ماذا يمكن أن يتعلم علم النفس من دراسة الشكوك “الوساوس” الدينية؟
وفي نفس الوقت فإن مجال علم النفس غير الاعتيادي لديه ما يتعلمه من دراسة الشكوك وكما لاحظت Foa وزميلاتها أن ليس كل أعراض اضطراب الوسواس القهري تستجيب بنفس الدرجة للعلاج السلوكي القياسي وأن المرض الذي يتميز بوجود أفكار يتم المغالاة في تقييمها يكون شكلاً مقاومًا للاضطراب وهذه الأفكار تعني الوساوس التي لا تبدو دائمًا بلا معنى للمريض والممارسة الإكلينيكية ترى هذه الأفكار واقعة بين التفكير الوسواسي (والذي يرى الفكرة بلا معنى أو غير معقولة) والضلالات (إدراك خاطئ كلية.. فمثلاً تعتقد أن حامل بريدك الالكتروني عميل للـ CIA ) وفي رأيي طبقًا للناحية النظرية والإكلينيكية للشكوك (الوساوس) فإن الشكوك تقاوم التغيير لأن طبيعتها الدينية تضع معظمها ضمن الأفكار المقيّمة بشكل مبالغ فيه Over valued ideas أو بمعنى آخر فإن الشخص يرى المخاطر شديدة في الشك الديني (فمثلاً الخلاص يعتمد على كون الشخص يتصرف بطريقة صحيحة)..
لدرجة أن انعدام معنى السلوك يكون غير واضح كما أن الإيمان ذاته يتطلب البحث وراء التجارب الحسية والمعنى السطحي للواقع فالمرضى دائمًا يعلمون أن قرناؤهم لا يتصرفون مثلهم ولكن الخلاص الديني هو تجربة فردية فهل يمكن للشخص أن يأخذ الفرصة ويتجاهل ذلك الصوت الداخلي؟).. ولذلك فإن النواحي الدينية للشكوك (الوساوس) تخلق محركًا للدافعية نحو الأعراض والتي تصبح أفكارًا مقيّمة بشكل مبالغ فيه وتكون مقاومة للتغيير.. وعلى هذا فإن علم النفس غير الاعتيادي (المرضي) يمكن أن يتعلم من حكمة الطريقة الكنسية في التعامل مع هذه النوعية من الأفكار وقد استعرضنا سابقًا طريقة الطبيب النفسي Greenbery لتطبيق التعرض ومنع الطقوس عند الأشخاص المتدينين وهذا يعني استشارة أحد رجال الدين أو الروحانيين لاكتشاف إن كانت سياسة محددة في العلاج مسموح بها أم لا وهذا يضمن كلاً من حكمة الممارسات الكنسية القديمة مع العلاج السلوكي الحديث..
وهذا يوضح نموذجًا هامًا في علاج الأفكار المقيّمة بشكل مبالغ ألا وهو الجمع بين الطريقة الكنسية القديمة والعلاج السلوكي.. وينصح بإجراء أبحاث تجريبية أخرى لتأكيد فاعلية هذه الوسيلة العلاجية.. ويتطلب العمل الإكلينيكي وسائل للاستشارة تقدر وجهة نظر المريض الدينية..
وهذا البحث قد فات ميعاده وبعض الأعمال الابتدائية تشير إلى فاعلية هذه الطريقة وقد درست Rebecca Propst مع زميلاتها علاج مرضى مصابين بالاكتئاب وكانوا متدينين وقد وجد أن إدخال معتقدات المرضى الدينية في الاستشارة المعرفية والسلوكية أو في الاستشارة الكنسية القياسية أدى إلى الشفاء بشكل أسرع من استخدام وسائل استشارية قياسية بدون استخدام معتقدات المرضى الدينية والأمر المثير هو أن استخدام معتقدات المرضى الدينية كان فعالاً حتى إن كان المستشارون ملحدين.
إذن الدراسة العلمية للوساوس تفيد كلاً من علم النفس غير الاعتيادي (المرضي) والاستشارة الكنسية وأنا أتمنى أن يكون هذا البحث قد أوضح الوسائل العلاجية الحالية والتي تسمح لنا بتخطي استنتاج الأب Tesson الذي كان حزينًا منذ ثلاثين عامًا لأننا لم نتقدم في علاج الشكوك (الوساوس) عما كنا عليه في القرن السابع عشر.. وكل الأبحاث السلوكية الآن تركز على الوساوس والأفعال القهرية الدينية ضمنًا مع اضطراب الوسواس القهري ولذلك فنحن مازلنا في حاجة لمعرفة وسائل خاصة بالشكوك وبما أن الشكوك (الوساوس) الإكلينيكية تأتي ضمنًا مع اضطراب الوسواس القهري فإنه ليس لدينا سببًا لنشك في فاعلية الوسائل العلاجية المستخدمة وحقيقة أن الأدوية التي تستخدم لعلاج اضطراب الوسواس القهري تقلل الشكوك (الوساوس) وتؤكد احساسنا بالتفاؤل..
وفي نفس الوقت فإن هناك الكثير من الأمور التي لا نزال نجهلها فمثلاً إدراكنا للأسباب الحيوية للمرض يبقى مبهمًا بالرغم من التقدم الهائل لعلم الكيمياء الحيوية وتصوير المخ إلا أن تقدم الوسائل الحيوية والنفسية والاجتماعية والروحية في العشر أو الخمسة عشر عامًا الماضية يوعدنا بمزيد من التفهم لهذا المرض المزعج وسيكون هذا البحث ناجحًا إن قام بتشجيع مرضى الشكوك (الوساوس) والمؤتمنين على رعايتهم للقيام بفحص دقيق لسياسات التغيير المتاحة..