الخميس, مايو 9, 2024
نحو أسرة مثالية

رسالة إلى الآباء والأمهات

ذات يوم قال ولد لأبيه: أبي اجلس معي ساعة وأعطيك ألف جنيه.. حقًا إنه طلب رسالةغريب كيف يشتري أحد الأولاد جلوس أبيه معه بألف جنيه.. لك الحق أن يأخذك العجب ولكن بعدما تقرأ معي هذه السطور سيتبين لك سبب ذلك إن شاء الله.

دخل الطفل على والده الذي انهكه العمل، فمن الصباح إلى المساء وهو يتابع مشاريعه ومقاولاته فليس عنده وقت للبقاء في البيت إلا للأكل والنوم.

الطفل: لماذا يا أبي لم تعد تلعب معي وتحكي لي قصة، فقد اشتقت لقصصك واللعب معك، فما رأيك أن تلعب معي اليوم قليلاً وتقول لي قصة؟

الأب: يا ولدي أنا لم يعد عندي وقت للعب وضياع الوقت، فعندي من الأعمال الشئ الكثير و وقتي ثمين.

الطفل: اعطني فقط ساعة من وقتك فأنا مشتاق لك يا أبي.

الأب: يا ولدي الحبب أنا أعمل وأكدح من أجلكم، والساعة التي تريدني أن أقضيها معك أستطيع أن أكسب فيها ما لا يقل عن 1000 جنيه، فليس لدى وقت لأضيعه معك.. هيا اذهب والعب مع أمك.

وتمضي الأيام ويزداد انشغال الأب وفي أحد الأيام يرى الطفل باب المكتب مفتوحًا فيدحل على أبيه..

الطفل: اعطني يا أبي خمسون جنيهًا.

الأب: لماذا؟ فأنا أعطيك كل يوم 10 جنيهات. ماذا تصنع بها؟ هيا اغرب عن وجهي ولن أعطيك الآن شيئًا.

يذهب الابن وهو حزين، ويجلس الأب يفكر فيما يفعله مع ابنه، ويقرر أن يذهب إلى غرفته كى يراضيه ويعطيه 50 جنيهًا، فرح الطفل بهذه النقود فرحًا عظيمًا حيث توجه إلى سريره ورفع وسادته وجمع النقود تحتها وبدأ يرتبها..

عندها تساءل الأب في دهشة قائلاً: كيف تسألني وعندك هذه النقود؟

الطفل: كنت أجمع ما تعطيني للفسحة ولم يبق إلا خمسون جنيهًا ليكتمل الألف، والآن خذ يا أبي الألف جنيه واجلس معي ساعة..

فمن المؤسف حقًا أن بعض الآباء لا يعرف أدنى مستوى لمعاني الأبوة، لا يعرف سوى تأمين المأكل والمسكن والملبس، فلا يعرف الجلوس مع أولاده.. فقد فقد الأولاد الكلمة الحانية.. والتوجيه السديد.. والنصيحة المشفقة، لا يلتقي بأولاده إلا على وجبات الطعام، بل قد يتخلف عنها في بعض الأحيان والسبب أنه مشغول في عمله أو مع أصدقائه أو في ذهابه وإيابه.

فهو يأتي وهم يذهبون، ثم يأتون وهو يذهب، ثم يأتي آخر الليل ليجدهم نائمون.. فكثير من الأبناء فقدوا آباءهم وأمهاتهم وهم على قيد الحياة فرباهم التليفزيون والشارع والنت وصديق السوء..

فإذا وقع الفأس بالرأس تذكر إهماله وتقصيره بحق أولاده..

إن الأولاد نعمة من الله منّ بها علينا، فهم زينة الحياة الدنيا، وتربيتهم مهمة عظيمة يجب على الآباء والأمهات أن يحسبوا لها حسابًا ويعدوا العدة للقيام بحقها.. خصوصًا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده كراعي الغنم في أرض السباع الضارية، إن عفل عنها ساعة أكلتها الذئاب وهكذا الآباء والأمهات إن غفلوا عن أبناءهم ساعة، تاهوا في طريق الفساد.

فعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إن الله سائل كل راع عما استرعاه: احفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)

وفي رواية أخرى (كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهى مسئولة عن رعيتها).

فأنت أيها الأب وأنت أيتها الأم ستسألون، فليعد كل منكم للسؤال جوابًا، فكل من وهبه الله نعمة الذرية وجب عليه أن يؤدي أمانتها بأن ينشأ أبناءه ويربيهم تربية إسلامية وأن يتعهدهم منذ نعومة أظفارهم.

إن الطفل الناشئ كالعجينة اللينة في يد صانعها يشكلها كيفما أراد، أو كالصحيفة البيضاء قابلة لكل ما يكتب فيها أو ينقش عليها.

وكى نربي أبناءنا وننشئ أسرة مترابطة وسعيدة لابد أن نكتسب ونتعلم المهارات والخبرات التي من خلالها نستطيع أن نبني الأسرة التي نتمناها وتعطي أطفالك الفرصة الأفضل للنجاح.

وقد كثر الحديث في أيامنا هذه عن أهمية التربية في إعداد الناشئة للعيش في زمان كثير المتطلبات، كثير المغريات، وبوصف الأسرة والبيت على أنها الحصن الأخير الذي مازال لأهله نوع من السيطرة عليه.. وهذا التوجه نحو تفعيل وظيفة الأسرة توجه صحيح.. ولكن لا ينبغي أن نتوقع أننا سنتمكن من حل كل مشكلاتنا عن طريق التربية.

ليس من المنطق أن نطلب من الأسرة ذلك ولكن لا ريب أن البيوت حين نقوم بواجبها فإنها تقدم الكثر من الشروط الجيدة والكثير من الأسس التي تمكننا من النهوض ومعالجة أشكال المعاناة التي يعاني منها السواد الأعظم من المسلمين.

إن موضوع التربية موضوع متجدد، حيث إن كل أشكال التقدم والتطور الحضاري تنعكس على المربي، فتغير من رؤاه وأساليبه وتنعكس على الناشئة فتغير من تطلعاتهم وسلوكياتهم وتحدد نوعية استجاباتهم للجهود التربوية، ولهذا فكل الأمم تواصل مساعيها في معالجة مسائل التربية الشائكة.

ومازالت البحوث والكتب التربوية في زيادة مطردة ولكن من المؤسف أن المشكلات التربوية هى الأخرى في حالة من النمو والتضخم.

إن البشرية تتقدم تقنيًا على نحو مطرد ولكن التقدم الأخلاقي والسلوكي قد يكون بطيئًا أو معدومًا، بل إن بعض جوانب السلوك تشهد ما يشبه الإنهيار مثل الانتحار وحوادث الطلاق وإدمان المخدرات وخلافه، وأدى التقدم الهائل في مجال الاتصال من النت والتلفاز والأقمار الصناعية إلى هدم البيئة التربوية القديمة، حيث صارت الأمة الإسلامية تربى في بيئات ملوثة.

وياللعجب حيث أصبح كل طفل أشبه بحالة فريدة ولا تماثل غيره من الأطفال يحتاج إلى أسلوب معين و فقه خاص في التعامل.

وكل النصائح والوصايا والمبادئ التي نسمعها أو نقرؤها تظل غير كافية لنجاحنا في مهمتنا ولابد لنا معها من الاجتهاد والتأمل وحسن التصرف وتوفيق الله عز وجل، ولا ينبغي لنا بعد أن نثقف أنفسنا ونبذل كل جهودنا أن نتوقع الحصول على نتائج قريبة وحاسمة.

وأكرر مهما أعطينا التربية من وقت وجهد، فإن ما نتوقع الحصول عليه هو أكبر بكثير مما نبذله، وذلك لأن الطفل حين يولد تكون إنسانيته عبارة عن استعدادات ليس أكثر، أى أنه يولد على الفطرة ومن خلال التربية يتملك مقومات الإنسانية الفكر واللغة والمشاعر ومعايير الخطأ والصواب، ولذا فإن وُلد الإنسان لا يصبح إنسانًا إلا إذا رباه إنسان.. وإن الخطوط العميقة في شخصية الطفل ترسم في السنوات الست الأولى من عمره.

إن مهمة الأسرة في عملها تزداد صعوبة يومًا بعد يوم بما تفرضه علينا العولمة من تهميش لسلطات الأسرة والمدرسة وبما تشجعه من التمرد على الأعراف، ومصطلحات الحرية الشخصية والخيار الشخصي ولكن ليس أمامنا أى خيار غير الاستمرار في الجهود التربوية وأن نصدق الله عز وجل في الدعاء أن يصلح لنا ذريتنا.

وفي اعتقادي أن الأبوين لا يستطيعان من غير التثقيف التربوي الملائم أن يعرفا ما هو طبيعي لدى أبناءهما مما هو غير طبيعي ولنطرح عليكم بعض الأسئلة مثل:

هل تحافظ على نظام تربوي داخل بيتك؟

هل تحافظ على قواعد يومية للتعامل مع عائلتك وعلاج مشكلاتها؟

هل تحافظ على جو أسري مريح داخل بيتك لراحة أطفالك؟

هل تمتلك المهارات حتى تساعد ولدك على أن يكون شخص ناجح في هذا العالم؟

هل لديك الشجاعة على تحطيم القوانين الأسرية المعروفة التي تعتقد أنها غير صحيحة؟

هل اتفق الوالدان سواء كانا في منزل واحد أو منفصلين على خطة واضحة ومنهج واحد لتربية الأبناء؟

هل تُهيئ لأطفالك بيئة يشعرون فيها بالأمان والانتماء والقوة والاعتماد على النفس؟

هل تساعد طفلك على أن يثبت ذاته ويعتمد على نفسه ليصبح عضو فعال ونافع في مجتمعه؟

اعرف يا عزيزي القارئ أنك أجبت على هذه الأسئلة الآن ولكن إذا قرأتها ثانية بتمعن وتذكرت أن إجابتك هذه سوف تؤثر على مستقبل طفلك ستجد الإجابة مختلفة.

وأنا على يقين أنه إذا توافرت لك القدرات والوسائل والمعلومات الصحيحة عن التربية سوف تجتاز بإذن الله معظم المواقف الصعبة وتعبر إلى النجاح.

وتذكر دائمًا أن العامل الأساسي في هذه المهمة هو حبك لطفلك الحب الذي لا حدود له والتضحية التي لا ثمن لها.. ولكنه يحتاج منك إلى المزيد لأنه يعيش في مجتمع وكثيرًا ما يتأثر به.

هل يستطيع أولادك أن يتحملوا ضغط الحياة الرهيب؟ وماذا سيحدث لهم؟

 الإجابة على هذا السؤال تعتمد بشكل كبير على أسلوب تنشئة أبناءك وبأى شكل شكلتهم وأى قيم غرستها فيهم وبمن يقتدون في تصرفاتهم وقدرتهم على إتخاذ القرار الصحيح بأنفسهم، وباختصار تعتمد الإجابة على ماذا تفعل الآن لكى تساعد أبناءك على أن يصبحوا أفرادًا مسئولين غدًا.

ولابد أن تعرف أن الرحلة تبدأ بك إذ ينبغي عليك أن تغير كل سلوكياتك الخاطئة وتتنازل عن هواياتك الفاسدة فلا يستقيم أن يربي الأب أولاده على عدم التدخين وهو مدخن، أو تعلم الأم أطفالها أن مشاهدة الأفلام والمسلسلات الماجنة تدخل النار وتبعد عن الجنة وتشاهدها هى.. وليست كل الأساليب التي ربانا بها أباؤنا صحيحة فكثير من الآباء والأمهات الآن يعانون من مشاكل نفسية راجعة إلى اضطرابات في مرحلة الطفولة وإهمال في التربية فهؤلاء إن نهجوا نفس النهج سوف ينتجون أطفالاً مشوهين نفسيًا.

فلابد للأبوين أن يعرفوا أن لكل مرحلة عمرية متطلباتها ويتعلمون كيف يمرحون ويلعبون مع أطفالهم حتى يربي طفل مرح، مرن يستطيع أن يتعامل مع الناس ويستطيع أن يفكر ويتحكم في مشاعره ويعبر عنها.. لأنه تعلم هذا من والديه.. تعلم كيف يكون ممتع ومبدع.

ولا توجد قوانين أو ثوابت محددة تجلب السعادة لأسرتك وإنما هى لعبة يقوم بها الأب والأم ولابد أن يفكرا لماذا يلجأ الأبناء إلى أصدقاء السوء والمخدرات والكحوليات وتضيع الأوقات والأعمار أمام التليفزيون وفي النوم لأن الآباء لم يتعلموا أن يجنبوا أبناءهم الهروب من المشاكل.

وبإذن الله تعالى الحلقان التي سننشرها سوف تضع الأب والأم على نقطة في الطريق التربوي الناجح ولا تحاول أن تخمن أين أنت الآن على الطريق، سوف نسوق لك معظم المشاكل التي تواجه الآباء في التربية ومدى استجابة الأبناء لحلول هذه المشاكل.

يقول الإمام على كرم الله وجهه:

“لا تكرهوا أبناءكم على أخلاقكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم”

إننا في حاجة إلى فهم الطفولة وماهيتها.. وتعلم فن الأمومة والأبوة في ضوء تراثنا وتوجيهات ديننا وما توصل إليه علماء الاجتماع والنفس والتربية في عصرنا، فالتريبة تعني النمو والتطوير في القدرات والإمكانات النفسية والجسدية والعقلية والروحية والقدرة على التكيف مع المجتمع والأهل والجيران.

وليس هناك أى تقدم لأى أمة بغير علم وتربية.. وما تخلفت أمتنا الإسلامية يوم تخلفت إلا حينما تركت شعارنا الإلهي “اقرأ باسم ربك الذي خلق”.

وهكذا أصبح المجتمع المسلم في أغلب بلدانه مجتمعًا ممسوخًا لا هو بالمجتمع الدنيوي المتقدم ولا بالأخروي المحافظ، وانعكس ذلك على الطفل والأم والأب والشيخ والشاب والمراهق، وأصيبت الأمة الإسلامية بحالة اختلال في الفكر والنظام والأخلاق والقيم ولذا ترى الآن الأصوات ارتفعت بإعادة بناء الإنسان المسلم (طفلاً وشابًا) على نفس الأسس التي بنى عليها أجداده وأسلافه.

الطفولة هى حجر الأساس في بناء أى أمة، وكلما نالت الطفولة نصيبها من العناية والرعاية والحماية والتوجيه كلما سهل على المراهق أن يمر بمرحلته الصعبة بطريقة أيسر وأأمن، وكلما زاد الاهمال والتدليل الزائد للأطفال كلما صعبت مرحلة المراهقة وأصابها الكثير من الهزات.

وإذا كان الإسلام في القرن السادس الميلادي حين جاء رفع شعار “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا” و “الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم” قبل أن تسمع الدنيا شيئًا عن حق الأطفال في الرعاية والعناية والتأديب فإننا في حاجة اليوم إلى رفع نفس الشعار.

الشعار الذي ملأ صفحات التاريخ الإسلامي فلا تكاد تقف على عظيم ممن ذلت لهم نواصي الأمم ودانت لهم الممالك إلا وهو ينزع بعرقه وخلقه إلى أم عظيمة، وكيف لا يكون ذلك والأم المسلمة قد اجتمع لها من وسائل التربية مالم يجتمع لأخرى ممن سواها مما جعلها أعرف خلق الله بتكوين الرجال والتأثير فيهم والنفاذ إلى قلويهم.

فالزبير بن العوام رضى الله عنه: فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ من بسالته وبطولته أن عدل به الفاروق رضى الله عنه ألفًا من الرجال حين أمر به جيش المسلمين في مصر وكتب إلى قائدهم عمرو بن العاص رضى الله عنه يقول:

أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف.. الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن خالد.. وقد صدقت فراسة الفاروق رضى الله عنه وسجل التاريخ أن الزبير لا يعدل ألفًا فحسب بل يعدل أمة بأسرها، فقد تسلل إلى الحصن الذي كان يعترض طريق المسلمين وصعد فوق أسواره وألقى بنفسه بين جنود العدو وهو يصيح صيحة الإيمان: الله أكبر.. ثم اندفع إلى باب الحصن ففتحه على مصراعيه واندفع المسلمون فاقتحموا الحصن وقضوا على العدو قبل أن يفيق من ذهوله.

هذا البطل العظيم إنما قامت بأمره أمه صفية بنت عبدالمطلب عمة النبى صلى الله عليه وسلم فقد شب في كنفها ونشأ على طبعها وتخلق بسجاياها.

وأمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه ورث عن هند بنت عتبة أمه مالم يرث عن أبيه أبا سفيان  وهى القائلة وقد قيل لها ومعاوية وليد بين يديها إن عاش معاوية ساد قومه أى أصبح ملكًا على قومه.. “ثكلته إن لم يسد إلا قومه”، ولما نعى إليها ولدها يزيد بن أبي سفيان قال لها بعض المعزين: إنا لنرجوا أن يكون في معاوية خلف منه.. فقالت: أو مثل معاوية يكون خلفًا من أحد.. والله لو جمعت العرب من أقطارها ثم رمى به فيها لخرج من أيها شاء..

وكان معاوية رضى الله عنه إذا نوزع الفخر بالمقدرة انتسب إلى أمه فصدع أسماع خصمه بقوله: أنا ابن هند..

وسفيان الثوري، وما أدراك ما سفيان الثوري.. إنه فقيه العرب ومحدثهم وأحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، إنه أمير المؤمنين في الحديث، قالت له أمه: يا بنى اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي، فكانت رحمها الله تعمل وتقدم له ليتفرغ للعلم.. وكانت تتخوله بالموعظة والنصيحة وقالت زيادة له ذات مرة: يا بنى إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تزد لك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك.

فهل من غرابة بعد هذا أن نرى سفيان يتبوأ منصب الإمامة في الدين، كيف وهو قد ترعرع في كنف مثل هذه الأم الرحيمة وتغذي بلبن تلك الأم الناصحة التقية؟

ثم إذا نشرنا صفحة العهد العباسي بل صفحة العهد الإسلامي لا نجد فيها امرءًا دنت له قطوف العلم والحكمة ودانت له نواصي البلاغة والفصاحة كمحمد بن إدريس الشافعي، فهو الشهاب الثاقب الذي انتظم حواشي الأرض فملأ أقطارها علمًا وفقهًا وذلك أيضًا ثمرة الأم العظيمة..

فقد مات أبوه وهو رضيع فتولته أمه بعنايتها وأشرقت عليه بحكمتها، وكانت امرأة من فضليات عقائل الأزد وهى التي تنقلت به من غزة إلى مكة مستقر أخواله فربته بينهم هناك.. وكانت أم الشافعي من العابدات القانتات ومن أذكى الخلق فطرة.

كذلك كانت الأمهات في ذلك العهد الكريم مبعث كل شئ في نفوس أبنائهن من اللواتي انبلج عنهن فجر الإسلام وسمت بهن عظمته وصدعت بقوتهن قوته وعنهن ذاعت مكارمه ورسخت قوائمه..

لقد كانت الأم في عصور الإسلام الزاهية وأيامه الخالية مهبط الشرف الحر والعز الماثل والمجد المكين وصدق الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعددتها          أعددت شعبًا طيب الأعراق

للحديث بقية

3 thoughts on “رسالة إلى الآباء والأمهات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *