الخميس, مايو 9, 2024
العلاج المعرفي للإكتئاب

حلقة الخمول

إن الأفكار التي تمر بعقل هذا المريض كلها سلبية . فهو يقول لنفسه “ليس هناك أي هدف لفعل أي شيء وذلك لأنني ولدت فاشلاً والفشل مرتبط بي”.
وهذا النوع من الفكر يبدو مقنعًا للغاية عندما تكون مكتئبًا، ويصيبك بالجمود ويشعرك بأنك غير كفء ومقهور وكاره لنفسك وعاجز، ثم تتخذ أنت هذه المشاعر دليلاً على صلاحية ميولك التشاؤمية وتبدأ في تغيير اتجاهاتك في الحياة .

ولأنك على قناعة بأنك لن تتقن شيئًا تفعله فإنك لن تحاول وستبقى في فراشك بدلاً من كل ذلك، سترقد مذعنًا محملقاً في سقف الغرفة آملاً أن تستغرق في نومك مدركًا -في ألم- أنك تلقي بمهنتك إلى المجارى وأن أعمالك ستتضاءل إلى حد الإفلاس . قد ترفض الإجابة على رنين التليفون لخوفك من أن تسمع أنباءً غير سارة وتصبح الحياة روتينية مليئة بالرهبة والبؤس. إن هذه الحلقة الخبيثة قد تستمر إلى مالا نهاية حتى تعلم كيف تقهرها.

وهكذا فإن العلاقة بين أفكارك ومشاعرك وسلوكك هي علاقة متبادلة… فكل عواطفك وأفعالك هي نتاج لأفكارك وميولك، وبالمثل فإن مشاعرك ونماذج سلوكك تؤثر في إدراكك بعديد من الطرق.

ومن هذا النموذج نستنتج أن كل التغيرات المزاجية هي نتاج المعرفة وتغيير سلوكك أيضًا سيجعلك تشعر شعورًا أفضل لو أن هذا أدى إلى تأثير إيجابي على طريقة تفكيرك .
ولهذا فإنك تستطيع أن تطور اتجاهك العقلي المحبط لك لو أنك غيرت من سلوكك إلى تلك الطريقة التي تمكنك من السيطرة على ميولك واتجاهاتك المحبطة لك والتي تمثل لب مشكلة دوافعك .وبالمثل فكلما غيرت من طريقة فكرك فستشعر بمزاجية أكثر لفعل الأشياء وسيكون لذلك تأثيراً إيجابياً أقوى على نماذج تفكيرك… ولهذا فإنك تستطيع أن تبدل من حلقة خمولك.

وفيما يلي كل نماذج الاتجاهات العقلية الأكثر شيوعاً في ارتباطها بالتسويف وعدمية العمل، ويمكنك أن ترى نفسك في واحدة أو أكثر منها:

1- انعدام الأمل:

عندما تكون مكتئبا فإنك تقف متجمدًا في اللحظة الحالية متألماً لدرجة أنك تنسى تمامًا أنك كنت تشعر شعورًا أفضل في الماضي وترى أنه من غير المتصور أنك من الممكن أن تشعر بإيجابية أكثر في المستقبل … ولهذا فإن أي نشاط سيبدو بلا هدف لأنك متأكد تماماً من أن فقدانك للدافع وإحساسك بالضيق لا نهاية لهما ولا رجعة منهما. ومن هذا المنطلق فإن أي إيحاء لك بأن تقوم بفعل شيء “لمساعدة نفسك “سيكون سخيفًا تمامًا كما لو أنك تطلب من رجل يحتضر أن يبتهج ويسعد

2- العجز :

من المحتمل أنك لا تستطيع أن تفعل أي شيء يجعلك تشعر بطريقة أفضل لأنك مقتنع بأن مزاجك هو نتاج عوامل خارجة عن سيطرتك مثل القدر، دورة الهرمونات، عوامل غذائية، الحظ، وتقييم الآخرين لك.

3- قهرك  لنفسك:

هناك طرق متعددة قد تقهر بها نفسك بألا تفعل شيئاً فقد تُعَظِّم من العمل لدرجة تجعله يبدو من المستحيل التعامل معه، كما أنك قد تفترض أنك يجب أن تقوم بأداء كل شيء في الحال بدلاً من تجزئة كل عمل إلى وحدات صغيرة يمكنك معالجتها واحدة بعد الأخرى… كما أنك من الممكن أن تشتت نفسك -بدون تعمد- عن العمل الذي بيدك وذلك بالوسوسة حول أشياء لا نهاية لها لم تقم بأدائها بعد.

ولكي نبين عدم معقولية هذا: تخيل أنك في كل مرة تجلس لتناول طعامك تفكر في كل كميات الطعام التي يجب عليك تناولها في حياتك، وتخيل للحظة أنها قد تكومت أمامك كأطنان من اللحم والخضروات و الآيس كريم وآلاف اللترات من المشروبات وأن عليك أن تأكل كل هذا عن آخره قبل أن تفارق الحياة، والآن فلتفترض أنك قبل كل وجبة طعام تقول لنفسك “هذه الوجبة هي قطرة في دلو كبير ” .. وكيف أستطيع أن أتناول كل هذا الطعام؟ .. “إنه لا جدوى من أن آكل هذه الوجبة الحقيرة من الهامبورجر ” فإنك ستشعر بغثيان شديد وستنقبض معدتك.
إن هذا هو مثل ما يحدث تمامًا عندما تفكر في الأشياء التي يجب عليك أن تتخلص منها وأنت تفعل هذا دون أن تكون مدركًا له

4- القفز إلى القرارات :

أنت تشعر أنه ليس في قدرتك أن تؤدى عملاً مؤثرًا بحيث يشعرك بالرضا وذلك لأنك قد تعودت أن تقول ” لا أستطيع ” “إنني أرغب ولكن …”
ولذلك فإننا عندما نقترح أن تقوم المرأة المكتئبة بعمل فطيرة تفاح مثلاً فإنها تجيب “إنني لا أستطيع أن أطبخ أكثر مما فعلت أبدا..” وحقيقة فإن ما تعنيه بقولها هو “أنني لن أشعر بمتعة في الطبخ وسيبدو هذا صعبًا وفظيعًا” … وعندما اختبرت هذه السيدة تلك الافتراضات بمحاولتها أن تطهو الفطيرة وجدت – ولدهشتها – سهولة وإحساس بالرضا لم تكن تتوقعهم

5- وضع عنوان للنفس :

كلما سوَّفت كلما كنت تسمي نفسك “الأقل شأنًا “وهذا يقوض ثقتك بنفسك أكثر وأكثر. وتتفاقم المشكلة عندما تضع لنفسك عنوانًا مثل “المسوٍف “أو شخص “كسول ” ، سيجعلك هذا ترى في عدم أدائك للعمل المؤثر أنك هذه حقيقتك وبالتبعية فإنك لن تتوقع من نفسك الكثير بل القليل أو حتى العدم

6- قلة تقييم المكافأة:

عند اكتئابك قد تفشل في بدء أي نشاط ذو معنى وليس ذلك فقط بسبب أنك ترى أي عمل هو عمل بالغ الصعوبة، ولكن أيضًا لأنك تشعر أن المكافأة عليه لا تستحق مجهودك فيه، ولقلة استطاعتك أن تشعر بالرضا والمتعة تعبير علمي معروف .
وهناك خطأ فكري شائع وهو “بخس الشيء الإيجابي حقه ” قد يكون هو الجذر الأساسي لهذه المشكلة … هل تتذكر مم يتكون هذا الخطأ الفكري ؟

جاء رجل أعمال يشكو من عدم رضاه عن أي فعل أدّاه في يومه هذا، وأخذ يشرح كيف أنه في الصباح حاول الاتصال تليفونيًا بأحد عملائه ولكن الخطوط كانت مشغولة، وعندما وضع سماعة التليفون غمغم لنفسه قائلاً ” كان هذا مضيعة للوقت “وفي الظهيرة أكمل بنجاح مفاوضاته على صفقة هامة ولكنه في هذه المرة قال لنفسه ” إن في إمكان أي شخص في المؤسسة القيام بمثل هذا أو حتى بأفضل منه،  لقد كانت مشكلة سهلة ودوري فيها لم يكن هامًا ” .
كان عدم رضاه هذا ناتج عن حقيقة أنه دائمًا ما يجد الوسيلة لأن ” يشوه سمعة “مجهوداته، وكانت عادته السيئة هذه بقوله ” إن ذلك لا يساوي شيئا “تنكل بأي إحساس بالإنجاز .

7- الكمال :

أنت تحبط نفسك بأهداف ومعايير غير مناسبة،  ولو أديت عملا “يقترب”من الكمال فهو لا شيء في نظرك.

8- الخوف من الفشل :

لأنك تتخيل أنك ببذل الجهد ثم الفشل سيكون شيء مقهر ومحبط لك فإنك ترفض أن تحاول على الإطلاق. وهناك أخطاء فكرية تشمل هذا الخوف من الفشل وأهمها” :التعميم الخاطيء “فتقول “لو أنني فشلت في هذه فإنني سأفشل في أي شيء”وهذا طبعا مستحيل الحدوث ،  فأي شخص لا يمكن أن يفشل في كل شيء فلكلٍ منا نصيبه في النصر والهزيمة… وبينما في الحقيقة أن النصر له طعم رائع والهزيمة لها طعم مر فإن الفشل في أي عمل لا يجب أن يكون سُماً قاتلاً ولا يبقى طعم مرارة الهزيمة للأبد.
والخطأ الثاني : عندما تقيم أداءك على النتيجة النهائية دون أن تعتبر مقدار بَذْلك للجهد فيه.. وهذا أيضاً غير منطقي ويعكس ” إدراك إنتاجي “بدلاً من ” إدراك عملي”…  لشرح ذلك دعني أسوق لك خبرة شخصية: فأنا كمعالج نفسي يمكنني السيطرة فقط على ما أقوله وعلى كيفية تفاعلي مع كل مريض … بينما لا يمكنني السيطرة على رد فعل المريض على مجهوداتي في أية جلسة نفسية … ما أقوله وكيفية تفاعلي هو “العملية ” وما يتفاعل به المريض هو “النتاج ” ، ويذكر الكثيرون من المرضى أنهم قد استفادوا كثيرًا من الجلسة بينما يذكر القليل منهم بأنهم لم يجنوا شيئاً مفيدًا منها
ولو قمت أنا بتقييم عملي على أساس “إنتاجي “فإنني سأشعر بالابتهاج عند تحسن مريض من مرضاي وسأشعر بالإحباط والفشل عند العكس… وسيجعل هذا من حياتي العاطفية ومشاعري كقارب متأرجح وسترتفع وتنخفض معنوياتي بطريقة مرهقة وغير متوقعة خلال ساعات اليوم الواحد وقهر تلك العدمية والتسويف هو لبُّ وقلب العلاج المعرفي الذي سوف تتعلمه من طبيبك إن شاء الله

9-الخوف من النجاح:

قد يبدو لك النجاح أكثر خطورة من الفشل و ذلك بسبب فقدانك للثقة مما يؤدي إلى تأكدك بأن نجاحك يرتكز على الصدفة ليس إلا!.. ولذلك فأنت متأكد أيضاً أنه لن يدوم.. إضافة إلى شعورك بأن ما حصلت عليه من نجاح سيزيد مما يتوقعه الآخرون منك بينما تبرز الحقيقة الرهيبة بأنك  “فاشل” في الأساس و هنا فإن الإحباط و الإحساس بالرفض و الألم يكونون أكثر مرارة.
فإحساسك الأكيد بسقوطك من أعلى المنحدر الشاهق يجعلك تفضل ألا تبدأ في تسلق الجبل والذي يبدو أكثر أمناً.وقد تخاف من النجاح لتوقعك أن الناس سيزيدون من مطالبهم عليك و لكونك متأكداً أنه يجب عليك ولكنك لن تستطيع أن تحقق توقعاتهم منك فإن النجاح هنا يبدو أنه سيضعك في موقف خطر و مستحيل..  ولذا فإنك تحاول أن تستمر على السيطرة على ذلك بأن تتحاشى أية التزامات أو تورط.

10- الخوف من الرفض أو النقد:

تتخيل أنك لو حاولت أي شيء جديد فإن أي خطأ منك سيُقابَل من الناس بالنقد القوي والرفض البالغ و ترى أن من تهتم بهم يريدونك متكاملاً… و يجعلك هذا الإحساس -بالرفض الخطير- تفضل أن تحمي نفسك و تتبنى لنفسك مكانة أقل بقدر استطاعتك فأنت ترى أنك كلما قل ما تبذله من جهد فلن تكون هناك أخطاء تنزلق فيها.

11-الإكراه و الاستياء:

 إن الإحساس بالإجبار أو الإكراه على عمل الأشياء هو عدو مميت للدافع.. فأنت تشعر و-تحت هذا الإحساس الشديد- بالضغط على الأداء و هو ينبع من داخلك وخارجك فعندما تحاول أن تجد الدافع بأن تفعل الأشياء لأنه  “يجب” أو  “ينبغي”  ذلك فإنك تشعر بالإجبار والتوتر و الاستياء بل وبالذنب أيضاً.. تماماً كإحساس الطفل الجانح و المهمل في إتباع النظم المستبدة.. و يصبح كل عمل مختلطاً بهذا الضيق لصعوبة مواجهته من قِبَلك.. وهكذا فعندما تُسَوِف العمل ففي هذا تعزية لك بأنك “كسول” مما يزيد من استنزاف طاقاتك.

12-قلة تحمل الإحباط :

تفترض أنك يجب أن تكون قادراً على حل مشاكلك والوصول إلى أهدافك بسرعة   وسهولة ولذلك فإنك تصاب بحالة من الهياج والذعر والغضب عندما تواجه عقبات في الحياة فبدلاً من أن تثابر وتصبر لبعض الوقت فإنك تقتص من هذا الظلم عندما تشتد عليك الأمور فتستسلم تماماً ويسمي البعض هذا “مرض التأهل” وذلك لأنك تشعر وكأنك مؤهل للنجاح و الحب و القبول و تمام الصحة و السعادة… الخ
و ينتج إحباطك من عادتك في مقارنة الواقع بالمثالية التي في رأسك فعندما لا يتطابق الأمران فأنت تعزي الواقع.. بينما لا يحدث منك ذلك الأمر البسيط المطلق في تغيير توقعاتك بدلاً من تلوي الواقع هكذا.
و يتولد الإحباط هذا بنظرتك  “الحتمية” فأنت قد تشكو قائلاً “مع كل ما بذلته من جهد فإنني يجب وحتماً أن أكون في وضع أفضل الآن”.. أحقاً؟ لم يجب أن تكون كذلك..
إن ما تقوله وتعتبره نوعاً من العقاب من المفترض أن يجعلك تحاول جاهداً وتبذل المزيد لتحقيق الهدف وهذا نادراً ما يحدث بهذه الطريقة.. ويضيف الإحباط إليك إحساساً باللاجدوى والعبث  ويزيد من استسلامك و يدفعك إلى ألا تفعل شيئاً.

13-الإحساس بالذنب و لوم النفس:

عندما تقف متجمداً معتقداً بأنك سيء أو أنك قد خذلت الآخرين فمن الطبيعي أن تشعر بأنه لا دافع لديك لأن تواصل حياتك اليومية..  كمثل تلك السيدة التي قضت أياماً في الفراش وحيدة بالرغم من أنها كانت تشعر بأنها أفضل عندما تقوم بإعداد الطعام أو شراء الأشياء أو حتى مع صديقاتها في المواقف الاجتماعية.. لماذا؟ ببساطة لأنها كانت تعتبر نفسها مسئولة عن طلاق ابنتها منذ عدة سنوات .. وكانت تفسر ذلك قائلة: عندما كنت في زيارتها كان ينبغي علي أن أتكلم مع زوجها وأناقشه فربما كنت أستطيع أن أحل مشكلتها معه..  ولكنني لم أعطي الفرصة لنفسي لأفعل ذلك .. لقد تسببت في فشل حياتهما .. عند مراجعة اللا منطق في فكر و اعتقاد هذه السيدة بدأت تشعر بتحسن سريع وأصبحت أكثر نشاطاً.. إنها بشر وليست إلهاً.. فهي لا تستطيع أن تتنبأ بالمستقبل ولا يتوقع منها أن تعرف بدقة شديدة كيف تتدخل.

49 thoughts on “حلقة الخمول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *