الخميس, نوفمبر 21, 2024
التحليل التفاعلي

3 تحليل الألعاب

الباب الأول/ الفصل الأول

تحليل الألعاب

 

الفصل الأول: التحليل التكويني
ملاحظة الأنشطة الاجتماعية التلقائية – في أنواع خاصة من مجموعات العلاج النفسي بالذات – أظهرت أنه من حين إلى آخر يـُبدي الناس تغيرات واضحة في وضعية الجلوس، ونبرة الصوت، والكلمات المستخدمة، وغيرها من النواحي السلوكية. هذه التغيرات عادة تكون مصحوبة بتحول شعوري. فلدى شخص ما تكون مجموعة معينة من الأنماط السلوكية موازية لحالة عقلية واحدة، في حين تكون مجموعة أخرى متعلقة بحالة نفسية أخرى، غالباً تكون متضادة مع الحالة الأولى. هذه التغيرات والاختلافات أوجدت فكرة “حالات الذات”.

     تقنياً، يمكن وصف حالة الذات ظاهرياً بأنها منظومة متماسكة من الأحاسيس، وعملياً بأنها مجموعة من الأنماط السلوكية المترابطة. بشكل عملي أكبر، هي منظومة من الأحاسيس مصحوبة بمجموعة من الأنماط السلوكية الموازية لها. لكل إنسان عدد محدود ليلعبه من تلك الأدوار الذاتية، وهي ليست مجرد أدوار بل هي حقائق سيكولوجية، ويمكن تصنيفها على حسب تلك الأدوار إلى:
1. حالات الذات التي تمثل الشخصيات المربية له.
2. حالات الذات التي تتجه باستقلالية نحو تقدير الواقع.
3. حالات الذات التي تمثل آثاراً عتيقة باطلة نشأت من زمن الطفولة ومازالت نشطة.
تقنياً تسمى تلك الحالات تباعاً: الذات الخارجية Exteropsychic والذات الجديدة Neopsychic والذات القديمة Archaeopsychic ، وبالعامية يطلق عليهم ظاهرياً: حالات ذات المربي، والراشد، والطفل، وهذه المصطلحات البسيطة تفي بالغرض في جميع المناقشات عدا تلك الرسمية.
أي إنسان في أي تجمع اجتماعي يُـبـرز واحدة من حالات الذات الثلاثة، إما المربي أو الراشد أو الطفل، ويمكنه – على درجات متفاوتة من الاستعداد – أن  يقوم بالتحويل من حالة ذات إلى أخرى. هذه الملاحظات كشفت عن عبارات تشخيصية معينة، “هذه هي حالتك كمربي” تعني “أنت الآن في نفس الحالة العقلية كما كان أحد والديك (أو شخص حل محلهما)، وأنت تستجيب مثله، بنفس الهيئة وبنفس الحركات والكلمات والأحاسيس، إلخ…”، “هذه هي حالتك كراشد” تعني “أنت الآن تقوم بتقييم الموقف بطريقة استقلالية وموضوعية، وتقوم بالإعراب عن أفكارك والمشاكل التي تواجهك والاستنتاجات التي تصل إليها بأسلوب غير ضار أو مجحف” أما “هذه هي حالتك كطفل” فتعني “إن سلوكك ونواياك خلف ردود أفعالك هي ذاتها كما كانت وأنت لا تزال طفلاً صغيراً”.
المضمون:

  1. أن كل إنسان كان له مُـربون، أو بديلون لهما، وهو يحمل في داخله مجموعة من حالات الذات التي تعيد إنشاء حالات ذات هؤلاء المربون – كما استوعبها هو – وهذه الحالات يمكن تنشيطها تحت ظروف معينة (الشغل الذاتي الخارجي أو “المربي”)، بكلمات أسهل: “كل إنسان يحمل مربيه في داخله”.
  2. أن كل إنسان – بما فيهم الأطفال والمتخلفين عقلياً والمنفصمين شخصياً – قادر على معالجة المعلومات بموضوعية إذا تم تنشيط حالة الذات الملائمة (الشغل الذاتي الجديد أو “الراشد”)، بكلمات أسهل: “كل إنسان في داخله راشد”.
  3. أن كل إنسان كان يوماً ما طفلاً صغيراً، وهو يحمل في داخله آثاراً قديمة تأصلت بداخله منذ تلك المرحلة من العمر، والتي سوف تنشط تحت ظروف معينة (الشغل الذاتي القديم)، بكلمات أسهل: “كل إنسان يحمل في داخله طفلاً”.

في تلك النقطة يجب أن نقوم برسم الشكل (أ)، والذي يسمى “شكلاً تكوينياً”، وهو شكل يجمع الشخصية الكاملة لأي إنسان، وتشمل حالات ذاته كمربي وراشد وطفل، وتم الفصل بينهم بحذر لأنهم مختلفين تماماً عن بعضهم البعض، ولأن غالباً يكونوا متضادين ومتضاربين فيما بينهم، يمكن ألا تكون الفروقات بينة وواضحة للملاحظ قليل الخبرة، ولكن سرعان ما تكون ممتعة ومثيرة للإعجاب للذي يتجشم عناء دراسة علم التشخيص التكويني. على سبيل التسهيل والتبسيط، سوف نستخدم كلمات: مربي وراشد وطفل – بدون علامات تنصيص – لوصف الناس فعلياً بذلك، أما “المربي” و “الراشد” و “الطفل” – بعلامات التنصيص – فهؤلاء يشيرون لحالات الذات الثلاثة. يوضح الشكل (ب) نموذجاً مبسطاً للشكل التكويني

قبل أن ننهي الحديث عن التحليل التكويني، يجب توضيح بعض الـمُبهمات:

  1. كلمة “طفولي” أو “صبياني” لا تستخدم أبداً في التحليل التكويني، حيث أنها تحمل مفهوماً مكروهاً أو تدل على تصرف لابد أن تكف عنه في الحال أو تتخلص منه. لوصف “الطفل” يستخدم التعبير “كأنه طفل”، حيث أن له دلالة بيولوجية أكبر، وليس مؤذياً. في الحقيقة إن “الطفل” هي أكثر الأجزاء قيمة من الشخصية، ويمكن أن تساهم في حياة الطفل بنفس الطريقة التي يساهم بها الطفل في الحياة الأسرية: الحلاوة والبهجة والإبداع، أما إذا كان “الطفل” داخل الإنسان حيراناً أو معتلاً فذلك قد يؤدي لنتائج مؤسفة، ولكن يمكن ويجب أن يُـفعل شيء حيال ذلك.
  2. نفس الأمر ينطبق على كلمتي “ناضج” و “غير ناضج”. فوفقاً لهذا النظام لا يوجد أي إنسان غير ناضج، بل يوجد فقط أشخاص يغلب “الطفل” على شخصياتهم بشكل غير ملائم أو غير نافع، ولكن لكل منهم شخصية “راشد” كاملة ومنظمة تنتظر أن تنشط ويكشف عنها الستار. وعلى العكس، فمن يطلق عليه “شخص ناضج” هو الذي تتحكم شخصيته الراشدة به معظم الأحيان، ولكن يأتي الوقت الذي تنشط فيه “الطفل” من حين لآخر كغيره من الناس، وعادة تكون النتائج محرجة.
  3. يجب التنويه إلى أن “المربي” له صورتان: صورة مباشرة كحالة ذات نشطة وأخرى غير مباشرة كتأثير. عندما تكون نشطة بشكل مباشر يستجيب الشخص كما كان يفعل أبوه (أو أمه) فعلاً (“اِفْعَل كما أَفْعَل”) وعندما تكون تأثيراً غير مباشر فهو يستجيب كما كانوا يريدونه أن يفعل (“لا تفعل ما أفعل، بل أفعل ما أقول”) في الحالة الأولى يصير واحداً منهم، وفي الحالة الثانية يتلاءم مع احتياجاتهم.
  4. بالتالي فــ “الطفل” أيضاً لها صورتين: “الطفل المتلائم” و “الطفل الطبيعي”، أما المتلائم فهو الذي يقوم بتعديل سلوكه تحت تأثير مربيه، فيتصرف كما يريده أن يفعل: السمع والطاعة أو النضج المبكر مثلاً، وإما يلائم نفسه بالانسحاب والأنين. إذاً فالتأثير الأبوي هو الـمُسَبِب والطفل المتلائم هو الـمُسَبَب. وأما “الطفل الطبيعي” فهي تعبير تلقائي: التمرد أو الإبداع، مثلاً. يظهر إثبات التحليل التكويني في حالات الثمل من الكحول، في الغالب يقوم بتعطيل “المربي” أولاً، ليصبح “الطفل المتلائم” حراً من تأثير المربي، ويتحول من ذلك إلى “الطفل الطبيعي”

     أحياناً (ولكن نادراً) يستلزم الأمر أن نخالف ما تم ذكره في الأعلى من أجل تحليل أكثر فعالية للألعاب فيما يخص تكوين الشخصية.
حالات الذات ظواهر فسيولوجية طبيعية. مخ الإنسان هو العضو المسئول عن تنظيم الحياة النفسية، وما ينتجه يتم تنظيمه وتخزينه على هيئة حالات الذات. هناك فعلاً أدلة واقعية على ذلك في النتائج التي توصل إليها “بين فيلد” ومساعديه. توجد نظم تصنيف أخرى على مستويات متعددة منها الذاكرة الواقعية، ولكن الصورة الطبيعية للخبرات الحياتية نفسها تعكسها التحولات بين الحالات العقلية. لكل نوع من حالات الذات قيمة حيوية خاصة للإنسان.
في “الطفل” نجد البديهة والإبداع، والانطلاق والمتعة التلقائية.
“الراشد” ضرورية لبقاء الإنسان، فهي تعالج المعلومات وتحسب الاحتمالات اللازمة للتعامل بكفاءة مع العالم الخارجي، وهي أيضاً تواجه أنواعاً خاصة من العقبات، وشعوراً بالرضا والسعادة. على سبيل المثال: عملية عبور طريق سريع مزدحم تطلب معالجة سلسلة معقدة من المعلومات حول سرعة السيارات، ويتم تأجيل العملية حتى يتم استنتاج احتمال الوصول للناحية الأخرى من الطريق بأمان. الشعور بالرضا والسعادة الذي يلي هذه الحسابات الناجحة يعادل متعة ممارسة الرياضات الترفيهية الحركية كالتزلج والطيران والإبحار. توجد وظيفة أخرى لــ “الراشد” وهي تنظيم مدى نشاط “الطفل” و “المربي” والتوسط بينهما بموضوعية.
“المربي” لها وظيفتان أساسيتان؛ الأولى: أنها تمكن الإنسان من التصرف بفعالية كمربي حقيقي لأطفال حقيقيين، ومن ثم فهي تدعم بقاء الجنس البشري، وتتضح قيمتها من ذلك المنظور في مجال تربية الأطفال: حيث يعاني من تيتموا صغاراً في حياتهم أكثر ممن عاشوا في أسر مترابطة حتى سن المراهقة. أما الوظيفة الثانية: فهي تجعل الكثير من الاستجابات تلقائية واوتوماتيكية، وهذا يوفر كماً كبيرا من الوقت والطاقة، فتقوم بالكثير من الأشياء بسبب أن “هذه هي الطريقة التي تُقام بها”، وهذا يحرر “الراشد” من ضرورة اتخاذ قرارات تافهة لا تعد ولا تحصى، ليكرس نفسه لقضايا أكثر أهمية، تاركاً الأمور الروتينية لــ “المربي”.
إذاً فالنواحي الثلاث للشخصية لها قيمة مصيرية وحياتية، ولا تظهر الحاجة لتحليلها وإعادة تنظيمها إلا إذا أخلت واحدة منهم بالتوازن الصحيح، فيما عدا ذلك فكل واحدة من الثلاثة: “المربي” و “الراشد” و “الطفل” لها نفس القيمة والتقدير، ولها دورها المشروع في عيش حياة كاملة ومنتجة.