الخميس, مايو 9, 2024
الوسواس القهريالوسواس القهري الديني ... وجهة نظر مسيحية

الوسواس القهري الديني … وجهة نظر مسيحية..مقدمة تهمك

معنى كلمة (Scruples ) أى التردد وكثرة الشك؟ ومعنى (scrupulosity ) أى الوسواس القهري الديني؟
الوسواس القهري الديني يشير إلى رؤية الخطيئة في عدم وجودها،أى هى غير موجودة في الحقيقة.. البعض يسميه “رهاب الخطيئة”.. هذا المريض يحكم على تصرفاته بأنها غير أخلاقية في حين أن عقيدة مجتمعه تراها طبيعية ولا لوم عليه.
إن القاموس يعرف كلمة (Scruples ) أو الشك بـ “إعتراض أخلاقي بحيث يمنع الفعل”.. الكلمة نفسها مأخوذة من الكلمة اللاتينية “Scrupulum ” وهى تحمل معنيين:

  1. الحصوة الصغيرة الحادة: هذا المعنى يصور وكأن هذا الشخص يسير بحصوة في حذائه… تصور هذا الشخص كيف يمشي مع مضايقات هذه الحصوة، وهكذا يعيش المريض مع مضايقات المرض.
  2. وزن صغير كوحدة قياس تساوي 1.3 جرام أو وزن عشرين حبة من القمح وبالتالي فإن هذا الشخص دقيق جدًا وحى الضمير جدًا.

الفرنسيون يشيرون إلى أن العواطف والمشاعر التي هى جزء من مرض الوسواس القهري الديني بـ “مرض الشك” هذا يصف جيدًا المأزق الذي يكون فيه هذا الإنسان كثير الشك والتردد.
هؤلاء الأشخاص يشعرون بعدم الثقة في تجاربهم وأفعالهم الدينية ولا يجدون ما يطمئنهم من خلال الوسائل الطبيعية المتاحة أمامهم.
مثــــــال
عائلة سميث تبعًا لتقاليدهم يؤدون صلاة الشكر على مائدة العشاء قبل الأكل.. سوزي “4 سنوات” وبيلي (6 سنوات) دائمًا يكونان متسرعين وجائعين..
زوجة سميث دائمًا قلقة بأن سوزي وبيلي وربما هى أيضًا لم يؤدوا الصلاة كما يجب بسبب كثرة السهو..
فسوزي تحك مكان قرصة الناموسة، وبيلي ينظر إلى بودينج الشيكولاتة، وزوجة سميث تفكر في موعد المجلس المدرسي لها بعد العشاء.. وبالتالي فهى تشك بأن صلواتهم لم تكن كما يجب وتطلب من العائلة أن يعيدوا الصلاة مرة أخرى، وأحيانًا تطلب من جميع الأسرة أن يعيدوا الصلاة، وأحيانًا تطلب ذلك من أطفالها فقط.. أحيانًا يعيدونها 4 مرات حتى بالرغم من تدخل الزوج بعد المرة الثانية..
زوجة سميث طلبت النصيحة من القس الذي أكد عليها ألا تعيد الصلوات سواء لنفسها أو لأطفالها.. عندما حاولت أن تتبع نصيحة القس فسد طعامها بالكامل لأنها أدخلت في دماغها فكرة هل هى مقبولة عند الله أم لا.. واستمرت قلقة بشأن هذه الفكرة طوال اليوم حتى أثناء موعدها في المجلس المدرسي..
معظم الناس سيدركون أن قلق ومخاوف زوجة سميث الدينية ما هى إلا مشكلة دينية ولن يملكوا القدرة بأن يقدروا عمق أو طول مدة القلق الذي تعيشه بسبب هذه المسألة البسيطة. (ولذلك فنحن نقول أن قلقها ومخاوفها في غير محلها ومبالغ فيها ومادامت تؤثر على عملها أو علاقاتها الاجتماعية فلابد أنها أسيرة مرض ما)..
بالرغم من أن مشكلة الوسواس القهري الديني لها درجات فإن البعض يعيشون حياتهم مشلولين ومحاصرين بسبب هذه المشكلة.. والأكثر من ذلك أن هؤلاء الأشخاص يعانون من كرب شديد ويشاركون مخاوفهم مع الأصدقاء الذين يثقون فيهم فقط أو مع المستشارين الروحانيين.. (الشيوخ أو القساوسة أو طلاب العلم)
هؤلاء الأشخاص الشكاكين يدركون أن مخاوفهم ليست طبيعية وهذا يجعلهم يشعرون بالخجل ويجاهدون في إخفاء تلك المخاوف قدر المستطاع.
النتيجة النهائية أن الوسواس القهري الديني يظل خفي إلى حد كبير في المجتمع، وعادة هؤلاء الأشخاص يلجأون إلى رجال الدين.. فهم يشعرون بأنهم وحدهم الذين يعانون من هذه الشكوك وهذا يزيد من إحساسهم بالخجل فينعزلون عن الآخرين لمساعدة هؤلاء الأشخاص فقد لاحظت أن إدراك أنهم ليسوا الوحيدين لها قوة علاجية كبيرة وأن هناك آخرون يعانون مثلهم.
الصراعات التي تواجه أخصائي الصحة النفسية:
الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري الديني غالبًا ما يواجهون مشاكل أخرى فكثيرًا تكون مخاوفهم الدينية هى جزء من مشكلة أكبر من القلق.
مثلاً زوجة سميث ربما تعاني من مخاوف أخرى بجانب شكوكها في صلاتها، ربما تجد نفسها تطمئن على وجود أطفالها في فراشهم ليلاً عدة مرات لترى إن كانوا في أمان أو ربما توقفوا عن التنفس مثلاً وهذا يزعج أسرتها جدًا عن طريق استيقاظ زوجها وأطفالها عدة مرات.
ما يحدث بعد ذلك يختلف كثيرًا، أحيانًا يكون المعالج على دراية بهذا النوع من القلق ويسأل عدة أسئلة بخصوص مخاوف أخرى كالمخاوف الدينية، وبالتالي فإن الفحص الدقيق غالبًا ما يكشف عن الوسواس القهري الديني..
في بعض الأحيان المعالج يمكن ألا يكون يعلم بعلم كامل بالمخاوف والأعراض الأخرى لمرض القلق المصاحب لزوجة سميث وهو ما يسمى بمرض الوسواس القهري وغالبًا يكون مرضًا معقدًا.
بعض المعالجين لهم خبرات كبيرة في علاج مثل هذه الحالات والبعض الآخر لا يملك هذه الخبرات.. هؤلاء المعالجين أصحاب الخبرات الضعيفة من الممكن ألا يقدروا أن هذا الاضطراب ممكن أن يقتحم المجال الديني وبالتالي من الممكن ألا يسألوا أسئلة بخصوص هذا الجزء في حياة المريض.
بالإضافة إلى ذلك فإن المريض ممكن أن يخجل من ذكر الوساوس الدينية أو يفكر في أن العلاج ليس هو الحل الصحيح لمناقشة هذا النوع من المخاوف، وممكن أيضًا أن يظن أنه لو وصف مخاوفه بدقة وبالتفصيل فيعتقد المعالج أنه مجنون أو سئ الخلق أو غير ملتزم مثلاً.
بوب 28 عام رجل يهودي متزوج، يعمل في شركة محاسبة، فرح جدًا بولادة طفلته الأولى.. بوب تعهد بأن يكون لها أبًا كاملاً وأن يشارك في كل جوانب رعايتها ولكنه صدم بهذه التجربة:
كان بوب يغير لابنته الحفاض عندما جاءت له فكرة أو صورة أنارت في عقله (المس أجزائها الحساسة)، عندما حدث هذا أول مرة ارتجف وحاول أن يطرد الفكرة وبسرعة أتم لها الغيار وطوال اليوم حاول جاهدًا ألا يفكر في هذا الأمر.. في المرة الثانية وهو يغير لها الحفاض جاءت له الفكرة مرة أخرى ولكن هذه المرة في صورة أنه متورط معها في وضع جنسي لعين.. هذه المرة شعر بوب بغثيان ودوخة وطلب من زوجته أن تكمل هى بحجة أنه شعر بتعب ودوخة..
بدأت الفكرة تعذب بوب ووجد نفسه لا يريد أن يظل مع طفلته منفردًا خوفًا من أن يستسلم لهذه الفكرة ورفض أيضًا أن يحممها أو يغير لها الحفاض مرة أخرى..
شعرت زوجته بأن هناك مشكلة كبيرة لديه وطلبت منه أن يبحث عن العلاج.
تحدث بوب مع الحبر الذي حاول أن يطمئنه بأنه ليس بمتحرش أطفال ونصحه بأن يطرد هذه الأفكار.. لم يستطع بوب فعل هذا فنصحه الحبر بأن يتوجه لطبيب نفسي.
تقييم حالة بوب كشف عدة احتمالات:
إحداها أنه كان مترددًا بخصوص العناية بالطفلة وبالتالي هذه الأعراض مثلت محاولة بلا وعى منه ليهرب من هذه المسئولية كأب متحضر.. هذه الأعراض سمحت له بأن يتخلص من هذه المسئولية الكريهة.
بوب والمعالج أيضًا اكتشفا كيف أن مشاعر المحارم أصبحت شائعة.. مازال بوب غير مرتاح.. توجه إلى معالج آخر في عيادة الصحة النفسية عندما كشف له بوب عن عمق وقوة تخيلاته تساءل المعالج إذا كان عليه أن يقدم تقرير رسمي إلى قسم رعاية الطفل بالدول.. فلم يعد بوب مرة أخرى.. (هنا تجد أن المعالج ظن سوءًا بالمريض أنه إنسان شاذ.. ويالها من خيبة أمل لبوب ويالقسوة وجهل هذا المعالج)..
البعض يقابل معالجين لا يقدرون قيمة الدين ولا معتقدات الإنسان الدينية.. هؤلاء المعالجين يدعون أن المعتقدات الدينية تمثل اضطراب عصبي وأن المريض سوف يتحسن فقط عندما يترك مثل هذه المعتقدات الطفولية.. أو أن الدين كما يقولون هو أفيون الشعوب وبالتالي لكى يتحسن المريض لابد من تكبير دماغه وبعده عن الأفكار الدينية المتشددة في رأيه الشخصي..
بطبيعة الحال مثل هؤلاء المعالجين يجعلون المريض يأخذ حذره من أى إحتكاك آخر بمجال الطب النفسي.
نزعة المؤمن الملتزم هى أن يعتمد تمامًا على منظومة الدعم الديني.. وبذلك لن يلجأ إلا لرجال الدين وستظل مشكلته قائمة كما هى.. أيام شهور وربما سنوات..

هل العقيدة تسبب كثرة الشكوك؟
أى هل العقيدة الدينية تسبب مرض الوسواس القهري؟
بنظرة سطحية ممكن أن تؤدي إلى استنتاج أن الدين هو مصدر الوسواس القهري الديني (كما يفعل بعض أخصائي الصحة النفسية).
الإنسان الموسوس يفكر كثيرًا أنه ارتكب خطيئة إذا شعر بالانجذاب لامرأة جميلة لأنه يعتقد أن هذا يمثل ارتكاب الزنا في نفسه.
إن النظرة السطحية لا تستطيع أن تفرق بين العقيدة التي تسبب المرض من العقيدة كخلفية.. الدين لا يسبب الوسواس القهري الديني.. فمثلاً لو شخص يدرس التاريخ الفرنسي هل يعتقد أنه نابليون.
إن العلم صرف الكثير من الوقت في البحث عن الخلفية الثقافية التي تؤدي بالإنسان إلى الذهان.. هذا لا يعني أن الدين ليس له أى دور في بدايات الاضطرابات الانفعالية.
باختصار، من الممكن أن يساهم الدين عندما يكون مضمونه ممثلاً بصورة قاسية وتأديبية شديدة، وهذه القسوة والشدة وقعت على شخص عنده الاستعداد لمرض الوسواس القهري.. فالأشخاص أصحاب مثل هذه الأعراض هم أكثر الناس الذين يربطون الرسائل والمحتوى الديني بالخوف والقلق.. وبمجرد تعلم الخوف فإن قوانين المعاملات الإنسانية سوف ترتبط بالخوف..
وبالنسبة للأشخاص الأكثر عرضة فإن تعلم مثل هذه القوانين والقواعد التي ارتبطت بالخوف من الممكن أن تثير لديهم الاحساس بالقلق الشديد بخصوص الدين..
مفتاح الجملة هنا هو “الأشخاص المعرضين” أى الذين لديهم استعداد للقلق.. نحن لدينا فهم بسيط لما يجعل الإنسان أكثر عرضة لأمراض القلق أو أى اضطرابات انفعالية، لماذا شخص واحد في جلسة تعاليم دينية يصاب بالوسواس القهري الديني والخمسة عشر الآخرون معه لا يصابون؟
تعليم الأطفال غسل الأيدي قبل الأكل شئ طبيعي جدًا في المدارس ولكن القليل منهم فقط سوف يقضي عددًا لا يحصى من الساعات في غسل أيديهم إلى أن يتقشر جلدهم.. وبالمثل فنحن لا نستطيع أن نوضح حتى الآن لماذا تعلم القواعد الأخلاقية سوف يكون مأزقًا كبيرًا للبعض مسببًا كربًا لا يوصف في تقرير ما هو صواب وماهو خطأ..
هل الوسواس نفسي أم ديني؟
جواب العنوان هو نعم.. الوسواس القهري الديني من الممكن أن يكون ديني فقط أو نفسي في بعض الحالات، والأكثر أن يكون الاثنان معًا.. فمن الممكن أن يمر الإنسان بمرحلة في حياته تكون فيها الاهتمامات الدينية واضحة جدًا ويظهر الوسواس القهري الديني وفي هذه الحالات فإن التوجيهات من المجتمع الديني سوف تحل الأسئلة والشكوك لديه.
وعند البعض الآخر يكون الوسواس القهري الديني هو مشكلة ممتدة طول حياته في صورة مد وجزر من ناحية القوة وتمثل له مشكلة انفعالية كبيرة.
الوسواس القهري الديني كاضطراب نفسي مفهوم جدًا في علم الاضطرابات النفسية حتى رجال الدين يرونها اضطراب نفسي أكثر من كونه دينيًا.
القلق والمخاوف الموجودة بعيدًا عن أنها معيقة فهى تساهم في إنجازاتنا الثقافية والإبداعية.
هناك فكر آخر وهو أن الإنسان الذي يعاني من مشاكل الوسواس الديني سوف يتحسن عندما يتخلى عن معتقداته الدينية.. في الحقيقة لقد قابلت بعض الأشخاص الذين توصلوا إلى هذا الاستنتاج وتركوا الدين تمامًا معتقدين أنهم سيكونون أكثر راحة..
رأيي الشخصي أن هذا هراء من الناحية المنطقية وأيضًا تفكير مريض أو طبيبه في التخلي عن المعتقدات الدينية هو أحد جوانب المرض والتي نسميها “التجنب”.. هذا التجنب الذي لابد من معالجته أثناء معالجة المرض نفسه..
إن هدف هذا البحث ليس توجيه حياة الأشخاص بصورة ما ولكن توضيح أن هناك وسائل متاحة للعلاج والتخلص من هذه المتاعب.. وأنا أدعو القارئ أن يميز بين العقيدة التي تعطي معنى للحياة وبين اضطراب العقيدة وهو الوسواس القهري الديني.. وأنا لا أملك أن أفرض حلاً معينًا لألم الوسواس الديني ولكن أستطيع أن أشارككم بتجاربي في العلاج والتي تمكن الإنسان من أن يحتفظ بعقيدته العميقة وإخلاصه مع التخلص من كل أعباء الوسواس القهري الديني.
هل الأشخاص الذين يعانون من الوسواس يفقدون عقولهم؟
إن حالة زوجة سميث وحالة بوب في هذا الفصل من البحث ربما تدل على درجة من عدم العقلانية التي ترى في حالات الوسواس الديني، فالاثنان يرون أفكارهم وتصرفاتهم لا معنى لها ولكن مع ذلك يشعران بالإجبار على تنفيذها.. وعدم العقلانية التي ترى في هذه الأفكار غالبًا ما تجعل الناس يشعرون بأنهم فقدوا صوابهم، ومع أنهم ليسوا كذلك.. فإن الجنون هو مصطلح يخص الأفعال النهائية والتي تمثل نشوزًا واضحًا عن المنطق.. بل لعلي أقول أن مصطلح الجنون هو مصطلح أدبي أكثر منه علمي..
عندما يكون الشخص فعلا ذهاني فهو يؤمن تمامًا بمثل هذه الأفكار الشاذة.. فمثلاً يؤمن أنه فعلاً نابليون أو المسيح.
لكن بالنسبة لزوجة سميث وبوب فهما يدركان أن أفكارهما غير منطقية ومع ذلك يشعران بأنهما منساقين لها للغاية وهكذا حال كل مرضى الوسواس القهري.. ولا عجب أن مثل هذا الانقسام يدعو إلى التساؤل هل مثل هؤلاء الأشخاص فقدوا عقولهم؟
البعض يتساءل هل هم من مرضى الفصام؟ معتقدين أنهم شخصين..
لو أن فقد عقولنا يعني الذهان فإن مرضى الوسواس الديني ليسوا كذلك.. على أى حال ليس من الضروري أن نكون من مرضى الذهان لكى نعاني من آلام ومعاناة شديدة، فالأشخاص الذين يعانون الوسواس الديني كثيرًا ما يكونون في ألم نفسي شديد ويحتاجون حقًا للمساعدة.. فهم يحتاجون للاطمئنان بأنهم لم يفقدوا عقولهم حيث لا يتحدثون عن معاناتهم تجنبًا وخوفًا من أن يوصفوا بالجنون.
المحترف ذو الخبرة الجيدة سواء في مجال الطب النفسي أو في مجال الرعاية الدينية يستطيع أن يقدم لهم جوًا من الثقة يستطيعون من خلاله أن يفصحوا عن معاناتهم بأمانة.

5 thoughts on “الوسواس القهري الديني … وجهة نظر مسيحية..مقدمة تهمك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *