الخميس, مايو 9, 2024
الفصام

الوقاية وتعزيز الصحة النفسية لدى أطفال المصابين باضطراب نفسي حاد

يفصل هذا الدليل حاجات الأطفال ونوعية الوالدية (الأبوة والأمومة) التي تلبي احتياجاتهم. إن الاضطرابات النفسية التي يعاني منها أحد الوالدين قد تلحق أذى بالجنين في فترة الحمل من خلال تفاعل الأدوية التي توصف للمريض أو من خلال سوء استخدام المواد..

إن الحمل والدور التالي للوضع يمكن أن يجهدا أو يتسببا بمرض نفسي لدى النساء اللواتي لديهن استعدادًا لذلك.
بعد الولادة قد يعاني الأطفال من غبن اجتماعي مرتبط بمرض نفسي حاد وقد يواجه الوالدان (بحسب الاضطراب وحدته واستدامته) صعوبات متفككة أو مطولة في أداء دورهم التربوي، وقد ينتج عن ذلك أحيانًا اضطراب نفسي لدى الأطفال أو إساءة للطفل.
يتناول هذا الدليل سبل منع هذه الآثار وتقليلها ومداواتها، وإن توصياتنا تشمل: تثقيف أطباء النفس ومهنيين آخرين حول آثار المرض النفسي لدى الوالدين على الطفل، ومراجعة تدريب الطبيب النفسي لزيادة الوعى لدى المرضى في دورهم كموفري رعاية، وإضافة أى تقييم مرتبط ومتداخل في العلاج لإعادة تأهيلهم، الاستخدام الأمثل للعلاجات الدوائية خلال الحمل، وخطط ما قبل الولادة حين تحمل المرأة التي تعاني مرضًا نفسيًا حادًا، تطوير خدمات متخصصة لرعاية النساء الحوامل واللواتي يعانين الذهان النفسي وتقييم فاعليتها، الدعم الاجتماعي للتنشئة من قبل أمهات وآباء يعانون اضطرابات نفسية حادة، معايير الممارسة السليمة لإدارة الإساءة إلى الطفل حين يعاني أحد الوالدين مرضًا نفسيًا، أهمية العمل الجماعي متعدد الاختصاصات عند مساعدة هذه الأسر ودعم أولادهم وضمان حماية الطفل، وتطوير خدمات رعاية الصحة النفسية للأطفال والمراهقين عالميًا.

أكدت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل أنه وبهدف أن يحقق الطفل نموًا كاملاً ومتناغمًا في شخصيته فهو بحاجة إلى أن يكبر في بيئة أسرية ومحيط من السعادة والحب والتفهم، على الدول التي تتخذ الاجراءات لحماية الطفل من كافة أنواع العنف الجسدي والنفسي أو الإساءة أو الاستغلال وهم في رعاية الوالدين أو أى شخص يعهد رعايتهم.
إن هذه الإتفاقية قد تم إعتمادها من الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر نوفمبر 1989 وقد حازت توقيع 192 دولة، وإن موضوع الصحة النفسية لدى الأطفال من والدين يعانيان مرضًا نفسيًا تكتسي أهمية كبرى ليس كنتيجة لهذه الإتفاقية التوجيهية الملزمة فحسب بل أيضًا لأن هدف الحقل الطبي هو منع المرض.. وتقتضي استراتيجية وقائية واعدة بالعمل على المجموعات عالية الأخطار للأطفال المعرضين مثل هؤلاء.
إن معظم هؤلاء الأطفال يولدون في دول متدنية الدخل تعاني من شح الموارد وفي بعض الحالات من المعرفة الأساسية في هذا المجال.

ثمة علاقة متناقضة بين الثروة ومعدلات الولادة: ففي الدول الأوروبية وشمال أمريكا وبلدان أخرى تتميز بأنظمة صحية متقدمة ومساهمات عملية متينة تبلغ نسبة الولادات في العام الواحد أقل من 10 مليون طفل..
وإننا معنيون لا في تحسين الممارسة الطبية في هذه الدول فحسب بل أيضًا وبالأخص بإيجاد حل للبلدان الفقيرة التي تبلغ فيها نسبة الولادات مجتمعة فيها جميعًا 125 مليون طفل سنويًا.. لذا نسعى للتوصية بأحدث الخدمات للدول التي تستطيع توفيرها وبالمداخلات المبتكرة في الدول الأقل ازدهارًا.

الوالدية وحاجات الطفل:

  • إن حاجات الطفل التي على الوالدية معالجتها يمكن ان تلخص الرعاية الأساسية (المأوى والغذاء والنظافة والملبس والرعاية الصحية).
  • الأمان (الحماية من المخاطر بما في ذلك الأشخاص غير المأمونين).
  • الدفء العاطفي لكى يتمكن الطفل من الشعور بأنه محبوب وآمن بلا شروط، وذلك يتضمن الإراحة والثناء والاعتبار والعاطفة والرعاية المحبة.
  • تشجيع التعليم.. يتطلب ذلك استجابة سريعة ومتلائمة للغة الطفل وأسئلته ولعبه ودعم تدريسه، وتعزيز الفرص الاجتماعية أمامه.. وتتم المساعدة من خلال فهم عالم الطفل ومزاجه ونقاط قوته وضعفه وقد يتطلب مهارات خاصة مثلا عند الإعاقة.
  • التوجيه ووضع حدود ثابتة للسلوك المقبول ثقافيًا، الهادف إلى تسليح الطفل باعتبار الآخرين والانضباط والقيم الأخلاقية الضمنية.. ويتحقق ذلك من خلال الإشراف والمراقبة (حماية الطفل من حذو مثال ضعيف) والتدريب والمكافأة على السلوك الجيد.. ويتم نبذ السلوك غير المقبول بطريقة ثابتة من خلال توفير مثال في التحكم بحالة الغضب وحل النزاع.

قاعدة أسرية ثابتة للإلتزام مع العالم الخارجي:

على الرغم من أن التغيرات كثيرة تبرز حاجات على مراحل مختلفة من الولادة وفي مرحلة المراهقة، وتبدأ من التعلق بموفر الرعاية الأولية خلال السنة الأولى من حياة الطفل.. ومن خلال الشعور بالأمان الذي يتوفر يحقق الطفل تدريجيًا استقلالية متزايدة ويبدأ بتطوير حس الذات والاعتراف بحالاته العاطفية وتنظيمها، واكتشاف حدود قوته الشخصية وهويته.
خلال سنوات ما قبل المدرسة تظهر مهمة أساسية وهى الاندماج مع مجموعة من الأقران، ومع نهاية السنوات العشر الأولى  يبدأ الطفل بتأسيس تفضيلاته الشخصية وتحمل المسئولية وتطوير حس التمييز بين الصح والخطأ، وتتسم فترة المراهقة بالنمو النفسي الجنسي والتدرج نحو البلوغ.
إن مصطلح “الوالدية” يشمل نشاطات البالغ التي تلبي هذه الحاجات وترعى النمو الناجح للطفل إلى مرحلة البلوغ، وتكون “الرعاية” مفضلة أحيانًا لضم والدين بالتبني وآخرين كالجدين الذين يلعبان دورًا هامًا في الاهتمام بالطفل.
قد يشوب الوالدية اضطرابًا نتيجة عوامل متعددة غير المرض النفسي ومنها الفقر أو أحداث ضارة أو عنف منزلي أو انقطاع ما.. قد يكون الحى عنيفًا أو محرومًا.. وبالمقابل قد يكون مؤمنًا بشبكات تعاون بين أفراده.. كما ثمة تأثيرات ثقافية ودينية كموقف العائلة من الخصوصية والتعاون والمسئولية الاجتماعية والسلطة والعنصرية.. كما يشكل العنف والحرب والاضطهاد على المستوى الوطني الظروف الأقل تفضيلاً في توفير الرعاية.

عوامل الخطر خلال الحمل

العلاج والأدوية الإتقائية في الاضطرابات النفسية لدى المرأة الحامل:

يتم وصف أدوية وقائية أو علاجية إلى معظم مرضى الذهان المزمن والكثيرين من مرضى الأمراض النفسية المعاودة، وتحمل الكثير من النساء خلال تعاطيها. على الرغم من أنه ينصح عادة بتفادي الأدوية خلال الحمل فإن مخاطر التوقف عن الدواء على الجنين عادة ما تكون أكبر من الاستمرار في تعاطيه..

بالعادة لا يمكن التعرف على وضع الحمل قبل 30 إلى 40 يومًا من وقوعه.. ويتعرض جنين الأم التي تتعاطى دواءًا منتظمًا لمخاطر تشوهات جنينية وفي معظم حالات الأدوية الذهانية يكون مستوى الخطر مصدر خلاف وبسيطًا إلا أنه يمكن لفالبروات الصوديوم (كما يمكن لكاربامازيبين) أن يسبب اعتلالاً في الأنبوب العصبي وإعاقة تعليمية، ويخفض الخطر لكنه لا يزول من خلال حمض الفوليك.. وقد يؤدي العلاج بالصدمة الكهربائية إلى المخاض المبكر ويمكن منع ذلك من خلال مضادات الاختلاج العضلي.. وإن التسمم لدى الوليد و/ أو الإدمان قد تم تسجيله عند تعرض بعض الأطفال إلى الليثيوم ومضادات الذهان ومضادات الاكتئاب والبنزوديازيبين.. إلا أن مخاطر الرضاعة قد تم تضخيمها.

سوء استخدام المواد:

نركز على الإيثانول (الكحول) والمخدرات والكوكايين والتي شكلت محور مواضيع البحث. ويواجه الأطفال المعرضون لها الكثير من العوامل الضارة: وجود اضطراب نفسي لدى الوالدين مثل (الاكتئاب والاضطرابات البارانويدية)، أو أن يكون الوالدين يتعاطيان مخدرات أخرى، يعانيان مشاكل اجتماعية متعددة وفقر، الكثير من بينهم لا يسعون للحصول على رعاية قبل الولادة.. وقد يتأثر الرضيع بسوء غذاء الوالدة كالتهاب الكبد أو الإيدز أو أمراض تناسلية..
إن نوعية الرعاية كما تأثيرات الدواء مؤشران قويان لما ستكون عليه النتيجة.
إن كل هذه المواد مرتبطة بخطر مرتفع لمدة حمل قصيرة ووزن منخفض للمولود الجديد، وبالإضافة إلى أن الحياة في الرحم قد تتوقف قبل أوانها قد يكون بعض المواليد الجدد صغارًا نسبة لمدة الحمل مما قد يترتب عنه خلل عصبي وتأخر في النطق واضطرابات عاطفية.
إن اختيار بعض النقاط البارزة كتعاطي الإيثانول (الكحول) بشكل مفرط قد يؤدي إلى تشوهات جنينية مما يرفع بدوره خطر الشواذ التطورية..
قد يحدث أيضًا أن يعاني الجنين صغر الرأس وأذى دائم بالدماغ، متلازمة الجنين الكحولي سببًا رئيسيًا في التأخر العقلي.. ونشير إلى مضاعفات أخرى هامة ناتجة عن إدمان المخدرات وهى متلازمة الامتناع والتي لا يمكن متابعة الميثادون أن تقي منها.. وإن انفصال المشيمة هو إحدى المضاعفات المحددة لتعاطي الكوكايين..
وقد خضعت الآثار الأفيونية وتأثير الكوكايين طويلة الأمد إلى دراسات كثيرة لكن لم يتم الوصول إلى إجماع حول النقص المعرفي أو المشاكل السلوكية حين تم اختبار الحرمان العاطفي.

تأثيرات أخرى مؤذية خلال الحمل

ثمة من يدعي أن القلق والاكتئاب أو الكرب ما دون السريري خلال الحمل يمكن أن يكون له آثار دائمة على الطفل.. وتشمل مضاعفات الحمل أو الولادة المبكرة أو وزن منخفض لدى الولادة أو تأخر في النمو داخل الرحم أو اضطراب الجنين أو المولود وتأخر في النمو، إلا أنه ما من إجماع على هذه الآثار ولعل الإدعاء الذي تتوفر له الأسس الداعمة هو أن القلق خلال الأشهر الثلاث الثانية في الحمل يؤثر على الصحة النفسية في منتصف عمر الطفل إلا أن هذه الأبحاث شابتها الكثير من العوامل المتداخلة.. ولا يمكن إلا لدراسات أترابية مصممة بطريقة صارمة أن تدعم هذه الافتراضات.
من ناحية أخرى يحمل العنف المنزلي خلال الحمل مخاطر تكمن في أذية الجنين أو موته كما يمكنه أن يؤثر بشدة على موقف الأم ونفسيتها.
إن الكثير من حالات الحمل لا تكون مخططًا لها وقد يكون معظمها في غير أوانه أو يكون غير مقبول بالكامل وتبقى أقلية من تلك الحالات غير مرغوب بها كليًا، مع ذلك فإن بعض حالات الحمل هذه تستكمل حتى الولادة.
إن الحمل غير المرغوب فيه به مشكلة كبرى في الكثير من البلدان متدنية الدخل وهو مرتبط بمخاطر مرتفعة لنكران الحمل، والإساءة للجنين، قتل الوليد، الاكتئاب، اضطرابات في علاقة الأم بالطفل، واضطرابات عاطفية لدى الأطفال وتشكل الدراسات الأترابية للحمل غير المرغوب به ونتائجه النفسية أولوية في البحث.

الاضطرابات الوالدية بسبب الاضطرابات النفسية

إن الوظائف المعقدة للتنشئة قد يشوبها اضطراب لدرجة أعلى أو أقل نتيجة لأى من أشكال الاضطرابات النفسية الأبوية.. وإن التشخيص ليس هو ما يشير إلى الخطر بل حدة المرض النفسي وكونه مزمنًا.
من المهم التشديد في الأبحاث التي تتناول الوالدية والتي تشير إلى ترابطات عالية إحصائيًا في العينات الواسعة.
ثمة الكثير من المتغيرات في الأمراض النفسية (حدتها ومدتها) كما في شخصية كل مريض وقدرته على التكيف وظروفه الاجتماعية، ونجد أن الكثير من الوالدين الذين يعانون اضطرابات اكتئاب أو قلق أو اضطرابات غذائية حادة حتى أولئك الذين يعانون الذهان هم موفرو رعاية ممتازين.

إن الاضطرابات المختلفة لها أثرها من خلال مسارات مشتركة:

  • المشاغل الأبوية: أكانت على شكل قلق أو اجترار وسواسي أو غاضب أو ضلالات، يمكنها أن تصيب المثابرة الأبوية والاستعداد للاستجابة لحاجات الطفل باعتلال، لذا يظهر الأثر من خلال اضطرابات القلق والوسواس والشكوى، بالإضافة إلى الذهان والاضطرابات النفسية غير المستقرة. إن عدم الانتباه سببه أيضًا الانخراط في نشاطات مرضية تستهلك الوقت كالعادات القهرية أو الإفراط أو سوء استخدام المواد.. وسينتج ذلك عن اضطرابات تؤثر على حقل الانتباه ذاته كالاكتئاب، إذا حصل هذا الامتناع عن الانتباه بشكل متكرر وامتد لفترة طويلة فستفشل مهمة تحديد الحدود وتفتقر البيئة المحيطة بالطفل كما لن تتم عملية تحفيز نموه الفكري.
  • العجز العاطفي: وتختلف مستويات حدة العجز من تفادي الطفل نتيجة رهاب مصدره هذا الأخير أو وسواس من قتل الطفل وحتى الامتناع الحاد الذي يظهر في الاكتئاب أو الذهان الحاد.
  • الغضب: ويشيع الغضب في الاكتئاب والذهان الحاد والهوس والتسمم والانسحاب من المخدرات أو الكحول، وقد يجد النزق (حدة الطبع) متنفسًا بالطفل، الذين يكونون متوفرين أكثر من الزوج أو أقرباء آخرين.. ويتجلى الاضطراب الحاد في علاقة الأم وطفلها على شكل غضب مرضي، وقد يكون الطفل هدفًا لعنف أبوي في الاضطرابات الضلالية (مثلاً عند شك الأب في سلوك زوجته وأن الطفل ليس طفله).. ويبرز النزق المتفجر كمشكلة لدى بعض الأشخاص الذين يعانون اضطرابات في الشخصية.
  • السلوك المضطرب: قد يتعرض الطفل للاندفاعية أو تغيرات حادة في المزاج أو ألفاظ غريبة تسببها الضلالات، وقد تؤدي الاستجابة العاطفية غير الطبيعية إلى إحداث اضطراب في التفاعل.. وهذا أمر يثير الحيرة كما الخوف في بعض الحالات.. إن التغيير من العلاج المؤسساتي إلى المجتمعي في بعض البلدان يعني أن المزيد من الأطفال يعانون سلوكًا ذهانيًا متقاربًا.

كما تتأثر الوالدية بطريقة غير مباشرة بعوامل أخرى:

  • الحرمان: عادة ما يرتبط المرض النفسي بشدة اجتماعية قد تساهم في ظهوره أو ينتج عن مرض أو إعاقة أو عدم تكافؤ اجتماعي.. فمثلاً قد يتحتم على الأم المصابة بذهان مزمن (والتي تظهر عدد حالات حمل وولادات مشابهة بأمهات خريات) مرات أكثر التعامل مع الأمومة الوحيدة والخلاف الزوجي والعنف المنزلي والفقر والتشرد.. وهن أكثر عرضة للتمييز والاستغلال.. بينما تتعرض الكثيرات بينهن للاغتصاب ويواجهن نتائج كالإجهاض أو الأمراض المتناقلة جنسيًا.. يعانين حالات حمل غير مرغوب فيه أكثر ويختبرن الانعزال الاجتماعي أكثر، في حين يواجهن نقصًا في المساعدة في تنشئة الطفل.. كما أن المزيد بينهم يكون شريكهن مصابًا باضطراب نفسي.. وقد يكون الأطفال أكثر عرضة للخطر الجيني وأن يظهر لديهم مشاكل سلوك صعبة.. إن هذه العوامل المرتبطة حين تتخذ منفردة أو مجتمعة (من دون إضافة الذهان لدى الأم) ترفع خطر الاضطرابات النفسية لدى الطفل..
  • الانفصال: قد تنقطع علاقة الأبوية بالطفل فجأة عند الدخول إلى المستشفى وحتى مع العلاج الأمثل يُفقد الاتصال بالطفل لفترة وجيزة أو طويلة، وقد يؤثر ذلك على التعلق. قد يصاب الطفل بصدمة لدى رؤية أبوين يبعدان عنه أو يعيشان في المستشفى.. وقد يتم نقل الطفل أحيانًا إلى أقرباء أو رعاية بالتبني (وهو ما لا يوجد في مجتمعنا) ويلقى تنشئة مختلفة، وفي الحالات التي لا تتوفر فيها الرعاية الأسرية البديلة من الدولة أو الدعم من أقرباء تكون التنشئة غير مناسبة بالإضافة إلى ذلك فإن المرأة المصابة بمرض نفسي تخشى الإبعاد القهري لأطفالها، وفي معظم الحالات هذا يحدث إما لزوج منفصل أو أقرباء آخرين أو الرعاية الأسرية البديلة أو التبني، ويشكل ذلك مصدر حزن مطول.. إن خوف فقدان الحضانة أو الوصول إلى الطفل يطغى على التفاعل مع خدمات الصحة النفسية والاجتماعية.. وقد تفشل المرأة في طلب المساعدة أو الكشف عن أنها أم جراء هذا الخوف.
  • الوصمة: في حالات المرض عند الوالدية قد يتعرض الطفل للمضايقات والتنمر والنبذ كما يعاني الأبوين من وصمة وقد يؤدي ذلك إلى انعزال اجتماعي يرفع الشدائد في خلفية نمو الطفل.

تأثير بعض الاضطرابات النفسية المحددة على الوالدية

الذهان:

عادة ما تكون الرعاية غير منتظمة ومتفككة كما تصحبها نوعية متواضعة من المراعاة والاكتناف في حالات الوالدية التي تعاني ذهانًا مزمنًا. وإن معاناة أحد الأبوين من ذهانًا معاودًا وحادًا (بما في ذلك نوبات ما بعد الوضع) فإن العلاقة الأبوية تعود إلى طبيعتها بعد الشفاء إلا في حال كانت النوبات معاودة ومطولة.

الاكتئاب:

يعد الاكتئاب الاضطراب النفسي الأكثر شيوعًا لا سيما لدى النساء في سن الإنجاب. وتطرح الكثير من المخاوف حول أثره على الأمومة وإن الكثير من الدراسات تناولت آثار الاكتئاب على التفاعل بين الأم والطفل ونمو الطفل من خلال استخدام وسائل بحث متنوعة، وقد يؤثر مزاج الطفل وسلوكه أيضًا في مزاج الأم مما يؤدي إلى حلقة مفرغة.. بالرغم من ذلك فإن الآثار الضارة ليست عالمية.. قد تجد بعض الأمهات المكتئبات دعمًا من خلال التفاعل مع أولادهن.
تشمل آثار الاكتئاب على الوالدية:

  • توصل الوالدية التي تعاني اكتئابيًا شعورًا بالحزن والتشاؤم فينقصها الضحك والفرح وعادة ما تبين انزعاجًا.. قد تظهر رعاية واستجابة أقل.. وهذه التأثيرات المؤذية لها الأثر الأكبر على الطفولة حين يكون الاتصال قريبًا ومتواصلاً.
  • الاكتئاب الاستعطالي يخفض الجهود التي قد يقوم بها الأبوين، قد يحدث خفض في كم ونوعية التفاعل وتنوعه.. ويصبح التفكير وحده غير فعال، وإلى جانب الأطفال والمشاغل المرضية فهو يخفض الانتباه والتدبير والتحكم.
  • الاكتئاب (أو اضطرابات العلاقات المرتبطة) قد يكون على علاقة بالتأخر في النطق وبسبب طبيعتها الطاغية ترتبط أيضًا بخلل تعليمي.
  • وتطرأ أيضًا بعض الآثار على الصحة الجسدية والنمو كما يظهر في بعض الحالات في البرازيل والهند وأثيوبيا وفيتنام وباكستان والبيرو حيث يرتبط الاكتئاب الأبوي بوزن خفيف للمولود أو سوء غذاء.

اضطربات علاقة الأم بالرضيع (التعلق)

إن نمو علاقة الأم بالطفل حاجة أساسية في العملية النفسية في الدور التالي للوضع، إنها هذه العلاقة التي تنمو تدريجيًا خلال الأسابيع الأولى القليلة من الولادة هى التي تمكن الأم من التضحية والبقاء يقظة وتحمل مشقات رعاية الطفل، وثمة مرض في هذه العملية قد يطرأ حتى قبل الولادة.. ففي حالات الحمل المرفوض قد ينظر إلى الجنين على أنه دخيل مما يؤدي للإساءة إلى الجنين في بعض الحالات، وبعد الولادة قد يطرأ شعور بخيبة الأمل أو بغياب المشاعر تجاه الطفل (وهو أمر شائع في الفترات الأولى) وقد يتحول هذا الشعور في قلة قليلة من الحالات إلى النفور والكراهية والرفض.
إن العدوانية التي تظهرها الأم تحرم الطفل من الحاجة الأساسية إلى العلاقات المحبة ويلحق ضررًا حادًا بقدرة التفاعل ويؤدي إلى الإساءة العاطفية، وفي هذه الحالات تستفز مطالبات الطفل ردًا عنيفًا يؤدي في حالات عدم القدرة على ضبط النفس إلى إساءة كلامية ومعاملة قاسية وهنا يكون الأطفال عرضة لخطر عالٍ من سوء المعاملة.

اضطرابات القلق

يمكن لاضطرابات القلق أن تؤثر على الوالدية، وفي بعض الأحيان قد يؤدي التدخل والتحكم المفرط والتهويل (التوقع بنتائج مهولة لنشاطات عادية) والحماية المفرطة عند اقترانها بنقص الدفء والاستجابة إلى حرمان الطفل من فرص استكشاف العالم المحيط به والتفاعل معه. وقد تؤدي هذه الحالة إلى قلق من الانفصال ورفض المدرسة وقيود في التعامل الاجتماعي.

اضطرابات الطعام

في حال تمتنع الأم عن تناول الطعام بشكل حاد قد يعاني الجنين خللاً في الغذاء والنمو. وإن الحالات القهمية أو النهامية لدى بعض الأمهات قد تؤدي إلى تضارب في وقت الطعام وجوع مزمن ونمو غير متكامل.

عجز التعلم

أصبح والدية الأمهات اللواتي يعانين عجزًا في التعلم أكثر أهمية لاسيما وأنهن ينقلن من المؤسسات إلى المجتمع، وهن عادة منعزلات اجتماعيًا ويعانين مشاكل أخرى كثيرة.. وقد يعاني أطفالهن خطر الإساءة والإهمال إلا أن المعلومات عن تنشئة تلك النساء غير وافية.

الأذى الذي يتعرض له الأطفال الذي قد ينتج عن اضطرابات نفسية والدية

الانزعاج النفسي للطفل والاضطراب النفسي:

يتعرض أطفال الأشخاص المصابين باضطراب نفسي حاد إلى خطر عال للانزعاج النفسي، ليس فقط جراء المشاكل التي ترافق الأولاد بل أيضًا لما قد يتشاركون مع الأبوين من استعداد جيني مسبق، والتعرض لشريحة من العوامل الخلفية المرتبطة بالمرض النفسي الذي يظهر لدى الأبوين.. وتشمل مضاعفات سابقة للولادة وحرمان أو نقص في الدعم الاجتماعي والنزاع الزوجي وحياة أسرية فوضوية.. وإنهم أكثر عرضة للاستغلال.. وهناك أيضًا الأثر المتبادل لسلوك الطفل المتحدي مستفزًا عنفًا أبويًا. من ناحية أخرى قد تتدخل العوامل الحامية كمرونة الطفل أو التأثير المفيد لشريك سليم أو فرد آخر من العائلة.
ويمكن تحديد الصحة النفسية والكفاءة الاجتماعية للطفل بقدرة أفضل من خلال مخاطر متعددة مرتبطة وبقدرة أقل من خلال متغيرات المرض وأقل بُعدًا من خلال التشخيص الفئوي، ويسود الاعتقاد بأن العلاقة الأبوية بالطفل التي تنقصها الرعاية والتي تتسم بالانضباط القاسي وسوء المعاملة بشكل خاص هى عوامل هامة تؤدي إلى نتائج معرفية وسلوكية وعاطفية سيئة.. ويتيح التركيز على التنشئة فرصًا ممتازة للتدخل.
قد تكون بعض أشكال الانزعاج المبكر لدى الطفل متصلة بشكل خاص بالتنشئة وتشمل حالات الخوف الذي ينتج عن الإساءة الحادة.
ويعاني هؤلاء الأولاد من وصمة سلوكية: خمول يصل إلى حد الذهول، والبكاء في حالات النزاع فقط، نقص في التعبير والكلام، ووعى إبصاري مفرط “الترقب التجمدي”.
ويشكل الكرب عند أطفال الأمهات المكتئبات أحد المظاهر المبكرة في هذا المجال، ويلعب الطفل دورًا في تطوير علاقة مع من يوفر له الرعاية ويساهم في التواصل من خلال التأمل والابتسام والضحك والمناغاة.. ويشعر الطفل بالضيق في حال فشلت محاولاته هذه.
في نهاية العام الأول من عمر الطفل قد يتم التعرف على اضطرابات في التعلق، وإن التعلق الآمن قد يعني قدرة تحمل لتشكيل العلاقات ويتوقع شعبية وقبولاً لدى الأقران مما سيعزز بدوره أشكال أخرى من الكفاءة الاجتماعية.. إن التعلق غير المنظم قد لا يكون متصلاً بالاهمال والتنشئة المسيئة.. ويعد اضطراب الارتباط التفاعلي للرضع وصغار السن اضطرابًا سريريًا يظهر خلال السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل تطغى عليها شواذ مستمرة في العلاقات مع الأقران والعلاقات الأخرى.. وثمة متغيرة غير مثبطة تترافق مع روح اجتماعية غير تمييزية مرتبطة بالتربية المؤسسية.
في مراحل لاحقة من الطفولة قد تظهر تناذرات “تجسيد” (اضطراب فرط الحركة، اضطراب سلوك المعارض/المتحدي) وفي حين تبقى المزاعم التي تشير إلى علاقة التنشئة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD) موضوع خلاف، إلا أن الطفل المتعرض لسوء استخدام المواد أو يعاني من سوء المعاملة قد يواجه خطرًا مرتفعًا.
إن الاضطرابات السلوكية وعدم الطاعة في خلال السنوات العشرة الأولى من عمر الطفل تتحول إلى جنوح في المراهقة وسمات معادية للمجتمع ومهينة، وعلى الرغم من وجود الكثير من العوامل المسببة للمرض والمتنافسة (ومنها الوراثية) وجدت الكثير من الأبحاث علاقة بين هذه الاضطرابات والتنشئة.
إن الأسلوب الأوضح في التنشة الصارمة والجو العدواني والانتقادي يؤدي إلى حلقة مفرغة من سوء السلوك والعقاب، في هذه الحالة يكون عنف الطفل مكتسبًا من الأبوين ويصبح جزءًا من شبكة عوامل الخطر التي تؤدي إلى المزيد من الضعف الاجتماعي فيسبب ردود الفعل السلبية والتأخر التحصيلي ومشاكل في العلاقات الاجتماعية والوالدية المستقبلية واضطرابات المزاج وسوء استخدام المواد كما الجريمة.
قد تظهر أيضًا متلازمات “داخلية الأعراض” واكتئاب وقلق.. ويمكن تحديد متلازمة اكتئابية في مراحل لاحقة من الطفولة.. وثمة الكثير من البراهين التي تدعم وجود اكتئاب متزايد وانتحار تظاهري (أى يتظاهر الطفل أو المراهق بأنه ينتحر جلبًا للانتباه أو طلبًا للاهتمام) لدى المراهق بين أولاد والدية تعاني أمراض نفسية.
إن الاكتئاب لدى الوالدين يتسبب بمساوئ متعددة لدى الطفل وتشمل مشاكل في تقديره الذاتي وعلاقاته بأقرانه، غير أن هذه قد تكون متعلقة “بعوامل أخطار أسرية” كالخلاف الزوجي والخلاف بين الأبوين والطفل.. بالإضافة إلى أو بدلاً عن اكتئاب الأم بذاته.
وتركز الكثير من المنشورات على تأثير القلق الأبوي على تطور القلق المرضي لدى الأطفال حيث يظهر انتقال القلق من جيل لآخر بجزء منه وراثيًا وبجزء آخر من خلال التمثل والحماية المفرطة.
في خلال سنوات المراهقة ينتشر سوء استخدام المواد لدى المراهقين المعرضين وبشكل أكبر بين أطفال المدمنين.. وتفسر العوامل الوراثية جزئيًا هذه العلاقة إلا أن دراسات طولانية أظهرت أو الوالدية أيضًا عاملاً مهمًا، من خلال محاولة فرض الانضباط غير الفعالة والنقص في الإشراف والمراقبة ومستوى الدعم المنخفض والنزاع بين الطفل والأبوين والتعلم من خلال المثل.

سوء معاملة الطفل

الإساءة الجسدية للطفل:

يمكن ربط الإساءة الجسدية بشكل خاص مع الشخصية العدوانية لكن أيضًا مع الذهان والإدمان على الكحول والاكتئاب.

إهمال الطفل:

يتم تعريف إهمال الطفل بالفشل الدائم لتلبية حاجاته الأساسية وحقوقه الأولى، ويؤدي ذلك إلى إعتلال خطير في صحة الطفل أو نموه.. وقد يؤدي إلى اكتئاب حاد معقد وذهان وسوء استخدام المواد.
إن الإهمال ظاهرة غير متجانسة تتباين مظاهرها وتشمل الفشل في منع المعاناة، أو طلب الرعاية الطبية أو النفسية، أو نقص  في الملبس أو الإشراف أو ترك الطفل مع حاضن غير مأمون، أو النكران المتعمد لفرص التعليم أو الفرص الاجتماعية للطفل.
من المهم التمييز بين النتائج غير الممكن تفاديها للفقر: فالأطفال في العائلات الفقيرة المؤلفة من أحد الأبوين والتي تعاني مشاكل اجتماعية كثيرة قد يعانون الإهمال بالرغم من الجهود الأبوية القصوى.. وينطبق ذلك على الغذاء: “فالقصور في النمو” يجب ألا يعزى إلى الإهمال من دون وجود دليل حسي لذلك.. مع ذلك فقد أظهرت بعض الأمثلة في حالات قصوى كالإهمال الشامل والموت من التجويع المتعمد ومتلازمة “قزامة الحرمان” تظهر أن سوء الغذاء يمكن أن يكون أيضًا جزءًا من الإهمال.

الإهمال والإساءة العاطفية:

يشكل سوء المعاملة العاطفية مظهرًا من مظاهر الاضطرابات الحادة في علاقة الوالد والطفل.. ويعني “الإهمال العاطفي” أن تكون الأم بعيدة عاطفيًا وغير مستجيبة لحاجة الطفل إلى الراحة والمساعدة.
وتشمل “الإساءة العاطفية” التقليل المستمر للقيمة والإذلال والعدوانية والتعليقات الإنتقادية والساخرة توصل للطفل أن لا قيمة له وأنه غير محبوب وإلقاء بالمسئولية عليه أو عزله أو تجاهله أو استغلاله أو “إرهابه” كالتهديد بالانتحار أو التخلي.
إن التعرض للعنف المنزلي يمكن وضعه أيضًا تحت هذه المظلة وقد يكون سوء المعاملة العاطفية عامل خطر محتمل لعدم تكيف لاحق وأشكال أخرى من الإساءة.

متلازمة مانشهاوزن بالوكالة:

يشمل هذا المصطلح موفري الرعاية الذين يحفزون المرض أو يدعون المرض لدى أطفالهم، وتشمل هذه المظاهر اختلاق الأعراض أو محاكاتها وتحفيز المرض بشكل متعمد من خلال الفعل كالتسميم مثلاً أو الخنق أو نقل عدوى إلى الرضيع.

موت الطفل:

عادة ما ينطوي تحت هذه الحالة قتل الوليد والقتل الوالدي للطفل الأكبر في السن. في حالة قتل الوليد عادة ما لا يكون هناك مرض نفسي مشخص، بل أزمة انفعالية يطغى عليها الذعر أو الغضب إلا أن أشكال متعددة من الاعتلال في الوعى يمكن أن تحصل خلال الولادة، ولا يمكن أبدًا استبعادها في الولادات الانفرادية.
إن حالات القتل الوالدي للطفل الأكبر في السن نادرة جدًا لكنها تشكل محور اهتمام عام واسع، ويتم عادة ربطها بالمرض النفسي خاصةً في حالات الاكتئاب الانتحاري، وأيضًا في الضلالات التي تشمل الطفل واضطرابات العلاقة بين الأم والرضيع وأحيانًا الذهان الحاد أو الهلاوس الآمرة أو الهذيان أو الحالات الانتقالية.. قد يخشى البعض أن يؤدي ذكر هذه العلاقة بالاضطراب النفسي إلى الزيادة من حدة الوصمة لكننا نرى أن الاستراتيجية الفضلى تقتضي الاعتراف بالخطر وإتخاذ الخطوات للحد منه.

تعزيز الصحة لدى الأطفال المعرضين

الممارسة السريرية في الطب النفسي لدى البالغين:

تصنيفات التشخيص:

ينبغي على المسئولين عن إصدار دليل ICD – 11  ودليل DSM – V  حين يصيغون الأنظمة المتعددة الأبعاد أن يضيفوا التشفير الإلزامي للعوامل البيئية الهامة. ويعد “بدء المرض النفسي المرتبط بالحمل” عاملاً محددًا.. وفي هذا المجال نقترح “البيئة الوالدية” (الرعاية الحالية للطفل أقل من 18 عامًا) عاملاً آخرًا.

التقييم السريري

ينص ميثاق الأمم المتحدة حول حقوق الطفل أن على الدول توفير الرعاية الصحية الوقائية للوالدين والإرشادات الضرورية في ممارسة الأبوة، وإن الممارسة الحالية في الطب النفسي للبالغين لا تستوفي هذه المتطلبات
ففي أغلب الأحيان لا تلحظ هذه الممارسة وضع الطفل أو حتى وجوده، لذا يجب على أطباء النفس أن يدركوا أن الكثير من المرضى هم أيضًا من الآباء، وأن أطفالهم معرضون لخطر متزايد للإصابة بمشاكل نفسية لذلك فإن على الأطباء السريريين تكييف التاريخ النفسي المعياري ليشمل أسئلة حول الوالدية والزواج والحياة العائلية إذ من الضروري أن نشمل هذه الأسئلة في برامج التدريب السائدة لأخصائي الصحة النفسية.
ونقترح طرح بعض الأسئلة التمهيدية مثل “هل تقوم برعاية طفل؟” ثم “كيف تتدبر مسئولياتك كوالد؟” أو “هل تساورك مخاوف حول الرعاية التي تقدمها لـ (اسم الطفل)؟” ويجدر بالمتخصص بالرعاية أن يقوم بتقييم موجز للتنشئة التي تقوم بها من بعهدتهم رعاية طفل كما يرد في الجدول رقم 1 قد يحتاج ذلك إلى بعض الوقت، ولكن هذه الآلية تمهد الطريق لتوفير الدعم الأسري والتدخلات عند اقتضائها.

أماكن الزيارة في المستشفيات:

خلال فترة التواجد العلاجي في المستشفى لابد من توفير أماكن تصلح لاستقبال الأطفال بعيدًا عن التفاعل مع مرضى آخرين.. وقد يحتاج الوالد المريض إلى مساعدة في شرح طبيعة مرضه للأطفال.

الإعداد للخروج من المستشفى وإعادة التأهيل:

لابد أن تشمل عملية الإعداد للخروج من المستشفى وإعادة التأهيل تثقيف الوالدين حول نمو الطفل وكيفية حل الصعوبات في تنشئة الطفل. بعد الخروج من المستشفى وإن أمكن من خلال التعاون مع الخدمات الاجتماعية يجب وضع خطة لتوفير دعم طويل الأمد للوالدين وهم في المجتمع. وقد يشمل ذلك فترة راحة للوالدين وفرص ترفيه للأطفال، ولابد من مراقبة وضع الأسرة من أجل استباق أى كارثة قد تفرض إبعاد على الطفل.. وفي هذا الإطار يشير ميثاق الأمم المتحدة إلى ضرورة وضع خطة أسرية، وتعتمد هذه النصيحة كإجراء روتيني في الممارسة السريرية حين يصب ذلك في صالح الأسرة.. هذا وستخضع جداول تقييم التنشئة الموجزة والبرامج العلاجية إلى مزيد من الأبحاث المستقبلية.. يظهر الجدول رقم (2) كيف تتم معالجة فشل التنشئة في مركز خدمة مزدحم بالهند.

تخطيط ما قبل الولادة:

حين تصبح امرأة تعاني مرضًا نفسيًا حادًا حاملاً يمسي التواصل بين أخصائيي الصحة النفسية وأخصائي التوليد والخدمات المقترنة الأخرى ضروريًا، وحين تسمح المسافة والموارد بذلك من المهم أن يعقد اجتماع متعدد الاختصاصات للتخطيط لما قبل الولادة بأقرب وقت ممكن، لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود.. وإن سرعة عقد الاجتماعات عنصر أساسي لأن الفترة الزمنية بين تشخيص الحمل (التي قد تكون متأخرة) والولادة (التي قد تكون مبكرة أو سابقة لأوانها) قد تكون قصيرة.
وينبغي أن يضم الاجتماع الطبيب العام وممثل عن فريق التوليد وأعضاء فريق الصحة النفسية والأم الحامل نفسها إذا أمكن الأمر.. كما من المفيد أن يحضر زوج المريضة أو والد الطفل وأحد أفراد العائلة الكبرى.

الجدول رقم (1) تقييم تنشئة موجز للمرضى المسئولين عن رعاية طفل

أ

دليل على أن احتياجات الأطفال يتم تلبيتها

ب

في وجود مشاكل محددة، محاولة استكشاف:

  • نوعية العلاقة.
  • العنف الأسري.
  • الانقطاع عن المدرسة.
  • مشاكل أخرى، كإهمال السلامة أو الصحة، أو الحماية المفرطة أو اضطلاع الطفل بالمسئولية الوالدية.
  • اضطرابات انفعالية أو سلوك مزعج لدى الأطفال.
  • مصادر الرعاية البديلة.

ج

مصادر الدعم المتوفرة – الوالد الثاني أو العائلة الكبرى أو المدرسة أو الجيران أو الجمعيات غير الحكومية أو خدمات الرعاية الصحية.

الجدول رقم (2) مثال على تقييم التنشئة والتدخلات في حالات المرض النفسي الحاد

عاشت أرملة تبلغ 35 عامًا من العمر مع ابنها البالغ 7 سنوات وابنتها البالغة 9 سنوات من العمر، وكان حموها المسن يقطن بالقرب من منزلها، على مدى سنتين لم تخرج إلا نادرًا من منزلها، حاجزة طفليها معها مهملة نظافتهما.. وكان طعامهما عبارة عن رقاقات البطاطا والمشروبات الغازية.. في النهاية حين بدأت بالصراخ بسبب تخيل المضطهدين لها، قام الجيران بمساعدة الحمو بإدخالها قسرًا إلى المستشفى.

عند تقييم التنشئة برزت الأمور التالية:

  • عانى الولدان من نقص في الفيتامينات.
  • عند إصابتهما بالمرض لم تستشر الوالدة الطبيب.
  • قاما بتفويت 6 أشهر من المدرسة ولم يكن لديهما رفاق لعب.
  • كانت الوالدة صاخبة وأفعالها غير متوقعة.
  • اتخذ الولد الأكبر سنًا دور الوالد وأخذ يقوم بالأعمال المنزلية.

الموارد المتوفرة:

  • الرابط بين الولدين والجد.
  • عائلة كبرى (كانت مبعدة جراء سلوك الأم).
  • جيران وأساتذة من المدرسة معنيون.

شكلت خدمة الطب النفسي (للبالغين) نقطة توفير كافة أشكال الرعاية، على الرغم من نقص الخدمة الاجتماعية شاملة فقد تم تعيين عامل اجتماعي للعمل مع الفريق.. ومن خلال مساعدة متدرب مقيم قامت بالتخطيط لرعاية عائلتها.

العمل:

تم إعطاء الجد توجيهات ومساعدات في رعاية الطفلين وقد وافق على التأكد من الحضور إلى المدرسة.. وحين تم شرح وضع الوالدة إلى أفراد عائلتها أصبحوا أقل انتقادًا ووافقوا على زيارتها بشكل منتظم كما استمر الجيران بدعم الجد.
وقام أستاذ في المدرسة بالإشراف على حضور الولدين وعلى رعايتهما.
وزار الطفلان والدتهما التي تم تثقيفها بأساسيات التنشئة.
بما أن الولدان تعرضا لخطر العبء الوراثي والإهمال والتنشئة الانفرادية وطفولة غير مستقرة تمت إحالتهما إلى رعاية نفسية خاصة بالأطفال للتقييم والتدخل.
وتبرز الكثير من المواضيع التي يجب معالجتها: العلاج الدوائي ورعاية ما قبل الولادة والعلامات المبكرة للانتكاس وإدارة مرحلة النفاس ورعاية الرضيع.. ومن المهم لا بل من الضروري أن يتم إعلام فريق الصحة النفسية سرعان ما تدخل الأم غرفة الولادة.. فالأم سوف تحتاج إلى مساندة إضافية في تربية الطفل، وقد يتطلب ذلك مشاركة فريق حماية الطفل، ومن الأمور التي يمكن أيضًا القيام بها إحالتها إلى خدمة طبية نفسية مخصصة للحوامل والنساء في مرحلة النفاس.
ويمكن أيضًا التوصية بوضع خطة مشابهة لمرحلة ما قبل الحمل عندما ينوي رجل أو امرأة من المصابين بمرض نفسي تكوين أسرة.

الخدمات المتخصصة

الطب النفسي وعلاقة الأم بالرضيع:

ينص ميثاق الأمم المتحدة بأنه على الدول أن تضمن الرعاية الصحية المناسبة لما قبل وبعد الولادة، وإن خدمات رعاية الأم والرضيع (الفترة المحيطة بالولادة) بصفتها فرع من الطب النفسي للأطفال أو تخصص فرعي للطب النفسي للبالغين، فقد شهدت نموًا في بعض البلدان ذات الدخل المرتفع.. كما لحظت كل من الهند وسريلانكا النمو ذاته حيث تقديم الخدمات لشريحة واسعة من السكان فتعالج الأمراض الحادة والمستعصية وتدريب الفريق العامل، وتطوير الخدمات وإجراء البحوث.. قد تشمل هذه الخدمات عيادات خارجية للمرضى ومستشفيات نهارية وإقامة داخل المستشفيات والخدمة المجتمعية، الطب الوصلي النفسي مع أخصائيي طب الولادة والروابط مع خدمات أخرى والجمعيات التطوعية والخبرة الطبية – القانونية.
ولا يغيب عن الذكر أن نقطة الارتكاز في هذه الخدمة هو فريق الأخصائيين متعددي التخصصات الذي يقدم الرعاية للأم المريضة نفسيًا ولطفلها، وهو مورد أساسي في توفير الخدمات بغض النظر عن الخلفية الثقافية أو الموارد الأخرى المتاحة، وتبرز هنا حاجة لوضع دراسة تعني بمردودية هذه الخدمات “الحديثة” عالية الكلفة.
يعتبر تقييم العلاقات المضطربة بين الأم والرضيع أحد المهارات التي تمارسها هذه الفرق المتخصصة، ومن الضروري أن يتم استكشاف هذه العلاقة في كل الأمهات المنجبات حديثًا اللواتي يعانين أعراضًا محددة.. مع الأخذ بعين الاعتبار الشعور بالعار أو الخوف من الكشف عن أى مشكلة ويؤدي إلى تدخل هيئات حماية الطفل، فتحاول بذلك الأمهات إخفاء أى صعوبة أو مشكلة.. وفي هذا السياق لابد من استخدام عبارات لبقة عند محاولة التقصي: “هل سبق أن شعرت بالإحباط حيال مشاعرك تجاه (اسم الطفل)؟” أو “كم احتجت من الوقت للشعور بالتقرب من طفلك؟” في حال تبين أى إشارة لمشاعر سلبية تجاه الطفل، يتم استكشافها أكثر كما أى مظاهر عن غضب: “ما هو أسوأ شئ شعرت باندفاع لفعله؟” و “هل سبق أن فقدت التحكم؟” و “ما هو أسوأ الأمور التي قمت بها لطفلك؟”.
ويعد التدخل في حالات الأمهات اللواتي يبلغ مستوى كراهيتهن ونفورهن القدر الكافي لتهديد صحة وأمان الرضيع أمرًا ضروريًا.. وإن المعالجة البارعة غالبًا ما تحقق علاقة طبيعية بين الأم ورضيعها.

رعاية النساء الحوامل في حالات سوء استخدام المواد (الإدمان):

على جميع أفراد المجتمع أن يدركوا أن الإدمان على الكحول والمخدرات يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة لا سيما خلال فترة الحمل، ويأتي دور الأطباء الممارسين والقابلات في تقديم المشورة للنساء اللواتي يخططن للحمل، أو بالفعل حاملات ونصحهن بالامتناع خلال فترة الحمل، ويجب أن يكون هؤلاء قد تلقوا تدريبًا على تقييم التعاطي خلال الحمل.
في حالة الإدمان على المسكرات تكمن المشكلة في التعرف على الآثار الجنينية للكحول، أما في حالة الإدمان على المخدرات فيكمن الهدف بتقليل تعرض الجنين. ولابد أن يتم تدريجيًا الامتناع عن العقاقير أو المخدرات الأخرى التي يساء تعاطيها.. وقد ساهم امتناع المرأة الحامل عن المواد الأفيونية أو في حالات أخرى استخدام عامل مضاد كالنالوكسون يمكن أن يتسبب في متلازمة الامتناع الجنينية.. وفي الكثير من الحالات يشكل استبدال الهيروين بجرعات معتدلة من الميثادون أو البوبرينورفين وهو الخيار الأفضل حيث يقل تأخر النمو داخل الرحم ومضاعفات فترة ما حول الولادة.
تحتاج المدمنة الحامل إلى رعاية مركزة لحالتها، ويمكن رصد الإدمان غير المشكوك فيه بعد الولادة من خلال الدلائل في الدم أو الشعر أو البول أو أنسجة من الصرة.. وينبغي أن يتم حجز الرضع في المستشفى مدة كافية لمعالجة التسمم أو أعراض الامتناع.
تجدر الإشارة إلى أن التدخل المبكر يمكن أن يخفف الآثار الثانوية ويحسن معرفة التعلم والسلوك.. وتتوفر بعض خدمات التشخيص والعلاج متعددة الاختصاصات ويجدر استكشاف فاعليتها والقدرة على نشرها عالميًا.

حماية الطفل

ينص ميثاق الأمم المتحدة على أن حماية الطفل يجب أن تشمل برامج لدعم الطفل وموفري العناية له، بالإضافة إلى تحديد إساءة معاملة الطفل والتعرف عليها والتحقيق فيها ومعالجتها ومتابعتها.. ويجب أن توضع المصلحة الفضلى للطفل على أعلى سلم الأولويات في كافة الأفعال التي تخص الطفل سواء التي تضطلع بها السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية.
إن رفاهية وسعادة الطفل تفوق بأهميتها مبدأ الحفاظ على العائلة كما لها أولوية على حقوق الوالدين حتى ولو كان نزعه قد يؤدي إلى تفاقم المرض النفسي الوالدي.. وعلى الدول تمرير القوانين وتحديد المسئوليات ورسم الاجراءات الخاصة بالفحص والعلاج بما في ذلك الحماية في حالات الطوارئ.. إذ يحتاج أخصائيو الصحة النفسية إلى معرفة القوانين والاجراءات السائدة في البلد الذي يعملون بها.
تتطلب حماية الطفل تضافر جهود عدد كبير من المؤسسات الاجتماعية المعنية:
العائلة الكبرى: يؤكد الميثاق على الدور الأساسي الذي تلعبه العائلة بوصفها البيئة الطبيعية لنمو ورفاهة الأطفال.. وتعتبر مشاركة الأب الفعلية عاملاً ذا قيمة كبيرة ويشكل الأخوة والأقارب والجدات في أغلب الأحيان المصدر الرئيسي للدعم والمساندة وإنهم في الواقع المصدر الوحيد لهذا الدعم في بعض البلدان.
تعد فرق حماية الطفل متعددي الاختصاصات الدعامة الأساسية في البلدان ذوي الدخل المرتفع إلى جانب هذه الفرق من الأخصائيين أو كبديل لها يشكل الجيران والمدرسة والجمعيات التطوعية والمؤسسات الدينية مصدر دعم للعائلات، حيث تبلغ إساءة المعاملة وتعزز الفرص الاجتماعية والشبكات غير الرسمية.
مثل: المآوي البديلة، ملجأ للأطفال الذين لا يمكن تربيتهم بأمان من قبل والديهما البيولوجيين وتشمل التبني (ننصح بأن يتولى رعاية الطفل طرف مأمون وليس متبنيًا له)، حضانة من أسرة بديلة.. بالإضافة إلى أشكال أخرى من الرعاية الرسمية.

معالجة إساءة المعاملة:

لقد تم التطرق إلى التشخيص المبكر لحالات إساءة المعاملة المشتبه بها وتقييمها ومعالجتها في قسم آخر.. وحين تكون إساءة المعاملة مرتبطة باضطراب نفسي حاد يؤدي ذلك إلى ظهور عنصر إضافي من التعقيد.. فلنأخذ مثلاً متلازمة مانشهاوزن بالوكالة، تضع شدة الاضطراب النفسي الوالدي حق الطفل في الحماية في صراع مع حق الأسرة في الخصوصية إلى جانب العلاقات الطبيعية بين الطبيب والمريض والسرية الطبية.. قد يشمل الفحص مراجعة التاريخ الطبي للمريض (بمساعدة الطبيب العام) وزيارة منزلية غير محددة مسبقًا ومراقبة سرية (بعد مشاورات موسعة) وإقصاء الوالد عن رعاية الطفل..
عند تحديد التشخيص تصبح مقابلة الوالدين دقيقة: على الطبيب المعالج أن يوضح أنه مدرك لما كان يحدث ويشرح الضرر الذي قد يلحق بالطفل ويؤكد أنه سيقوم بمساعدة الوالدين كما الطفل.
غالبًا ما يكمن العلاج الآمن بنزع الأطفال الذين تعرضوا للإساءة من البيئة الوالدية ويعد التخلي القسري عن رعاية الطفل أحد أكثر الأحداث المسببة للصدمة التي قد تضطر الأم لمعايشتها، وتزداد صعوبة الأمر حين يكون ذلك نتيجة مرض نفسي قابل للعلاج.. هذا وقد يشكل الأمر مصدر انزعاج للطفل أيضًا أضف لذلك فإن المآوي البديلة لها أيضًا مخاطرها، وإن العزلة والوحدة والبؤس الذي يختبره الأطفال في دور الأيتام والمستشفيات واقع تم تسجيله منذ زمن بعيد، فأماكن الحضانة أو الرعاية التي عادة تلعب دورًا إيجابيًا قد تفشل في مهمتها أحيانًا مما يؤدي إلى مزيد من التمزق.
لقد أجريت الكثير من الأبحاث حول منع إساءة معاملة الأطفال من خلال التعليم العام والتدخل الإستباقي في مجموعات الاختطار العالي وفيما عدا بعض الاضطرابات النفسية الحادة (لاسيما البيئة الاجتماعية المرتبطة بها) وما تشكله من عامل اختطار فإن ذلك يعد خارج نطاق هذه المبادئ التوجيهية.

الموارد المتاحة عالميًا:

قمنا بجمع معلومات حول الموارد المتاحة لحماية الطفل في البلدان التي يشكل فيها الأطفال غالبية سكانية وقد اعتمدنا على سلسلة من التقارير التي حصلنا عليها من أحد زملائنا الموزعين في 19 بلدًا، وألحقنا بذلك رسائل إلى الزملاء للاستفسار عن القوانين، الدعم السياسي والعام والسجلات الرسمية، والإبلاغ وفرق حماية الأطفال والتدريب والخدمات الاجتماعية والوكالات الأخرى المعنية بحماية الطفل.. وقد حصلنا على إجابات من ست دول إفريقية (إثيوبيا وكينيا وموزامبيق ونيجيريا وتنزانيا وأوغندا) وثلاث دول في جنوب شرق آسيا (الهند وباكستان والفلبين) ودولتين في الشرق الأوسط (مصر وتركيا) وثلاث دول في جنوب ووسط قارة أمريكا (الأرجنتين والبرازيل والمكسيك) بالإضافة إلى عدد كبير من الدول ذات الدخل المرتفع وتمكنا من تحديد نمط لتقسيمها أسفر عن أربع مجموعات واسعة:
المجموعة الأولى: تتألف من الدول المزدهرة والتي تختلف فيما بينها الأساليب والقوانين المرعية إلا أن كل شئ متوفر فيها مثل كندا التي قدمت  مساهمات كبرى في الأبحاث حول قضايا سوء معاملة الأطفال.
المجموعة الثانية: تتألف من دول مثل تركيا وتايوان والتي ولو أنها أبدت في وقت متأخر اهتمامًا في هذا المجال إلا أنها تحقق خطوات ملموسة باتجاه الخدمة الفعالة وقد وجدنا في تركيا على سبيل المثال 14 فريقًا على الأقل لحماية الأطفال.
المجموعة الثالثة: تتألف من بلدان مثل الهند وأوغندا حيث كثافة الأطفال فيها جد مرتفعة، تتدبر أمورها إلا أنها تفتقر إلى الموارد الفعلية المساعدة وتكافح من أجل إنشاء وحدات رائدة.
المجموعة الرابعة: تتألف من بلدان كباكستان حيث مكافحة إساءة معاملة الأطفال لا تزال في أولى بدايتها وحيث لا يزال مشروع قانون حماية الطفل بانتظار مبادرة برلمانية.. إن العقبة الأساسية في هذا البلدان هى الثقافة الطاغية لقدسية خصوصية الأسرة.
وقد سألنا زملائنا الباحثين أيضًا ما برأيهم يمكن أن يرفع من حماية الأطفال في بلدانهم مع الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات المادية في البلد.. وإننا في هذه المقالة سنذكر بعضًا من إجاباتهم ونستغني عن الإجابات التي أشارت إلى الحاجة إلى كادر أكبر وموارد مالية أكثر..وقد احتل التعليم في هذا الإطار “رفع الوعى العام بهذا الموضوع المحرم” (باكستان)، تثقيف العامة والجماهير والمعلمين وعائلات المرضى النفسيين وحتى المعالجين المحليين.. وجاء في المرتبة الثانية تحسين التدريب المهني، وبالأخص تدريب أطباء الأطفال وفرق الرعاية الأولية والقابلات وموفري الرعاية الصحية المنزلية الذين عادة ما يفتقرون إلى تدريب خاص بالصحة النفسية.. واحتل الضغط على الحكومات المرتبة الثالثة على سلم الأولويات والدفع بها إلى الإعتراف بأن هذه الفئة من السكان عرضة لاختطار عال وحثها على إتخاذ الاجراءات اللازمة.

خدمات الصحة النفسية الخاصة بالطفل والمراهق:

تعد خدمات الصحة النفسية الخاصة بالطفل والمراهق أساسية لتعزيز الصحة النفسية في الأطفال الأكثر عرضة للمرض النفسي.. فهى توفر العلاج للاضطرابات التي أوردنا ذكرها أعلاه وتضطلع بدور تثقيفي وتدريبي وتقييمي ودور ربط مع جمعيات أخرى.. كما تساهم في البحوث والوقاية ووضع المبادئ التوجيهية.. ويبلغ العمل متعدد التخصصات في الممارسة السريرية أمثل مستوياته حيث يتم التركيز على الوالدية والطفل وعلى السياق الاجتماعي والأسري من حياة الطفل.
وقد تم تطوير أشكال مختلفة ومحددة من التدخل النفسي العلاجي والعلمي بما في ذلك العلاجات الأسرية والعلاجات النفسية المتخصصة بعلاقة الأم والرضيع وعلاج معرفي وجيز يتناسب مع عمر الطفل ومرحلة من مراحل نموه.
وفي سياق بحثنا تجلى لنا أن هذه الخدمات شبه غائبة في الكثير من الدول ذات الدخل المنخفض. وفي عام 2005 نشرت منطمة الصحة العالمية أطلسًا لموارد الصحة النفسية الخاصة بالطفل والمراهق استندت فيه على إجابات من 66 بلدًا، وفي حين لا يوفر الأطلس تفاصيل حول كل دولة على حدى ولكن من الواضح أن معظم البلدان التي تتميز بمعدلات مواليد عالية تكون خدمات الأطفال والمرهقين محدودة.. فمثلاً نجد في أوغندا (حيث يولد 1.5 مليون طفل سنويًا) عيادتان خارجيتان في مدينة كمبالا، وطبيب أطفال نفسي مؤهل واحد فقط وهو متخصص بحالات الصرع والتخلف العقلي..
على النحو ذاته نجد في 37 دولة أن توفير الرعاية يتم من قبل أطباء أطفال لا يملكون غالبًا أى تدريب في مجال الصحة النفسية.. بل إن حتى الولايات المتحدة الأمريكية ينقصها أطباء نفسيين للأطفال.
تكمن إحدى الأولويات البحثية في تحديد تدخلات الممارسات الفضلى مع الوالد المريض نفسيًا وأطفاله والتي يمكن تطبيقها وتمويلها وتكون مقبولة ثقافيًا في الدول ذات الدخل المنخفض.. ويمكن لذلك أن يشمل دور العائلة الكبرى في دعم الأطفال والأسر المعرضة لخطر الإصابة بمرض نفسي.
الطريق إلى الأمام طويل وشائك ولربما يجب أن نبدأ مع تدريب بضع مختصين يعلمون وحدهم، ويكونون متوفرين لإعطاء المشورة.. ويمكن لهؤلاء أن يمسكوا بزمام المبادرة في تثقيف الجمهور والضغط على السياسيين.. كما يمكنهم بناء أقسام عرض وإطلاق برامج تدريب، ويمكن توجيه التدريب ليضم المتخصصين المستقبليين كما تجاه المهنيين الذين يكونون على اتصال بالأطفال.. كالممرضات والموظفين المساعدين والمدرسين وغيرهم من الشخصيات الموثوق بها في المجتمع.. والذين يمكن دعوتهم لمساعدة الأطفال المحتاجين.
إن معالجة احتياجات أطفال الأشخاص المصابين بمرض نفسي حاد يتطلب (بالإضافة إلى التحسينات في ممارسة الطب النفسي للبالغين والدعم المجتمعي للعائلات والتعاون مع جمعيات حماية الأطفال) زيادة في الخدمات المقدمة لصحة الأطفال والمراهقين النفسية على مستوى العالم.


هذه المقال منقولة عن
المجلة العالمية للطب النفسي

الناطقة باسم الجمعية العالمية للطب النفسي
السنة العاشرة – العدد الثاني – يونيو 2011

One thought on “الوقاية وتعزيز الصحة النفسية لدى أطفال المصابين باضطراب نفسي حاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *