الأربعاء, مايو 8, 2024
الوسواس القهريالوسواس القهري الديني ... وجهة نظر مسيحية

12 تاريخ الطريقة الكنسية في علاج الشكوك

تاريخ الطريقة الكنسية في علاج الشكوك:
ستوضح هذه المناقشة التاريخ الأدبي الطويل والخبرة الإكلينيكية لأعراض اضطراب الوسواس القهري والتي عرفت باسم الشكوك والوسائل التي تشمل عناية روحية وإنسانية لمن يعاني من الشكوك خلال رحلته للخلاص تجعلنا نعرف بدقة المبادئ السيكولوجية المتعلقة بالمشكلة في ضوء المعرفة الحديثة فسوف نرى كيف تنبأت الوسائل الكنسية على مر القرون بمبادئ العلاج السلوكي المستخدم في علاج الوسواس القهري.
وقد مثلت الشكوك تحديًا لمفكري الكنيسة على مستويين مختلفين ولكن مرتبطين ببعضهما، فعلي المستوى النظري تمثل الشكوك موضوع مثير للاهتمام في التفسير الأخلاقي فعلم الدين والأخلاق قد نشأ في الكنيسة الكاثوليكية في بداية العصور الوسطى في الجامعات بأسلوب دقيق ومنظم وقد ناقش هذا العلم الشكوك تحت عنوان (الضمير أو الذمة) وكانت المعضلة هنا (إلى أى مدى يمكن اعتبار اتباع ضمير الشخص المصاب بالشكوك شيئًا صحيحًا؟).
وقد وضح على الدين والأخلاق أن الأشخاص مجبورين على إتباع ضمائرهم ولكن على الشخص أن يخبر ضميره أن يعمل وفقًا للسلوكيات التي تعتبر صحيحة.. فماذا يفعل الشخص المصاب بالشكوك؟
فهو من ناحية عليه إتباع ضميره ومن ناحية فإن الشك هو جوهر الحيرة والقاعدة العامة للعمل الأخلاقي هى أنه لا يستطيع أحد أن يعمل بضمير مشكوك فيه فعلينا أولاً أن نقضى على الشك بطريقة ما.. وكيف يمكن القضاء على الشك بشكل منطقي عندما يشعر الشخص بريبة دائمًا؟
ولحل المشكلة طبق رجال الدين مبدأ الضمير الخاطئ وهو الضمير الذي لا يسير وفقًا لحقيقة العمل الأخلاقي.. فهو يرى الأفعال الأخلاقية على أنها ليست أخلاقية أو العكس، ففي حالة الإصابة بالريبة يرى الشخص خطيئة وفي الواقع فإنه لا توجد أى خطايا وتسمية ضمير هذا الشخص بالضمير الخاطئ كان يعمل على تحرير الشخص حيث لا يستطيع هذا الضمير الخاطئ أن يربط الشخص ويجعله يسير في إتجاهه والآن أصبح الشخص المصاب بالريبة قادرًا على التصرف بحرية دون القضاء على الشك.
ويقول رجال الدين أن الأساس هو أن المريض لديه ضمير يحكم على تصرف أخلاقي معين بطريقة غير صحيحة ولذلك لا يكون للتصرف المعنى الأخلاقي الذي يشعر الشخص أنه كان ينويه وكان ذلك حلاً عمليًا للمرضى.. استخدمت الكنيسة هذه الفكرة لتنشأ المبادئ الكنسية للدعم وهذه المبادئ كانت استثناءات من القوانين والممارسات المطلوبة من غير المرضى.. والشئ المثير للدهشة هو أن هذه المبادئ تم تكوينها في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر مما يؤكد هذه المشكلة الوجدانية منذ القدم..
وقد قامت الكنيسة بتطبيق هذه المبادئ من خلال طرق عملية متعددة مثل الطريقة المستخدمة في تدريب القسيسين وهذا الموجز يعكس علم الدين والأخلاق إلى أن نصل إلى مجلس الفاتيكان الثاني (1962 – 1965) والذي غير الكثير من نواحي التعليم والممارسة الكاثوليكية وفي منتصف هذا القرن فإن الأساس كان هو الدمج بين تقاليد الدين القديمة ومبادئ النفس الحديثة (فالعامل الأساسي في ضمير الشخص المريض ليس الخطأ لكنه الخوف).. فالمرضى يصفون قلقهم على أنه غير معقول  وتمت ملاحظة أمر ما وهو أن الشخص قد تكون لديه شكوك في موضوع ما ومتهاون في موضوع آخر (مثل الشخص الذي يهتم بالاستحمام وتلاوة الصلاة بعد قيامه بالعادة السرية وهو دائمًا ما يقترف جريمة الزنا).
وقد تمت معرفة بعض أسباب المرض والتي نطلق عليها اليوم أسباب بيولوجية وأسباب ترجع لشخصية المريض أو أسباب ترجع لتأثير صفات المريض عليه..
وإن كان الشخص المريض يرغب في التصرف بشكل أخلاقي فعليه ألا يعير اهتمامًا بشكوكه (فهناك إلزام أن تتصرف في الاتجاه المضاد للشكوك وأن يعاملها بكبرياء وعدم طاعة وبإرادة شخصية).
وهناك العديد من الاقتراحات العملية مثل:

  1. قم بتقليد سلوك أشخاص ذو ضمير حتى لو كان ذلك يجعلك تشعر بعدم راحة (الاقتداء).
  2. إن كان لدى الشخص أفكار غير سوية عند النظر لأشخاص أو أشياء بريئة فعلى الشخص أن (ينظر بانتباه لهذه الأشياء وبطريقة لائقة للأشخاص ولا يعير اهتمامًا بالمشاعر الناتجة عن ذلك) وهذا العلاج السلوكي يسمى (التعرض).
  3. في ساحة الاعتراف يمنع رجال الدين المرضى من تكرار الاعتراف مهما كان المريض مرتابًا من كفاية اعترافه (المنع Blocking ).
  4. يقوم المريض بإتباع نصائح المرشد الروحي بإحلاص (حتى مع إمكانية حدوث أخطاء).

وهذه الاقتراحات تتميز بمرونة تمتد لتريح المريض من الالتزامات تجاه الآخرين، فالمريض الآن لا يحتاج لأن يكون “صحيح بشكل أخوي” بمعنى أن حساسية المريض الزائدة تجاه الخطيئة قد تؤدي إلى حكمه الخاطئ على تصرفات الآخرين وقد يشعر المريض أنه مجبور على مواجهة الآخرين دائمًا.. وهذا بدوره يفسد العلاقات ولذلك فبدلاً من الوسوسة بشكل مستمر عن إذا ومتى ومن يجب إصلاحه فيتم إبعاد المريض عن تلك الالتزامات وكما ذكرنا سالفًا فإن المريض يسمح له بالاعتراف بالخطايا بطريقة عامة بدون عدد معين من المرات ليضمن كمال الاعتراف.. كما أنه يجب ألا يقوم المريض بتكرار الصلوات أو العبادة الإجبارية (مثل عبادة يوم الأحد) حتى لو اعتقد المريض أنه سارح الفكر أثناء أداء العبادة.
الشكوك مقارنة بالممارسة الدينية:
لقد لاحظ فرويد وآخرون التشابه ما بين الطقوس الدينية والوسائل الدفاعية ومجال الصحة النفسية اليوم يتطلب دمج أو على الأقل احترام العقيدة الشخصية وفي نفس الوقت فإن المجتمعات العقيدية تميز الآن بشكل أكبر الأخطار المحتمل حدوثها بإتباع بعض المعتقدات وهناك إدراك أن بعض الأنظمة الدينية تؤذي الشخص أو المجتمع وبعض الكتاب وضحوا بعض الإرشادات للتفرقة بين الدين الصحيح والدين الخاطئ وكتاب آخرون قاموا بتوضيح المخاطر تحت عناوين معينة مثل (الإيمان السام) (وعندما يصبح الرب دواء).
ويلاحظ أن كلاً من متخصصي الصحة النفسية والشخص المصاب بالشكوك لا يكون لدى أى منهما خلفية دينية للتفرقة بين الممارسات الدينية الصالحة والشكوك ونظرًا لطبيعة المشكلة فإن المريض لا يستطيع أن يقرر الحكم وأحيانًا قد لا يشارك المعالج مريضه في نفس الخلفية الدينية وقد وجدت أنه حتى لو كانت الخلفية الدينية متشابهة فإن المريض لا يحصل على التأكيد الكافي له في كل الحالات وقد تنشأ مجادلات غير منتهية.
وقد قام الطبيب النفسي ديفيد جرينبرج بوضع خمسة مبادئ للتفرقة بين المبادئ الدينية الطبيعية والمبادئ الدينية ذات الطابع المرضي:

  1. السلوك القهري يتخطى متطلبات القانون الديني حيث يقوم الشخص بممارسات يمكن وصفها على “أنها أكثر كاثوليكية من البابا”فمثلاً إن كانت قواعد الصيام تستدعي ألا نأكل أو نشرب فإن الشخص المريض لديه وساوس ألا يقوم ببلع اللعاب (وكأن ذلك جسديًا يمكن حدوثه).
  2. السلوك القهري يركز غالبًا على الأمور التافهة فالمريض قد يقلق من أن يسقط المياه المقدسة على الأرض وهو يشير بإشارة الصليب داخل الكنيسة.
  3. السلوك القهري لديه نظرة ضيقة المدى فالمريض يوجه اهتمامه لناحية دينية معينة ويترك النواحي الأخرى فمثلاً يبذل المريض كل طاقته في تفادي سوء السلوك الجنسي.
  4. ونتيجة لتلك النظرة الضيقة المدى فإن النواحي الهامة من الحياة الدينية يتم تجاهلها فالشخص قد يكون صارم في أداء الطقوس الدينية الخارجية ولكن يهتم بنسبة ضئيلة بالأوامر الخاصة بحب الجيران.
  5. الشكوك تشبه الأفعال القهرية في اضطراب الوسواس القهري حيث تلعب المراجعة والتكرار دورًا بارزًا فيها ومعظم الأديان تحرم بالقوانين أو بالعادات تكرار الصلوات أو الطقوس.

الخلاصة:
يمكننا أن نضع عدة مبادئ للعناية بمرضى الشكوك بالطريقة الكنسية:

  1. لتفادي الاحساس بالشلل النفسي والاخلاقي على الشخص أن يتصرف بطريقة تناقض الشكوك وهذه الفكرة لفعل عكس ما تستدعيه الرغبة الملحة للمريض كانت هى أساس العلاج بالتعرض والذي تطور على يد المعالجين السلوكيين وفي القرن السادس عشر كتب لويولا “مؤسس اليسوعية” نفس المبدأ للتغلب على الشكوك في كتابه الروحي الشهير (التمارين الروحية) وأصبح المبدأ مثلا للتوجيه الروحي وكان يقال باللاتينية “Larger contra ” أى افعل العكس.
  2. يتم السماح للمرضى بأن يستخدموا سلوكيات أشخاص ذوي ضمير لنماذج للسلوك الأخلاقي وأن يتبعوا سلوكياتهم دون اللجوء للتفسير المطول.
  3. يجب أن  يتبع المريض تعليمات مرشد روحي واحد فالانتقال من مرشد لآخر ممنوع تمامًا.
  4. يجب على الشخص أن يضع نفسه في المواقف والظروف التي تثير شكوكه.
  5. يجب ألا يكرر الشخص الصلوات أو الطقوس الدينية ويجعلها بطريقة ما أفعالاً قهرية.
  6. وقد احتوت هذه المبادئ عبر 400 سنة بذور العلاج السلوكي الحديث وفي الطبيعة لم يتم بحث هذه المبادئ بطريقة منظمة ولم تكن الظروف مجهزة مسبقًا لواضعيها ولكننا نرى أساسيات نظرية التعلم المستخدمة في علاج الوسواس القهري وهى إتباع النموذج، التعرض للمواقف المثيرة للشك ومنع أداء الفعل القهري.

5 thoughts on “12 تاريخ الطريقة الكنسية في علاج الشكوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *