الثلاثاء, ديسمبر 3, 2024
إضطرابات الأطفال النفسية

الحركات اللا إرادية عند الأطفال

“اللزمات  أو العرات العصبية”

 

ماهي اللزمات العصبية؟

اللزمات العصبية  هي عبارة عن حركات غير طبيعية لا إرادية غالباً ما تصيب عضلات الوجهة والرقبة أو الأحبال الصوتية والحنجرة ويؤدي ذلك إلى نشأة حركات مفاجأة ومتكررة ونمطية لكن ليس بالضرورة أن تكون منظمة.

من هذه الحركات الغريبة:

  • رمض العينين (ما يسمى الرمش أو البربشة) أو الجز على العينين ومحاولة عصرهما
  • هز الرأس وتحريكها لليمين أو لليسار أو لأحدهما فقط
  • عمل حركات بالفم
  • وغيرها الكثير

وهناك نوع من اللزمات العصبية يسمى باللزمات الصوتية وتظهر على الطفل في عدة صور مثل الصوت الذي يحدث عند محاولة تنظيف الحنجرة (أحق أحق …أحح  أحح) أو صوت مثل الشخير  أو صوت نحنحة أو كحة متكررة.

هذه الحركات والأصوات ناتجة عن إنقباضات سريعة للعضلات مما يؤدي إلى صدور تلك الحركات أو الأصوات غير المعتادة ان تحدث بهذه الصورة  بشكل متكرر ، وبالطبع فإن ذلك يحدث بشكل غير إرادي  لكن رغم ذلك فإن عددًا من الأطفال قد يستطيع أن يقاومها لفترة من الوقت. وتظهر تلك الحركات والاصوات تحت العديد من المسميات الطبية اللت سنتناولها بقدر من التفصيل ومنها:

  • متلازمة توريت

  • إضطرابات اللزمة الحركية المزمنة

  • إضطرابات اللزمة الصوتية المزمنة

  • إضطراب اللزمة العصبية العابر

تشبة اللزمات العصبية في شكلها الحركات اليومية التي يؤديها الطفل أثناء ممارسة حياته لكن ساعتها دون هدف  وبصورة إضطرارية.

 

هل هناك إضطرابات نفسية تصاحب الإصابة باللزمة العصبية؟

إضطراب الوسواس القهري في الأطفال من الإضطرابات التي تصاحبها نسبة تصل إلى ثلثي الأطفال المصابين بمتلازمة توريت، ولأن للوسواس القهري أعراض كثيرة فغالباً ما تكون أعراض الوسواس القهري في هؤلاء الأطفال تتمثل في أعراض وساوس الترتيب والتماثل والعد واللمس القهري للحوائط أو الأعمدة، ويختلف الأمر في الأطفال المصابون بداء الوسواس القهري لكن لا يعانون من متلازمة توريت فتغلب عليهم أمراض أخرى مثل وساوس القذارة والتلوث أو وسواس إصابة الآخرين بأذى بأي طريقة كانت.

 

أنواع اللزمات العصبية

هناك نوعان أساسين للزمات العصبية:

  • اللزمات الحركية
  • اللزمات الصوتية

وكلا النوعين  يمكن أن يظهر في صورة مركبة أو بسيطة

والمقصود بالحركة البسيطة هو الانقباض السريع المتكرر لمجموعة من العضلات تؤدي وظيفة مماثلة كأن تكون كل المجموعة تساعد على حركة في إتجاه واحد أو تؤدي وظيفة مشابهة… على سبيل المثال:

  • إرتجاف العينين (البربشة)
  • تحريك الرأس
  • تحريك الكتف
  • أو  عمل حركات بالفم وغيرها.

أما الإضطرابات الحركية المركبة فتبدو  وكأنها عمل له هدف  وليس حركة عفوية  وهي  بالطبع حركة من الحركات المعتادة اليومية  في حياة الطفل، فيبدو الطفل لمن يراه وكأنه:

  • يتجمل أو يحاول التعديل من مظهره  العام (مثل المسح على الشعر أو خفض الرأس للنظر إلى المرآه أو التمايل يمنة ويسره).
  • يتكرر من الطفل شم  الأشياء  بصورة متكررة ؛ شم الأصابع ، شم الأطعمة، شم الأطفال، شم الجوارب، شم الصابون.
  • القفز المتكرر وسلوكيات لمس الأشياء بشكل متكرر.
  • محاولة تقليد ما يراه الطفل من حركات يقوم بها شخص ما أمام الطفل (echopraxia)
  • سلوكيات الطفل حركات جنسية فاحشة قذرة (copropraxia)

بينما اللزمات الصوتية تظهر في صورة:

  • لزمات صوتية بسيطة:  مثل الكحة أو  صوت تنظيف الحلق (أحح-أحح) أو صوت يشبه صوت الشخير أو يصدر صوت كالنباح.
  • لزمات صوتية مركبة: تتضمن تكرار كلمة أو جملة والتي غالباً ليس لها علاقة بالموقف الذي يعيشه الطفل في لحظة حدوث اللازمة، أو تكرار  الطفل للتلفظ بكلمات أو عبارات بذيئة (coprolalia) أو تكرار الطفل لكلماته  (palilalia) أو  تكرار الطفل لآخر كلمة سمعها من شخص آخر  (echolalia).

 

لكن؛ هل فعلاً إرادية؟

عند عدد من الأطفال تختفي اللزمات العصبية  حيناً وتظهر حيناً آخر  وهذا ما يجعل الوالدين يشكون  في مسألة كون هذه الحركات “لا إرادية” من ثم يعتقدون أن الأمر تحت سيطرة و لكنه يتلاعب بهم، لكن من الأطفال من يستطيع أن يقاوم تلك الحركات لفترة قد تستمر لدقائق أو حتى ساعات لكن عدد ليس بقليل منهم –خاصة صغار السن- لا يقوى على مقاومة اللزمات العصبية. وبدون تدخل أو إجتهاد من الطفل فإن شدة الأعراض عادة ما تقل أثناء النوم (أو حتى قد تختفي تماماً )  أو مع فترات الاسترخاء أو الانشغال بالأنشطة التي تمتع الطفل كاللعب مثلاً.

 

متلازمة توريت 

في عام 1885 وصف العالم الفرنسي يدعي “دو لا توريت” أعراض تكررت في عدد توريت متلازمةكبير من مرضاه يشتكون  من حركات لا إرادية في مناطق عدة من الجسم مثل عضلات الفم والوجه وإصدار أصوات غريبة وألفاظ بذية بشكل متكرر.

لكن ماهي متلازمة توريت؟

هي أحد الإضطرابات العصبية التي تظهر بشكل واضح في مرحلة الطفولة والمراهقة (أي قبل سن الثامنة عشر) تظهر بعدد من السلوكيات الحركية المتكررة واللا إرادية ويصاحبها على الأقل أحد اللزمات الصوتية .

ماهي أعراض هذا الإضطراب وكيف يتم تشخيصه؟

السنة السابعة من عمر  الطفل هو الغالب الذي تظهر فيه الأعراض وقلنا الغالب لأنه قد تسبق السنة الرابعة او تتأخر عنها، وقد تظهر أي من اللزمات العصبية في سن مبكرة عن السنتين، ولا يبدأ ظهور أعراض متلازمة توريت بعد السنة الثامنة عشر من العمر.

عادة ما تبدأ الحركات اللا إرادية في منطقة الوجه والرقبة وبمرور الوقت تمر بمنطقة الجذع والأطراف والبطن. لكن أهم اللزمات التي تشغل الجميع هي ما تصيب منطقة الرأس والوجه والأطراف، كذلك ما تصيب عضلات الجهاز التنفسي والهضمي. وعندما تسري النبضات الحركية في المناطق السابقة فإن الطفل يعبر عنها في صورة حركات بالفم أو ظهور تجاعيد في الجبهة أو رفع الحواجب أو رمش العينين أو الغمز بالعينين أو حك الأنف أو تحريك فتحاته  وشد عضلات الوجهة لإظهار الأسنان أو قد يعض على الشفاة أو قد يخرج لسانه أو قد يحرك الفك السفلي للأمام أو هز الرأس وكأنه يقول “أيوه” لكن بشكل متكرر أو هز  الرأس بأي طريقة أخرى أوحتى صدمها في أي شيء أمامه.

قد تظهر اللزمة في منطقة الرقبة كأن يلوي عنقة كأنه ينظر على أحد جانبية (لكن كما قلنا بشكل متكرر) كما قد يعاني المريض من هز اليدين أو الذراعين  أو “طرقعة” الأصابع أو لف الأصابع وطيها ، أو أن يقبض يديه أو يحرك كتفيه أو قدميه أو ركبتيه أو أصابع الرجل، أو يمشي بطريقة غريبة أو يلوي جسده خاصة منطقة الجذع أو ان يقفز.

كما قد تظهر تلك الأمور اللا إرادية في صورة نوبات من الفواق (الزغطة) أو التنهد أو التثاؤب أو إصدار أصوات النفخ أو الصفير أو التجشؤ أو المص أو المضغ.

عادة ما يسبق ظهور اللزمات مجموعة من العلامات المرضية مثل صعوبة التركيز وسرعة الغضب والتوتر والعصبية من اتفه الأسباب ثم يتبع ذلك إرتجاف العينين ثم حركات الرأس أو الوجه، وغالباً ما يبدأ المريض في تكرار التلفظ بألفاظ بذيئة في بداية عمر المراهقة وتظهر في ثلث الحالات المصابة تقريباً وهذا ما يحدث على المستوى الظاهري لكن هناك عدد من المرضى يعاني من الانشغال بتلك الألفاظ في ذهنه بشكل مفاجئ ومتكرر فيقتصر الأمر لديه على التفكير في كلمات أو أفعال بذيئة لكنه لا يتلفظ بها.

في الحالات الشديدة قد يؤدي حدوث تلك اللزمات إلى بعض الإصابات في  الجسم.

كما أن المصابين بمتلازمة توريت  غالباً ما يعانون من أفكار وسواسية أو أفعال قهرية وصعوبة في المحافظة على التركيز ومن ثم يصبح الطفل سهل التشتت ومنهم من يعاني من إضطرابات في الشخصية لاحقاً. لكن بمتابعة عدد كبير من حالات مرضية تعاني من متلازمة توريت لوحظ أن مشكلة ضعف التركيز غالباً ما تسبق ظهور أعراض اللزمة العصبية بينما يتأخر ظهور الأعراض الوسواسية القهرية لما بعد ظهور اللزمة العصبية وحتى الآن لم يتأكد دليل على سبب حدوث تلك الوساوس ؛ هل بسبب حدوث اللزمة العصبية، أم أن هناك خلل ما أدى إلى ظهور المرضين معاً في نفس الطفل؟!!

من اللزمات العصبية  ما قد يصاحبها أفعال عدائية أو جنسية غير لائقة قد تؤدي إلى عواقب إجتماعية لا يرضاها الجميع؛ لذلك يمكننا القول أن حدوث اللزمات العصبية هو حالة من فقد السيطرة والتحكم في السلوك على مستوى الوعي واللا وعي مما يؤدي إلى نشأة سلوك إندفاعي غير محسوب وعدم القدرة على منع الأفكار والخواطر غير المناسبة لتتحول إلى أفعال.

عادة ما يعاني المريض من تاريخ مرضي لعدد من اللازمات الحركية السابق ذكرها وعلى الأقل واحدة  من اللزمات الصوتية وحتى يتم تشخيص متلازمة توريت فإنه يستوجب أن تظهر  اللزمات العصبية (الحركية منها والصوتية) عدة مرات على مدار  اليوم وبشكل مستمر –أو متقطع- لكن على مدار سنة على الأقل، وتظهر على شكل نوبات  لكن إذا ظهرت الأعراض بشكل متقطع فيجب ألا يكون هناك فترة خالية من اللزمات (الحركية والصوتية ) لمدة 3 أشهر متتالية.

  • يجب التأكد من عدم تناول المريض لأدوية أو مواد مهلوسة قد تؤدي إلى صورة مرضية مشابهة من قريب أو من بعيد لهذه المتلازمة، كما يجب التأكد أن هذه الأعراض ليست بسبب مرض عضوي يؤثر على قدراته الإدراكية والذهنية.

 

صورة لحالة مرضية تعاني من متلازمة توريت

                 حالة الطفل “ب”

“ب” ولد يبلغ من العمر 8 سنوات  في الصف الثالث الإبتدائي ، له عدد قليل من الأصدقاء؛ يشكو من حركات لا إرادية وزيادة في النشاط بالإضافة إلى سلوك إندفاعي  يجعله  يفعل عدد من السلوكيات غير المقبولة وبسبب تكرر تلك الأعراض عرضه والده على العيادة النفسية.

يشكو والديه –وكذلك مدرسيه- من نشاطه الزائد  ومن ضعف تركيزه وكذلك من سلوكه الاندفاعي …. ولكل هذه الأسباب فإن “ب” رسب في دراسته  وإعتاد على الدخول في جدالات كثيرة مع من يكبرونه سناً.

تعاني والدته  من نشاطه المفرط وتصرفاته المتهورة والتي بدأت في الظهور من قبل دخوله المدرسة فبينما لم يبلغ من العمر 5 سنوات وأثناء تواجده في رياض الأطفال تكرر طلب مدرسته من والدته أن تعرضه على طبيب متخصص بسبب سلوكياته الغير مقبولة ونشاطه المفرط الغير محتمل. بالفعل صحبه والده لعيادة طبيب أطفال وبعد الكشف عليه شخصه الطبيب على أنه يعاني من إضطراب فرط النشاط وقلة الإنتباه ووصف له العلاج اللازم ، وخلال أسبوعين فقط من الإنتظام على العلاج الموصوف شهد “ب” تحسناً ملحوظاً  فأصبح يستطيع البقاء في مقعده دون حركات زائدة بل استطاع أن يكمل واجباته في جلسة واحدة واستمر على ذلك التحسن لعدة أشهر.

أثناء عامه الأول في المرحلة الإبتدائيه  وخلال فصل الربيع بدأت تظهر عليه حركات لا يستطيع منعها؛ مثل تحريك رأسه وعمل حركات بوجهه وبدأ تكرار الكحة وصوت النحنحة …. وبعرضه على الطبيب أمر بالوقف الفوري للدواء الذي وصفه له مسبقاً بسبب زيادة النشاط.

وبينما كان “ب” دون دواء قل كثيراً معدل الحركات اللا إرادية لكنها لم تختفي. وبسؤال الأم عن أي أعراض أخرى من الحركات اللاإرادية تذكرت ساعتها أن “ب” كان من وقت لآخر يدخل في نوبات من إرتجاف العين، كما أنه كان يعاني من فترة لأخرى من لزمات صوتية مثل صوت تنظيف الحنجرة “أحح أحح” وأن هذه الأعراض كانت مصاحبة لزيادة النشاط والأندفاعية التي اشتكى منها مدرسته في رياض الأطفال… أي أن تلك الأعراض كانت موجودة قبل الكشف الأول لكنها لم تشكو ذلك للطبيب لإعتقادها ان ذلك لا يمثل اهمية بالنسبة للوضع الحالي.

دخل “ب” عامه الدراسي الثاني لكن بدون أدوية ، ولم تكن الأمور على ما يرام مما إضطر والده لنقله إلى مدرسه مؤهلة في التعامل مع الحالات المماثلة لكن والدته ألحت مراراً وتكراراً ليعيده إلى مدرسته الأولى وبالفعل أعاده والده إلى مدرسته الأولى مرة أخرى مع بداية العام الدراسي الثالث مما جعل أمر التأقلم مع الفصل الدراسي أمراً شاقاً على “ب”، فاضطر والده لعرضه على طبيب نفسي .

بالسؤال عن وجود أي مشاكل صحية حدثت للطفل “ب” قبل أو أثناء أو بعد الولادة فكانت الإجابة بالنفي.

كان “ب” ينمو بشكل طبيعي ، وكانت مهاراته الإجتماعية والإدراكية متناسبة مع عمره، وبعد خضوعه لإختبار ذكاء سجل معدل متوسط.

بالسؤال عن شهيته للطعام أفادت والدته بأنه يأكل بشكل جيد  لكنها شكت من إضطراب نومه وانه يستيقظ عدة مرات خلال الليل.

بالكشف على “ب”  هو طفل متوسط الطول والوزن…. يتكلم بسرعة لكن ليس هناك شيء غريب  فحديثه متناسق ويتناسب مع سنه ولم يلاحظ عليه أي أفكار غريبة، ولا يبدو عليه أي علامات الإكتئاب أو الحزن وينفي أي قلق أو خوف حول حياته اليوميه ومدرسته وزملاءه رغم إدراكه بما يمر به من مشاكل دراسية،: كما أنه ينفي وجود أي أفكار تزعجه حول مسألة النظافة أو أي ضرر قد يصيبه  أو يصيب أحد أفراد أسرته لكنه يشعر برغبه ملحة في لمس كل ما يحيط به 3 مرات على الأقل (بشكل قهري).

كما لوحظ على “ب” عدد من اللزمات أثناء فترة الكشف ؛ رجفة العين وحركات غريبة بالوجهة والفم وتحريك الرأس  وإصدار صوت نحنحة وصوت شخير .

كما لوحظ على “ب” نشاطه الزائد كما أنه يتشتت بسهولة.

ومن كل ما سبق فإن تاريخ “ب” المرضي بالإضافة للعلامات الظاهرة أثناء الكشف الطبي فإن أعراض متلازمة توريت تتواجد عند الطفل “ب” كما أنه يعاني من إضطراب فرط النشاط وقلة الإنتباه.

ماذا تم مع “ب”؟

على الرغم من أن العديد من الدراسات الحديثة تثبت أن الأطفال الذين يعانون من توريت علاجاللزمات العصبية – ومنها متلازمة توريت – لا يتأثرون بالأدوية المنبهة للجهاز العصبي (والتي تستخدم غالباً في علاج حالات فرط النشاط وقلة الإنتباه) إلا أن عدداً من الأطفال قد تزداد حالتهم  سوءاً بتعرضهم للأدوية المنبهة. لذا بدأ “ب” في تناول عقار “جوانفاسين” بجرعة نصف ملي جرام وتم زيادة الجرعة تدريجياً بمعدل  نصف ملي جرام  كل 5 أيام حتى وصلت الجرعة إلى 3 ملي جرام مقسمة على 3 مرات خلال اليوم (كل جرعة 1 ملي جرام) وكان يتم متابعة ضغط الدم والنبض ومتابعة شهية الطفل بشكل منتظم.

وبمتابعة اللزمات العصبية وتسجيل ذلك بمرور الوقت تم تعديل الجرعة بعد أسبوعين حتى ظهر التحسن تدريجياً.

لم يكن ذلك كل شيء؛ بل أن والدي “ب”  نالا قدراً هاماً من التثقيف الطبي حول طبيعة متلازمة توريت وعن مرض فرط النشاط وقلة الإنتباه وتدربا على التعامل مع هذين الداءين، وكان من أهداف التدريب والتثقيف أن يستطيع الوالدين أن يميزا بين اللزمات العصبية وبين السلوكيات الناتجة عن عدم الإنصياع للأدب والأعراف (أي ما كان برغبة الطفل) وكذلك كان من أهداف التدريب هو تقويم تلك السلوكيات الغير مرغوب فيها وتشجيع “ب” على إلتزام السلوكيات الإيجابية. ولأن تقويم سلوكيات أي طفل يحتاج إلى تعاون كل من يشاركونه حياته اذ قام والديه بمقابلة مدرسيه وإخبارهم بتشخيص حالته المرضية  ليشاركوهم في البرنامج العلاجي.

ومع الاستمرار على العلاج الدوائي وبالمواظبة على الخطة العلاجية السلوكية التي وضعها الطبيب  شهد “ب” تحسناً ملحوظاً.

لماذا يصاب الأطفال بمتلازمة توريت؟

هناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى نشأة متلازمة توريت ومنها:

1.العوامل الوراثية

بإجراء العديد من الدراسات الجينية مثل الدراسات على التوائم أو حالات التبني (في المجتمع الأوربي) أكدت كلها الدور الواضح للعوامل الوراثية في نشأة هذا الإضطراب.

أثبتت الدراسات توافق كبير بين إنتشار الحالات في التوائم  أحادية البويضة وقد لوحظ إنتشار كل من إضطراب متلازمة توريت وإضطراب اللزمة العصبية المزمنة في نفس العائلات مما يعني إنتقالها بصفة وراثية، كما أن الأطفال لأمهات تعاني من متلازمة يكونون أكثر عرضة للإصابة بأحد  هذه الإضطرابات.

ينتقل داء متلازمة توريت من الوالدين للأطفال بطريقة الوراثة السائدة ولكن هذا لا يمنع أن البعض القليل قد ينتقل من خلال وراثة الجنيات المتنحية.

وأثناء الدراسات الجينية على مرضى متلازمة توريت وجد أن هناك علاقة بين متلازمة توريت وإضطراب فرط النشاط وقلة الإنتباه فوجد أن نصف الحالات – تقريباً- التي تعاني من متلازمة توريت تعاني أيضاً من فرط النشاط وقلة الإنتباه، ووجود أعراض فرط النشاط وقلة الإنتباه في نصف الحالات يؤكد وجود علاقة جينية بين الإضطرابين. كما أن 40%  من الحالات التي تعاني من متلازمة توريت تعاني من إضطراب الوسواس القهري.

كما أثبتت تللك الأبحاث أن أقارب المريض من الدرجة الأولى تزداد إحتمالية إصابتهم بنفس المرض  – أو غيرها من اللزمات العصبية –   أكثر من غيرهم.

2.دور النواقل والمراكز العصبية :

هناك العديد من القرائن التي تشير إلى دور نظام الدوبامين في ظهور اللزمات العصبية وكان من أول تلك القرائن  هو مدى تأثير العقاقير التي تحد من تركيز الدوبامين في الجسم (مثل العقاقير المضادة للذهان؛ هالوبيريدول-بيموزايد…) فإن هذه الأدوية لها القدرة على التقليل من حدوث نوبات اللزمات العصبية، كما وجد أن الأدوية التي تزيد من تركيز مادة الدوبامين خلال الجهاز العصبي المركزي (مثل عقار الامفيتامين وبعض الأدوية المستخدمة في علاج إضطراب فرط النشاط وقلة الإنباه) فإنها تؤدي إلى زيادة اللزمات العصبية.

        مع استخدام تقنيات حديثة جداً بإستخدام موجات الرنين المغناطيسي لدراسة مراكز المخ وجد أن نقص تركيز مادتي  الكولين ومركب إن ميثايل دي أسبرتيت في نواة بيوتامين اليسرى، كما أن هؤلاء المرضى يعانون من تركيز مركب  إن ميثايل دي أسبرتيت في كلا الفصين الجبهيين كما أن هناك إنخفاضاً في تركيز مادة الكرياتين على الجانب الأيمن من الدماغ وكذلك إنخفاض مادة ميو إينوستول على الجانب الأيسر وكل ذلك يؤثر بدوره على الأداء الوظيفي للأنسجة العصبية.

     هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى دور المكيفات الذاتية  التي تتولد ذاتياً في خلايا المخ وتم استنتاج ذلك بسبب ما لوحظ من تأثير العقاقير المثبطة لتلك المكيفات فمثلاً  عقار النالتريكسون  يحد كثيراً من حدوث اللزمات العصبية فضلاً عن تأثيره في معالجة قلة الإنتباه عند الأطفال الذين يعانون من متلازمة توريت.

      لوحظ ايضاً إختلال النظام النورأدريناليني في بعض الحالات والتي تحسنت بتلقي عقار كلونيدين وهو من منشطات الأدرينالين مما يؤدي بدوره إلى تقليل مادة النورإيبنفريين في خلايا الجهاز العصبي المركزي مما يؤدي إلى تثبيط نظام مادة الدوبامين سالفة الذكر.

   وفد يكون من الأسباب التشريحية إختلال العقد القاعدية والتي تؤدي نشأة حركات لا إرادية ؛؛ لذا قد يكون سبباً لنشأة عدد من الإضطراب مثل متلازمة توريت أو الوسواس القهري أو فرط النشاط وقلة الإنتباه.

إضطرابات اللزمة المزمنة

لإضطرابات اللزمة المزمنة شكلان أساسين:

  • إضطراب اللزمة الحركية المزمنة.
  • إضطراب اللزمة الصوتيـة  المزمنة.

لكي يتم تشخيص أحد هذه الإضطرابات لابد من خلو المريض من أعراض اللزمة الأخرى ؛ اي أن يتواجد في الطفل أعراض حركية أو صوتية فقط. وبالطبع قبل وضع هذا التشخيص لابد من التأكد من عدم إصابة المريض بمتلازمة توريت سابقة الذكر، كما يجب أن تبدأ الأعراض قبل سن الثامنة عشر .

بعض الأرقام

حتى الآن لا يوجد إحصائيات دقيقة حول هذا الإضطراب لكن يقدر إنتشار الإصابة باللزمة المزمنة بمائة ضعف  إلى ألف ضعف مدى إنتشار متلزمة توري. وأكثر الفئات العمرية تأثراً هم أطفال سن المدرسة…. لذا يقال أنه ينتشر بمعدل 1 إلى 2% من الأطفال.

لكن؛ لماذا يصاحب الأطفال به؟

لم يثبت حتى الآن دليل قاطع يشير إلى أسباب الإصابة باللزمات، لكن لوحظ أن المصابين بإضطراب اللزمة المزمنة مثلهم كالمصابين بإضطراب توريت يتواجد المرض وينتشر بين نفس العائلات وكذلك نتائج الأبحاث الجينية على التوائم التي تؤكد تورط العوامل الوراثية في نتائج عدد من إضطرابات اللزمة العصبية.

 

الصورة المرضية وطريقة التشخيص

غالباً ما تبدأ الأعراض في الطفولة المبكرة وغالبا ما يلاحظ قلة حالات اللزمة الصوتية المزمنة بالنسبة للزمة الحركية المزمنة.

  • يعاني المريض من واحدة أو أكثر من اللزمات الحركية أو الصوتية وتأخذ هذه الحركات نمط مميز كأن تكون مفاجأة سريعة متكررة –لها شكل ثابت-  وكذلك الحال في اللزمات الصوتية …لكن كما ذكرنا سلفاً فإن كلا النوعين لا يجتمعان في مريض واحد وإلا سُمّي بإسم آخر.
  • لابد أن تتكرر تلك اللزمة (أو اللزمات) عدة مرات يومياً وبشكل يكاد يكون يومي وعلى مدار سنة متصلة أي لم يمر خلال تلك الفترة لفترة (تقدر بـ3 أشهر متتالية) لم تعاني فيها من أي لزمات.
  • ولابد أن تصل شدة الإضطراب إلى درجة تعيق حياة المريض الإجتماعية والمهنية
  • تبدأ الأعراض قبل سن الثامن عشر

ويلزم التأكد من عدم إصابة الطفل بأي من إضطرابات ناتجة عن تعاطيه لمواد مخدرة أو أدوية أو بسبب مرض عضوي. 

غالباً ما تظهر اللزمة الصوتية المزمنة في صورة أصوات ليست عالية الشدة ولا تنتج من البداية بواسطة الأحبال لكنها أصوات نحنحة أو كحة أو ما ينتج تحريك عضلات القفص الصدري أو عضلات البطن وإنقباض الحجاب الحاجز.

 

الأعراض المصاحبة

غالباً ما يصاحب اللزمة المزمنة ما يعرف بإسم “قذارة الألفاظ على المستوى الذهني   mental coprolalia   وهي عبارة عن أفكار مفاجأة تخترق الذهن ليس لها معنى لكنها غير مقبولة إجتماعياً كالتلفظ بكلمات أو عبارات بذيئة لكنها تختلف عن الأفكار الوسواسية في كونها لا يحاول المريض مقاومتها أو تجاهلها كما يفعل مريض الوسواس (ارجع إلى باب الوسواس القهري على الموقع لمزيد من التفصيل)

 

هل هناك تشخيصات مشابهة؟

هناك العديد من الإضطرابات التي تظهر في صورة مشابهة لذا يجتهد الطبيب في التمييز بين إضطراب اللزمة المزمنة  وغيرها من الإضطرابات حتى يصل لتشخيص دقيق، ومن هذه الإضطرابات  المشابهة:

  • الوسواس القهري
  • إضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه
  • متلازمة أسبرجر
  • الفصام
  • اللزمات الناتجة عن تناول أدوية
  • الحركات الرقصية الشكل المصاحبة لبعض الإضطرابات العصبية
  • إضطراب القدم العصبية
  • مرض هانتنجيتون
  • مرض الشلل الرعاش.

 

هل سيظل طفلي هكذا؟

     بمتابعة عدد كبير من الحالات المصابة بداء اللزمة المزمنة وجد أن الحالات التي تبدأ عندها الأعراض في سن السادسة حتى سن الثامنة غالباً ما تشهد تحسناً ملحوظاً لكن بعد فترة من الزمن قد تطول لتمتد من 4 إلى 6 سنوات وغالباً ما تختفي الأعراض مع بداية مرحلة المراهقة.

 

العلاج

عند البدأ في العلاج يجب الأخذ في الإعتبار العديد من العوامل منها:

  • مدي شدة اللزمات ومرات حدوثها
  • مدى تأثيرها النفسي على المصاب
  • أثر ذلك على حياته الدراسية والإجتماعية أو العملية
  • وجود أي إضطرابات عقلية أخرى مصاحبة

العـــــــلاج الـنفسي :

للعلاج النفسي دور هام في الحد من العقبات الإجتماعية التي تحدث نتيجة معاناة المصاب من حدوث اللزمات ويمكن استخدام نفس الوسائل العلاجية التي تم ذكرها في علاج متلازمة توريت

 العـــــــلاج الــــــــدوائي:

من الممكن استخدام دواء هالوبريدول في العلاج  لكن بسبب آثاره الجانبية فإن الوضع يُقيّم مبدئياً للموازنة بين فائدة إستخدام الدواء والتخلص من الأعراض وبين الآثار الجانبية الناتجة عن استخدامه وللمريض وأسرته حرية الإختيار وإتخاذ القرار.

 

 

إضطراب اللزمة المؤقت (العابر)

عندما يعاني المريض من لزمة عصبية -صوتية أو حركية أو الأثنين معاً-  عدة مرات يومياً خلال مدة لا تقل عن 4أسابيع ولا تزيد عن 12شهر مع وجود أعراض تشبه أعراض متلازمة توريت، وتبدأ الاصابة بهذا الإضطراب قبل بلوغ سن الثامنة عشر.

لماذا يصاب الأطفال باللزمة العصبية المؤقتة؟

اللازمة العصبية الطارئةمن الراجح حتى الآن أن أسباب الإصابة بهذا الإضطراب قد تكون أسباب عضوية بالإضافة إلى الأسباب النفسية لكن ما تأكد مؤخراً أن اللزمات العصبية –بجميع أنواعها- تزداد سواءً في وجود ضغوط وتوترات نفسية لكن ليس هناك دليلاً أن هذه الضغوط هي السبب في ظهور الأعراض.

الصورة المرضية

حتى يتم تشخيص الاصابة بإضطراب اللزمة العابر يلزم وجود الآتي:

  • وجود واحدة أو أكثر من اللزمات الحركية أو الصوتية أو كليهما.
  • يعاني المريض منها عدة مرات يومياً وبشكل يومي بإستمرار لمدة لا تقل عن 4 أسابيع ولا تزيد عن 12 شهر  متتابعة (وأكثر من ذلك تشخص بإضطراب آخر)
  • بالطبع لا يوصف المريض بإصابته بالإضطراب العابر إذا كان قد شُخَّص على أنه يعاني من متلازمة توريت أو إضطراب اللازمة المزمن
  • يبدأ الإضطراب قبل سن الثامنة عشر.

هل سيظل طفلي هكذا؟

يعتبر إضطراب اللازمة الحركية العابر من الإضطرابات الشائعة بين الأطفال، ولله الحمد فغالباً ما تتحسن كثيراً في معظم الأطفال. وبمرور الوقت فإن هذه اللزمات (الحركية أو الصوتية) تختفي تماماً أو أنها تعاود الظهور من فترة لأخرى مصاحبة لتعرض المريض لضغوط وتوترات. لكن تبقى هناك نسبة صغيرة للغاية يتطور الأمر لديها ليصاب بإضطراب اللزمة المزمن أو متلازمة توريت

العلاج

علاج تلك الحالات العابرة يحتاج إلى شيء من الحكمة فحتى الآن لا يتوافر أي وسائل تنبؤية عند ظهور تلك الأعراض لمعرفة مصيرها؛ هل ستختفي أم تسوء…. لكن الإفراط في التعامل مع الموقف في الحالات البسيطة والمتوسطة قد يمثل في حد ذاته ضغطاً على الطفل الذي يشعر وكأن هناك أمراً خطيراً يداهمه… وساعتها سيصبح ذلك الإهتمام المفرط سبباً في تدهور حالة الطفل. لذا فـ “التجاهل هو الحل” لمثل هذا الحالات البسيطة والمتوسطة.، ولا  داعي للتدخل إلا في حالة وجود معاناة شديدة تعيق حياة الطفل الإجتماعية والأكاديمية والدراسية.

     الأطفال التي تعاني من إضطراب اللزمة العابر (أي مع بداية ظهور حركات لاإرادية) تحتاج في بادئ الأمر للعرض على طبيب نفسي بالإضافة إلى طبيب أطفال متخصص في الأمراض العصبية.

العـــــــلاج الـنفسي :

العلاج النفسي هو أكثر الوسائل الفعالة في علاج مثل هذه الحالات… يمكن استخدام طرق العلاج السلوكي التي تم ذكرها في علاج متلازمة توريت

 العـــــــلاج الــــــــدوائي:

يحتاج الطفل للعلاج الدوائي فقط في حالة وجود  إعاقة أو معاناة شديدة (نفس العلاج الدوائي السابق).

One thought on “الحركات اللا إرادية عند الأطفال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *