).
وقد كتبت للأطباء التابعين للجنة عملية إزالة الحزام أن (و) لديه وسواس قهري ولم يستجب لأى نوع من العلاجات المعروفة، وفي اليوم التالي قامت اللجنة بالسماح ل (و) لإجراء العملية خلال يومين وتمت الجراحة بشكل جيد وفي خلال يومين استعاد (و) نشاطه ولم يعاني من أى آثار جانبية.. وقمت بالاتصال به هاتفيًا حتى أرى كيف تسير أموره بعد ستة أشهر من إجراء العملية وكان أشبه بالحديث لشخص مختلف وقد أخبرني أنه بعد شهرين من العملية بدأت الأفكاء الوسواسية في الاختفاء وفي خلال الثلاث أشهر التالية لم تكن لديه وسواس على الاطلاق ولم يعد مكتئبًا وقال إن الأمر أشبه بمعجزة فأنا أستطيع أن أعمل ثانية وأن استمر بحياتي ولم يلاحظ (و) أو أصدقاءه أو عائلته أى تغييرات سلبية على شخصيته بعد العملية ولكن فقط أنه عاد لنفسه القديمة.
ولا يستجيب معظم المرضى بسرعة كما فعل (و) والبعض يحتاج لإجراء عملية ثانية حتى يجد نتيجة ولكن حالة (و) توضح التأثير الكبير لجراحة الأعصاب عندما تفشل كل العلاجات الأخرى.
عملية إزالة الحزام هى نوع من جراحات المخ المستخدمة في حالات الوسواس القهري وهناك أماكن صغيرة أخرى في المخ يمكن إجراء عمليات جراحية لها في حالات الوسواس القهري مثل عملية إزالة الكبسولة Capsulotomies – إزالة الحافة البيضاء Limbic Leucotomies  – أو ما يطلق عليه عمليات النظام الحافي.
(ونريد أن نوضح هنا أن نتائج عملية (و) هى نتائج نادرة الحدوث ولا يوجد ما يؤكد أن مرضى كثيرون قاموا بإجراء هذه العمليات وتحسنوا بصورة ملحوظة بل لاحظنا أن معظم المرضى بعد العمليات انتظموا على علاجات لمنع النوبات الصرعية الناتجة في أماكن العملية في المخ)

مبادئ العلاج السلوكي
من المعروف الآن أن العلاج السلوكي هو العلاج الوحيد للوسواس القهري الذي يتم إثبات أنه يمكن للمريض أن يقوم به بنفسه.. كما أنه العلاج الوحيد الذي يمكن أن تقوم به بنفسك وسوف نقوم الآن بشرح مبادئ العلاج السلوكي بالتفصيل.. وتختلف الطريقة التي تنفذ بها هذه المبادئ للتحكم في أعراض الوسواس القهري ولكننا سنهتم بتلك المبادئ الشائعة لعلاج جميع أعراض الوسواس القهري.
يمكنك التحكم في سلوكك وليس في رغباتك الملحة و أفكارك:
يجب أن تكون تعريفاتنا واضحة، فالسلوك هو ذلك الفعل الذي يراك شخصًا ما تفعله.. فإشعال الموقد يعتبر سلوكًا ولمس الصنبور أيضًا يعتبر سلوكًا، وعلى الجانب الآخر فإن الرغبات الملحة والأفكار يعرفها فقط الشخص الذي يملكها والشعور بأنك في حاجة لغسل يديك هو رغبة ملحة، أما القلق بشأن إن كانت يديك ملوثة هو فكرة وبالرغم من أن أفكارنا ومشاعرنا ساحرة في مناقشاتها بل ومبدعة وخلاقة، ولكنها ستظل مناقشات لا تؤدي لأى تحسنات.. بمعنى أن الوسواس القهري لا يعالج بالمنطق أبدًا وهذه رسالة لكل أقارب وأصحاب المريض.. إلا أننا لا نستطيع التحكم بها بشكل مباشر بسهولة، فنحن نحاول أن نفعل ذلك ومع الممارسة نستطيع اكتساب تحكم أفضل بها ولكن لا يستطيع أحد أن يتحكم في مشاعره أو أفكاره طوال الوقت.. ومعرفة هذه الحقيقة البسيطة يريح العديد من مرضاى فهم يدركون أخيرًا أنهم كانوا يكافحون الأعوام للتحكم في شئ لا يمكن التحكم به وبمجرد أن يعلموا أنهم مسئولون عن التحكم في سلوكهم فقط فإن حمل ثقيل يرفع على أكتافهم.. وهم أصبحوا الآن لا يشعرون بالفشل من عدم قدرتهم على التحكم في أفكارهم الوسواسية ورغباتهم الملحة.. وكل ما هم مسئولين عنه هو إن كانوا سيقومون بأداء فعل قهري أو يتجنبون موقفًا يخافون منه.
وأقوم بالشرح لمرضاى أنه عندما أعطيهم واجبات منزلية ليقوموا بإطفاء الموقد مرة واحدة بدون الرجوع إليه والمراجعة فإن هذه فقط هى مهمتهم وأن نجاحهم يكون بإطفاء الموقد مرة واحدة بدون مراجعة ذلك بغض النظر عن مشاعرهم أو أفكارهم أثناء قيامهم بذلك.. فأنا لا أجعل المرضى مسئولين عن التحكم في مشاعرهم أو أفكارهم أو رغباتهم الملحة.. ولكن كيف أستطيع فعل ذلك؟ فالمرضى سيكون لديهم بعض الأفكار الوسواسية والمشاعر غير المريحة سواء إن حاولوا أو لا ولكن إن استطاعوا التحكم في سلوكهم يكونون قد حققوا هدفهم وإن استطاعوا تكرار هذه العملية وأن يجعلوا سلوكهم تحت السيطرة فإن رغباتهم الملحة وأفكارهم ستقل أيضًا.
والجمل القادمة توضح هذا المبدأ وقد ترغب لعمل نسخة منها للرجوع إليها خلال أداء المهمة وإن احتفظت بها في ذهنك فسوف توفر عليك الكثير من عدم التشجيع:

  1. إنك لا تستطيع دائمًا التحكم في أفكارك.
  2. إنك لا تستطيع دائمًا التحكم في مشاعرك.
  3. ولكنك تستطيع دائمًا التحكم في سلوكك.
  4. وبتغيير سلوكك فإن أفكارك ومشاعرك ستتغير أيضًا.

تستطيع مقاومة الأفعال القهرية
إنك فقط تشعر بأنك لا تستطيع
(أنا مش قادر…. لا أنت مش عايز)
بالرغم من قوة الرغبة لأداء الأفعال القهرية إلا أنني لم أرى مريضًا لم يستطع مقاومة تلك الأفعال القهرية إن كانت لديه الحافز وتم إعطاؤه الدعم والتشجيع الكافيين.. فنحن نستطيع دائمًا أن نتحكم في سلوكنا ففي أسوأ الظروف قد نضطر أن نربط أيدينا وأن نجلس عليها حتى نكون قادرين على منع أنفسنا من مراجعة إغلاق قفل أو من غسيل أيدينا.. فما يعنيه المرضى دائمًا يقولون أنهم لا يستطيعون مقاومة أى فعل قهري هو (أنني ليس لدى رغبة في أن أشعر بعدم الراحة إن لم أقم بهذا الفعل القهري) أو (أنا لا أريد أن أشعر بذلك القلق عندما لا أقوم بأداء هذا الفعل القهري).
وتعلم هذا المبدأ أحيانًا يمثل إلهامًا لمرضاى.. ففي البداية يقول المريض أشياء مثل (أنا مضطر أن أراجع على إغلاق القفل) أو (أنا مضطر أن أغسل يداى) وفي اللحظة التي يدرك فيها المريض هذا الفرق يدرك أنه دائمًا يستطيع أن يتحكم في سلوكه مادام أنه سيبذل جهدًا وإن احتاج سيحصل على مساعدة.
ويمكنك أن تجرب ذلك بنفسك.. فمثلاً احسب عدد المرات التي قلت فيها اليوم (لا أستطيع أن أفعل كذا) واستنتج عدد المرات التي عنيت أن تقول فيها ذلك فعلاً فستجد أنه لم يكن ما تعنيه دائمًا.. فنحن دائمًا نصدق ما نقوله لأنفسنا وللآخرين ولذلك فمن المهم أن نكون أكثر دقة في حديثنا.. فحاول مثلاً أن تغير (لا أستطيع أن أفعل كذا) إلى شئ أكثر صحة مثل (أنا قد أشعر بعدم راحة إن قمت بأداء هذا الشئ الآن).
ملحوظة:
إن وجدت أنه مهما حاولت لا يمكنك مقاومة رغباتك الملحة فيمكن أن تكون أعراضك هى أعراض العرّة (tics) (اللزمة العصبية) مثل الكحة المتتابعة – أو النحنحة المتكررة أو رفع الكتف بين الحين والآخر أو مسح الأنف المتكرر وليست أفعالاً قهرية وفي هذه الحالة فإن العلاج المعروف بقلب العادة أو عكس العادة قد يكون مفيدًا لك.. أو قد تعالج بالعلاج بالنفور.
الأفعال القهرية، الرغبات الملحة، الأفكار الوسواسية يقلون بصورة منفصلة
عرفنا أن كل ما نستطيع التحكم به بشكل مباشر هو سلوكنا وأن مشاعرنا وأفكارنا ستتغير نتيجة لذلك، ولكن هل ستتغير مشاعرنا وأفكارنا في نفس الوقت الذي غيرنا فيه سلوكنا؟ على الأرجح لا، فسلوكنا دائمًا يتغير أولاً ثم مشاعرنا وأخيرًا أفكارنا.. وهذا يوضح لماذا ينجح القليل من الناس في التحكم في الوسواس القهري بمفردهم.. ففي البداية رغباتك الملحة ووساوسك ستزداد لأنك تقوم بمواجهة المواقف التي كنت تتجنبها مسبقًا ولا تقوم بأداء الطقوس القهرية لتقليلها.. وبعد مرور أيام من الصراع لمقاومة أفعالك القهرية فإن أفكارك ومشاعرك قد لا تقل على الإطلاق ولذلك فإنك قد تستسلم قبل أن ترى تحسنًا في أفكارك ومشاعرك.
ويمكننا أن نتأمل وراء هذا الاختلاف في معدل التغيير في السلوك والمشاعر والأفكار وستجد أنه يعود لجذورنا وأصلنا كبشر.. فلقد كان دائمًا من المهم للبشر أن يكونوا مرنين ويستطيعون التأقلم مع التغييرات بسهولة وعلى الجانب الآخر فإن مشاعرنا أكثر مقاومة للتغيير وربما يكون ذلك احتياط أمني للحفاظ على النوع.. فالمشاعر السلبية التي تصاحب وجود خطر تتغير ببطء أكثر وذلك عندما نكون متأكدين أن الخطر قد زال والموقف أصبح آمنًا.. فمثلاً.. إن تناولت طعامًا ما وجعلك مريضًا فإن الأحاسيس الخاصة بالغثيان ورداءة الطعم الخاصة بهذا الطعام قد تستمر لأسابيع أو حتى لسنوات.. وسوف تقل بشكل تدريجي إن بدأت بتناول هذا الطعام بشكل متكرر و وجدت أنك لا تصاب بالمرض..
إن أفكارنا تتغير بمعدل لا يمكن توقعه ونحن لا نعرف حتى الآن القوانين المتحكمة بها.. إن الأفكار تتأثر غالبًا بمشاعرنا السلبية ولذلك إن كانت مشاعرنا تشير بوجود خطر فإن أفكارنا تبدأ فورًا بتدبير خطة حتى تساعدنا على الهرب من الخطر..
فمثلاً.. إن شعرنا أننا ملوثون فإن أفكارنا سوف تركز على الطرق التي من خلالها نستطيع إزالة هذا التلوث وأن نتجنب التلوث في المستقبل.
وبالرغم من هذه التفسيرات التي لها معنى منطقي إلا أنه من المستحيل إثباتها وبدلاً من ذلك يمكننا تقبل أن سلوكنا ومشاعرنا وأفكارنا قوية حتى بعد أيام عديدة من العمل الشاق لتقليل أفعالك القهرية فإن ذلك بالضبط ما يحدث دائمًا وعليك أن تتمالك وتستمر في الممارسة وسوف تقل حدة مشاعرك وأفكارك أيضًا.
يمكنك التعامل مع القلق
كما نعلم الآن ما يحدث في بداية تجربة منع الاستجابة هو زيادة القلق.. وإن كنت قادرًا على تقبل حقيقة أنك سوف تجرب بعض القلق كجزء طبيعي من العلاج السلوكي وكنت قادرًا على التعامل مع القلق حتى تقل حدته فإنك ستنجح في التحكم في مشاعرك وبالتالي مشاكلك.
وعلينا أن نعرف هذا الخبر السار وهو أن القلق الذي ستشعر به خلال الجلسة تقل حدته كثيرًا عما تتوقعه.. وتذكر أن القلق لن يؤذيك على أى حال.. وقد أخبرني معظم المرضى أن القلق الذي شعر به قبل عمل الجلسة كان أسوأ بكثير من القلق الفعلي الذي شعروا به أثناء التعرض ومنع الاستجابة.
وعليك أن تعلم الآتي.. نعم سيزداد قلقك في البداية ولكن هذا شئ مؤقت وإن استمريت في مقاومة أفعالك القهرية فإن قلقك سيبدأ في الهبوط وهذه عملية طبيعية ستحدث تلقائيًا.
وقد وجدت أن مقدار القلق الذي تشعر به خلال جلسات التعرض الأولى يشير بشكل طبيعي إلى مقدار القلق الذي ستشعر به خلال كل جلسات العلاج، وقد بدأ مريض واحد بمقدار منخفض من القلق خلال الجلسة العلاجية الأولى.. وقد أخبرني رجلاً قمت بعلاجه (أنه في البداية تزايد القلق وارتفع مستواه بشكل كبير ولكنه قل بسرعة كبيرة حتى وصل إلى درجة يمكن تحملها خلال دقيقة ثم قل بشكل بطئ خلال ربع ساعة)..
إن لكل فرد نمطًا معينًا لانخفاض مستوى قلقه خلال ممارسة التعرض وعندما تبدأ ممارستك حاول أن تحدد النمط الخاص بك.
وبشكل مشابه إن نجاحك في جلسات الممارسة الأولى يبين مقدار التحسن العام الذي ستحصل عليه فقد وجدت أنه لو قمت بتقدم كبير خلال الجلسات الأولى فسوف تميل لتحقيق تغييرات كبيرة بشكل عام وهذا سبب آخر يدفعك للعمل بجد في البداية.
وجود شخص يساعدك قد يكون ضروريًا لنجاحك
نادرًا ما يكون لدى مرضاى صعوبة في فهم مبادئ التعرض ومنع الاستجابة.. ولكن في البداية قد تكون المشكلة في تطبيق هذه المبادئ.. ومن لا يعاني من الوسواس القهري لا يستطيع أن يقدر بشكل كامل الرغبات الملحة المزعجة والأفكار الوسواسية وعدم التأكد الذي يمر به المريض ولكن بالنسبة للمرضى فإن هذه الخبرات هو ما يجعل اتباع القواعد العلاجية صعبًا للغاية في بعض الأوقات.
ويصنع أحيانًا وجود فرد من أفراد العائلة أو صديق الفرق بين النجاح والفشل في العلاج السلوكي..
وقد أصبحت مقتنعًا جدًا بأهمية وجود شخص مساعد لدرجة أنني أخبر كل مرضاى في جلساتهم الأولى أن فرص نجاحهم سوف تكون أفضل إن كان هناك من يساعدهم على العمل خارج العيادة.. ,اشرح لهم أنه بالرغم من أنني متأكد أنهم سيحاولون كل ما بوسعهم بمفردهم إلا أنني أعرف أن وعودهم لي ولأنفسهم قد تحول لإحباط وخيبة أمل عندما يتعاملون مع رغباتهم الملحة بمفردهم.
والمثال الآتي يوضح امرأة استطاعت التحكم بوساوسها وأفعالها القهرية بمساعدة والديها وزوجها الذين قاموا بدور شخص مساعد لها.. وفي أول جلسة قمت بمقابلة المريضة وعائلتها وقمت بشرح مبادئ وأساليب العلاج السلوكي لهم..
بينما كان يكبر طفلها بداخلها كانت مخاوف المريضة (د) من التلوث تزداد.. وكان باستطاعتها سماع تحذير طبيب أمراض النساء والتوليد وهو يوصيها بضرورة المحافظة على يديها نظيفتين خلال وبعد الحمل.. ولأنها كانت مريضة بالوسواس القهري فقد لجأت إلى أعلى درجات هذا التحذير وانتشر خوفها بسرعة حتى شمل حياتها بالكامل ومنزلها أيضًا.. وأصبحت غير قادرة على لمس أو أكل معظم الأشياء في منزلها خوفًا من أن تصبح ملوثة وتؤذي طفلها الذي لم يولد بعد..
وبالرغم من أنها كانت تعلم أن خوفها زائد عن حده إلا أنها استمرت في غسل يديها مباشرة بعد لمسها لشئ تعتقد أنه ملوث، وبعد ذلك بدأت (د) تقلق وهى في الشهر الثامن من الحمل أن طفلها بمجرد أن يولد لن تصبح قادرة على الاهتمام به..
وقد قمت باستخدام العلاج السلوكي فقط مع (د) لأنها لم تكن قادرة على استخدام الأدوية خلال الحمل.. وقد عملت بجد أثناء 6 جلسات في مكتبي وأيضًا بين الجلسات في منزلها بمساعدة عائلتها.. فبمساعدتهم استطاعت أن تواجه بشكل تدريجي الأشياء التي كانت تخشاها.. وبدأت مخاوفها تقل خلال أول أسبوعين.. وأصبحت قادرة على الأكل داخل البيت وأن تقوم بغسل الملابس ولمس الأشياء في البيت وبدأت مخاوفها حول تلويث طفلها تقل حتى أصبحت فقط أعلى بقليل من الطبيعي المصاحب للحمل.
ويوضح هذا المثال أن حتى أعراض الوسواس القهري الشديدة يمكن التحكم بها بسرعة بالعمل الجاد ومساعدة شخص لك.. وقد قامت (د) بمعظم التدريب بمفردها وبمساعدة أفراد عائلتها وكان دوري أن أقدم المعلومات اللازمة والتشجيع.
ويعتبر التدريب المنزلي ضروريًا لمعظم العلاجات السلوكية للوسواس القهري حيث تحدث معظم الطقوس في منزل المريض ولذلك أى شخص لديه النية أن يغير من طقوس الوسواس القهري بالعلاج السلوكي فإن مساعدة أفراد العائلة في المنزل والأصدقاء أيضًا تعتبر ضرورة للنجاح.
وقد أخبرني بعض المرضى أنهم يستطيعون العمل بشكل أفضل بمفردهم ويفضلون أن يجربوا التعرض ومنع الاستجابة بدون وجود شخص مساعد.. وأقوم بإخبارهم بالآتي أنهم إن شعروا بذلك بقوة فعليهم أن يجربوا التمارين لمدة أسبوع وعند نهاية تلك المدة إن نجحوا في مواجهة المواقف التي كانوا يتجنبونها أو نجحوا في منع الأفعال القهرية أقوم بإخبارهم أن عليهم تكملة العمل بمفردهم.. وعلى الجانب الآخر إن كانت لديهم مشكلة في القيام بهذه التمارين بمفردهم فأخبرهم أنهم بحاجة لشخص يساعدهم في الحال.
و كما فى حالة ( د ) قامت عائلتها بالمساعدة فى وضع الأهداف وتنفيذ المهام التدريبية و إعطاء المريض التشجيع عندما تسوء الامور وهذه الأدوار تشابه ما قد أقوم به إن كنت معالجك السلوكى – فى الحقيقة يمكنك اعتبار الشخص الذى يساعدك معالج سلوكى و لذلك عليك الاعتماد على مساعدك و طلب النصح منه و أهم شىء هو تقبل تشجيعه
إن العلاج السلوكى بسيط ولكنه ليس دائمًا سهلاً والعمل مع مساعد سوف يؤكد نجاحك فى التحكم فى وساوسك وأفكارك الوسواسية .
وغالبًا ما تكون وساوسك وأفعالك القهرية ذات طبيعة خاصة أو محرجة ولذلك الشخص الذى يساعدك يجب أن يكون شخص تثق به وتحترمه .
يجب أن يستمر التعرض ومنع الاستجابة ساعة على الأقل :
كما رأينا إن القلق وعدم الراحة يقلان بسرعات مختلفة عند مختلف الناس الذين يتعرضون للمواقف التى تثير أفعالهم القهرية ولكن التعرض ومنع الاستجابة لمدة ساعة أو ساعتين يجلب أفضل تحسن عند معظم مرضى الوسواس القهرى .
لربما تكون حاولت أن تقاوم طقوسك فى وقت ما ولكن عندما تجد رغباتك الملحة وقلقك فى تزايد تستسلم وتؤدى الطقوس وقد تجد أن أفعالك القهرية تصبح أقوى بعد ذلك ، وإن حدث ذلك لك فإنك تكون قد تعلمت أن قصر الوقت الذى تمارس فيه التعرض يجعل مخاوفك ومعدل طقوسك يزداد ، إن الأمر يسير بهذه الطريقة فى كل مرة تكون فى موقف يجعلك تشعر بمشاعر سيئة تكن لديك رغبة قوية لأداء الطقوس التى تجعلك تشعر بشكل أفضل وعادة ما تشعر بتحسن بعد أداء الطقوس سواء مرة أو مرات ولكن بهذه الطريقة فإنك تعلم جسدك أن الطريقة الوحيدة حتى تشعر بتحسن هى أن تكمل طقوسك بينما إن قاومت رغباتك الملحة وبقيت فى الموقف فترة كافية حتى تهدأ مشاعرك ( ودائمًا ساعة أو ساعتين تكن كافية ) فإنك تعلم جسدك أنه يمكنك أن تشعر بتحسن بدون الطقوس وهذا كل ما يعنيه التحكم فى رغباتك الملحة وأفعالك .
العلاج السلوكى يحتاج صبرًا
و أخيرًا عليك أن تضع فى ذهنك دائمًا أن الإصرار والمعرفة هما مكونين لنجاحك فما الذى يمكن اعتباره محاولة كافية للعلاج السلوكى ؟
يجب أن تكون قد مارست التعرض ومنع الاستجابة لمدة 20 ساعة على الأقل ويمكنك فعل ذلك يوميًا أو مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيًا وإن التزمت بهذه الفترة من التدريب فإنك على الأرجح ستتحكم فى أعراضك و يمكنك أن تؤدى هذه الفترة من التدريب خلال أسبوع – شهر – سنة والشىء المذهل هو أنك تقريبًا ستتحسن بنفس الدرجة فى كل حالة .
ولكن عليك أن تكون جاهزًا لمواجهة أيام جيدة وأخرى صعبة فتقدمك لا يسير بخط مستقيم فى كل الأوقات فقد تستيقظ فى أحد الأيام شاعرًا بنشوة وتستيقظ فى يوم آخر مدركًا أنه سيكون يومًا صعبًا أو قد ترى تقدمًا كبيرًا فى بعض الأيام على عكس البعض الآخر التى تبقى بها فى مكانك دون تقدم ، وعليك أن تتأكد من انك تمارس المبادئ العلاجية كل يوم بنفس الطريقة و أن تستفيد من الشخص الذى يساعدك فسوف يذكرك بتحسنك وسوف يمنعك من الاستسلام وأيضًا تذكر أن النجاح هو ببساطة أن تتشبث بالأمر بعد أن تركه الآخرون .

وللحديث بقية طويلة

2 thoughts on “المبادئ العامة للعلاج السلوكي في الوسواس القهري

  • I loved as much as you will receive carried out right here. The sketch is attractive, your authored material stylish. Nonetheless, you command get an impatience that you’ll be delivering the following. I’ll unquestionably come more formerly again since it’s exactly the same nearly a lot often inside case you shield this hike.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *