4 التحليل التفاعلي
الباب الأول الفصل الثاني
الفصل الثاني: التحليل التفاعلي
إن التفاعل هو الوحدة البنائية للاتصال الاجتماعي. إذا التقى شخصان أو أكثر ببعض في تجمع اجتماعي فعاجلاً أو آجلاً سوف يبدأ واحد منهم بالكلام، أو يبدى بعض الإشارة أو الاعتراف بوجود الشخص الآخر (أو الآخرين). هذا ما يسمى بــ “المؤثر التفاعلي”، إثر ذلك يقوم الطرف الآخر بقول أو فعل شيء ذو صلة بذلك المؤثر، وهو ما يسمى بالــ “الاستجابة التفاعلية”. يختص التحليل التفاعلي البسيط بتشخيص أي من حالات الذات استُخدِمَت لتوليد المؤثر، وأي من الحالات حققت الاستجابة. أبسط نوع من التفاعلات هو عندما يأتي المؤثر والاستجابة من “الراشد” لدى الطرفين المشاركين. فمثلاً أثناء إجراء عملية، يقوم الجراج – بعد أن استنتج من المعلومات التي أمامه أن المشرط هو الأداة المطلوبة الآن – بمد يديه، فيستجيب لذلك مساعده بشكل صحيح، ويقوم بتقدير القوى والمسافات المناسبة ليضع يد المشرط تماماً حيث يتوقعها الجراح. ثاني التفاعلات بساطة هو الذي يدور بين “الطفل” و “المربي”: يطلب طفلاً محموماً كوباً من الماء، فتناوله إياه الأم. كلا التفاعلين السابقين “تكميليان”، حيث تكون الاستجابة ملائمة ومتوقعة وتتبع النمط الطبيعي للعلاقات البشرية الصحية. أما الأول – ويصنف على أنه تفاعل تكميلي: نوع 1 – ممثل في الشكل 2(أ) وأما الثاني – تفاعل تكميلي: نوع 2 – فيمثل في الشكل 2(ب). ولكن على أي حال، يبدو أن التفاعلات تميل لاتخاذ سلاسل مستمرة، بحيث تكون الاستجابة من التفاعل الأول مؤثراً لتفاعل ثانٍ. القاعدة الأولى للتواصل هي أن التواصل سوف يستمر بسلاسة لطالما كانت التفاعلات تكوينية؛ ومن ذلك نستنتج أنه كلما استمرت التفاعلات التكوينية كلما – مبدئياً – استمر التواصل إلى أجل غير مسمى. هذه القواعد مستقلة عن طبيعة ومحتوى التفاعلات، فهي تعتمد بشكل تام على اتجاهات المتجهات فيها. لطالما كانت التفاعلات تكميلية؛ فلا تفرق القاعدة بين اثنين يقومان بثرثرة انتقادية (“مربي” – “مربي”) أو يحلان مشكلة (“راشد” – “راشد”) أو يلعبان معاً (“طفل” – “طفل”).
القاعدة المعاكسة: هي أن التواصل ينقطع بحدوث “تفاعل متقاطع”.
يمثل الشكل 3(أ) – نفاعل متقاطع: نوع 1 – أكثر أنواع التفاعلات المتقاطعة شيوعاً، وهو دائماً ولا يزال سبباً وراء كل المشاكل الاجتماعية في العالم، سواءً مشاكل الزواج أو الحب أو الصداقة أو العمل. هذا النوع من التفاعلات هو مجال الاهتمام الأول لدى المعالجين النفسيين، وما يمثله في التحليل النفسي هو “التفاعل التحويلي الكلاسيكي”. المؤثر يكون من “راشد” إلى “راشد”
مثل: “ربما يجب أن نعرف لماذا صرت تشرب أكثر مؤخراً؟” أو “ألا تعرف أين اختفى زر كم قميصي؟” فهنا تكون الاستجابة الطبيعية من “راشد” ← “راشد” تكون “ربما فعلاً! أنا شخصياً أريد أن أعرف!” و “على المكتب”، ولكن إذا ثار المستجيب ستكون الإجابات شيئاً مثل: “أنت دائماً تنتقدني! تماماً كما كان يفعل أبي!” و “أنت دائماً تتهمني في أي شيء!” وكلاهما من نوع “طفل” ← “مربي”، وكما يوضح الشكل التفاعلي، فالمتجهات تتقاطع. في مثل تلك الحالات، يجب تأجيل الحديث عن المشاكل كالشرب المفرط وزر كم القميص إلى أن يتم استعادة العلاقة الموازية (التكميلية) بين المتجهات؛ وقد يأخذ ذلك وقتاً يتراوح بين عدة أشهر في مثال الشرب المفرط إلى بضع ثوانٍ في مثال زر كم القميص، إما أن يقوم الـمُنفذ بالتحويل إلـى “المربي” ليقوم بتكميل “الطفل” الخاصة بالمستجيب (التي تم تفعيلها فجأة)، أو يقوم المستجيب بالتحويل إلى “الراشد” ليقوم بتكميل “الراشد” الخاصة بالمنفذ. إذا تمردت الخادمة أثناء نقاش حول غسي الصحون، هنا ينتهي الحوار: “راشد” ← “راشد”، وقد ينتج فقط إما حوار: “طفل” ← “مربي”، أو نقاش حول موضوع “راشد” ← “راشد” مختلف ألا وهو الاستمرار في توظيف الخادمة.
يوضح الشكل 3(ب) عكس التفاعل المتقاطع نوع 1، وهو ما يعرفه المعالجين النفسيين بــ “تفاعل تحويلي مضاد”، حيث يقوم المريض بملاحظة موضوعية “راشدية”، ويقوم المعالج بالتقاطع الاتجاهي بالاستجابة كمربي يخاطب طفلاً. هذا هو النوع الثاني من التفاعلات المتقاطعة. في الحياة اليومية العادية: ” ألا تعرف أين اختفى زر كم قميصي؟” قد يليها: “ولم لا تكن أكثر حذراً في وضع أشيائك؟ أنت لم تعد طفلاً!”
يوضح الشكل 4 “خريطة العلاقات” الاحتمالات التسعة لمتجهات النشاط الاجتماعي بين مُـنفذ ومُستجيب، وتظهر فيه معالم هندسية (طوبولوجية) مثيرة للاهتمام، فالتفاعلات التكوينية بين “المتساويات السيكولوجية” تتمثل في (1-1)2 و (5-5)2 و (9-9)2 كما أن هناك ثلاثة تفاعلات
تكميلية أخرى (2-4) (4-2) و (3-7) (7-3) و (6-8) (8-6). كل العلاقات الأخرى هي تفاعلات متقاطعة، وفي معظم الحالات تظهر كتقاطعات في الخريطة؛ مثل: (3-7) (7-3)، والتي ينتج عنها شخصين صامتين يواجهان بعضهما، وإذا لم يتخذ أحدهما أي إجراء، يصل الحوار إلى نهاية ولا بد أن يفترقا. أكثر الحلول شيوعاً هو أن يستلم أحدهما ويتخذ (7-3) والتي تُنشئ لعبة “الاهتياج” أو الأفضل من ذلك أن يتخذ (5-5)2 وفي تلك الحالة ينفجرون ضحكاً ويتصافحان.
أكثر ما تحدث التفاعلات التكميلية البسيطة يكون في العمل الظاهري والصداقات الاجتماعية، ويسهل إفسادها بتفاعلات متقاطعة بسيطة. في الحقيقة؛ إن علاقة ظاهرية سطحية يمكن تعريفها بأنها تلك التي تنحصر في تفاعلات تكميلية بسيطة. مثل هذه العلاقات تحدث في الأنشطة والطقوس والتسالي. أما العلاقات المضمرة (الباطنة) فهي أكثر تعقيداً، وهي تلك التي تتضمن استخدام أكثر من حالة ذات في الوقت نفسه، وهذا النوع هو أساس الألعاب. يبرع البائعون خاصة في “التفاعلات الزاوية”، وها هو مثال جاف ولكن درامي يوضح هذه اللعبة (البيع):
البائع: “هذه السلعة أفضل ولكنكِ لن تتحملي ثمنها”
سيدة: “سآخذ هذه السلعة!”
يتضح تحليل هذا التفاعل في الشكل 5(أ)، يقوم البائع كــ “راشد” بإقرار حقيقتين: “هذه السلعة أفضل” و “لن تتحملي ثمنها”. على المستوى الظاهري أو “الاجتماعي” فهاتان الحقيقتان موجهتان للــ “راشد” بداخل السيدة، وهنا تكون استجابتها كــ “راشد” هي: “معك حق في كلا الأمرين”. ولكن؛ المتجه الباطن أو “السيكولوجي” يتجه من “الراشد” البارعة والمدربة بداخل البائع إلى “الطفل” لدى السيدة. الدليل على صحة ذلك الاستنتاج هو رد “الطفل” بداخل السيدة، والذي يوحي بــ “بغض النظر عن العواقب المالية، سوف أري هذا المغرور أني لست أقل من أيٍ من زبائنه!” على كلا المستويين فالتفاعل يكون تكميلياً، حيث ينتج عن ردها تصرف “راشدي” ظاهري وهو توقيع عقد الشراء.
يضم التفاعل المضمر المزدوج أربعة حالات ذات، ويكثر رؤيته في ألعاب المغازلة:
راعي البقر: “تعال لترى الحظيرة”
الزائرة: “لطالما أحببت الحظائر منذ كنت طفلة صغيرة!”
كما يتضح في الشكل 5(ب)، فعلى المستوى الاجتماعي هو مجرد حوار “راشدي” عن الحظائر، ولكن على المستوى السيكولوجي هو حوار “طفلي” حول المغازلة الجنسية. ظاهريا تكون “الراشد” هي البادئة دائماً ولكن في معظم الألعاب تكون “الطفل” هي من تحدد الناتج، وتكون المفاجأة للمشاركين.
يمكن إذاً تصنيف التفاعلات إلى تكميلية أو متقاطعة، بسيطة أو مضمرة، ويمكن تصنيف الأخيرة إلى تفاعلات مضمرة زاوية أو مزدوجة.