الخميس, مايو 9, 2024
إضطرابات الأطفال النفسية

مراحل النمو والفترات الحرجة

يقسم علماء النفس عملية النمو إلى مراحل منفصلة ومتتالية، وبالنظر إلى حياتنا نراها تمضي من مرحلة الرضاعة إلى مرحلة الطفولة وبعدها المراهقة ثم البلوغ والشباب ثم منتصف العمر وأخيرًا الشيخوخة.

وتنقسم حياة الإنسان إلى مراحل بناءًا على صفات مميزة لكل مرحلة يجعلها متباينة عن التي تسبقها أو تليها وليس من الغريب أن نستخدم مصطلح “مرحلة” في وصف مرحلة عمرية حيث يلاحظ أن الكثير من الآباء والأمهات يقصر استخدام كلمة “مرحلة” على الفترات السلبية فقط أو ما يراها سيئة من وجهة نظره كأن يصف المرحلة ما بين السنة الثانية إلى السنة الرابعة من العمر لما يراه من تمرد ومحاولات للاستقلال أثناءها بينما لا يشغل باله بوصف باقي مراحله العمرية بلفظة “مرحلة” إلا عند وصول ابنه إلى فترة المراهقة وبدء مرحلة أخرى من التمرد.. لذلك عندما نقول “مرحلة” فإننا نتحدث عن مدة زمنية يأخذ سلوك الإنسان حينها شكل معين ويمر جميع الأطفال بنفس المراحل بنفس الترتيب.

الفترات الحرجة للنمو

الفترات الحرجة للنمو هى فترات يمر بها الإنسان منذ بداية حياته داخل الرحم وهى أحداث هامة حتى يصبح فرد سوي، وترتبط الفترات الحرجة بشكل أساسي بالنمو الجسدي.

أول هذه الفترات: عندما يبلغ الجنين أسبوعه السادس أو السابع من حياته داخل الرحم الجنين في اسبوعه السادسبعد تخصيب البويضة وتأتي أهمية هذه الفترة أن خلالها تتشكل الأعضاء التناسلية للجنين وتعتمد في نموها وتحولها إلى أعضاء ذكر أو أنثى على تكون هرمونات الذكورة أو على عدم وجود هذه الهرمونات، فعند تكون هرمونات ذكورية تتحور الأعضاء إلى أعضاء ذكر وعند عدم تكون هرمونات ذكورية فساعتها تتحول الأعضاء إلى أعضاء أنثوية.. حتى لو تكونت الهرمونات الذكورية بعد ذلك فلن تكون له القدرة على عكس ما قد نما من تغيرات أنثوية.

ثاني هذه الفترات: هى فترة ما بعد الولادة لأنها ترتبط بالنمو الطبيعي لحدة الإبصار، فلو ولد رضيع بمرض المياه البيضاء (الكاتاركت، مرض يصيب عدسة العين ويحولها إلى جسم معتم مما يعيق دخول الضوء إلى شبكية العين ويمنع الرؤية) إذا ولد به الرضيع ولم يعالج من هذا المرض قبل بلوغه سبع سنوات فغالبًا ما يؤثر ذلك بالسلب على قدرته على الإبصار ويصعب علاجها بعد ذلك بينما لو عولجت مبكرًا فغالبًا لن يشكو من مشاكل في الإبصار لها علاقة بنفس المشكلة، لذلك يطلق على هذه الفترات “الفترات الحرجة” ومن المنظور النفسي فإن هناك من السلوكيات لو لم تنضج وتمارس بشكل سوي خلال المرحلة المتوقعة لها فإن ذلك يصعب بعد تجاوز تلك المرحلة.

على سبيل المثال فإن السنة الأولى من عمر الرضيع تكون حساسة للغاية لبناء ارتباط الرضيع بوالديه، كما أن سنوات ما قبل الدراسة تحظى بأهمية للنمو الذهني والقدرات العقلية الإستيعابية واكتساب المهارات اللغوية، فالأطفال الذين لم ينالوا قدرًا كافيًا من التدريبات اللغوية والزج بهم في مهام حوارية وإنشغال والديه عنهم بأمور الحياة ومشاهدته التليفزيون والإنترنت قبل عامهم السادس تتأخر قدراتهم التعبيرية ومهارتهم الاجتماعية عن غيرهم.. لذا فإن الخبرات التي يمر بها الطفل أثناء تلك الفترات الحرجة أو الحساسة غالبًا ما تشكل شخصيته المستقبلية وطريقة نموها والتي غالبًا ما يصعب تغييرها لاحقًا.

بالنظر إلى تتابع النمو الحركي: فإن كل الأطفال يمرون بنفس الترتيب بين تلك المراحل ولا يختل هذا التوالي أبدًا رغم أننا نثق أنه من الصعب تعرض كل الأطفال لنفس التدريبات والتمارين الجسدية التي يدربهم عليها الأمهات.. لذا فإن هذا الترتيب بين مراحل النمو الحركي هو أمر فطري محدد بشكل أساسي من خلال العوامل الوراثية التي يولد بها كل رضيع.

لكن هل جميع الأطفال الرضع يمرون بنفس الترتيب في نفس الفئة العمرية بنفس المعدل؟

لنجيب عن هذا السؤال سنتابع دراسة أجريت على مجموعة من الأطفال لقبيلة في أحد الدول الإفريقية من عادات هذه القبيلة أن تحمل الأمهات أطفالهن على ظهورهن من خلال ربطه بحزام على الظهر خلال الأشهر الأولى بعد الولادة.. ولطول فترة حملهم على الظهر وتقيد حركة هؤلاء الرضع بتلك الطريقة التي تحد كثيرًا من حركة الأذرع والأرجل لذا فإنه من المفترض أن يتأخر نشاطه الحركي عن أقرانه في المجتمعات التي ترحم أطفالها من هذا الأسلوب.

إلا أن الدراسة أثبتت أن أطفال هذه القبيلة يبدأون في المشى في نفس العمر الذي يبدأ غيرهم من الأطفال في المشى عنده والذين كانوا أحرارًا أثناء الأشهر الأولى من العمر ممارسين الكثير من حركات الأرجل والذراعين.

وبهذا أكدت الدراسة أن المهارات الحركية الأساسية لا تعتمد على ممارسات حركية متكررة حتى تتطور بل إنها ستسري في موعدها الصحيح، كما أن غياب الممارسات الحركية لا يعيق النمو الحركي المتوقع.

لكن ليس هذا كل ما أثبتته الدراسة لكنها أثبتت أمرًا هامًا آخر لا يتعارض مع الأمر الأول أثبتت الدراسة أن تشجيع الطفل على عمل تمارين حركية معينة قد يكون لها دور في قدرته على نمو حركته سريعًا وأن يسبق أقرانه ممن لم يقوموا بهذه التدريبات.

النطق:

يعتبر النمو اللغوي أكبر ممهد على التفاعل بين الموروثات الجينية (العوامل الوراثية) وبين البيئة المحيطة من أشخاص وأصوات يولد غالبية الرضع ولديهم القدرة على تعلم لغة على عكس الكثير من باقي الكائنات الحية وخلال المسار الطبيعي للنمو يتعلم اإنسان الحديث لكنه لا يستطيع النطق إلا بعد الوصول لمرحلة معينة من نمو الجهاز العصبي.

لذلك فإن معظم الأطفال لا يستطيعون التعبير في صورة جمل قبل بلوغهم السنة الأولى من عمرهم، فمن الملحوظ أن الرضع الذين ينشأون بين أفراد يحاولون التحدث إليهم مرارًا ويقدمون مكافآت لهم عند محاولة إحداث أى صوت أو المكافأة في صورة تقبيل أو ضمه إلى الصدر أو التهليل له أو أى من غيرها مما تبعث السرور على الطفل، فإن هؤلاء الرضع غالبًا ما ستكون لهم القدرة على النطق في سن مبكر عن أقرانهم ممن افتقدوا نفس الرعاية.

ومن نافلة القول أن نذكر أن الرضيع سيتعلم ومن بعدها يتحدث لغة أهله فإن نشأ في بيئة عربية فسيتحدث اللغة العربية وبنفس “لهجة” والديه وبيئته فإن مسألة النمو اللغوي عند الأطفال تعتمد على الطبيعة الوراثية بالإضافة لتأثير البيئة أيضًا.

One thought on “مراحل النمو والفترات الحرجة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *