الاهتمام بما يهم
وقف طفل صغير عمره ثلاث سنوات على حافة بركة السباحة خائف أن يقفز، والدته أمامه، تشجعه حيناً وتصرخ فيه حيناً أخر، وهو متردد.. استمر ذلك الصراع نصف ساعة، ثم قفز.. استمتع بالمياه.. ولم يكن هناك شيئاً يخاف منه ولكن لسوء الحظ فلقد وصلت إليه رسالة انطبعت في عقله “يجب أن يدفعني أحد قبل أن افعل شيء، أي شيء بنفسي، إني لا أملك الجرأة كي أقفز وحدي مثل باقي الصبية”.
نفس الفكرة كانت عند والديه: “لو تركته وحده ما فعل شيئاً، إنه لن يجرؤ أبداً على النزول بمفرده، ستكون تربيته صراعاً طويلاً مستمراً ” وبالطبع تكرر هذا الموقف الدرامي عدة مرات خلال نشأته، كان لابد من دفعه وإقناعه كي يذهب إلى المدرسة، كي يلتحق بفريق الكرة، لكي يذهب إلي حفلة، وهكذا.. نادراً ما بدأ أي نشاط بمفرده، وعندما بلغ سن الواحدة والعشرين كان لديه إكتئاب مزمن ولا يزال يعيش مع والديه ولا يفعل الكثير بحياته.
كان ينتظر الناس كي يخبرونه ماذا يفعل، وكان والديه قد مَلّاَ اخباره ماذا يفعل.. بعد كل جلسة كان يغادر المكتب مليئاً بالحماس كي ينفذ خطة علاج اتفقنا عليها..
مثال على ذلك.. في أسبوع اتفقنا على أن يبتسم أو يسلم على ثلاثة رجال أغراب عنه كخطوة صغيرة لكسر انعزاله، وفي الأسبوع المقبل يأتي وهو ينظر إلى الأرض وابتسامة خجولة.. يعلن أنه (نسيَّ) أن يفعل ذلك.. في أسبوع أخر كان عليه أن يقرأ مقالاً من ثلاثة صفحات عن كيفية تغلب الرجال العذاب على وحدتهم، أتى الأسبوع التالي ليخبرني أن النص قد ضاع منه قبل أن يتسنى له قراءته. وهكذا كل أسبوع يغادر يملأه الحماس وما أن يصل للمصعد يعرف في أعماقه إن عمل هذا الأسبوع شديد الصعوبة عليه.
ماذا كانت مشكلة هذا الولد الحقيقة ؟.. يعود التفسير إلي ذلك اليوم عند بركة السباحة، لا يزال يحمل داخله فكرة ” لا أستطيع فعل شيء بنفسي أنا من صنف الرجال الذي يجب أن يدفعه الآخرون” .. لم يخطر ببالة أبداً أن يتحدى هذه الفكرة، استمرت كأنها نبؤة دائمة التحقيق، واستمر خمسة عشر عاماً وداخله هذا الإيمان “إنه حقاً كذلك”، وكان الحل أن يدرك أن هناك خطأين هو مذنب بفعلهما وهما أساس مشكلته “الفلتر الذهني، وإطلاق الألقاب”.
كان عقله يملأه أفكار عن الأشياء العديدة التي يؤجل عملها، وتجاهل مئات الأشياء التي يؤديها حقاً بدون أن يدفعه أحد لعملها.. قمت فعلاً بتفسير تلك الأخطاء له، فقال ربما يكون ما تقوله حقاً ولكن كيف أقوم بتغييره؟ اقترحت عليه خطة بسيطة، كل يوم يدون الأشياء التي قام بفعلها بمفرده دون أي دفع أو تشجيع، ويحفظها في سجل يومي.. خلال عدة أسابيع وجد أن قائمته تزيد، وكل يوم يدون فيه شيئاً جديداً يكتشف أنه استعاد السيطرة على حياته، كان يمرن نفسه بهذه الطريقة على ملاحظة ما يفعله بمفرده.. بدأت ثقته بنفسه تزيد، وبدأ في ملاحظة نفسه كشخص قادر على الحياة بمفرده.
هل يبدو هذا بسيطاً ؟ إنه كذلك! هل سيساعدك أنت؟ ربما لا تعتقد أنت هذا، ولكن لماذا لا تجرب؟..
اكتب قائمتك اليوم، اخضع نفسك للإختبار.. واهتم بالمهم فعلاً، ستندهش للنتيجة.