الإستجابة لمضادات الذهان
زيادة الجرعة او تغيير الدواء أو إضافة دواء آخر أو مجرد انتظار التحسن
ماهو الإختيار الصحيح؟
إن اكثر المشكلات شيوعا التى تواجه الطبيب المتابع للمرضى المصابين بالفصام هى: ما التصرف الذى يفعله إذا لم يكن مضاد الذهان الحالى مثالى للمريض. وربما يعود هذا إلى سببين رئيسين:
أولا: أنه قد تم التحكم فى الأعراض أو التغلب عليها لكن المشكلة فى الأعراض الجانبية. ثانيا: عندما تكون الإستجابة للعلاج غير كافية أو جزئية. ولحسن الحظ, فإن التنوع الموجود فى مضادات الذهان المتاحة يجعل من الممكن أن نجد فى أغلب الأحوال مضاد للذهان له أعراض جانبية مقبولة للمريض. والسؤال الأكثر صعوبة هو: متى نستطيع الحكم أو القول أن استجابة اعراض المرض للدواء غير كافية أو غير ملائمة. فإذا كان المريض قد مر بالفعل بتجربة علاجية “كافية أو ملائمة” باستخدام اثنين من مضادات الذهان لمدة وافية أو تفى بالغرض, فى هذه الحالة يجب التفكير بشكل واضح وقوى فى استخدام كلوزابين. ومع ذلك, فإن الغالبية العظمى من المرضى فى العيادات إما انهم لم يتم فعليا استحقاقهم أو إعدادهم لاستعمال كلوزابين أو أنهم غير راغبين فى هذا الإختيار. وفى مثل هذه الأحوال فإن الطبيب لديه أربع اختيارات رئيسية: زيادة جرعة الدواء الحالى, أو التغيير إلى نوع أخر من مضادات الذهان أو إضافة علاج مساعد أو مجرد الإنتظار لإستجابة المريض.
متى تتم زيادة الجرعة؟
فى الوقت الذى كان الحد الأقصى للجرعة العلاجية من مضادات الذهان التقليدية محلا للجدل والنقاش, كانت الجرعة التى يُنصح بها من مضادات الذهان غير التقليدية تعتمد على تجارب طبية دقيقة ومتعددة وبالرغم من هذا فإن الإجماع على الحد الأقصى للجرعة قد تغير مع الوقت. على سبيل المثال, عندما بدأ استعمال ريسبيردون كان الحد الأقصى لجرعة المعايرة والزيادة التدريجية من 2مجم إلى 4 مجم ثم إلى 6 مجم أو أكثر لكل المرضى, وعلى العكس من هذا كان الشائع على الساحة هو استعمال جرعات أقل. وعلى الجهة المقابلة,عند بداية إستعمال كوتيابين كان الحد الأقصى للجرعة 300 مجم وغالب الترجيح أو الإجماع الآن على استعمال جرعات أكبر مع أن الدلائل لا تؤيد هذا التحول. …. , فإن معظم الأطباء يشعرون بالراحة فى الإلتزام بالجرعات العلاجية التى تمت التوصيات بها. ويعتبر السؤال الأكثر حرجاً أو حسما: ما الذى يجب على الطبيب أن يفعله إذا قام بالوصول او حتى تخطى الحد الأقصى لنطاق الجرعة العلاجية والمريض يتحمل العلاج بشكل جيد لكن المنفعة من تأثير العلاج مازالت محدودة؟
ملاحظة إستجابة المريض للجرعة:
قام ديفيس و تشن Davis and Chen بعمل systematic meta-analysis للمعلومات المتاحة حتى عام 2004 واستنتجا او قررا أن نطاق الجرعة الذى يقدم الأحد الأقصى للمنفعة العلاجية هو 4 مجم من ريسبيردون, 16 مجم من اولانزابين, 120 مجم زيبراسيدون, 10-15 مجم اريبيبرازول (ولم يتمكنا من تحديد مثل هذه الجرعة من كوتيابين باستعمال هذه الطريقة). وقامت دراسات حديثة بعمل مقارنة بين جرعات أعلى من الجرعات القياسية وبين الجرعات المعيارية أو القياسية, وقام كينون ومعاونوه Kenon et al بدراسة العلاقة بين الجرعة والإستجابة العلاجية للجرعات القياسية أو المعيارية وجرعات أعلى من اولانزابين فى دراسة عشوائية double-blind لمدة 8 أسابيع باستعمال جرعات ثابتة لمقارنة 10 مجم – 20 مجم – 40 مجم من اولانزابين وكانت النتائج أنه لا يوجد مزيد من المنفعة العلاجية للجرعات الأعلى من الجرعة القياسية (أى أن 40 مجم ليس لها أى أفضلية عن 10 مجم – ولكننى فى رأيى الشخصى وتجاربى مع مرضاى ينتفع المريض جدا من زيادة الجرعة من 10 إلى 30 مجم وملاحظة أيضا أن الأعراض الجانبية من 10-30 مجم هى هى-) مع وجود دلائل واضحة على زيادة ظهور الأعراض الجانبية (زيادة الوزن وارتفاع البرولاكتين) المرتبط بزيادة الجرعة. وبشكل مشابه أو مماثل, فإن الدراسات الأولية لترخيص إستعمال ريسبيردون تم فيها مقارنة الجرعات المعتادة 2-6 مجم بجرعات أعلى 8-16 مجم وتم اختيار النطاق الأقل للجرعة مع وجود منفعة إضافية قليلة للجرعات الأعلى لكنها مرتبطة بزيادة كبيرة واضحة فى الأعراض الجانبية (المتلازمة خارج الهرمية وارتفاع البرولاكتين). وهذه الدراسات الحديثة تتوافق مع الدراسات السابقة فى استخدام جرعات ثابتة من هالوبيريدول. وبالرغم من هذا, فلابد أن نضع فى الحسبان أن هذه الجرعات تم استخلاصها من دلائل جماعية group evidence حيث تم تحديد جرعات مختلفة للمرضى, وهذا يختلف عن الممارسة العلاجية أو العملية العلاجية حيث لا نضع فى الإعتبار زيادة الجرعة إلا فى حالة فشل الجرعة الأولية فقط. وعلى حد علمنا, فهناك دراسة واحدة قامت بوضع هذا السؤال بشكل نظامى فى البعد وثيق الصلة بالعملية العلاجية الخاص بها only one study has systematicaly addressed this question in its clinically relevant dimension . فقد قام كينون ومساعدوه kinon et al بفحص المرضى الذين لم يستجيبوا للجرعة (الذى ثبت لاحقا أنها) القياسية أو المعيارية من فلوفينازين (20 مجم) وقم باختبار 3 استراتيجيات أو اقتراحات أو خطط: زيادة الجرعة إلى 80 مجم أو التغيير إلى هاوبيريدول أو الإنتظار مع ملاحظة استجابة المريض, وكانت الإقتراحات أو الاستراتيجيات أو الخطط الثلاثة متساوية فى ما يتعلق بالفعالية. ولهذا يبدو أنه على مستوى المجموعة (وهذا يعارض ما يحدث على مستوى الفرد) أن هناك دلائل قليلة تدعم العلاج بجرعات أكبر من الجرعات التى تمت التوصية باستعمالها .
الإختلافات أو التغييرات فى مستوى أو نسبة الدواء بالبلازما
بالرغم مما سبق, فإن الدلائل المعتمدة على مستوى المجموعة لا تستطيع أن تحدد بشكل كامل او قطعى القرارات الفردية على مستوى الأشخاص, فهناك اختلافات او فروق شخصية أو فردية واضحة فى نسبة الدواء بالبلازما فى الأشخاص المعالجين بمضادات الذهان. ففى غالب الأحوال قد نقابل مريضا عندما يستعمل الحد الأقصى من نطاق الجرعة (مثلا 6 مجم ريسبيردون أو 20 مجم اولانزابين) قد نجد لديه نسبة أو مستوى للدواء بالبلازما اقل من النطاق المتوقع عند استعمال 2 مجم ريسبيردون أو 10 مجم اولانزابين على التوالى. فى هؤلاء المرضى, يستطيع الطبيب اتخاذ قرارا منطقيا بزيادة الجرعة, بشرط إخبار المريض وأن تكون الأعراض الجانبية مقبولة أو يمكن تحملها, من أجل الوصول بمستوى الدواء بالبلازما إلى متوسط الحد الأقصى للنطاق العلاجى لهذا الدواء. وبالرغم من هذا فإن الطبيب غالبا يقابل مريضا لايتحسن بالرغم من التزامه بالعلاج ويستعمل الحد الأقصى للجرعة كما أن نسبة الدواء بالبلازما كافية. فما هى الخطوة التالية؟
الإختيارات العلاجية
فى مثل هذه الحالات يوجد 3 اختيارات اساسية أو جوهرية: كلوزابين, أو التغيير إلى دواء آخر, أو إضافة دواء آخر. إذا استكمل او استوفى المريض الشروط الخاصة باستعمال كلوزابين فإنه بلاشك الإختيار المفضل. وبالرغم من هذا فإن العديد من المرضى إما أنهم لايستوفون هذه الشروط, أو أنهم لايفضلون فكرة عمل اختبار دم دورى وكذلك الالتزام بالمواعيد الدورية المطلوبة لإستعمال كلوزابين, فيكون الإختيار فى هؤلاء المرضى هو التغيير إلى دواء آخر أو إضافة مضاد للذهان. والمعلومات المتاحة عن تغيير العلاج متناثرة أو متفرقة, ففى الوقت الذى تضمنت فيه تقريبا كل التجارب العلاجية فى المرضى المصابين بالفصام الحاد هذا الإختيار وهو تغيير المريض من نوع من مضادات الذهان إلى نوع آخر, فإنه لاتوجد دراسات صريحة عن التوليفة المفضلة لتغيير الدواء. (مثلا إذا فشل استعمال ريسبيردون – ما هو الدواء التالى؟ اولانزابين – كوتيابين – اريبيبرازول – او زيبراسيدون), وبالنظر الى تجارب تغيير الدواء المدعومة أو التى تمت تحت رعاية شركات الدواء, فإنه على الأصح أو بالأحرى تؤدى إلى نتائج مشوشة وتكون نتائجها مرتبطة بشكل قوى بمصلحة الشركة التى ترعى التجربة (راجع: لماذا يتفوق اولانزابين على ريسبيردون, ويتفوق ريسبيردون على كوتيابين, ويتفوق كوتيابين على اولانزابين, دراسة تحليلية استكشافية لدراسات المقارنة وجها لوجه بين الجيل الثانى لمضادات الذهان).
وقد قامت كاتى CATIE – تجربة مقارنة من أهم التجارب فى الولايات المتحدة مدعومة من المجتمع أو مدعومة بشكل علنى من عدد من الشركات – قامت بفحص المرضى الذين لم يستجيبوا لأول استعمال من مضادات الذهان غير التقليدية وتم تغييرهم بشكل عشوائى إلى نوع آخر من مضادات الذهان غير التقليدية, وأظهر المرضى الذين تم تغيير الدواء المستعمل إلى اولانزابين وريسبيردون نتائج أفضل من المرضى الذى تم تغيير الدواء إلى كوتيابين او زيبراسيدون. وهذا التأثير الأقوى أو الأفضل أصبح مدعوما ومؤيدا بدراسة تحليلية meta-analysis حديثة قارنت الجيل الأول من مضادات الذهان التقليدية بعدد من غير التقليدية واستنتجت او انتهت إلى أنه بخلاف كلوزابين, فإن اميسلوبريد وريسبيردون واولانزابين فقط أظهروا تأثير أفضل وأقوى من الجيل الأول للمضادات الذهان. وكذلك دراسة تحليلية أخرى قارنت أدوية الجيل الثانى لمضادات الذهان ببعضهم البعض تقترح أن اولانزابين ثم ريسبيردون (بهذا الترتيب) (رأيى الشخصى أن العكس هو الصحيح) قد يكون لهما تأثيرا أقوى عن باقى الأدوية. وهذا يقترح أنه إذا لم يكن المريض قد استعمل اولانزابين أو ريسبيردون إلى هذا الوقت, فسيكون قرارا معقولا التغيير إلى هذه الأدوية بشرط موازنة الأثار الجانبية. أما إذا كان المريض قد استعمل بالفعل اولانزابين و ريسبيردون فلاشك أن المنفعة من التغيير فضلا عن الإستمرار ستكون على الأرجح هامشية إلى حد كبير.
ما الذى تختاره لشخص لم يستجيب مع اولانزابين أو ريسبيردون (غير او بخلاف كلوزابين) الأمر ليس واضحا بالقدر الكافى. هل يجب على الطبيب التغيير إلى (مثلا اريبيبرازول أو زيبراسيدون أو حتى احد مضادات الذهان التقليدية) او هل عليه ان يضيف مضاد ذهان اخر علينا ان نضع في الاعتبار انه بعد التحويل او التغيير (الذى يعتبر اكثر الخطوات شيوعا), تعتبر اضافة مضاد ذهان اخر هى علي الارجح ثاني اكثر الخطوات العلاجيه شيوعا او استخداما حيث ان 39-43% من المرضي في الرعايه التقليديه يعالجون باكثر من نوع من مضادات الذهان. وغالبا يضاف مضاد الذهان الثاني للحصول علي خصائص اضافيه (مثل التهدئة باستخدام كوتيابين او تقليل نسبة البرولاكتين باضافة اريبيبرازول) (رأيى الشخصى أن إستعمال اريبيبرازول وحده لا يسبب ارتفاع نسبة البرولاكتين أما إضافة أريبيبرازول إلى دواء يسبب إرتفاع البروكتين لن يكون له تأثير على إنخفاض هذا الهرمون) هذه المشكله نوقشت كثيرا. لكننا هنا نركز فقط على إضافة مضاد ذهان الي مضاد ذهان اخر لزيادة التاثير. من الناحية النظرية أو الإفتراضية ولأن كل مضادات الذهان تغلق مستقبلات D2 (بخلاف مضادات ارتفاع ضغط الدم التي تعتمد علي طرق مختلفة) فيكون مجال الاضافة محدود. والدراسات علي الاضافه اختارت توليفة للأدوية الملائمة او قائمة علي اساس اكلينيكي وربما تكون أكثر الدلائل النظامية المتاحة هى عن إضافة مضادات الذهان لـ كلوزابين – وربما تكون مدعومة بـاستنتاجات منطقية انه بما ان كلوزابين يشغل مستقبلات D2 بصوره منخفضه, فبزيادة شغله لمستقبلات D2 من الممكن ان يعطي فوائد أو منفعة اضافيه.
وهناك تحليل meta-analysis لكل الدراسات النظاميه الخاصه بالاضافه في مضادات الذهان يقترح ان افضل النتائج تكون اكثر احتمالا عندما يعالج المريض بـ كلوزابين وحين يتم اضافة أحد أدوية الجيل الاول من مضادات الذهان وعندما يستخدم كلا النوعين من مضادات الذهان بالجرعة الفعاله او المؤثرة.
متي تتوقف أو تبقى على هذا الحال ؟ مراجعه للدلائل السابقة تقترح انه سواء تم زيادة الجرعة او التحويل او التقوية augmentation فليس أيا من هذه الخطط يعتبر الإختيار الواضح أو الأفضل فى كل المواقف. ولكن يتم زيادة الجرعة إذا كانت نسبة الدواء بالبلازما منخفضة, ويتم تغيير الدواء إذا كان المريض لم يستعمل اولانزابين أو ريسبيردون, و إذا لم يستجيب المريض لـ كلوزابين فربما تساعد التقوية على استجابة أفضل. وبسبب الفعالية المحدودة لهذه المحاولات, ربما تكون دعوة هامة بكل جوانبها أو لفت انتباه الطبيب المعالج ليحدد متى يبقى أو يظل على العلاج الدوائى الحالى ويعطى تركيز اكبر العلاجات غير الدوائية, مثل engagement in case management و العلاج النفسى المطلوب أو المستهدف و vocational rehabilitation كوسائل تُعزز تحسن المريض. ولعل البعض قد ينظر الي الأمر من منظور سلبى, ولكن البقاء أو الإستمرار على العلاج عند نقطة معينة غالبا مايسبب للمريض أضرارا أقل من تلك التى يحدثها التغيير فى العلاج بلا هدف.
ملخص:
فى حالة فشل أو عدم الإستجابة للعلاج
- إذا تم الوصول بالجرعة إلى الحد الأقصى, نضع فى الإعتبار الإنتظار مع مراقبة أو متابعة إستجابة المريض
- الوضع فى الإعتبار زيادة جرعة مضاد الذهان تبعا للتحمل ولنسبة الدواء بالبلازما
- إذا لم ينجح هذا, ضع فى الإعتبار استعمال اولانزابين أو ريسبيردون (إذا لم يكن قد تم استعمالهم)
- إذا لم ينجح هذا, ضع فى الإعتبار استعمال كلوزابين (الدلائل التى تدعم استعماله قوية جدا)
- إذا لم ينجح استعمال كلوزابين, استعمل خطط أو استراتيجيات تقوية لوقت محدد.