الخميس, مايو 9, 2024
إضطرابات الأطفال النفسية

التربيـــــــــــة الجنسيــــــــــــة

تنبيه هام: قمنا بإعداد باب الطب النفسي الجنسي لمن لديه مشكلة تتعلق بهذا التخصص من الطب لذلك قدمنا له العلاج بإسلوب واضح وجرئ ومُفصّل … فإن لم يكن لديك حاجة بالإطلاع على هذا الباب فلا تضيع وقتك فهو ليس للتسلية

إن أفضل طريقة لمواجهة مشاكل الجنس وتساعد المراهق على التغلب عليها .هى تربيته منذ الصغر تربية جنسية سليمة وإعداده للتطورات والتغيرات التي يمر بها حتى لا يفاجأ بها وحتى يعرف طريقه خلال المشاكل التي يتعرض لها على ضوء معرفته بطبيعة هذه التطورات والتغيرات.

والتربية الجنسية لا تقتصر على مرحلة دون مرحلة بل تبدأ مع الطفل منذ طفولته المبكرة وبالقدر الذي يسمح به نموه العقلي، وتستمر معه خلال مراحل الطفولة المتتالية وتعده في نهايتها لمرحلة المراهقة، ثم تأخذ في هذه المرحلة الأخيرة شكلا يناسب النمو المتزايد للنشاط الجنسي خلالها وللمشاكل المترتبة عليه.

يبدأ النمو الجنسي عند الطفل منذ سنوات عمره الأولى وتبدأ بالتالي اهتماماته واستفساراته، ولذلك يحسن أن يدرك طبيعة الحياة الجنسية عند الحيوان وعند الإنسان.. وأن يتلقى بالنسبة لها إجابات صحيحة تساعده على تكوين فكرة سليمة عن طبيعة هذه الحياة لأن الطفل شغوف بالمعرفة وخاصة بالأشياء المبهمة المحاطة بالأسرار.. لذلك منعه أو الرد عليه بجفاء أو تغيير الموضوع كلما تعرض الطفل لأمر من أمور الجنس أو لسؤال يتصل به أو زجره، أو نحو ذلك من التصرفات التي يلجأ إليها الآباء في العادة كلما واجههم أطفالهم بأسئلة تتصل بالجنس من قريب أو بعيد.. لن يؤدي بالطفل إلى الكف عن استفساراته أو عدم الإهتمام بالموضوع، بل على العكس سيزيد من إهتمام الطفل وسيجعله يلجأ إلى مصادر أخرى للبحث، فيلجأ مثلا إلى الأطفال الأكبر سنًا الذين تعوزهم الإجابة الصحيحة والمعرفة الحقيقية أو غير ذلك من المصادر التي يمكن أن يستقي منها معلوماته حول هذا الموضوع..

والنتيجة هى تشويه صورة الجنس في ذهن الطفل وشعوره بالنسبة له بالإثم والخطيئة نتيجة إعتقاده بأن الكلام في هذا الموضوع .. عيب.. وحرام.. إلى غير ذلك من الأوصاف التي يوصف بها الجنس عادةً كلما دار الحديث حوله.. وأيضًا شعوره بالقلق والخوف وغير ذلك من النتائج التي قد تؤدي إلى إنحراف الطفل وتؤثر في مستقبل حياته بصفة عامة وخاصة حياته الجنسية.

ولكن ليس معنى هذا أن نناقش موضوعات الجنس مع الطفل بأية صورة أو أن نشركه في مناقشاتنا وأحاديثنا التي تدور حول هذا الموضوع والتي نقصد بها مجرد تزجية وقت الفراغ، أو التي تدور حول النكات المكشوفة وتستخدم فيها الألفاظ الخارجة التي تجرح حياء الطفل وتثير فيه الشعور بالاشمئزاز وتشوه من حقيقة الجنس في نظره.. بل يجب أن تلتزم مناقشاتنا معه و ردودنا على أسئلته بالحقائق التي تتصل بهذا الموضوع والتي يكتسب عن طريقها المدلولات العلمية والألفاظ التي تعبر عن طبيعة النشاط الجنسي وتركيب الجهاز التناسلي وأيضًا المعلومات الكافية عن وظيفة هذا الجهاز والدور الذي يقوم في حياة الإنسان حسب ما تسمح به إمكانيات الطفل وقدراته على الفهم والاستيعاب.

وأن نساعد الطفل في جميع الأحوال على أن يدرك أن كل عضو من أعضاء جسمه وكل طور من أطوار النمو التي يمر بها أمر مرغوب فيه وله وظيفة معينة يؤديها وأنه وإن كان من المهم ألا نعطي لعضو من هذه الأعضاء أو لجهاز من أجهزة الجسم أهمية خاصة ونقصر اهتمامنا عليه ونقلق من أجله.. إلا أننا من ناحية أخرى يجب ألا نهمل هذا العضو ونحذر الكلام عنه بل نعاملها جميعًا نفس المعاملة ونهتم بها نفس الإهتمام وندرس الدور التي تقوم به في حياتنا وما يجب علينا أن ننتبه إليه خاصًا بها.

وهناك أسئلة تدور حول الجنس يحتار الآباء بالنسبة لها ولا يعرفون كيف يكون الجواب عليها عندما يسأل الطفل مثلاً:

    • كيف جئت إلى هذه الحياة؟
    • لماذا جئت بنتًا وليس ولدًا؟
    • لماذا تنجب الأمهات بالذات ولا ينجب الآباء؟

أو نحو ذلك من الأسئلة التي تربك الأب والأم ولا يعرفان طريقهما للإجابة عليها.

والقاعدة العامة التي يجب أن يلتزمها الأب والأم ويلتزمها الكبار بصفة عامة في ردودهم على مثل هذه الأسئلة هى كما ذكرت أن يجيبوا الطفل بصدق وصراحة وبالقدر الذي يتمكن الطفل من فهمه.. فلن يضير الطفل أبدًا أن يقول له الأب بأنه جاء من بطن أمه تمامًا كما تضع القطة صغارها.. وهى أمور يشاهدها الطفل ويعقلها، وفي أول الأمر قد يصعب على الطفل الصغير أن يفهم أنه يأتي إلى الحياة نتيجة عملية يشترك فيها اثنان هما الأب والأم.. ولكن بالتدريج وعن طريق الوقائع التي يشاهدها من اتصال ذكور الحيوانات بإناثها وحدوث الولادة بعد ذلك يمكن أن يفهم الطفل بعض الحقائق الخاصة بهذا الموضوع.. أما الرد على أسئلته ردودًا غير حقيقية ففضلاً عن أنها تشوه الحقيقة ولا تساعد على نمو الطفل وتربيته تربية جنسية سليمة فإن الطفل لن يلبث أن يكتشف زيفها ويفقد ثقته بالمعلومات التي يدلي بها الأبوان ويبحث عن مصادر أخرى يستقي منها معلوماته وأغلبها كما ذكرت مصادر مضللة أو تهدف إلى الإثارة فحسب ولكل هذا نتائجه الضارة بالنسبة لسلوك الطفل ومستقبل حياته.

وفي نهاية الطفولة وقبيل المراهقة يمكن أن تتطرق المعلومات والحقائق التي تعطي للطفل إلى نواحي أخرى أكثر تفصيلاً.

وقد يكون من الأفضل عندما نصل إلى هذه المرحلة أن تتولى المدرسة هذا الواجب إذ تتاح لها من خلال دروس الأحياء أن يعرف الطفل قصة الحياة وأن يتعرف على الحياة الجنسية عند الكائنات الحية، وعن طريق زيارة المتاحف الصحية وغير ذلك من الوسائل أن نتيح للطفل إمكانيات أكثر للفهم واستيعاب هذه الحقائق التي يحسن أن يلم بها قبل أن تأتي مرحلة المراهقة.

إذ من المهم جدًا إعداده لهذه المرحلة ومعرفته مسبقًا بالتغيرات التي سيتعرض لها خلالها حتى لا يفاجأ بها وحتى لا يصدم.. وخاصةً بالنسبة للتغيرات الحساسة مثل حيض الفتاة أو إحتلام الفتى أو نحو ذلك عن طريق تعريفه بالحقائق الخاصة بالجهاز التناسلي ووظيفته والصورة التي يعمل بها.. فتعرف الفتاة مثلاً طبيعة الدورة الشهرية ومدتها وبعض المتاعب التي تصاحبها وما يجب عليها أن تفعله للتخلص من هذه المتاعب حتى تتقبل الفتاة هذه الأمور وتعد نفسها لها وتتجنب كل ما من شأنه أن يعقد الأمور بالنسبة لها.

أما ترك الفتى والفتاة لشأنهما ليستقبلا هذه التغيرات التي تطرأ على تكوينهما ففضلاً عن مشاعر الخوف والقلق من أن تكون هذه التغيرات غير طبيعية وأن يكون ما حدث لهما غير عادي، أو مشاعر الاشمئزاز نتيجة تربية الابن على استنكار كل الأمور التي تتصل بالجنس، أو مشاعر الإثم نتيجة إحاطة الدافع الجنسي وكل ما يتعلق به ووصمه بالخطيئة والذنب.. فإن جهل المراهق بحقيقة ما يطرأ عليه قد يعرضه أيضًا لبعض المشاكل والإنحرافات.

ومن المهم أيضًا أن يتعرف على كيفية التصرف بالنسبة لهذا الجديد وكيف يواجهه، والمزالق وأنواع الانحرافات التي هو عرضة لها نتيجته إذا لم يتبع الطريق السليم..

يجب أن يعرف مثلاً كل ما يتعلق بالعادة السرية من حيث أضرارها وكل المشاعر المصاحبة لها، وأن يقف على الحقيقة الكاملة الخاصة بها على النحو الذي سبق أن أوضحناه عند الكلام عن هذه العادة، وأن يعرف أيضًا أسباب الجنسية المثلية والظروف التي تهيئ للانحدار نحوها والتردي فيها وطرق مواجهة هذه الظروف وتوقي العوامل والأسباب التي تجرف الشباب نحو هاوية هذه الإنحرافات.

والأخذ بيد الفتى والفتاة نحو الطريق الآمن.. طريق إعلاء الدافع الجنسي حتى تمر هذه الفترة من حياته وحياتها بسلام، وحتى يصلا إلى شاطئ الأمان والاستقرار عن طريق الزواج.. هو أحد أهداف التربية الجنسية الأساسية وأمر ضروري وواجب من واجبات البيت والمدرسة في هذه الفترة من حياتهما.

ونعني بالإعلاء تغيير مجرى الرغبة من طريقها الأصلي الذي تقف دونه عقبات وصعوبات إلى طريق آخر أو شكل آخر نرضى عنه ونقره.. أو بمعنى آخر بدل أن تكون كل إهتمامات الشاب منحصرة في إرضاء الدافع الجنسي عن طريق أمور تتصل بهذا الدافع إتصالاً مباشرًا كممارسة العادة السرية أو نحو ذلك يمكن تصريف طاقتهم الحيوية عن طريق مجالات أخرى وإهتمامات تستنفذ هذه الطاقة وتعود في الوقت نفسه على الشباب ببعض الفوائد كتشجيعهم على الصلاة والذهاب للمساجد وقراءة وحفظ القرآن والالتزام بالأذكار النبوية والآداب الشرعية و الاندماج في الفرق الرياضية أو الاشتراك في الرحلات الدراسية أو ممارسة هواية من الهوايات المفيدة أو نحو ذلك من الوسائل والغايات، وأن تكون أوجه النشاط التي نوجههم إليها من النوع الذي يميل إليع كل شاب حتى إذا اندمج الشاب فيها أمكنه أن يتغلب على أموره الجنسية أو يخفض على الأقل من قوة تأثيرها وضغطها.

إنه يشعر بالفعل أنه ضحيتها وأن ما يمارسه أمر غير مرغوب فيه ويقلق من أجل ذلك ويرغب في التخلص من أسباب قلقه ومن واجبنا أن نساعده على تحقيق هذه الغاية.

وفي جميع الأحوال يجب الإهتمام بتنظيم أوقات فراغ الشباب ومساعدتهم على ذلك وتوفير الوسائل والإمكانيات التي تحقق هذه الغاية أو غير ذلك.. إذ أن المشكلة الأساسية في تصريف طاقة الشباب الحيوية إنما تكمن في وقت الفراغ الذي لا يعرف الشاب كيف يملأه، وأسهل السبل لملئه هى الإتجاه نحو الإشباعات السهلة كقراءة الروايات العاطفية أو التسكع مع الرفاق على نواصي الشوارع أو في المقاهي ومشاكسة الفتيات أو تتبعهن… أو نحو ذلك من التصرفات التي ترتبط إرتباطًا وثيقًا بالجنس.. والتي تنتهي آخر الأمر بصورة من صور الإنحراف الجنسي.

وكذلك الحال بالنسبة للفتاة التي لا تعرف كيف تقضي وقتها وتكتفي في العادة بملازمة البيت وقراءة بعض الروايات العاطفية بالمثل، أو زيارة زميلاتها وصديقاتها وقطع الوقت بأحاديث مشابهة مكررة.. والنتيجة في كلتا الحالتين -أعني للشاب والفتاة- واحدة على أية حال.

نخلص مما تقدم بضرورة الإهتمام بتربية أبنائنا تربية جنسية سليمة ومناقشتهم في كل ما يتصل بالأمور الجنسية مناقشة صريحة، والإجابة بصدق على كل ما يسألون عنه بخصوصها، وتوجيههم على ضوء هذه المناقشات وعلى ضوء المعرفة بحياة الإنسان الجنسية توجيهًا سليمًا.

لأن عدم الإجابة على أسئلتهم أو تعنيفهم عليها سيجعل لهذه الأمور أهمية خاصة عندهم وستجعلهم يلجأون إلى مصادر أخرى يستقون منها معلوماتهم والتي تكون في أغلب الأحوال غير حقيقية ومبالغًا فيها.

وينبغي أن يقر في الأذهان في جميع الأحوال أن الجنس في حد ذاته ليس مشكلة ولكنه أحد مظاهر الحياة السوية، وأن الإنسان يتدرج في مراحل النمو الجنسي المختلفة كما يتدرج في مراحل النمو الجسمي الأخرى، وأنه قد يعتري النمو الجنسي بعض التغيرات شأنه في ذلك شأن مظاهر النمو الأخرى.. وأن الفرد يتعلم خلال حياته كيف يتكيف لهذه التغيرات وليس ثمة داع لأن نجعل الشاب يشعر بأن الجنس معضلة يجب أن يقاومها ويتغلب عليها، أو أنه مع الجنس في حرب يجب أن ينتصر فيها.


نقلاً وتلخيصًا (بتصرف) عن كتاب

المراهقــــــة؛ خصائصها ومشكلاتها

د. إبراهيم وجيه محمود

الناشر/ دار المعارف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *